لا يختلف اثنان في أن تناسل المقاهي وتزايدها بشكل مثير للانتباه، أصبح يعد من الظواهر الاجتماعية التي ينبغي أن توضع كسؤال سوسيولوجي. فحتى نهاية القرن الماضي كانت المقاهي فضاءات للمواعيد بالنسبة للبعض، وأمكنة لحفظ ومراجعة الدروس بالنسبة للطلبة، وقراءة الجرائد والكتابة بالنسبة للمثقفين ورجال التعليم وكذا الموظفين في شتى القطاعات... وهو ما لم يعد قائما الآن كون المقاهي أصبحت تكتسح المدن كالديدان لدرجة أن عددها قارب 200 ألف مقهى بالمغرب ، فما هي الأسباب التي جعلت المقاهي تصبح فضاءات للترفيه؟ وهل غياب فضاءات ثقافية واجتماعية ونوادي رياضية تكون ملجئ للراشدين والشيوخ هي التي دفعت معظم فئات المجتمع كي تتجه صوب للمقاهي؟ وهل يمكن اعتبار المقهى فضاء اجتماعيا قائم الذات تنسج فيه العلاقات الاقتصادية الاجتماعية والمعاملات المالية والعلاقات العاطفية والنقاشات السياسية، وغيرها..أم أن الأمر لا يعدو سوى تجارة مربحة تثير شهية «اصحاب الشكارة» للاستثمار فيها، لدرجة أصبح بين كل مقهى ومقهى ستجد مقهى جديدة.
فبالنسبة لعبد الغني افريطك، عن جمعية المغربية لأرباب ومسيري ومهني قطاع المقاهي المتوسطة والكبرى،فإن انتشار المقاهي هو ظاهرة اقتصادية واجتماعية وثقافية. فمن الناحية الاقتصادية كلما تم فتح مقهى نجد هناك تشغيلا مباشرا وغير مباشر لليد العاملة. كما أن المقاهي تساهم في إشعاع السياحة الداخلية وفي خلق فرص عمل.
في نظر محاورنا، فالظاهرة محمودة، لكنها تحتاج لنوع من التقنين، لاسيما أن الاستثمار السنوي الإجمالي في قطاع المقاهي بالمغرب يروج أموالا مهمة تقدر بملاييرالدراهم، فهناك الاستثمار في الوعاء العقاري أو الأصل التجاري للمقهى، زد على ذلك التجهيزات التي تختلف من مقهى إلى أخرى. يكلف المقهى في المتوسط2 مليون درهم، وقد يرتفع الثمن أكثر من ذلك حسب موقع المقهى ومساحتها والتجهيزات المستعملة فيها. فخلال سنة 2011 كان عدد المقاهي يناهز 200 الف مقهى على المستوى الوطني، وفي الدار البيضاء لوحدها كانت توجد 20 ألف مقهى.. كل هذا يؤكد أن هذا القطاع تستثمر فيه أموال طائلة. هذا دون إهمال الدور الاجتماعي والثقافي الذي تلعبه المقاهي في الحياة اليومية. والمغرب يملك ثقافة خاصة به في ميدان المقاهي يمكننا استغلالها وتصديرها كذلك.
وحول برنامج رواج الذي أطلقته الحكومة لعصرنة المقاهي الصغرى، اعتبر محاورنا أن البرنامج انتهى في 31 دجنبر 2012، وهو البرنامج الذي جاء بالأساس لتطوير وعصرنة قطاع التجارة والتوزيع، وقد أعطى لتجارة القرب أولوية هامة بالنظر للخدمات التي يعتمدها.. وشمل كذلك المقاهي الصغرى حيث ساهم«صندوق رواج» في تمويل مشاريع عصرنة تجارة القرب بدعم قدره 25 ألف درهم، وهو مبلغ ضعيف لا يمكن أن يوفر أبسط التجهيزات التي تحتاجها المقاهي. صحيح أن المقاهي انخرطت في المشروع رغم ضعف كلفته المادية، لأن كرسيا واحدا في المقهى يكلف على أقل تقدير 500 درهم. بالنسبة لنا داخل قطاع المقاهي لم نر أن هذا البرنامج حقق نجاحا في القطاع لأن المبلغ المخصص ضعيف من جهة ومن جهة أخرى عرف مجموعة من التلاعبات من بعض الوسطاء.
