الثلاثاء 7 مايو 2024
ملفات الوطن الآن

هل يشهر المغرب ورقة «المصالحة» لكسب قلوب الصحراويين؟

هل يشهر المغرب ورقة «المصالحة» لكسب قلوب الصحراويين؟

في خضم التداعيات السياسية لوفاة محمد عبد العزيز المراكشي (زعيم جبهة البوليساريو لمدة أربعين سنة)، تطفو على السطح بعض الوقائع ذات البعد الإنساني، وفي مقدمتها أن يختار الرجل الرحيل مفصولا عن وطنه وأهله وأصوله الاجتماعية والثقافية، ثم يُختار له أن يدفن ضمن المنطقة المغربية العازلة على الحدود المغربية الجزائرية حيث لا مجتمع ولا حياة، ولا أهل ولا أحد.
مثل هذه الوقائع المأساوية لا نعتقد أنها  يمكن أن تمر بلا جراح مضاعفة داخل الجسد الصحراوي المحتجز في العراء، داخل مخيمات تندوف لمدة تفوق الأربعة عقود، وذلك في إطار لعبة إقليمية قذرة، قائمة على  نزاع افتعلته الجزائر منذ بداية سبعينيات القرن الماضي، وهيأت له الأرض و»اللوجستيك» الدعائي والدبلوماسي عبر حلفائها في إفريقيا وأوربا، ومن خلال أذرعها السياسية في المحافل الدولية. ولأن لا أوهام لدينا بخصوص مآل هذا النزاع، وهوية من سيخلف محمد عبد العزيز المراكشي مادام صناع البوليساريو هم من يوجه السياسات ويرسم المستقبل، نتصور أن سيناريو المرحلة القادمة سيظل هو هو حيث لا حرب ولا سلم، ولا يمكن أن يكون للقيادة القادمة في جبهة البوليساريو أي هامش حقيقي لإبداع مسالك مغايرة لما ستقرره العلبة السوداء داخل قصر المرادية بالجزائر العاصمة.
من ثمة يبدو لنا أن بإمكان المغرب أن يلعب ورقة جديدة تراكم مسلسل مكتسباته الإيجابية بعد أن استعاد صحراءه وامتلك أرضها وسماءها وبحرها، وأقام فيها جهدا تنمويا واضحا لم يتحقق حتى في صحراء الجزائر، حيث النفط والغاز يضخ الثروات اللامتناهية. لكن الورقة الجديدة للمغرب ينبغي أن تنحو تجاه اختراقات أخرى بهدف امتلاك الأبعاد الرمزية الأخرى: الصحراويون وقلوبهم بعد أن امتلكنا الأرض والحجارة والعمارة. هنا يمكن أن نشير، مع وجود المسافة، إلى أن بلادنا كانت دائما صاحبة المبادرات في تحريك الملف، وفي التجاوب مع نداءات الأصدقاء الأفارقة والأوروبيين، إحراجا للجزائر ولتابعتها جبهة البوليساريو.
لقد قبلنا مسطرة الاستفتاء سنة 1981، وبعدها قبلنا بعثة «المينورسو»، ووقف إطلاق النار سنة 1991. وفي سنة 2007، قدمنا للمنتظم الدولي مشروع الحكم الذاتي الموسع الذي حظى برضى مجلس الأمن، والقوى النافذة داخله. وفي هذا الإطار يبدو أن من المفيد أن يعلن المغرب ورقة مصالحة جديدة مع المجتمع الصحراوي ومع دعاة الانفصال أيضا، تقوم -في رأينا- على أربع دعائم أساسية:
أولا: إطلاق حوار حقيقي مع المجتمع الصحراوي لنزع التشنج القائم مع السلطة المركزية وإشراك النخب الصحراوية الفاعلة والجادة في كل ما يهم البرنامج التنموي الجديد المسطر خلال الزيارة الملكية الأخيرة. تعلق الأمر بحق الصحراويين في المعلومة ومعرفة المراحل التي قطعها كل مشروع وحقهم في المعلومة حول المونطاج المالي والمؤسساتي، أو تعلق الأمر بأخذ ملاحظاتهم بعين الاعتبار لملائمة التصور مع الواقع لتعم الفائدة ويستفيد منها المواطن مباشرة وتنعكس على مستوى معيشته.
ثانيا: الدعامة الثانية تكمن في إطلاق حوار حقيقي مع دعاة الانفصال في الداخل والخارج، بمساهمة قادة البوليساريو العائدين منذ مدة إلى وطنهم الأصلي، وبإشراك المجتمع المدني ومختلف العائلات السياسية والفكرية بالمغرب. وفي تقديرنا أن الوقت موات لتدشين مثل هذا الحوار، بالنظر إلى عجز القادة الجزائريين اليوم عن اتخاذ المبادرة في هذا الاتجاه أو ذاك، بالنظر إلى وضع البلاد هناك، المنهك على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والمهدد بالتفتيت على ضوء تنامي الاحتجاجات داخل منطقة القبايل المنادية بالانفصال، وبالنظر إلى حالة غياب الرئيس- الجثة، المقعد منذ ثلاث سنوات من جهة، وبالنظر كذلك إلى تفاقم أوضاع المخيمات التي تواصل القيادة الجزائرية عزلها عن العالم من جهة ثانية.
ثالثا: الدعامة الثالثة تقوم على اعتماد المغرب استراتيجية جديدة يجدد من خلالها أدائه الدبلوماسي من أجل اقتحام مساحات جديدة في الفضاءات الدولية، الحزبية والبرلمانية والجمعيات غير الحكومية، وذلك ما لا يمكن تحقيقه بدون التعاون مع النخب السياسية الوطنية في الهيئة التشريعية، ومع النخب داخل الأحزاب والجامعات والمجتمع المدني لاختراق مجالات عمل الخصوم في البرلمان الأوربي، وفي المنظمات الدولية غير الحكومية وفي هيئات الأمم المتحدة.
رابعا: بموازاة ذلك، تقوم الدعامة الرابعة على ضرورة مراجعة المغرب لسياساته الاجتماعية والاقتصادية التي اتبعها باتجاه النهوض بأقاليمنا الجنوبية، وذلك على ضوء النموذج التنموي الجديد الذي نادى به، سنة 2013، المجلس الاقتصادي والاجتماعي والذي أكد فيه ضرورة تغيير السياسات من أجل حكامة مجددة، تشاركية ومتوازنة تنهي مع تعاملات الريع، ومع هيمنة المنطق الأمني على السياسات التنموية، ومع عشوائية التوسع العمراني، من أجل توسيع الديموقراطية وبناء التعاقد وشفافية المقاربات، وتعزيز الثقة بين المجتمع والدولة.
إنها دعامات حرب السلم الجديدة التي يمكن أن يشهرها المغرب، والتي بإمكانها أن تعمل على خلق معادلات جديدة في بنيات الصراع القائم مع الخصوم، وفي واقع المحيط الإقليمي بهدف تحقيق غايات سياسية وإنسانية بليغة.
لا يتعلق الأمر بـ«يوتوبيا» معلقة في الهواء، ولكنها سلم الشجعان الذين يملكون الأرض والقضية، ويسعون إلى امتلاك الأبعاد الإنسانية-الرمزية في النزاع المفروض عليها. وسواء تجاوب الخصوم والمنتظم الدولي مع هذه المبادرة أم لا، فالمغرب سيظل، بكل تأكيد، هو الرابح دائما مادامت لا اختيارات أخرى أمام الخصوم سوى مزيد من هدر الوقت وتعريض أبنائنا في مخيمات تندوف ومستقبلهم إلى مزيد من الإذلال واللاكرامة والقهر والضياع.

