الثلاثاء 7 مايو 2024
ملفات الوطن الآن

كيف أصبح رمضان أكثر الأشهر نفاقا بالمغرب!

كيف أصبح رمضان أكثر الأشهر نفاقا بالمغرب!

عند حلول كل رمضان تطرح من جديد أخلاقيات التدين في المجتمع المغربي، وذلك على ضوء المقاصد الكبرى التي أحاطها التشريع الإلهي بفريضة الصيام. وبهذا الخصوص تفيد كل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية بأن جوهر المقاصد هو الإمساك عن كل الشهوات، وعن كل الأعمال التي من شأنها أن تلوث لسان المرء وسلوكه اليومي.
يقول الرسول الكريم َ«رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، ورُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَر». وفي حديث آخر «الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَلاَ يَرْفثْ وَلاَ يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائمٌ». وتأتي هذه الآيات تدعيما لقوله تعالى «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ».
من هنا تطرح الأسئلة حول ما إذا كان تدين الأفراد والمجموعات يهتدي بجوهر تلك النصوص، أم أنه يلتف حولها ليجعل التدين مجرد «لباس الراهب»، أي مجرد قناع يخفي الجوهر الخبيث في الإنسان، ومن ثم تتفجر تناقضات الظاهر والباطن في سلوك المغاربة؟
 للإجابة عن هذا السؤال لا بد أن نستحضر مظهرين أساسين في السلوك الرمضاني كما هو جلي في شارعنا العام.
l المظهر الأول يعطي الانطباع بتنامي الوعي الديني، وبتكاثر عدد المصلين في هذا الشهر، وبموازاة ذلك نسجل تنامي الإقبال على الأكل، وعلى التبضع بحيث تؤكد الأرقام أن هذا الشهر المعظم هو أكثر الأشهر إنفاقا لدرجة صار معها الأكل بمثابة عبادة تضاهي عبادة الصوم والصلاة.
l المظهر الثاني يقف على مكان النقيض من المظهر الأول، ذلك أن السلوك اليومي للعديد من الصائمين يبدو مخالفا لجوهر المقاصد الكبرى التي أشرنا إليها سالفا، والتي تفترض أن تطبيقها سيجعل مجتمعنا في درجة من العفة والطهارة قد تجعلنا نتصور أن «الملائكة» وحدهم  من يحلق في سماواتنا وعلى أرضنا، والحال أن الشارع يحيا بخلاف ذلك.
l إننا نلاحظ بهذا الصدد أن العديد من المصلين ما أن ينهضوا من صلاة التراويح حتى يعودوا إلى لوثة اللسان والعقل. إن جلهم لا يكتفي بالتنابز بكلمات الشتم والرذيلة، لكنهم يحترفون النميمة في أقرب المقاهي إلى المساجد، ويمارسون الغش وخيانة الأمانة والتكاسل في مقرات العمل، ويمارسون التدليس أثناء عمليات البيع والشراء، ولا يتوانون عن أكل لحم جيرانهم وزملائهم حيا.
l إننا نلاحظ أن العديد من الإدارات العمومية والجماعات «يسوط البرد» في مكاتبها في رمضان بسبب تغيب العديد من الموظفين بدعوى التعبد.
l إننا نلاحظ كذلك أن شهر رمضان المعظم هو أكثر الأشهر التي تتنامى فيها ظاهرة البغاء على الرصيف، وفي البارات والملاهي التي يتحول إلى أوكار للشيشة، ولاصطياد العاهرات، والقاصرات منهم على الخصوص.
هذه المظاهر، بطابعها المفارق، تتصارع في سلوكنا اليومي. ومن الطبيعي أن ينتصر جانب الشر على جانب الخير المفترض أن يكون هو المنتصر في رحاب الشهر الكريم، والنتيجة أننا نكون إزاء أكثر الأشهر نفاقا، وهو  ما يبعث بالفعل على القلق إزاء هذا الوضع الانشطاري.
ليس مصدر القلق التفكير في ضرورة قيام مجتمع طاهر سليم من الموبقات والرذائل بالمعنيين الديني والاجتماعي على اعتبار أن «المدينة الفاضلة» لا توجد إلا كحلم، أو كتعبير عن السمو نحو مراقي المطلق، ولكن مصدر القلق يعود إلى خطورة آثار هذا النفاق العام الذي لا تنحصر فقط في السلوك الرمضاني، بل تمتد لتصبح سلوكا على امتداد السنة ذا الانعكاسات السلبية في العلاقة مع العمل، ومع الدراسة، ومع المسؤوليات داخل إدارة الشأن العام.
إنه الخلل الذي يضخمه رمضان الكريم لينبهنا إلى أننا صرنا مجتمعا فاسدا على مستوى قيمه وعلى مستوى بنياته العميقة. وهذا بالضبط ما يسعى ملف هذا العدد لإثارته وطرح مخاطره للتداول العام، ولذلك ينبغي في تصورنا أن نتوجه لمحاصرة هذا العطب العارم عبر ثلاث قنوات:
l تجديد دور العلماء وأئمة المساجد في تنمية الوعي بحقيقة رمضان وبأهمية مقاصد الصيام في بلورة سلوك المؤمن وترجمة طهارة الصلاة في رمضان في السلوك اليومي للمواطن (في الدرب والمعمل والإدارة والشارع).
l تجديد دور وسائل الإعلام المرئية والمسموعة على الخصوص لتتوجه إلى إنتاج برامج التوعية بناء على رؤية  عصرية، وبمقاربة إبداعية تنبه إلى خطورة أن يظل رمضان بالمغرب شهر النفاق بامتياز.
l أما القناة الثالثة فتهم المناهج الدراسية انسجاما مع الرغبة الرسمية في بناء سلوك ديني منفتح على قيم التسامح.
إن هذه القنوات الثلاث  بمثابة ورش حيوي لا يقل أهمية عن باقي الأوراش الكبرى التي يباشرها المغرب في مجالات الصناعة والتعمير والاستثمار والربط الطرقي والسككي وغيرها. وسيكون من أهداف هذا الورش أن يردم الهوة السحيقة بين الظاهر والباطن في أخلاقيات التدين. وإذا تحقق ذلك نكون بالفعل قد صغنا قراءة معقولة للنص الديني، وتمثلا صائبا لمعنى الإمساك عن الشهوات، وعن كل مظاهر الفساد الفردية والجماعية التي تعيق إمكانيات التطور في بلدنا الناهض. آنذاك فقط نكون قد تجاورنا عتبة القلق، وصرنا مطمئين نسبيا على حاضر ومآل مجتمعنا المغربي.