وشدد عبد الغني افريطك، على أنه حان الوقت لتفكير في التكوين والتكوين المستمر للعاملين في المقاهي. وهذا الأمر من بين الأهداف المتوسطة والبعيدة المدى للجمعية، كما أننا ندافع على مبدأ تعميم التصريح في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لجميع العاملين ، وهو ما سيجعلهم يستفيدون من التعويضات العائلية والتغطية الصحية الإجبارية والتقاعد ومن جميع الخدمات التي يقدمها هذا الصندوق... ونسعى للتوصل في المستقبل للتعاقد مع المنعشين العقاريين والقطاع البنكي لتمكين العاملين بالقطاع من قروض التمويل والاستهلاك والسكن الاجتماعي.
وبما أن لظاهرة انتشار المقاهي، انعكاسات اجتماعية، فإن عبد اللطيف كداي، أستاذ علم الاجتماع أن المقاهي ولدت الكسل وثقافة الإحباط لدى عموم المواطنين،معتبرا أن ظهور المقاهي عالميا ارتبط بحاجة الناس إلى التواصل وتبادل المعلومات، خاصة تلك المرتبطة بحالة البلد السياسية أساسا، فكان الناس يجتمعون بغاية التعرف على ما هو حاصل هنا وهناك، لإشباع حاجاتهم في الوصول إلى المعلومة، خاصة في غياب وسائل الإعلام التي لم تكن آنذاك موجودة أو متطورة كما هو عليه الأمر اليوم.
ويرى محاورنا أن الأمر نفسه كان في المغرب، إذ كانت بعض المقاهي في المدن العريقة على هذه الشاكلة خلال فترة الاستعمار وعقود الاستقلال الأولى. لكن عموما المقهى ارتبطت بتمضية وقت الفراغ وباللهو (لعب الكارطا) وبالأكل (لاسيما في الأسواق الأسبوعية). وأشير إلى أنه قد يكون بالفعل للمقهى دور إيجابي في المجتمع إذا ما تم استغلال هذا الفضاء بشكل مثمر وفي أشياء مفيدة للمرتادين وللمجتمع أيضا.
وشدد أستاذ علم الاجتماع أن المقهى اليوم، وبالشكل الذي هي عليه، لا تفيد المجتمع في شيء، اللهم العائد الاقتصادي. فلا هي فضاء للمشاركة أو النقاش العمومي، ولا هي مجال لاستغلال الوقت الثالث في أشياء مفيدة. قد أقول أيضا إنها فرصة الأفراد للهروب من أشياء كثيرة من البيت والأولاد، من العمل الجمعوي والنقابي والسياسي. فما أحوجنا اليوم إلى عدم تضييع هذا الوقت في المقهى، بصرفه في المشاركة الفاعلة في تنمية بلدنا على كافة المستويات... المقهى ولدت، للأسف الشديد، ثقافة الإحباط لدى عموم المواطنين، وبالتالي الكسل في أداء الواجبات خاصة عندما يغادر الموظف مكتبه في اتجاه المقهى في أوقات العمل.. إنها بلا شك مشكلة كبيرة في حياتنا اليومية اعتدنا عليها دون أخذ المسافة النقدية اللازمة. فلا يمكن اليوم في بلدانالعالم المتقدم لشخص ما الجلوس لساعات في المقهى دون هدف أو دون موعد عمل... لنتأمل الياباني أو الصيني وعلاقته بالمقهى. في بعض البلدان قد تجد شوارعبلا مقاهي إطلاقا لأن لا أحد لديه وقت للجلوس ولو لدقائق.