 

مراد محمد الامين، إعلامي وفاعل مدني وحقوقي بالداخلة

 

الصحراويون يريدون الاستقرار والقليل من التنمية والكثير من الكرامة

 

لا أعتقد أن الأمر مرتبط فقط بوجود تشنج ما بين المكون الصحراوي والدولة، بل هناك سوء فهم كبير بين الجانبين وسوء تقدير من طرف الدولة للعنصر الصحراوي كيف ما كان موقفه السياسي سواء مع أو ضد.
وعادة عندما نتحدث عن تشنج فإن الأمر لا يعدو عن كونه عطبا مرحليا وجوده مرتبط بزوال مسبباته، لكن القضية هنا أعمق من كل هذا وأشمل.
فقضية الصحراء والدعوة للمصالحة بين الدولة والصحراويين، وإن كانت مبادرة محمودة على كل حال، فيجب أن ينظر إليها من زاوية أعمق.
هذه القضية التي بدأت من خلال فكرة وليدة التطورات السياسية الداخلية والاقليمية التي كان يعيشها المغرب خلال بداية سنوات الستينات والسبعينات على أيدي فتية صحراويين تربوا وتعلموا بمدارس وجامعات المغرب أغلبهم أبناء لعناصر من جيش التحرير المغربي.
هي اليوم وبعد مرور أزيد من أربعين سنة ككرة الثلج تزداد حجما يوما بعد يوم وتلتهم كل ما يأتي في طريقها. ويبدو أن الدولة غافلة عن الاهتمام بعوامل الحسم الأساسية لها، حيث أن جزءا منها داخلي والجزء الآخر خارجي.
فعلى الصعيد الداخلي، الدولة مدعوة إلى رد الاعتبار للإنسان الصحراوي وبناء جسور الثقة معه من خلال تجديد النخب السياسية وإشراك الصحراويين بشكل حقيقي في الدفاع عن قضيتهم من باب الدفاع عن مشروع سياسي يحقق لهم التنمية والاستقرار ويحفظ لهم هويتهم داخل الوحدة الترابية للمملكة.
إذ يلاحظ أنه ومنذ إطلاق المغرب لمبادرة الحكم الذاتي مازال صحراويو الداخل يتساءلون لمن ستمنح الدولة حكمها الذاتي، وهل هو حقيقة موجه لهم، وإذا كان لا يعنيهم في شيء فإن لا شيء آخر يعنيهم.
المغرب، البوليساريو واللوبي الغربي الموالي لها. الجميع اليوم يتحدث عن الصحراويين ويتحدث باسمهم، لكن لا أحد يريد حقيقة الإنصات إليهم، و إذا ما تم ذلك فإنه لا يتجاوز منطق جلسات الاستماع عند الأطباء النفسانيين.
ما يريده الصحراويون اليوم هو القطع مع سياسة الماضي، يريدون الاستقرار والقليل من التنمية لكنهم من دون شك يريدون الكثير من الكرامة.
وإذا ما وفقت الدولة في تدبير الاختلاف من خلال الانفتاح على الجميع وفتحت قلبها للصحراويين فإن الكثير من مشاكل الداخل ستحل.
ويبقى مع ذلك التحدي الكبير الذي ستواجهه الدولة هو كيفية التصدي للوبي الغربي الموالي للبوليساريو والمسنود من طرف لوبيات اقتصادية عالمية نافذة لها أطماعها في الصحراء من قبيل كبرى شركات الطاقة والتنقيب عن المعادن بكل من بريطانيا وأستراليا والدول الاسكندنافية.
ويكفي التذكير هنا أن أشرس المنظمات المناوئة للمغرب في قضية الصحراء تعمل بهذه البلدان، ومكن عملها المتواصل والدؤوب من حشد الدعم والتأييد في أوساط الرأي العام الغربي. وبفضل هذه المنظمات الداعمة تمكنت البوليساريو من التعاقد مع مكتب للوبيين بواشنطن «INDEPENDENT DIPLOMAT» والذي يديره الدبلوماسي البريطاني المخضرم كارن روس، حيث يوفر الدعم والتأطير القانوني، والخبرة في مجال العمل داخل أروقة الأمم المتحدة ومع المنظمات الدولية الوازنة، فضلا عن تصميم وإطلاق حملات للتعبئة بوسائل الاعلام الدولية وبمواقع التواصل الاجتماعي.
هذا المكتب وعمله يجب أن يأخذ على محمل الجد، خاصة ما إذا علمنا أنه كان يوفر الخبرة لحكومة كوسوفو وحركة تحرير جنوب السودان، و هو يقدم الخبرة التقنية والقانونية لحكومة الجربا المعارضة للنظام السوري.
هذه المعركة هي الأخرى لا يمكن أن تحسم لصالح المغرب من دون إشراك العنصر الصحراوي موضوع وأصل القضية، خاصة أن خطاب هذه المنظمات يركز بالأساس على موضوعي حقوق الانسان و استفادة الصحراويين من ثرواتهم، وهي مواضيع ذات صلة بالواقع المعيشي اليومي للصحراويين وهم أدرى بأدق تفاصيله وتشعباته.