 

فاطمة زهيد، أستاذة جامعية وفاعلة مدنية

 

البعد عن قيمة رمضان هو السبب في ما نراه من سلوكيات اليوم

 

مع الأسف نحن نفتقد للتوازن بين الفقه الإسلامي والواقع، وفي نظري المتواضع يبدو لي أن هناك فصلا بين رمضان كممارسة ورمضان كعبادة، لأن رمضان كعبادة شيء ورمضان كممارسة شيء آخر، وهو ما يجعل رمضان يتحول إلى مجرد عادة بدل أن يكون شهر عبادة، وأقول أن علينا مسؤوليات كبيرة لأن الله سبحانه وتعالى أعطى لهذا الشهر مكانة متميزة. وبالتالي فيلزمنا استقباله بإعداد روحي وفكري وأخلاقي وتقوائي.
وأعتقد أن البعد عن قيمة رمضان هو السبب في ما نراه من سلوكيات اليوم، بدءا من مائدة الإفطار وما تحمله من إسراف، حيث تمتلئ عن آخرها بما لذ وطاب من شهوات فهذا يبعدنا عن الغاية من شهر رمضان في ارتباطه بالجوع والعطش وفي هذا الإطار أشير الى قول الرسول صلى الله عليه وسلم «واذكروا بجوعكم وعطشكم جوع يوم القيامة وعطشه». فالغاية من ذلك هو أن نشعر بالفقراء والمشردين والذين لا يجدون ما يسدون به رمقهم وقت الإفطار وأن نتخلص من الأنانية الاجتماعية التي نعيشها، ولنأخذ أيضا مثال الصلاة من خلال الآية الكريمة «ومن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له» فيمكن من خلالها أن نقيس ممارسة رمضان، فلا معنى للصلاة في غياب معاملة حسنة للجار أو الأهل في البيت، إذ تتحول الصلاة الى مجرد ركوع وسجود بخلاف مفهومها القيمي أي أن تستشعر وقوفك أمام الله عز وجل.
وأعتقد أن ما يحدث من مفارقات خلال شهر رمضان مرتبط بتحول القيم لدى المجتمع المغربي، وأشير أن إقبال الناس على المساجد خلال رمضان لا يمكن تفسيره بالتظاهر أمام الناس أو النفاق، بل هذا الإقبال يتم بحسن نية ويأتي في سياق موجة التدين التي تأتي مع حلول رمضان. والمشكل الذي تعانيه المجتمعات الإسلامية بصفة عامة هو غياب الربط بين العبادة والممارسة، لذا ينبغي أن يشكل إقبال الناس على المساجد في رمضان استمرارية في التقرب الى الله خلال باقي الشهور، في معاملاتنا مع الناس، مع الجيران، في مقرات العمل، وهكذا يمكن لرمضان ان يشكل خطوة تصالحية مع مجتمعنا ومع أقاربنا وجيراننا ومع المواطنين الذين نخدمهم في الإدارات، حيث سيحدث التوازن بين اعتقادنا في رمضان في بعده الروحي والقيمي والفكري وممارساتنا في الواقع خلال الشهر الكريم. فمجرد امتناعنا عن الأكل والشراب من طلوع الفجر الى غروب الشمس طاعة لله عز وجل ينبغي أن يعلمنا الامتناع أيضا عن باقي محرمات الله عز وجل ومنها الامتناع عن سرقة حقوق الآخر، الامتناع عن سرقة وقت الآخر في المدارس والإدارات العمومية، عدم احتقار الآخر، عدم مد أيدينا لمال الآخر، وبصفة عامة إطاعة الله في معاملاتنا مع الآخر ولو تمكنا من تصريف شهر رمضان الذي يتضمن عدد من تجليات طاعة الله عز وجل في سلوكاتنا ومعاملاتنا فمن المؤكد أننا سنكون من أحسن خلقه عز وجل.

