الثلاثاء 7 مايو 2024
ملفات الوطن الآن

هذا هو السيناريو الجديد الذي تحيكه الجزائر لسحق المغرب

هذا هو السيناريو الجديد الذي تحيكه الجزائر لسحق المغرب

إلى حدود 2007، كانت معرفة العديد من المغاربة بجهاز مديرية الأمن والاستعلام (DRS) بالجزائر لا تتجاوز معلومات عمومية، وحدها النخبة العالمة بالمغرب من كانت تدرك خطورة هذا الجهاز ودوره في ازعاج المغرب وانهاكه دوليا من أجل فصل الصحراء عن التراب الوطني.
لكن ما أن طرح الملك محمد السادس المبادرة المتمثلة في «الحكم الذاتي»، حتى بدأ جهاز الأمن والاستعلام الجزائري يخرج من دائرة العتمة إلى دائرة الضوء وبدأ العديد من المغاربة يستأنسون، إن لم نقل متعطشين لمتابعة الأخبار الخاصة بجهاز «الكاجي بي الجزائري».
 نقطة التحول الفاصلة تكمن في أن مبادرة الحكم الذاتي لاقت عام 2007 إقبالا هائلا في معظم العواصم المؤثرة بالعالم لكونها شكلت، ربما، مفتاحا لحلحلة أحد أقدم النزاعات الدولية بالعالم (هناك أربعة نزاعات مجمدة بالعالم وهي: كشمير، قبرص، تاكورني كاراباخ ثم الصحراء)، بشكل جعل الجزائر تحس بـ «المقلب» وبالمخاطر الممكن أن يتسبب فيها تزايد الإعجاب والترحيب بمبادرة الحكم الذاتي، فكان ذاك القرار «التاريخي» القاضي بوضع البيض الجزائري كله في سلة المخابرات العسكرية (تحديدا جهاز الاستعلام والأمن DRS).
نعم، كان شرط وجود هذا الجهاز مرتبطا بلازمتين

1 - محاربة الجماعات الإرهابية طيلة العشرية السوداء التي عرفتها الجزائر عقب الانقلاب على المسلسل الانتخابي الذي مكن جبهة الانقاذ من الفوز في الانتخابات البرلمانية عام 1991.
2 - ومحاربة المغرب بنثر الحصى تحت أقدامه حتى لا تقدم له قائمة وحتى يبقى المغرب مرهونا بملف الصحراء (انظر صيرورة هذا الجهاز منذ ظهور النواة الأولى له في الجزائر في ص: 10).
ومع ذلك يمكن القول إن مديرية الاستعلام والأمن لم تتمكن من خلق متاعب كبرى للمغرب طوال الفترة 1990 و2006، اللهم ما كان من محاولة تصدير الإرهاب للمغرب عام 1994 في حادثة أطلس أسني بمراكش والاستمرار في إرشاء الرؤساء والوفود الأجنبية لحملها للتصويت ضد المغرب خاصة وأن تلك الفترة كانت الجزائر تعرف وهنا بارزا بسبب اللااستقرار المؤسساتي من جهة واستنزافها في الحرب الأهلية من جهة ثانية (انظر افتتاحية هذا العدد) إلا أن النقطة المفصلية - في نظرنا - التي ستجعل الجزائر وجهازها الاستخباراتي يصاب بالسعار هي لحظة تسجيل المقترح المغربي (الحكم الذاتي) بالأمم المتحدة عام 2007.
ففي هذه الفترة علينا أن نستحضر أن الجزائر بدأت تتعافى من الحرب الأهلية وتم اعتماد «الوفاق المدني» وتفوت سلطة بوتفليقة في العهدة الرئاسية الثانية، وهذه كلها عوامل أججت حكام الجزائر للتضييق على المغرب في المحافل الدولية - فبدأت المهمة الرئيسية للمخابرات العسكرية تتضح في خمسة أبعاد:

1 - إحياء تدويل قضية الصحراء.
2 - اللجوء إلى المحاكم وإلى القضاء الدولي لمنع المغرب من الاستفادة من خيرات ترابه بالصحراء،
3 - التضييق على المغرب في دوائر صنع القرار بأوربا وأمريكا تحديدا
4 - زرع الخونة بالمغرب واستقطابهم وتمويل انفصاليي الداخل وتدريبهم على إثارة الفتن والمظاهرات وترويج الاشاعات والأخبار الكاذبة في المواقع الاجتماعية.
5 - إغراق المنظمات الحقوقية الأممية والغربية بـ «تسونامي» من الشكايات الكيدية أو الفيديوهات المفبركة، ضد المغرب من طرف انفصاليي الداخل.
ولتحقيق ذلك التجأ جهاز DRS إلى تقنيات جديدة وأساليب أنيقة في التعبئة والتجييش ضد المغرب: ألا وهي التعاقد مع مكاتب محاماة دولية ومراكز بحث جامعية أوربية لإنتاج خبرة تبدو للعيان بأنها «خبرة» مهنية وجامعية»، لكنها في الواقع خبرة «مخدومة» وموجهة لضرب حقوق المغرب في الصحراء (مثلا: تمويل دراسات حول استغلال الثروات أو الطعن في الاتفاقات الدولية المبرمة بين المغرب وشركائه أو تمويل حملات للضغط على الشركات العالمية بعدم التعامل مع المغرب بتشبيهه باسرائيل التي تحتل فلسطين إلخ...) وهذه الدراسات والحملات لما تنجز من قبل منظمات مدنية أوربية وأمريكية ومراكز جامعية ومكاتب استشارة ومكاتب محاماة غربية يكون لها مفعول «السم» في العقل الكوني، بالنظر إلى أن الرأي العام الدولي لا يكون على اطلاع بأن تلك الدراسات والخبرات والحملات «ليست في سبيل الله»، بل هي ممولة بسخاء شديد من طرف المخابرات العسكرية الجزائرية (DRS) والتي (أي الدراسة والخبرة) تكون مشروطة بكناش تحملات يربط التمويل بتحقيق النتائج.
وهذه الخطة كان يشرف عليها الرئيس بوتفليقة وأخوه سعيد الذي بدأ يضع يده على مختلف مقاليد السلطة بالجزائر. فجهاز DRS لم تعد له كما من قبل تلك الوصاية على الرئاسة (كما طالت مختلف الرؤساء الذين تعاقبوا على الجزائر)، والحرب على الإسلاميين لم تبق بتلك الحدة، وبالتالي لم تبق سوى مهمة واحدة، ألا وهي «دحر العدو المغربي». ورغم أن بوتفليقة وأخاه تركا المال الوفير لجهاز DRS، إلا أن هذه الأخيرة بدأت عمليا في التفكك لتحكم الرئاسة ومحيطها القبضة على كل الملفات الخاصة بالمغرب، بمعنى لم تعد الرئاسة الجزائرية في حاجة إلى وسيط أو جهاز يخوض الحرب مع المغرب، بل تحولت هذه الحرب إلى الشغل الشاغل لقصر المرادية.
وها هي النتائج تظهر مع توالي السنوات:
- في غشت 2008 تم إبعاد فان فالسوم، المبعوث الشخصي للأمين العام الأممي والذي قال قولته الخالدة: «إن دولة «ساحلستان» بجنوب الصحراء ودول الساحل لم يوقف تمددها إلا نموذج الحكامة الأمنية الفعال بالمغرب في الصحراء».
وهو قول بناه من خلاصات وقناعات ميدانية. ليضيف في مقال شهير له بأن «استقلال الصحراء الغربية ليس هدفا ممكنا». فشنت الجزائر عليه حملة شعواء في كل دوائر القرار الأممي إلى أن رضخ الأمين العام الأممي وأبعده من الملف، دون أن يقوم المغرب بحملة شرسة للدفاع عن فان فالسوم.
- في يناير 2009 سينجح اللوبي الجزائري في استقدام كريستوفر روس (سفير أمريكا بالجزائر سابقا) كمبعوث شخصي للأمين العلم الأممي. وهو المبعوث الذي سيوظف مهامه لنسف مبادرة المغرب «الحكم الذاتي» وينحاز بـ «الفن» للطرح الجزائري بشكل جعل المغرب ينزع الثقة عن كريستوفر روس عام 2012.
- في 2012: مرة أخرى نجحت الآلة الجزائرية في تحريك كتائبها ولوبياتها لإعادة فرص كريستوفر روس مبعوثا للأمين العام الأممي في متم عام 2012.
- في مارس 2013 نجح اللوبي الجزائري في حشد دعم الإدارة الأمريكية التي بادرت إلى تقديم مسودة كارثية تتجلى في «توسيع صلاحيات المينورسو لتراقب حقوق الإنسان بالصحراء» وعرضها على أنظار مجلس الأمن الدولي للمصادقة عليها في أبريل 2013، وهو ما اقتضى من المغرب إخراج كل أسلحته الثقيلة لنسف هذا المقترح، وهو ما تم فعلا بعد تدخل الملك وتنقله إلى واشنطن لملاقاة الرئيس أوباما.
- في 2014: تم إدخال الاتحاد الافريقي في الملف عبر تعيين شيسانو (رئيس الموزمبيق سابقا) ليكون مبعوث الاتحاد (والجزائر معا) في ملف الصحراء، علما أن شيسانو هو أحد أشد أعداء المغرب وأكثر الشخصيات الافريقية مناصرة للطرح الجزائري.
- في 2015: المحكمة الأوربية تقضي بقبول طلب البوليزاريو القاضي بفسخ الاتفاق الثلاثي مع المغرب بدعوى أنه يتضمن تصدير منتوجات آتية من مناطق «محتلة» (أي الصحراء)، وهي دعوى تمت بفضل الخبرة القانونية الباهضة الثمن التي سددتها الجزائر لمكاتب محاماة وخبراء دوليين للتأصيل القانوني للملف وتأجيج الجمعيات الاسكندنافية والبريطانية بالأساس حول هذا المحور.