 

البشير الدخيل، أحد مؤسسي جبهة البوليزاريو

 

المصالحة مع الصحراويين مقرونة بالإنصاف والكرامة والعدالة الاجتماعية

 

في اتصال هاتفي مع البشير الدخيل، أحد مؤسسي جبهة البوليساريو، بشأن رد فعله بخصوص الأصوات التي ارتفعت مؤخرا مطالبة لإجراء مصالحة بين المجتمع الصحراوي والسلطة المركزية ووأد مواقف التشنج بين الطرفين، أكد هذا الأخير أن «الانتماء لأي دولة معينة يجب أن يسود فيها الإحساس المشترك بين كافة أعضائها تحت سماء العدالة وتكافؤ الفرص وإحقاق كافة الحقوق دون تمييز، وأن تكون دولة منصفة وعادلة وديمقراطيةش. وأضاف البشير الدخيل أن «مشكل الصحراء قديم جدا وراكم العديد من المشاكل والأخطاء منذ سنوات الرصاص»، مؤكدا على «ضرورة فهم عقلية المجتمع الصحراوي». وتحدث عن واقع المجتمع الصحراوي من خلال التسيير وتدبير الشأن المحلي والإقليمي والجهوي بمجالاتنا الصحراوية وما تشوبه من أخطاء، معتقدا أن الأخطاء «لا يمكن أن تحل بالتعويض المادي أو تعيين هذا وذاك بمناصب معينة أو خلق سياسة الريع». واستطرد محدثنا قائلا «إن كل المغاربة من طنجة إلى لكويرة لهم الحق في أن يشعروا بأنهم ينتمون لهذا البلد على اعتبار أن الوطن فوق الجميع»، رافضا بشكل قاطع أن يتم «منح صكوك الغفران وصكوك الانتماء من طرف جهات لا تعي حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها إزاء قضيتنا الوطنية ووحدتنا الترابية»، مشددا على أن «مشكل الصحراء هو مشكل كرامة الإنسان المغربي الذي عانى كثيرا من ويلات الحروب ومن التهميش والإقصاء».
وأكد أن المصالحة مع المجتمع الصحراوي يجب أن يكون شرطها ومنطلقها الأساسي لطي صفحة الماضي وعودة الثقة مقرونا بآليات «الإنصاف والكرامة والعدالة الاجتماعية والمساواة، ليس بالمفهوم الشيوعي أو الخيالي لأن الانتماء للوطن لا ينفذ بالنزوات».

 

محمد عبد الله الكوا، فاعل مدني - كلميم

 

في الحاجة إلى جبر الضرر المدني عنف السلطة في وادنون: كلميم مثالا

 