 

أبي الزمزمي، إمام جامع هدي الرسول بطنجة

 

من الأجدر للموظفين قضاء الصلاة بإداراتهم، لأن مصالح الناس أهم من الصلاة

 

الثقافة الموجودة في المجتمع هي أبعد ما تكون عن الثقافة في المجتمع الإسلامي وهذه الثقافة رسمت منذ أكثر من مائتي سنة من خلال المؤتمرات التي وقعت في اليونان وغيرها والتي كان من نتائجها سيادة ثقافة لدى المسلمين هي أبعد عن الإسلام، فحتى المعاهد التي يسمونها دينية مثل القرويين والأزهر فيها ثقافة لا تمت بصلة لسلوك المسلم، بل تلقي معلومات فقط عن الديانة الإسلامية. والآن المدارس كلها لا صلة لها بالثقافة الإسلامية. وأعطيكم مثال هنا بطنجة ففي رجب وشعبان الناس يتوقفون عن الصلاة نهائيا استعدادا لرمضان، وهناك أشخاص يتناولون الخمور في رمضان علما أنه في الأجيال السابقة كان الأشخاص الأميون يحترمون الأشهر الحرم (رجب، شعبان، رمضان) ويحترمون المشاعر الإسلامية وهذا المعطى لم يعد له وجود. ودورنا في المساجد لا صلة له بالمجتمع الذي تلقى تكوينا منذ الصغر بعيدا عن الثقافة في المجتمع الإسلامي، ولهذا فأكثرهم يتعاملون مع الذهاب إلى المسجد كمجرد تسلية لا أقل ولا أكثر، يصلي ركعتين أو ثلاث أو أربع ثم يذهب إلى حال سبيله.. إنها مجرد عادة بالنسبة إليه. وفي ما يخص مضامين ما يقدمه الخطيب، فإذا حدث تناغم بين ما يقوله الخطيب وهواه فإنه يشيد بالخطيب، وإذا ما حدث العكس اعتبر الخطيب متشددا ومتنطعا، وذلك بحكم الثقافة التي ترسخت في ذهنه من المدرسة إلى الجامعة التي ليست لها صلة بالدين فالدين بالنسبة إليه هو الصلاة والصيام مثل الكنيسة لدى النصارى، والحال أن النصارى أفضل حالا من المسلمين، فهم متمسكون بالأخلاق والآداب، أما المسلمون فقد ابتعدوا عن الأخلاق والدين واعتبروا الدين هو الصوم والصلاة، وفي هذه الحالة فرمضان يتحول إلى مجرد عادة، ومقابل هذا الحرص على صوم رمضان نجد أن الصلاة لا تحظى بأية أهمية لدى عدد هام من الناس مع أن الصلاة أهم من الصيام.
وفي ما يتعلق بالخيانة في العمل في شهر رمضان فهذا يعود إلى غياب الوازع الديني. وكي أكون واضحا فالإدارات المغربية تعاني من ضعف العطاء خلال مختلف شهور السنة وليس فقط في رمضان. وبالتالي فتغيب الموظفين في شهر رمضان عن العمل ناتج عن العجز فقط نتيجة الصيام، علما أن هناك أشخاصا يفضلون العمل في رمضان لتمضية الوقت، وأنا أعرف أشخاصا متدينين يتركون عملهم في الإدارات ويأتون للمسجد من أجل الصلاة مع الجماعة، فأنبهه إلى أهمية الانضباط في العمل باعتباره رئيس قسم معين، إذ قد يأتي مواطن في حاجة إلى رخصة ولا يجد المسؤول، فهذا ظلم، والأجدر بمثل هؤلاء أداء الصلاة في مقرات عملهم من أجل قضاء مصالح المسلمين. فمصالح الناس أهم من الصلاة. وأعتقد أن ضعف العطاء في الإدارات ناتج عن غياب الحوافز المادية والمعنوية وهو الأمر الذي يتسبب في تراجع عطاء الموظفين.
وأعتقد أن هذه ظاهرة ارتياد المساجد خلال شهر رمضان فقط، وإن كانت غير مقبولة شرعا، علما بأنها ضد مصلحة الإنسان الدينية، فهي من جانب آخر فيها خير فهي تكشف أن الوازع الديني مازال موجودا وأن الناس ما زالوا يتذكرون المسجد، وأن النية قائمة، وأن هذا شهر التقرب إلى الله وشهر الخير وشهر الربح مع الله سبحانه وتعالى.

 

يوسف احنانة، باحث في الفكر الإسلامي المعاصر

 

لا صلاة لمن لم تؤثر صلاته في سلوكه وتعدل منه نحو الأحسن

 

من يخل بالمروءة والأخلاق والواجبات في رمضان لا حاجة لله أن يدع طعامه وشرابه. هذا ما أوضحه لنا يوسف احنانة، باحث في الفكر الإسلامي المعاصر، معلقا على مظاهر النفاق التي يصادفها المرء في هذا الشهر بسبب عدم تناسب الاقبال الكبير على المساجد من طرف عدد من المغاربة وغياب الترجمة لذلك الإقبال على السلوك اليومي لهم في الشارع والدرب والعمل

 