 

صار يجمع بين الهزيمة في بعدها الموضوعي وبعدها الشخصي

 

العداء للمغرب: القاسم المشترك بين مدراء المخابرات العسكرية الجزائرية

 

حمل جهاز المخابرات الجزائرية، منذ إنشائه في نهاية خمسينيات القرن الماضي، الكثير من الأسماء والصفات، بعضها يقترب من توصيف الحالة الموضوعية لما أنشىء من أجله هذا الجهاز برئاسة عبد الحفيظ بوصوف، ولحقيقة ارتباطه بباقي أجهزة الجيش والأمن، وبعضها الآخر يضخم الجهاز إما بغرض التهويل أو التمويه من ذلك. مثلا النعت الذي يوثره الإعلام الغربي عادة حين يتناول هذا الجهاز واصفا إياه بالدولة داخل الدولة، مسندا إليه مهام صنع الرؤساء والسياسات، ولذلك كان يقال دائما إن القرار الاستراتيجي في اختيار الرئيس لابد أن يمر من تلك العلبة السوداء.
مهما تم الاتفاق مع هذا التوجه في القراءة أو الاختلاف معه، فالمؤكد أن هذا الجهاز كان قد اكتسب قوته من قوة مؤسسة عبد الحفيظ بوصوف الذي كان أحد الأرقام الصعبة في مؤتمر الصومام (منطقة بالقبايل) المنعقد سنة 1956، وفي تشكيل الحكومة الجزائرية المؤقتة، سنة 1958، بتشكيلاتها الثلاث حيث تقلد إدارة الاتصالات والتسليح سطر الملامح الأولى لها وسهر على تكوين أطرها. ومن تم صار تعيين كل الرؤساء المتعاقبين يتأسس بناء على عناصر مشتركة بينهم تؤكد اختيارات متطابقة للعقل الجزائري المتحكم، من بينها أساسا العداء للمغرب.
من العناصر المشتركة الأساسية كون هؤلاء الرؤساء  ينتمون إلى المؤسسة العسكرية منذ استقلال الجزائر، بل إن جلهم كانوا قد ساهموا في قيادة النواحي العسكرية بغرب الجزائر(على الحدود مع المغرب)، والأكثر من ذلك أنهم شاركوا في حرب الرمال التي هزمهم فيها المغرب سنة 1963، ولذلك صار العداء للمغرب يجمع بين الهزيمة في بعدها الموضوعي، وفي بعدها الشخصي، وهذا معطى ضروري في التشخيص والفهم،  ولذلك أيضا يذهب بعض المحللين إلى القول إن سياسة العداء ستظل قائمة ما دام جيل «حرب الرمال» هو الذي يحكم الجزائر.
جل رؤساء هذا الجهاز كانوا كذلك في صلب المخطط الجزائري الرامي إلى التشويش على مسلسل استكمال بلادنا لوحدتها الترابية. بل إن بعضهم كان قد ساهم في تكوين خلايا البوليساريو، وفي تدريبهم العسكري، وفي الإشراف على عمليات مناوشاتهم للتراب المغربي خلال فترة ما قبل وقف إطلاق النار، وبناء الجدار الأمني.
أما العنصر المشترك الثالث  بين هؤلاء الرؤساء فيكمن في كون جلهم كانوا قد خضعوا إلى تداريب بجهاز المخابرات (KGB) التابع للاتحاد السوفياتي البائد. وهو ما أصبغ على الجهاز الجزائري نفس سمات الاتحاد السوفياتي بدءا من طابع الانغلاق التام، وصولا إلى الامتداد نحو أن يكون الجهاز حاسما في بناء السياسات العامة للبلاد.
ليست الصدفة فقط هي التي تحكمت في اختيار هؤلاء، ولكنها إرادة العقل المتحكم هناك، تماما كما أن الصدفة ليست وحدها من جعل قادة التحرير الجزائريين، الذي كانوا يؤمنون بوحدة المغرب العربي ويتبنون سلوكا مستقلا، كانوا دائما يوجدون على نوع من المسافة مع العقل المتحكم من قبيل الحسين آيت أحمد ومحمد بوضياف على سبيل المثال.
مجمل القول إن قرار صنع رئيس جهاز المخابرات كان يتطلب الكفاءة والخبرة مضافا إليها شرط العداء للمغرب.

 

بعد أن أزاح الجنيرال مدين

 

سعيد بوتفليقة.. «رب الجزائر الجديد»!