لقد تآلف الناس في السنوات الأخيرة مع مظاهر السلطة الحاضرة في شوارع كلميم بشكل ملفت للانتباه، بعد ما كان عسكري واحد قادر إلى عهد قريب على ضبط أمن الشارع وطمأنينته بكلميم أو أسا أو طانطان لا لشيء سوى لحظوة المخزن لدى الناس بنوع من الاحترام منذ زمن غير يسير، لكن الأمر بات اليوم مقلقا ،إذ عقب الكثير من أحداث الشارع  وخروج الناس  في هبات مجتمعية من حين لحين ولأسباب موضوعية مطلبية اجتماعية أحيانا، ولأسباب واهية أحيانا أخرى قد تكون تصفية حساب بين  منتخب ورجل سلطة على سبيل المثال، بات الشارع يغلي بالحركات الاحتجاجية ولفئات هشة علمتها الأيام أن الحق يؤخذ بالضغط ولا يعطى، قد لا يكون الأمر بهذا الشكل عاديا في مدن مغربية أخرى، لأنه في كلميم وبعض مدن الجنوب كان من صنع سياسات المخزن القائمة على الريع، وسياسة الريع تعني أن من يستفيد من وضع بلا عمل يؤديه سيكون له ذلك مقابل المساهمة في الإبقاء على الوضع كما يريده صانعو القرار، هادئا إذا تحركت فئات مطالبة بحقوقها فعلا يمتص غضبها ثائرا ومحتجا إذا اقتضى الأمر التجييش لخدمة أجندة وطنية أو محلية، بمعنى أن الشارع أصبح يخضع لصنيعتين مختلفتين تماما صنيعة الحاجة والفقر والمطالب الاجتماعية المتزايدة لفشل الكثير من سياسات الحكومات في سن قوانين للشغل وتمكين الناس من العمل والإنتاج، وتغليب الحكمة والديمقراطية في التعامل مع كافة فئات الشعب، وصنيعة حاجة الحاكمين المحليين منتخبين كانوا أم معينين للبقاء وخلق الاستمرار أو الارتقاء في مدارج السلطة... إن سياسة الريع بهذا الاختيار ولدت حلفاء غير شرعيين لمخزن متحكم في كل شيء تحت طائلة الأمن الوطني، وخلقت في الوقت ذاته فجوة كبيرة بين مستفيدين من وضع الأزمات كأغنياء حرب مهامهم ليست واضحة وتعويضات ريعهم مضمونة ،وبين مستضعفين ينتظرون الإنصاف في الشغل والعدالة الاجتماعية في التعامل مع مصالحهم المتعددة يظهر هذا النوع من الازدواجية في التعامل في بطائق الإنعاش وفي قفة العطايا الرمضانية وفي ملفات التدبير المفوض للنظافة وعمال البلديات والمكلفين بالبستنة، والحراس الليليين، والمطلقات والأرامل، وأبناء المقاومين، والمتقاعدين،إذ لا تعدم أن تجد من لا يستحق بحكم وضعه الإجتماعي لكنه يستفيد من جود المخزن عليه ـ أكانت السلطة الوصية أم شركائها المنتخبون في أغلبيتهم.                                  
إن تغذية الشارع بعطايا الريع جعلت الشارع الكلميمي في كثير من الأحيان سهل المنال لكل من يعرض مقابلا من منتخبي المجال، أو من سلطات الوصاية. فللقائد حرسه وسط جيوش المطالبين للإنعاش، وللوالي خدامه الأوفياء من مسيرين ومستفيدين ولكل فئته التي بها يعيش توازن التسيير والتدبير الاعتباري والسياسي، وللفقراء العزل رب يحميهم، وهكذا يسير الشارع بتآلف مع منطق حسابات المتحكمين في السياسات المحلية، من سلطات ومنتخبين، وهو نوع من العنف الممارس ضد إرادات التغيير ،وضد كل ديمقراطية تجعل الناس يعرفون التزاماتهم، ويؤدون واجباتهم ويكسبون حقوقهم الشرعية بكل اطمئنان وبذلك يتساوى الناس في وطنهم ووطنيتهم بلا مزايدات. ولعل أهم تجليات هذا الفصام في الشارع الكلميمي أن شكلت احتجاجات 20 فبراير بالمنطقة أكبر تجل لهذه الظاهرة التحكمية الفريدة في المغرب، إذ ظهرت على الساحة حركتان وخطابان، حركة تسير مع النداء الوطني على قاعدة الأرضية التي صاغها شباب الحركة وطنيا، وحركة 20 فبراير محلية سماها أصحابها «لوادنونية» جعلت سقفها تصفية حساب رئيس سابق للمجلس الحضري ضد رئيس مسير في حينه لهذا المرفق ،انقلبت بعدها المسيرتان الى صراع مع فئات رابضت أمام مقر منتخب معروف لتحميه شر الانقلاب والفتن فضاع حلم الحالمين بحركة فبراير منسجمة مع خيارات أصحابها. وعم الهلع والخوف والشك من شغب شباب عاثوا في المدينة ضربا وتكسيرا، وهو خيار المخزن المريح في مثل هذه الحالات.
إن هذه الخيارات غير المستقلة وغير الطبيعية التي تغذي شارعا يتعلم أطفاله من اليوم أن سيارة الشرطة عدو وجب محاربته بالحجارة كما على شاشات التلفاز في مناطق أخرى من العالم أكثر لهيبا وحربا، يشكل في الحقيقة شاء مغذو هذه الخيارات أم أبووا، نوعا من العنف الممارس على المدينة وعلى أهل المدينة المعروفون بسلمهم وطاعتهم، وهو نوع من تجييش مشاعر الناس تحت الطلب، مما يولد إدمانا على احتجاج غير متحكم فيه أحيانا حتى من صانعيه بما فيهم المخزن الذي يعنف الناس وهو يروضهم على سياساته. أليست منطقة وادنون المجيشة اليوم بأنواع المخزن الذي يسكن الكثير من الإدارات العمومية متأهبا من مديرية للفلاحة الى مركز تكوينات للتعليم الى فضاءات الولاية وغيرها من المراكز المدنية التي تحولت الى مجالات استثنائية، وما يعنيه ذلك في لا وعي الناس أجمعين، منطقة محكومة بعنف ليست مسؤولة عنه؟ تهيب دائم لعدو غير مرئي؟ أفلا يقتضي ذلك نوعا من جبر الضرر المدني لساكنة ظل تاريخها حافلا بالخدمة الوطنية دون أن تكون كمناطق النزاع التي يمكن أن يجد فيها المخزن مبررا لحضوره اللافت، بدعوى الانفصال أو الارهاب أو غير ذلك من مبررات؟ وهل تبني الوزارات الوصية اختياراتها على دراسة دقيقة أم تختار بلاد الهدوء لكل من سيقبل من رجالاتها على التقاعد، أو للتأديب كما يشاع لدى الكثير من المتتبعين.             