- يحل شهر رمضان، وتحل معه العديد من طقوس النفاق، حيث تكثر العبايات الأفغانية و«الفوقيات» والزربيات الخاصة بالصلاة، حيث يصلي الكل من اجل ان يظهر على صورة الانسان التقي المؤمن امام الاخرين ولكي يشكره الناس على ظاهره ويسر ما في باطنه، شهر التطرف الديني والبشاعة الإنسانية (الغش في الأسواق، التغيب عن الإدارات.. الترمضينة، العنف اللفظي...) فلماذا هذه السكيزوفرينيا عند العديد من  المغاربة؟
l الحقيقة أن شهر رمضان في وجدان المسلمين ومعتقدهم هو شهر الحسنات، والمبرات، والتسابق في فعل الخيرات، وقراءة القرآن. إنه شهر التوبة والغفران، والرجوع إلى البارئ الديان، وشهر تدارك البعد عن الله بالقرب منه بجميع أنواع الخير، قولا وفعلا ومعاملة.
ولعل من غايات الصيام الأولى هو تحقيق التقوى في سلوك المسلم وفي يقينه. قال تعالى في هذا السياق «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون»، ومفهوم التقوى في أجلى معانيه هو تحقيق خشية الله. أعني الامتثال لأوامره، واجتناب نواهيه. فإذا كان هذا هو الهدف الأسمى الذي صرح به الشرع الحنيف من صيام شهر رمضان فينبغي أن يكون حسا ومعنى، لا شكلا ورياء، ومظهرا ونفاقا.
وما يُلاحظ حاليا من إقبال مجموعة من الناس في شهر رمضان على المساجد لأداء الصلوات المكتوبة والتراويح هو ظاهرة صحية إن تم استثمارها استثمارا حسنا، والثبات عليها، وضمان استمراريتها إيمانا واحتسابا لله، لا لشيء آخر. فشهر رمضان مناسبة حقيقية للتوبة، والأوبة، والرجوع إلى الله، عبر إحداث قطيعة نهائية مع كل مظاهر السلوك غير المقبول شرعا وعقلا، من قبيل الزنا، والربا، والغش، والتقصير في العمل، وشهادة الزور، والغيبة والنميمة والحسد... بعزيمة وتصميم لا مجمجة فيه ولا تذبذب. لكن أن يتخذ الناس شهر رمضان مطية للتمظهر بمظاهر تتماشى مع روحانية هذا الشهر وإشراقاته ونفحاته الربانية شكلا لامضمونا، مظهرا لا جوهرا، فذاك في رأيي «باب ما جاء في النفاق»، بل هو النفاق حقا وصدقا. فهل ينافق المرء بهذا السلوك المبتسر الناقص المجتمع أم الله أم هما معا؟ وأيا ما كان الأمر فإن النفاق بشتى أشكاله وصوره مذموم مرفوض في الشرع والعقل والعادة. فشهر رمضان عند المسلمين مدرسة ومحطة للتربية بالدرجة الأولى، تربية الأبدان والنفوس والأرواح على الصبر والرحمة والتعاون والتضامن والتآزر... وعلى الاجتهاد في التقرب لله بكل ضروب الخير والمعروف. أما أن يتخذ الناس صيام هذا الشهر ذريعة للتملص من الواجبات والإخلال بالمسؤوليات وبالضوابط العملية والأخلاقية، أو تبريرا لكل مظاهر العنف من سب وشتم ولعن وشجار وعراك، فهذا ما لا يقبله شرع ولا عقل ولا مجتمع. بل إن هذا النوع من الصيام الذي تنعدم فيه مظاهر التقوى نبّه عليه الشرع الحنيف واعتبر أن كل من يخل بالمروءة والأخلاق والواجبات أثناء هذا الشهر لا حاجة لله في أن يدع طعامه وشرابه. بمعنى أن صيامه غير صحيح. فصيام شهر رمضان، وقيام لياليه، وفعل الخير فيه، ليس عادة اجتماعية كسائر العادات بل هو شعيرة دينية تربو على أن تكون مظهرا من مظاهر النفاق الاجتماعي، فإذا استحضرنا أهداف شهر رمضان والضوابط المرافقة له، وركزنا في كل ذلك على الجوهر لا على المظهر حققنا بإذن الله الغاية والهدف وأمكننا أن نتجنب الازدواجية المصطنعة في سلوكنا وعاداتنا ومظاهر شخصيتنا.

 

- كيف تنظر إلى هذا المنسوب من التدين والإقبال بكثافة على المساجد في رمضان مقارنة مع باقي شهور السنة؟ ثم لماذا لا نجد أي آثار للتعبد في المجتمع لدرجة يحق فيها التساؤل حول ما إذا كان هذا الإقبال له مردود إنتاجي في العمل وله عائد اجتماعي وأخلاقي وقيمي في ممارسات الناس طوال السنة مع جيرانهم ومحيطهم المهني والعائلي ومع عموم المواطنين في الشوارع والأسواق والإدارات كما هي أهداف الدين؟
l الواقع أن الدين لم يأت إلا لتربية المجتمع وتمهيد الأجواء للتعايش والتساكن والتراحم وتحقيق التطور في المجتمع والرقي بأفراده. فقد رهن الدين الإسلامي خيرية هذه الأمة بالدرجة الأولى بمعيار الأخلاق حيث قال تعالى: «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله»، فقدم الأخلاق والمعاملات على الإيمان لإبراز أهمية الأخلاق في حياة المسلمين. فإذا لم تنه الصلاة صاحبها عن الفحشاء والمنكر ولم يحقق الصيام التقوى وخشية الله، ولم تحقق الزكاة التضامن والتكافل الاجتماعي، ولم يحقق الحج وحدة المسلمين وتوحيدهم، فلا يتحقق مبدأ الاستخلاف الحقيقي للإنسان في الأرض، ولا يحقق الإسلام أهدافه وغاياته في المجتمع وفي تربية الإنسان.
ومن هذا المنطلق نقول إن على المسلمين مسؤولية تاريخية لا تتحقق إلا بتطبيق منظومة القيم الإسلامية على امتداد السنوات والأعوام لا في شهر بعينه أو في وقت محدد دون سواه. فعبادة الله ليست محدودة في الزمن أو مرهونة بأجل محدود. وإذا ما بدا لنا أن منسوب العبادة زاد في شهر دون الأشهر الأخرى كان ذلك عاديا إذا كانت القاعدة هي استمرار العبادة في سائر الأوقات والأيام والشهور والأعوام. علاوة على أنه لا يمكن الفصل بين العبادة والتربية فكل عبادة تربية فلا صلاة لمن لم تؤثر صلاته في سلوكه ولم تعدل منه نحو الأحسن. فالصلاة إذا لم تعلّم الاستقامة والرضا والخضوع لله لم تكن صلاة على الحقيقة، وإنما نقرا للأرض وكذلك الشأن بالنسبة والصيام والزكاة والحج.
إن القاعدة الكونية التي نبّه رب العباد الناس عليها هي أن إحدى غايات الله من خلق العالمين هي عبادته. قال تعالى «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون» وأن كل عبادة هي مدرسة للأخلاق والرقي الخلقي، لا مظهر للنفاق ومساوئ الأخلاق. فإذا أدرك الناس هذا وآمنوا به وتمثلوه حقيقة في سلوكهم ويقينهم اعتقدوا صدقا وحقا أنهم لا يصلون ولا يصومون للناس ولا للمجتمع لكن يصلون لرب العالمين. وأن كل تعبد لا بد أن يغير سلوك المسلمين من سيء إلى حسن ومن حسن إلى أحسن لا العكس.

