السبت 27 إبريل 2024
في الصميم

بار... لمان عبد الإلاه بنكيران!!

بار... لمان عبد الإلاه بنكيران!!

عهد الحسن الثاني لم يكن كله أسود أو سنوات الرصاص فقط، بل كان أيضا عهدا تميز ببعض الإشراقات، من أهمها أن المغرب كانت له نخبة سياسية من عيار ثقيل وكانت لها الجرأة لتقول للملك الراحل "لسنا مستعدين للتعامل مع حكومتك من ضمنها إدريس البصري". وهذا الرفض الذي أطر له قادة وطنيون أمثال امحمد بوستة وعبد الرحمان اليوسفي شكل القشة التي قصمت ظهر التناوب الأول الذي فشل عام 1992، واضطر معها المرحوم الحسن الثاني إلى مخاطبة النخب الوطنية بلغة صارمة رفعت من قيمة إدريس البصري بشكل جعلته من المقدسات. ومع ذلك لم تشفع تلك الصرامة والقداسة الجديدة للوزير البصري في تغيير موقف النخب الوطنية، إلى أن اضطر القصر إلى التنازل وتمت صياغة دستور جديد عام 1996 صودق عليه لأول مرة بالإجماع من طرف أغلبية المكونات اليسارية، وهو التصويت الذي اعتبر آنذاك بمثابة التمهيد الأولي لإنجاح التناوب بعد أن أزيلت التحفظات التي سطرت ضد سياسة البصري الذي أدمج في حكومة التناوب بالشروط التي اتفق عليها طرف العملية الانتقالية السياسية (أي القصر والوطنيين)، علما أن دستور تلك الفترة لم يكن ذا سقف عال مثلما هو الحال مع دستور 2011.

اليوم ظل المغرب في حدوده الترابية الحقة، ولم يتغير أي شيء، اللهم التغيير الذي عرفه اللاعبون في الحقل السياسي. فالملك الحسن الثاني اختاره الله لجواره والأستاذ عبد الرحمان اليوسفي اعتزل السياسة.

اعتلى عرش المغرب ملك جديد التزم بنفس دفتر التحملات الذي توافق عليه المغاربة منذ قرون، بل وزاد عليها ميزة إضافية، ألا وهي الالتزام بالخيار الديمقراطي كأحد الثوابت الجديدة للمملكة. وهو ما لمسه المواطن في أكثر من محطة عكستها بالأساس محطة الخطاب الملكي ليوم 9 مارس وما تلاه من دستور لم تكن الطبقة السياسية تحلم بنفسها بالسقف الذي جاء به. لكن الخطأ ليس في المشرع الدستوري أو في قرار المغاربة الذين صوتوا بأغلبية كاسحة على دستور 2011، بل في الصندوق الانتخابي العجيب الذي قد تخرج منه نخب ليست في مستوى الانتظارات والطموحات، وليست في مستوى تحسين صورة رجل السياسة، وليست في مستوى فتح شهية المغاربة العازفين لينخرطوا في العملية الحزبية والانتخابية (محلية كانت أو وطنية).

الدليل على ذلك أن العهد الماضي الذي كان فيه القمع و"الطيارة" و"الشيفونة" وسجون تازمامارت ودرب مولاي الشريف وتاكونيت وقلعة مكونة وأكدز وسياسة "نخلي داربوك"، تميز بانتصاب نخب سياسية رافضة التعامل مع أقوى وزير في عهد المرحوم الحسن الثاني، بينما اليوم ومناخ الحريات اتسع ومعدل الثقة في المؤسسات انتفخ بشكل صاروخي، لا نجد تلك النخب التي بإمكانها أن ترفض التعامل مع رئيس الحكومة عبد الإلاه بنكيران الذي مرمد صورة "رجل السياسة" وأنزلها إلى الحضيض لدرجة أن المرء لم يعد يفرق بين "البرلمان" و"البار"، بالنظر للكلام السوقي والسلوك الانفعالي غير اللائق ببروفيل ووقار رجل دولة!!

نعم، قد يجلب القاموس المبتذل لرئيس الحكومة بعض الزبناء من المنتمين لأسفل السلم الاجتماعي (وما أكثرهم ببلادنا لشيوع الفقر والأمية)، ولكن المهمة الأسمى لرئيس الحكومة (أي حكومة في أي دولة) هو جر الناس إلى الأعلى لإكثار سواد الأمة من المؤمنين بالكلام العفيف والقاموس الطاهر والسلوك الرزين والخطاب الهادئ. فالمرء بإمكانه أن يذبح خصمه السياسي بالقطن، شرط أن يكون ذا أناقة سياسية، وليس صاحب معجم هلامي.

إن حزب العدالة والتنمية، كره من كره وأحب من أحب، هو حزب له قيمته ومكانته في المعادلة السياسية. وإذا كان الدستور يلزم احترام كل الأحزاب، فحسب علمي ليس هناك نص دستوري يجبر النخب على التعامل مع رئيس حكومة لا يتوفر على "السميك الأخلاقي" في التعامل مع خصومه السياسيين الذين قد يتحاور معهم بالبرلمان غدا أو بعد غد بواسطة "المقلاع" و"التنياش بالحجر".