 

أبا حازم ماء العينين،  فاعل مدني - طان طان

 

الإنسان الذي يعاني من الجوع والفقر والتهميش لا يمكنه أن يدشن أي مصالحة

 

ينبغي عقد لقاء مفتوح مع كافة الحقوقيين والجمعويين والمنتخبين الصحراويين من أجل تسليط الضوء على مختلف المشاكل التي يعاني منها المجتمع الصحراوي بكامل الشفافية والمصارحة، وينبغي على الدولة أن تكون لها النية السليمة لتدارس هذه المواضيع مع الفاعلين من أجل إيجاد الحلول السليمة والمنطقية في إطار الوحدة الوطنية وفي إطار السيادة الوطنية وفي إطار ثوابت ومقدسات البلاد، فهناك حقيقة مشاكل، وهناك ما يسمى باقتصاد الريع وهناك ما يسمى بالقروش الكبرى التي تبتلع الحيتان الصغرى.
وفي ما يخص إجراء مصالحة مع سكان الصحراء من طرف الدولة، فينبغي على الدولة أن تكون لها إرادة حقيقية لإجراء هذه المصالحة من أجل التعرف على المطالب الاقتصادية والاجتماعية لسكان الصحراء. فالإنسان الذي يعاني من الجوع والفقر والتهميش لا يمكنه أن يدشن أي مصالحة من أي مستوى كانت، إذ يظل هاجس غياب الأمن والاطمئنان متحكما فيه وبالتالي فعلى الدولة الإنصات لمختلف الفاعلين سواء المدنيين او الحقوقيين أو المعطلين، بعيدا عن المنتخبين الذين يسبحون في المياه العكرة والذين يشكلون عائقا بين المواطن العادي والدولة ويحولون دون إسماع صوته ، وحقيقة فالمنتخبين في الصحراء لا يمثلون السكان. فالعملية الانتخابية في الصحراء تحكمها ميكانيزمات القبلية والولاءات العرفية والتي لا تعبر  عن ارادة سكان الصحراء في الوصول الى مركز القرار.
لابد من التفعيل الحقيقي للجهوية الموسعة كأحد أهم ميكانيزمات المصالحة مع الصحراء، ثانيا نحن بحاجة الى موائد مستديرة ودورات تكوينية حول الجهوية وآليات تفعيلها، فالتنزيل الحقيقي للجهوية الموسعة والبرنامج التنموي الذي اعطى صاحب الجلالة انطلاقته بالعيون هو السبيل الى المصالحة، كما أن مخطط التنمية الجهوية ينبغي أن يناقش. فصراحة الرؤية غير واضحة وينبغي علينا أن نناقش من أجل معرفة مواطن الضعف في الصحراء ومعرفة الاليات التي ينبغي اقرارها من طرف الدولة لكسب رضى الجماهير القاعدية في الصحراء، مع الإشارة إلى أن 10 في المائة من سكان الصحراء هم الذين يستفيدون من اقتصاد الريع، ويستفيدون من الاعتمادات التي ضختها الدولة بالملايير في الصحراء. فالدولة لم تبخل وقامت بالمستحيل من أجل تنمية حقيقية للصحراء، ولكن للأسف لم تجد طريقها إلى التنفيذ على الوجه الأكمل، والعيب ليس في الدولة بل في المسيرين والمنتخبين والقائمين على الشأن المحلي والجهوي. نحن بحاجة إلى حكامة جيدة داخل الأقاليم الجنوبية وبحاجة أيضا إلى إنصاف الفاعلين المدنيين، كما جاء في الخطاب الملكي بمناسبة إطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، أي تفعيل مبدأ التشارك ومبدأ التشاور وإيجاد صيغة حقيقية للخروج من هذه الأزمة وإنجاز مصالحة حقيقية بين الدولة وسكان الصحراء.