 

- كان المغاربة يتمثلون الصلاة كمرادف للطهرانية «طهرانية الجسد وطهرانية الروح والسلوك»، فإذا بها تتحول الآن إلى مجرد طقوس أو قناع مجتمعي أم هو في أحسن الحالات أنواع من التقرب إلى الله طمعا في مراكمة الحسنات، تماما كما لو أن الله لا يوجد إلا في شهر رمضان المعظم. مارأيك؟
l أولا، إن الصلاة فريضة من فرائض الإسلام وتشريعها جاء لخلق صلة دائمة بين العبد وربه. فالصلوات المكتوبة خمس في كل يوم، بمعنى أن المسلم يتذكر الله على الأقل خمس مرات في اليوم وفي أوقات متقاربة، حيث لا تترك له فرصة الغفلة عنه ونسيانه فقد قال تعالى: «وأقم الصلاة لذكري»، وقال أيضا «إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر». فالذين يصلون في شهر رمضان فحسب واعون كل الوعي أنهم مقصرون في حقوق الله، وواجباتهم نحوه. لذا فنحن ندعو الله لهم بالهداية في إتيان الصلوات في أوقاتها على طول العام لا في شهر دون سائر الشهور. أما ان تتحول الصلاة إلى عادة اجتماعية وطقس من طقوس رمضان فهذا ما لا يقبله الشرع ولا تتقبله القريحة الصافية لأن فيه إخلالا بحقيقة الصلاة وفحواها في يقين المسلمين.
لقد كان الزهاد والعبّاد والمتصوفة يعبدون الله في المغارات والكهوف النائية البعيدة مخافة أن تختلط عبادتهم بشيء من الرياء والظهور الاجتماعي. واليوم نجد بعض الناس يتنافسون في المظاهر البراقة التي لا يرجون بها وجه الله بل تلميع صورتهم في المجتمع، أي ضعف الطالب والمطلوب.

 

محمد الهبطي، إمام مسجد المسيرة الخضراء بطنجة

 

أهم ثمرة في الصيام هي التقوى، فهل من التقوى التبذير والخصام والغش؟

 