وصفه الجنرال المتقاعد ووزير الدفاع الجزائري السابق خالد نزار في كتابه «بوتفليقة: الرجل وما أنجز» بـ «الطفل المدلل»، وصنفته مجلة «جون أفريك» ضمن الـ 50 شخصية الأكثر تأثيرا في الجزائر. وهناك من يطلق عليه «اللغز المحير»، أو «البيغ بوس» أو «رجل الظل» أو «رب الجزائر الجديد»؛ أو «الرئيس مكرر».
إنه سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الجزائري ومستشاره الخاص الذي استطاع، منذ 1999، أن يلفت له الأنظار، حيث تمكن، رغم الخيوط التي حيكت حول ورطاته الكثيرة من فك إغلاق ملفات الفساد التي انغمس في أوحالها مع «سوناطراك» و«بنك الخليفة» و«الطريق السيار»، بل انتهى، بدهائه، إلى إزاحة القيادات التاريخية لحزب التحرير، والاستحواذ على آلة الحزب وإرسال الأقوياء، بمن فيهم عبد العزيز بلخادم، إلى «التقاعد القسري». كما تمكن من «تقويض» صروح المؤسسة العسكرية، وعزل الجنرال القوي «توفيق». وبعد ذلك، كما يقول الإعلامي الجزائري توفيق دراجي، «راح يتفرغ لاستكمال ورقة الطريق التي رسمتها فرنسا عندما كان الرئيس يتداوى من وعكته الصحية في باريس، وزاد من رتمها بعد قرار هولاند الأخير بضرورة استمرار بوتفليقة وجماعته في الحكم لإتمام العهدة الرابعة، والانتهاء من المهمة القذرة المتمثلة في تفكيك جهاز المخابرات وتكسيره انتقامًا منه، وتعويضه بجيش من المخبرين والانتهازيين والرديئين وأصحاب المال الفاسد، في انتظار استكمال سيناريو خلافة بوتفليقة الذي لن يخرج عن إطار الجماعة التي اختطفت الجزائر!».
ويرى الملاحظون أن سعيد بوتفليقة، شأنه شأن شقيقه، لن يسمح بأي تقارب مع المغرب، ما دام التوازن السياسي الداخلي الذي ترعاه المؤسسة العسكرية، مبني على أساس معاداة المغرب، وعلى نبذ أي تقارب ممكن مع الرباط. حيث يعتبر قادة قصر المرادية أن نهاية النظام الجزائري الحالي لن تأتي سوى بالدخول في وفاق مع المغرب، وأن نهاية الحرب الباردة هي نهاية لمصالحهم في الجزائر. ولذلك لا ينبغي النظر بارتياح إلى انتقال الخلافة إلى الشقيق الأصغر للرئيس، بل على المغاربة أن يترقبوا أياما عصيبة إذا ما استطاع هذا الأخير الوصول إلى كرسي الرئاسة.