 

عبد الجليل الكتاب، مهتم بالشأن المحلي - أسا

 

الدولة الساعية إلى المصالحة مازالت ترتهن إلى منطق القبلية ومنطق الأعيان

 

شكلت قضية الصحراء على امتداد أربعين سنة إحدى القضايا الإقليمية التي لم تراوح مكانها، نتيجة لمتغيرات الواقع الدولي والإقليمي وتداعياتها على المنطقة المغاربية، وإرتباطا بالسياقين السالف ذكرهما، ظلت قضية الصحراء قضية مركزية بالنسبة للمغرب وحاضرة بقوة في كل الخطابات والأنشطة الرسمية، كما تعتبر منطلقا لعدة تحولات سياسية شهدها المغرب أبرزها الجهوية التي تعد إحدى المنتجات السياسية للقضية الصحراوية بجعلها نموذجا مؤسساتيا في إنتظار تعميمه على باقي جهات المملكة.
وصول الملك محمد السادس إلى سدة الحكم وإطلاقه لجملة من المبادرات الإيجابية الرامية إلى ترسيخ دولة الحق والقانون والقطع مع سياسات الماضي، والتأسيس لمفهوم جديد للسلطة وإحداث هيئة الإنصاف والمصالحة التي تسعى إلى تحقيق مصالحة بين المواطن والدولة، لم تنعكس فعليا على واقع المواطنين في الأقاليم الجنوبية، ولم تحدث تلك المصالحة أي وقع على المواطنين بالصحراء بفعل تجذر النخب التقليدية - التي هي بالأساس من صنع الدولة - التي تعمل على تعطيل كل المبادرات ووأدها، والتي كذلك تنتعش وتتقوى باستمرار ببقاء مشكل الصحراء على ما هو عليه. فالمشهد السياسي الحالي وعكس ما يروج له، يتسم بخلوه من النخب الصحراوية التي تضم أطرا وكفاءات التي لم تتح لها بعد فرصة إبراز مؤهلاتها في تدبير ملف تعتبر نفسها مكونا أساسيا من مكوناته، مما يؤكد أن الدولة الساعية إلى المصالحة  لا تزال تنظر بعين الريبة والشك لها، وترتهن بدلا من ذلك إلى منطق القبلية ومنطق الأعيان عبر إنشاء مؤسسات صورية يتسم أعضاؤها بالفساد، والتي ليس لها أي امتداد شعبي ولا تؤدي أي دور في حلحلة مشكل الصحراء حين تشتد الأزمات التي تشهدها القضية على المستوى الدولي، اللهم استنزاف خزينة الدولة، وهو ما ساهم بشكل كبير في تشجيع سياسة الريع وشراء ذمم الصحراويين، بل واعتبارهم كائنات انتخابية وخزانا للأصوات، مما أفرز واقعا اجتماعيا يتسم بالاحتقان والاحتجاج وهيمنة خطاب المظلومية التي طالت الفئات الاجتماعية الهشة، وولدت خلفيات نفسية لديها تعبر عن سخطها واستيائها من الوضع الحالي ورفضها له ولسياسة التعنيف الممارس عليها، وهو ما يتم استثماره إعلاميا، إن على المستوى الداخلي بإنتاج خطابات عنصرية وتحريضية في حقهم وزرع الكراهية والعنف المادي والرمزي (المواقع الجامعية خير مثال)، وإن على المستوى الدولي بإحراج المغرب في مقاربته الحقوقية للأوضاع الاجتماعية. كل ذلك يؤشر على الفشل في إحداث مصالحة حقيقية بين المواطن الصحراوي والدولة المغربية.
فإذا كانت الدولة ترغب حقيقة في إحداث وإجراء مصالحة مع المواطن بالصحراء، فهناك مداخل أساسية لابد منها لزرع الثقة، أبرزها مصالحته مع مجاله، وحفظ كرامته واحترام خصوصيته باعتبارها رافدا أساسيا من الروافد الغنية التي تزخر بها المنطقة. كما يجب أن تتوافر شروط أساسية لتحقيق المصالحة أهمها:
- جبر الضرر الجماعي من خلال توفير أسباب العيش والاستقرار بالمنطقة، وإشراك المواطن الصحراوي في تدبير قضاياه المحلية وإبداء رأيه فيها وجعله محور البرامج التنموية الحقيقية التي تستجيب لحاجياته وتلبي متطلباته المستقبلية.
- اعتبار الكفاءات والأطر الصحراوية قوة مدنية بديلة عن الأعيان والقبيلة، من شأنها تعزيز المصالحة بين الدولة والمواطن بالأقاليم الصحراوية وأن تعمل على خلق توازن إجتماعي بالمنطقة وتشتغل باستقلالية وأن تمتلك من الخبرة ما يؤهلها للعب هذا الدور الريادي.
-  محاربة كل مظاهر التأثيث للصحراويين بمؤسسات لا علاقة لها بواقع المنطقة ولا تعبر عنه، ومحاربة كل مظاهر الفساد والمفسدين وربط المسؤولية بالمحاسبة.
- الجدية في إقرار مصالحة حقيقية من خلال الجدية في إيجاد حلول واقعية وعملية للواقع الاجتماعي بالأقاليم الصحراوية.
ختاما لقد وصلت قضية الصحراء حاليا مستوى من النضج، حيث أصبح لا مجال لارتكاب الأخطاء او تكرارها أو تفويت فرص حقيقية لحلحلة المشكل، وذلك من خلال الوعي والإيمان بضرورة حله وتجاوزه، وتظافر جهود الجميع لذلك من خلال إظهار حسن النوايا والعمل على زرع الثقة وتيسير ولوج الصحراويين إلى المشهد السياسي الفعلي الذي ينتج نخبا تعبر عن إرادتهم وتسهم في طرح برامج تنموية فعلية يكون لها وقع على مستوى عيش السكان بالمنطقة.