الصيام مدرسة اجبارية فتحها الإسلام للمسلمين يتدرب فيها المسلم على طاعة الله، كيف ينبغي أن يعبد ربه وأن يطيعه، ورمضان عندنا سلفنا الصالح كان شهر الفتوحات وشهر الانتصارات والغزوات، وشهر العمل والجد والكد، شهر العبادة وتلاوة القرآن الكريم والإقبال على المساجد وأن الجهد من أجل الخير يتضاعف في رمضان. أما أن يتوقف الإنسان عن العمل وأن يضيع الأمانة في مكتب أو إدارة أو دكان فيضيعه بسبب رمضان، بحجة أنه صائم ويطفف في الكيل والميزان ويحتكر طعام المسلمين ويستغل صيامهم وأن يجعل رمضان موسم للدنيا وليس موسم للآخرة ..لأن الناس أصناف فهناك من يعكف على التجارة 24 ساعة على 24 ساعة خلال شهر رمضان باعتباره موسم للتجارة بالنسبة له، ومنهم من جعل شهر رمضان هو شهر الشهوات والبطون واستهلاك مختلف أنواع الحلويات، فهذا ناتج عن سوء الفهم علما أن رمضان هو شهر الروح وليس شهر الجسد، أما عن الناس الذين يقومون بالثورات النفسية في رمضان كالسب والشتم والقتل وممارسة العنف باستعمال الأسلحة البيضاء فهؤلاء في معظمهم لايعرفون المساجد والصيام بالنسبة لهم هو مجرد عادة ، وأشير أن شهر رمضان هو شهر الصبر وحبس النفس عن الشهوات وهذا ما يجعل بعض الناس الذين يمتلكون سوء فهم لرمضان يقدمون على هذه الثورات النفسية التي تحدثت عنها، ولو كانوا يعلمون أن شهر الصوم يفرض الصوم بالجوارح وليس الإفطار على ما حرم الله كالسب والشتم لما قاموا بذلك، علما أن من علامات الصيام أن تصوم بجميع جوارحك، وأن تغض بصرك، وأن تكون سمحا، هينا، لينا، هاشا، باشا وأن تحس بأخيك الفقير، لأن لرمضان فوائد روحية وفوائد صحية وفوائد اجتماعية. فهذه هي الثمرات التي يقطفها المؤمن من رمضان والثمرة الكبرى التي ذكرها الله سبحانه في القرآن «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون». فالثمرة التي يجنيها المؤمن من الصيام هي التقوى، وهل من التقوى الثورات النفسية والتبذير والخصام مع الجيران والخصام مع الزوجة والنبي صلى عليه وسلم يقول «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»، ووصيته بحسن المعاملة مع الجيران «مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه»، والله سبحانه أوصى بالجار «والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب». فهذه الوصايا من الله عز وجل بالجار والزوجة وفقه الصيام وأحكام الصيام لو فهمنا مغزاها ما أسأنا إلى جيراننا وإلى مجتمعاتنا وإلى إخواننا، والذي قد يصل إلى درجة الغش في الميزان في شهر رمضان، علما أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول «من غشنا فليس منا». فهؤلاء الناس حسب اعتقادي يجهلون الغاية ليس من رمضان فحسب بل الغاية من هذا التشريع العظيم. فالصيام هو تربية وتهذيب، ومن الناس مع الأسف من يحتج لسوء خلقه بأنه صائم فيكون عذره هذا أقبح فعله وكأن الصيام هو الذي تسبب له في ذلك، لذلك لابد من تدريب أبنائنا على الصلاة وتدريب الناس على الصيام وفقه الصيام وأحكام الصيام في القنوات والمساجد وفي المراكز تماما. أما أن نختار في رمضان أحسن أغنية وأحسن فنان وأحسن أكلة وأحسن... أحسن... فهذا يؤثر على الناس مما يتسبب في سوء فهمهم لدينهم بصفة عامة. والعلاج يكمن في اضطلاع الجميع بمسؤولياته في خدمة هذا الدين، وخصوصا هذا الشهر العظيم من أسرة ومدرسة وإعلام وعموما. فالأمة قريبة من دين الله تعالى ولا ينقطع فيها خير الى يوم القيامة، فما دام الناس يصومون والناس يأتون الى المساجد فهذه ظاهرة طيبة لدى المغاربة يضرب بها المثل في المشرق، فلا توجد دولة في العالم يقبل فيها الناس على المساجد في شهر رمضان أكثر من المغاربة.

 

إبراهيم بلغزال، خريج دار الحديث الحسنية

 

ممارسات الناس لطقوس رمضان يكشف عن خلل جسيم في التدين الشعبي

 

أعتقد أن طقوس رمضان ليست طقوس نفاق وانما هي عبادات قديمة ومشروعة أقرها الله ورسوله، وقد كانت محطة عبادية مهمة يتزود فيها الناس لآخرتهم ولدنياهم، فيحسنون الصيام والقيام والأخلاق والمعاملة. فيكون عندهم رمضان وما بعده ليس كما كان قبله. لكن للأسف الشديد وكما أشرت في سؤالك صار الشهر الكريم محطة للرياء ولسوء الخلق وللغش في العمل بل ان البعض جعل من صلاة الليل سبيلا للمعصية لكونها تسمح للنساء بالخروج من البيت ليلا وهو الأمر الذي يكون غير متيسر خارج رمضان.
أعتقد أنه لا يجب إلقاء اللوم بالكامل على العامة، فالناس مقلدون فقط، بل ان أفعالهم لا يحكمها العقل والمنطق والدين والأخلاق، انما يحكمها التقليد، تقليد الزعماء والعلماء والدعاة والنخبة والسينما والاعلام وغيرها من المؤثرات.
غير أن ما يستفاد من ممارسات الناس لطقوس رمضان يكشف عن خلل جسيم في التدين الشعبي، وأهم ما يمكننا فعله هو تحديد أسباب هذا الخلل الذي جعل التدين لا يؤدي إلى تحصيل مقاصد الدين بل يؤدي الى مقاصد عكسية ظاهرها رباني وباطنها الرياء ....
لعل السبب في هذا الخلل هو الهزات العنيفة التي تعرض لها التدين المغربي، الهزة الأولى برأيي كانت على يد المستعمر الفرنسي الذي ضيق على العلماء من خلال إيقاف التدريس بجامعة القرويين لمدة أربعين سنة، مما أدى إلى تناقص حاد في أعداد العلماء المتشبعين بثوابت التدين في المغرب.
أما الهزة الثانية فكانت عبارة عن الغزو المشرقي للمغرب في المجال الديني، ساعدهم على ذلك نقص عدد العلماء بالمغرب، إضافة إلى طفرة البترول التي أتاحت للتيارات السلفية والوهابية والإخوانية السيطرة على الجامعات في العالم الإسلامي وفي المغرب.
ومع توالي غاراتهم على مظاهر التصوف المغربي والمذهب المالكي والعقيدة الأشعرية رافعين شعار الدليل في وجه المذهب والطريقة والعقيدة، بدأ الوهن يدب في مفاصل التدين المغربي، حتى رأينا الأبناء ينعتون تدين آبائهم وأجدادهم الأصيل بالبدعة والضلالة. كما أن خريجي الكليات الدينية صاروا ذوي نزعات سلفية متشددة.
ومع كل الخراب الذي سببه التدين المشرقي للمغرب لم تستطع السلفية ولا الإخوانية أن تملأ الفراغ، مما أدى إلى تدين منقوص نشاهد الآن آثاره.
وعلى هذا وإجابة عن سؤالك الثاني نلاحظ أن امتلاء المساجد في شهر رمضان هو من جهة إشارة إلى حاجة الناس إلى الدين، لكن مع غياب المفاهيم الدينية الأصيلة من جهة وغياب الموجه والقدوة والأسوة الحسنة من العلماء والدعاة من جهة ثانية. كل هذا أدى إلى ظهور نمط من التدين الموسمي المنقوص. والعجب كل العجب ممن مازال ينادي بالسلفية على الرغم من انكشاف أمرها وافتضاح سوءتها في أحداث الخريف العربي من خلال توظيفها للدين في أغراض سياسية دنيوية وشخصية، ما أدى الى تخريب أوطان وتدمير حضارات كبيرة دون أي أمل في الخروج من الفتن.