ويعتبر سعيد بوتفليقة، الآن، كما تشير إلى ذلك العديد من التقارير، الورقة الرابحة للرئاسة حتى أن بعض القادة الجزائريين في صفوف المعارضة (وعلى رأسهم السعيد سعدي، الأمين العام السابق لحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية)  لا يتورع من القول إن الرئيس بوتفليقة يتعامل مع شقيقه كما لو كان كرسيه المتحرك وصوته وأذنه، وأنه لا يخفي نيته في تنصيبه خليفة له، ولهذا، فإنه آخذ في إزاحة كل المنافسين من طريقه حتى تخلو له البلاد والعباد، فينقض بهدوء على الحكم كأقوى رجل في الجزائر، ما دام يمسك بجميع الخيوط ويعرف جيدا كيف يحركها ويتلاعب بالدمى العالقة بها.
إنه لا يتكلم كثيرا مثله مثل لاعب الشطرنج، لا يقوم بنقلة إلا بعد تأمل وتخطيط. وهنا تكمن خطورته لأن لا أحد يعرف نواياه الحقيقية. وهو الأمر الذي جعل وزارة الخارجية الأمريكية تطلب، وفقا لوثائق سرية كانت قد سربت في وقت سابق من موقع ويكيليكس، خلال سنتي 2008 و2009، من دبلوماسييها في الجزائر وفرنسا والمغرب وتونس النبش وراء هذا الرجل «السري والكتوم».
وغير خاف على أحد أن سعيد بوتفليقة ترعرع، بعد وفاة والده سنة 1958، في أحضان والدته منصورية وشقيقه الأكبر عبد العزيز الذي عامله كما لو كان ابنه الحقيقي. ومن ثم، هذا العطف الكبير الذي يبديه الرئيس نحوه، رغم أخطائه وتورطه في ملفات فساد ضخمة كان بإمكانها أن تجعله يقضي ما تبقى من حياته وراء القضبان.
 وحسب المتتبعين، فإن قوة صغير أسرة بوتفليقة لم تبدأ بالنمو الفعلي سوى قبل سنة من نهاية السنوات الخمس الأولى للحكم، ليتحول إلى «عيون وآذان» رئيس الدولة التي لا تنام. إذ أصبح الشخص الوحيد المخول له الدخول على الرئيس دون سابق إعلان. وبعد ذلك، اتسعت رقعة القوة تدريجيا، واستطاع، أن ينسج علاقات وثيقة مع رجال الصحافة المؤثرين وبعض الوزراء الذين كان يلتقيهم مساء في المطاعم أو في بعض الأماكن السرية الخاصة، كما تمكن من التودد للجمعيات ومنظمات المجتمع المدني التي تمتلك خيوط أسرار شركة النفط الحكومية «سوناطراك» ووزارة العمل الاجتماعي والتضامن الوطني، وبدأ يدير خيوط اللعبة بغير قليل من التهور وضرب هذا بذاك! بل إنه  استطاع أن يجرف الساحة السياسية لمصلحته، فاخترق جميع الأحزاب وجعلها بلا قيادات فعلية مالكة لقرارها السياسي، وحاول اختراق جميع المؤسسات الأمنية والإدارية والرقابية والقضائية في الدولة وزرع عيونه هنا وهناك، إلى أن تمكن أخيرا من دفع القوة الضاربة في الجزائر (مدير المخابرات العسكرية) إلى الاستقالة، وهو ما يشي ببداية عهد آخر يسود فيه ويحكم «طاغية الجزائر الجديد» الذي تنتظره جولة أخيرة أمام ملفات الفساد التي أخرجها خصومه، والتي ظلت حبيسة أدراج مكاتبهم، لعلها تردع الفتى الحالم بالحكم.. وتنقذ الجزائر من لعنة التوريث الآخذة في التشكل.