 

مربيه البلال، ناشط مدني - العيون

 

هذه هي جذور الجفاء بين الصحراويين ومؤسسات الدولة

 

مع كل منعطف تمر منه قضية الصحراء، يتجدد الحديث عن الاختلالات التي تطبع تدبير الملف، مع التركيز على انعدام الثقة بين الادارة والمواطنيين باعتباره من العوائق الكبرى التي تؤثر سلبا على الجهود التي يبذلها المغرب لإنهاء النزاع.
وبالرجوع إلى الجفاء المتعاظم بين الصحراويين ومؤسسات الدولة، فإن أي محاولة لتحديد أسبابه الحقيقية ستظل قراءة ناقصة تقود إلى نتائج خاطئة ما لم يتم الرجوع إلى الجذور التاريخية للمشكل والوقائع والأحداث التي أزمت العلاقة بين الطرفين، بدءا من فترة الكفاح المسلح ضد الاستعمار الإسباني/الفرنسي للمنطقة، والمعاملة المهينة التي تلقاها أبطال جيش التحرير ورموز المقاومة بالصحراء من مسؤولين بارزين في الدولة، مرورا بالطريقة التي تم بها تفكيك جيش التحرير وإلحاق عناصره وقياداته بالقوات المسلحة الملكية حديثة النشأة آنذاك، إذ جرى تعريضهم لممارسات غير مسؤولة وإجراءات قمعية وتعسفية، ناهيك عن العبارات العنصرية المسيئة التي صدرت من مسؤولين كبار كالجنيرال الغرباوي الذي وصف الصحراويين في حضورهم «عريبات خوت جمالهم»، حيث ولد هذا الخطاب العنصري صدمة قوية في نفوس الصحراويين وخيبة أمل كبيرة تحولت بمرور الوقت إلى نفور من السلطة وتوجس من المسؤولين ورموز الدولة، وهو ما تكرس في بداية السبعينات مع الجيل الجديد من الشباب التواق إلى تحرير الصحراء من الاستعمار الإسباني، فلم تجد نداءاته تجاوبا من الدولة والأحزاب السياسية، وتم التضييق على رموز الحراك الشعبي في مدينة طانطان والتنكيل بهم ليتكرس سوء الفهم مع أبناء المقاومين والنشطاء الصحراويين، ويتحول إلى نزاع محتدم مستمر إلى يومنا هذا مع خلفه ويخلفه من خسائر على جميع الأصعدة تؤثر على الأمن والإستقرار وتقف حجرة عثرة دون تكامل دول المنطقة.  
إن الحديث عن الأسباب التاريخية لأزمة انعدام الثقة بين الصحراويين والإدارة لا يعني إطلاقا أن الدولة لم ترتكب أخطاء جسيمة في مراحل مختلفة من إدارتها لملف النزاع، فهذا الأمر أصبح من المسلمات. لكن يبقى أسوء هذه الأخطاء إضرارا بمصالح المغرب وتأثيرا على جهوده، اعتماد الدولة على مسؤولين في الإدارة الترابية أساؤوا إلى الثقة الموضوعة فيهم وراكموا من الأخطاء ما أسهم في تأزيم موقف المغرب في محطات كثيرة بنهجهم لمقاربة أمنية صرفة، فاقمت من مشاكل المنطقة مع سعيهم الدؤوب لتحقيق مصالحهم الشخصية ومصالح الأعيان والمنتخبين على حساب الساكنة، وإغداق والمنح والإمتيازات على المقربين من أبناء عمومتهم.
إن الملاحظ لسياسات الدولة في الصحراء، لا يملك إلا أن يسجل اندهاشه من استمرار الدولة في الاعتماد على نخب وأعيان عاجزة عن مواكبة التحولات التي تشهدها المنطقة، وثبت عجزها في مناسبات كثيرة  ـ أحداث العيون 1999 و2005 واكديم ايزيك ـ مع افتقادها لأي شرعية سواء كانت تاريخية أو انتخابية واستغلالها لقضية الصجراء لابتزاز الدولة ومراكمة الثروات والامتيازات ونهب الأراضي والسيطرة على المجالس الحضرية والقروية وتوريثها للأبناء، وهو ما أفرغ الحديث عن انتخابات شفافة بالمنطقة من محتواه وجعل من تجديد النخب شعارا فاقدا للمصداقية بسبب غياب الإرادة السياسية لدى الدولة، رغم التكلفة السياسية الكبيرة لبقاء الأوضاع على حالها.

 

أحمد نافع، فاعل مدني - الداخلة

 

11 مدخلا لإنجاح المصالحة مع الصحراويين

 