 

أمين التوازري، قيم الزاوية الأمينية الغازية بمكناس

 

الله موجود في كل وقت وحين ويجب مراقبته وطاعته في كل الأزمنة والسنين

 

تصرفات الخلق تنبع من نوايا تخفيها قلوبهم ولا يعلمها حقيقة إلا خالقهم جل وعلا. فالناس يستحيل تعميم سلوكاتهم وجعله كلها نابعة عن نفاق ورياء.. والتقرب إلى الله في هذا الشهر بالخصوص حث عليه ربنا العظيم وألح على اغتنامه سيدنا محمد الهادي البشير الذي قال: «رَمَضانَ شَهْرٌ مُبارَكٌ تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوابُ الجَنَّةِ وَتُغْلَقُ فِيهِ أبْوابُ السَّعِيرِ وَتُصْفَدُ فيهِ الشَّياطِينُ».
لقد دعانا الله تعالى في شهر رمضان المبارك إلى مائدة رحمته، وهدف هذه الدعوة توطيد العلاقة بالله تعالى من خلال تطهير الروح، وبناء الإرادة المرتبطة بقوّة الإيمان، التي تحكم علاقة الإنسان بربّه وبمجتمعه على مستوى الدنيا، وتحدّد مصيره على مستوى الآخرة.
وفي ما يخص التقرب إلى الله، فالله موجود في كل وقت وحين ويجب مراقبته وطاعته كل الأزمنة والسنين ليس في رمضان فقط. ولكن تحريضه لنا حتى نتقرب إليه ونطيعه اكثر في رمضان يجعل الكل يهفو للطاعة في هذا الشهر خصوصا وان المسلم يشعر انه تحرر من الشيطان كما اخبرنا عن سيدنا محمد الصادق المصدوق صل الله عليه وسلم . كان ينفق في رمضان ما لا ينفق في غيره، وقد ثبت في الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يدارسه جبريل القرآن فلهو أجود بالخير من الريح المرسلة..
واشير إلى أن شهر رمضان يشمر فيه الناس للطاعة ولايزال ولكن هذا لا يعنى التطرف الديني في نظرنا المتواضع، لأن التطرف هو الجنوح عن الصواب وعن الهدي النبوي في شتى مناحي الحياة خصوصا على مستوى الفكر والسلوك والممارسة.
إن ممارسة الفعل التعبدي نرى انه يجب ان يثمر سلوكات مرضية وتصرفات إيجابية تسعى للتنمية والرقي بالأفراد والمجتمعات فمثل الذكر الذي حثنا الشرع الحنيف عليه لابد ان يثمر تذكر الله دائما وعلى كل حال فالمسلم يذكر الله كل يوم بأوراد ترقيه إلى مستوى الإيمان بمراقبة الله له ومن ثم في مستوى الإحسان يكون دائم المشاهدة لربه ومولاه فلا يفعل ما يغضب سيده كاخد الرشوة او التكاسل عن اداء الواجبات او يفرط في حقوق الأخرين .والصلاة التي أمرنا بها كذلك يجب ان يتولد منها دوام التواصل مع الرب العظيم.... وكذلك الصلاة على سيد السادات ومنبع الرحمات يجب أن يتمخض منها الاقتداء به في كل الحالات، لأنه مقياس المبادئ والقيم والفضائل كلها والتي يفتقدها العالم اليوم في عصر المدلهمات..
وفي ما يخص اللباس الذي يرتديه الإنسان فهو جزء من الهوية ومن القناعات التي يستبطنها العقل، لذلك فشكل اللباس يعبر عن دواخل الشخص ويبرز قناعاته فمثلا الذي يلبس في رمضان لباس قوم اخرين يعبر بشكل غير مباشر عن قناعته بأنهم قدوته في سلوكياته ومثاله الأعلى في التدين. لذلك فهو يتقمص سلوكيات بعيدة عن هويته وغير معبرة عن الحضارة التي ينتمي إليها.
ان الفعل التعبدي إن افتقد روح الإخلاص والصدق مع الله يصير عادة لا تتجاوز الظاهر ولا تتعداه، بخلاف المطلوب والذي هو ممارسة المناسك والطقوس مع استحضار البعد المآلي والغائي.

 

محمد الحسني الادريسي، محامي بهيأة البيضاء

 

أزمة الخطاب الاخلاقي انتقام في زمن الانتقال!!