 

رسائل الاستعراض العسكري الجزائري على الحدود المغربية

 

بعد تناسل الضربات ضد المغرب في الآونة الأخيرة، بدءا من زيارة الأمين العام الأممي بان كي مون للمنطقة وما تلاها من إشهار تحيزه للطرح الجزائري في ملف الصحراء، إلى تقرير وزارة الخارجية الأمريكية حول الوضع الحقوقي ببلادنا، مرورا بقرار مجلس الأمن الدولي، أبت الجزائر إلا أن ترقص فرحا وانتشاء بإقامة «عرس عسكري» يتجلى في تنظيمها في ماي 2016 لمناورات عسكرية بالذخيرة الحية على مقربة من الحدود المغربية برئاسة القايد صالح وزير الدفاع.
«العرس العسكري» الذي أخرجت فيه الجزائر عنادها الثقيل وشاركت فيه كل الجيوش، توخت منه إرسال مجموعة من الرسائل إلى الخارج وإلى الداخل.
فخا رجيا رغبت المؤسسة العسكرية والرئاسة الجزائرية إبراز أن الجزائر هي «واحة حقيقية» وسط صحراء مغاربية ملتهبة (تونس هشة، ليبيا تائهة، موريتانيا منهكة والمغرب منشغل بملف الصحراء). وبالتالي أراد حكام الجزائر التأكيد على أن كل من يود من القوى العظمى الدخول للمنطقة المغاربية عليه الدخول من «البوابة الجزائرية» للحصول على «تذكرة» الولوج، علما أن الحلف الأطلسي بدأ يتململ ويحشد قواته في البحيرة المتوسطية ربما استعدادا للتدخل في ليبيا. وهو التحرك الذي تريد الجزائر أن تستغله لتقول للعالم: «إني القوة الإقليمية الوحيدة بالمنطقة، خاصة وأن فرنسا فشلت في مالي، ولامناص لكم من الجزائر».
أما الرسالة الداخلية المراد توجيهها من تلك المناورات العسكرية قتروم التهيء لما بعد بوتفليقة لإبراز هيبة الدولة، وبالتالي يكون الاستعراض العسكري، موجه للاستهلاك الداخلي لو أد كل من يتطلع لاستغلال وفاة الرئيس بوتفليقة ليغير معلم المشهد السياسي بالجزائر.