إن مفهوم المصالحة بين الدولة المغربية وساكنة الأقاليم الصحراوية كجزء من شعبها هو توجه انخرطت فيه مبكرا الدولة المغربية، ولو بشكل غير معلن، وذلك في إطار جهودها الرامية لتعزيز الأقاليم الجنوبية في مرجعيتها الوطنية، وقد تجسد ذلك في تمكين الساكنة وعلى فترات زمنية متتابعة من الانخراط في الجهود التنموية والسياسية التي عرفتها المملكة، حيث ورغم إكراهات الحرب تمكنت الدولة من خلق بنية اقتصادية وسياسية بالأقاليم الجنوبية، وحققت مشاركة فاعلة لساكنتها في صناعة القرار، محافظة في نفس الوقت على الخصوصية المحلية كرافد ثقافي من مكونات الهوية الوطنية. ومع أن هذه المصالحة جاءت في سياق طبيعي لممارسة الدولة لسيادتها، فإنها لم تشمل في أبعادها الداعين للانفصال بحكم رحيلهم وانخراطهم إما قسرا أو اختيارا في مشروع جبهة البوليزاريو بمخيمات تندوف، والذين عاد منهم بعد ذلك الآلاف إلى أرض الوطن لاحقا تلبية للنداء الملكي «إن الوطن غفور رحيم» من جهة، ومراجعة لمواقفهم لأسباب اجتماعية وسياسة من جهة أخرى، لينخرط العديد منهم في المجالات الإدارية والاقتصادية والسياسية. ومع أن الطريقة التي تم بها الأمر لم تكن منهجية، فقد شهدت تفاوتا في الفرص. إلا أنه على العموم يمكن القول إن هذه الفئة استطاعت أن تندمج بشكل مقبول ومقنع داخل النسيج الاجتماعي بالأقاليم الجنوبية. وللوصول إلى مصالحة مع جزء من مكونات الصحراء الاجتماعية ما زال يصر على مواصلة طريق حلم الدولة المستحيل، فإن بلادنا وقطعا للطريق على استمرار بعض القوى الدولية في مساعيها الرامية لضرب وحدتنا مطالبة بأن تسرع في:
l دسترة الحكم الذاتي كمشروع يمكن الساكنة من تدبير شؤونها بنفسها مستندة في ذلك على الجهوية المتقدمة.
l الرفع من وتيرة تنفيذ النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية خاصة في أبعاده الاجتماعية.
l فتح افاق للحوار بين الصحراويين الوحدويين ودعاة الانفصال في إطار اجتماعي وثقافي وليس سياسي
l التأسيس للحوار مع الفئات الصحراوية بالشتات خاصة الدول الأوروبية.
l الانفتاح  بشكل بناء علي الفئات التي ابانت عن استعداد لمراجعة افكارها في اطار التلازم بين واجبات وحقوق المواطنة.
l تعزيز البعد الديني والروحي في قضيتنا الوطنية وحث المكونات الاجتماعية الروحية الصحراوية لتلعب دورها في تعزيز التماسك الاجتماعي ونبذ الفرقة بين افراد هذا المجتمع.
l تعزيز دور الوحدويين في مسار المفاوضات في إطار مؤسسات الدولة المعنية.
l تعزيز المكتسبات الحقوقية والقطع في ظل سيادة القانون مع اي ممارسة تتعارض مع مسيرة بلادنا الحقوقية.
l العمل على التوزيع العادل للثروة خاصة في مجال الصيد البحري في اطار ادماج مهني حقيقي.
l ضمان انخراط الهيئات المنتخبة في الجهود المبذولة من طرف الدولة لمعالجة الملفات الاجتماعية من بطالة وسكن بما يعزز الثقة في هيآتهم.
l تدارك التفاوت الحاصل في ادماج الفئات العائدة الي ارض الوطن خاصة التي عادت حديثا.

 

ماء العينين أمربيه ربه، ناشط سياسي، جهة الداخلة وادي الذهب

 

الصحراوي في صلح متين مع نفسه ومع دولته في ظل هذا المناخ

 

يتلقى المغرب مؤخرا الكثير من الضغوطات من طرف البوليزاريو ومن ورائها الجزائر ومجموعات دولية أخرى بخصوص قضية الصحراء عبر إذكاء وتسليط الأضواء على العديد من الملفات، من أبرزها ملف حقوق الإنسان وملف استغلال الثروات الطبيعية، في معركة طاحنة من أجل تكسير العظام وإدخال المغرب في حالة من المواجهة الدائمة والمستمرة مع المؤسسات الحكومية وغير الحكومية الدولية، ليتأكد جليا أن الهجمة المنظمة والمستهدفة للمغرب ذات طابع استراتيجي تتطلب مواجهة استراتيجية تتمثل في تقوية الجبهة الداخلية في البلاد عموما وفي الأقاليم الصحراوية خصوصا عبر تخليق الحياة العامة وإعلاء قيم المواطنة الحقة والترويج دون مزايدات للمكاسب المحصلة والمحتملة والتدليل على المخاطر المحدقة والتهديدات المنتظرة، وإشراك الصحراويين في تدبير ملف القضية الوطنية عبر تكوينهم وتمكينهم من المعلومة ومن آليات الدفاع والترافع في المحافل الدولية وتصديرهم فيها دون هواجس غير مبررة تفضي الى إقصاء الصحراوي  وتهميشه وتقديم الوطني الولي والموالي على الوطني الكفؤ  القادر على إحداث تغيير في المقاربة التقليدية التي تعتمد على التعاطي مع الحدث بعد وقوعه، بل يجب إسماع من يهمه الأمر من العالم العدو قبل الصديق بالنسخة  من الرواية الخاصة بنا كصحراويين وحدويين التي تجسد حقيقة التنمية والأمن والاستقرار والديموقراطية وتحقق كافة الحقوق المستحقة وفق واجبات وحقوق المواطنة هذا من جهة، ومن جهة أخرى كلما أحس واطمأن المواطن الصحراوي أنه شريك أصيل في صناعة مصيره ومستقبله، ومساهم فعال في الدفاع عن قضيته، ومستفيد من ثرواته وفق عدالة اجتماعية حقيقية لا تروم أساليب الريع، وكلما تيقن أن سيف العدالة لن يطاله إلا بالحق، وكلما شعر بأن التزامات الدولة بخصوص الجهوية الموسعة والنموذج التنموي تحترم، سنجد الصحراوي في صلح متين ووثيق مع نفسه ومع دولته الحاضنة له.