 

كثيرة هي الظواهر الشاذة في سلوك الافراد والجماعات داخل المجتمع المغربي، والتي تجافي القيم الدينية والقواعد السلوكية والاخلاقية السوية، من قبيل العنف اللفظي والمادي، وجرائم الاعتداء على الأصول، والاغتصاب الجماعي للقاصرين والمعاقين...
وكثيرة هي الأوراش التشريعية المفتوحة لمراجعة الضوابط القانونية لاستيعاب التحولات المختلفة في مسلكيات الافراد وأنواع الجنوح والانحراف والتطرف، من قبيل التعديلات الجديدة المدخلة على القانون الجنائي المتعلقة بالعنف المصاحب للتظاهرات الرياضية، والعنف ضد النساء والأطفال، والتحرش الجنسي، والغش في الامتحانات ...
والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح، هل ما يجري داخل المجتمع المغربي من تحولات عنيفة على مستوى السلوك والعلاقات الاجتماعية مرده إلى تراجع تأثير الخطاب الاخلاقي وانكماش التأثير الديني؟ أم هو دليل على التحولات الاجتماعية العميقة التي يشهدها المجتمع نتيجة تفاعل تناقضاته الداخلية مع محيطه العالمي بأزماته الاقتصادية والسياسية والثقافية؟ هل تعود المسؤولية في ذلك للدولة وأجهزتها الادارية والامنية والقانونية والتربوية، أم للواعظ الديني والموجه الفكري والثقافي؟ لماذا كل هذا التناقض الصارخ بين تضخم المظاهر الدينية وتمسك المجتمع بظاهر الشعائر الدينية دون مقاصدها الاصلاحية ودورها في تهديب النفوس وتقويم السلوك؟ لماذا التعارض بين تضخم المظاهر الامنية في الشوارع والازقة ومداخل المدن ومخارجها، وبين الانفلات الامني وتزايد أشكال العنف والنشل والاعتداء المادي والجنسي واللفظي والحدة في السلوك والتشنج في المعاملة؟ لماذا تتصاعد كل مظاهر تجاوز القانون مع تنوع وكثافة المنتوج التشريعي في مجال الزجر والعقاب؟ من المسؤول عن تراجع الدور التربوي والتنويري للاسرة والشارع والمدرسة؟
هذه الاسئلة والاشكالات وغيرها كثير تحتاج للمقاربة السوسيولوجية المستندة للمناهج العلمية في تحليل الظواهر الاجتماعية، تحتاج الى فهم عميق للتحولات الجارية داخل مجتمع انتقالي يصارع لتحيق التوازن الصعب بين واقعه وثقافته التقليدية والمحافظة، وبين اكراهات العولمة وتحدياتها المختلفة، بين تطلعاته لتحقيق التنمية وتجاوز كوابح التخلف والانتماء للعصر، وبين اعاقاته الذاتية الثقافية وثقل ارثه الحضاري. لكن يمكن المجازفة من الان بتقديم بعض المداخل لهذه المقاربة السوسيولوجية في صيغة تساؤلات تحتاج لأجوبة علمية:
l ألا يمكن اعتبار هذه السلوكات العنيفة المتصاعدة نوعا من خلخلة المنطلقات الأخلاقية التقليدية وتمردا على أوضاع اجتماعية غير مريحة، وبحثا غير واع وغير مؤطر فكريا لمخارج ممكنة لأزمات اجتماعية عميقة؟

l ألا تدعو هذه الظواهر العنيفة بالمعنى السوسيولوجي للكلمة إلى تجديد كل المنطلقات الفكرية والاخلاقية والدينية من طرف النخب الحاكمة وغير الحاكمة، لاستيعاب التحولات المجتمعية العميقة؟

l ما حجم تأثير التحولات الجارية على مستوى التركيبة الديمغرافية للمجتمع، من مجتمع يغلب عليه الطابع القروي دو الامتدادات الفلاحية والبدوية والمؤطر بضوابط الاسرة الموسعة والقبيلة والزاوية، إلى مجتمع تحكمه وتوجهه بنفس القدر من العنف اكراهات المدينة وتنظيماتها الجديدة داخل علاقات العمل والتبعية الاقتصادية والاسرة النووية بمختلف اشكالها الجديدة التي تدل احصائيات المحاكم الشرعية والاجتماعية أنها علاقات مضطربة ومتوترة وتنطوي على قدر غير يسير من العنف؟

l هل يستطيع الخطاب الديني والوعظي أن ينهض وحده وفي أشكاله وصيغه الحالية بمهمات الاصلاح والتوعية والتعبئة الخلاقة والايجابية للمواطن في علاقاته بنفسه وأسرته ومحيطه الاجتماعي وعمله وسلوكياته اليومية؟
ان مقولة الانتقال في المجال السياسي والمؤسساتي لا يمكن أن تتحول إلى فعل إيجابي جماعي واع وخلاق، بدون استيعاب وتحليل وتأطير مختلف التحولات الجارية داخل بنيات المجتمع، والاعتراف لكل المقاربات التنويرية والثقافية والدينة والاخلاقية بالتكامل والتلاقح الايجابي من أجل العبور السلس نحو التنمية الشاملة والرقي الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، والمسؤوليات في ذلك ملقاة على جميع النخب، ومسؤوليتها تجاه كل المظاهرالسلبية داخل المجتمع قائمة وينبغي الاقرار بها والنهوض الجماعي بتحمل أعبائها، بدل الاكتفاء بالوصف والتنديد، من فعل ملموس يراكم النتائج الواقعية على أرض الواقع الذي لا يمكن أن يرتفع..