 

المدراء الذين تعاقبوا على مضخة إنتاج الحقد الجزائري ضد المغرب

 

عبد الحفيظ بوصوف:

مؤسس المخابرات الجزائرية  منذ تأسيس أنويتها الأولى سنة 1954، ورئيسها إلى غاية سنة 1958، بحيث ترأس لجنة التنسيق والتنفيذ منذ انعقاد المجلس الوطني للثورة سنة 1957، وعين وزير للاتصالات العامة في الصيغتين: الأولى برئاسة فرحات عباس، ووزير التسليح والاتصالات العامة في صيغتيها الثانية برئاسة فرحات عباس والثالثة برئاسة يوسف بن خدة إلى حين سنة 1962 (تاريخ استقلال الجزائر). قبل ذلك كان قد تولى مهاما عسكرية منذ انطلاق الثورة، من بينها قائد الولاية الخامسة بمنطقة تلمسان.

 

هواري بومدين:

رئيس الجزائر منذ سنة 1965 إثر انقلابه على رفيقه في مسيرة «الكفاح» أحمد بنبلة.
قبل ذلك، قاد الأركان العسكرية الغربية سنة 1958 . ثم رئيس المخابرات سنة 1958 خلفا لعبد الحفيظ بوصوف، وقائد أركان الجيش سنة 1960.
تولى وزارة الدفاع في حكومة الاستقلال (سنة 1962 )، المرحلة التي ستمنى فيها الجزائر بهزيمة مدوية  ألحقها بها جيش الحسن الثاني إثراندلاع حرب الرمال سنة 1963.
يعتبر الرئيس الجزائري الأكثر تعميرا في سدة الرئاسة (من 1965 إلى 1978)، وهي الحقبة التي شهدت  احتضان الجزائر للمعارضين المغاربة والمعارضين لنظام الحسن الثاني، والمعارضين لمسلسل استكمال الوحدة الترابية المغربية. يسجل علي بومدين أنه واجه قرار المغرب بتنظيم المسيرة الخضراء بطرد المغاربة المقيمين في بلاده ضمن ما يعرف هناك بـ«المسيرة الكحلة».

 

قاصدي مرباح:

رئيس المخابرات من سنة 1965 (خلفا لبومدين) إلى سنة 1979، وخلال مرحلته تلك قاد عمليات الإشراف على تدريب البوليساريو منذ بداية سبعينيات القرن الماضي
رئيس الحكومة من سنة 1988، خلفا لعبد الحميد الإبراهيمي
اغتيل سنة 1993

 

نورالدين زرهوني:

انخرط في العمل المخابراتي منذ أيام عبد الحفيظ بوصوف
رئيس جهاز المخابرات من سنة 1979 إلى سنة 1981
بعد ذلك، وفي إطار معادلات التجاذبات داخل الرواق السياسي والعسكري هناك، انتقل إلى العمل الدبلوماسي إذ  عين سفيرا في كل من واشنطن ومكسيكو وطوكيو.
عين وزيرا للداخلية في الحكومة الأولى لعبد العزيز بوتفليقة (1998)

 

لكحل عياط:

رئيس جهاز  المخابرات ابتداء من سنة 1981 إلى غاية سنة 1988
ترأس قبل ذلك مهاما عسكرية حساسة من بينها قيادة  الفرقة العسكرية الثامنة للمشاة بالمنطقة المقيمة على الحدود مع المغرب، وبالضبط خلال لحظات مواجهة بلادنا لفلول البوليساريو.

 

محمد بتشين:

رئيس المخابرات الجزائرية من سنة 1988 إلى سنة 1989
قبل ذلك تولى المهمتين العسكريتين الرئيسيتين في المنطقة الحدودية مع المغرب: - قيادة المنطقة العسكرية بتندوف من سنة 1982 إلى سنة  1984  - قيادة المنطقة  العسكرية بولاية بشار  ابتداء من سنة 1978
عين مستشارا للرئيس لمين زروال سنة 1995.

 

بشير (أوعثمان) طرطاق:

الرئيس الحالي لجهاز المخابرات، خلفا لمحمد مدين
تلقى تكوينه العسكري (اختصاص الأمن) بألمانيا الشرقية (سابقا). انخرط في بداية حياته العسكرية في ما يعرف بالناحية العسكرية الثالثة بمخيمات تيندوف وهناك أشرف على تداريب البوليزاريو. مع احتداد التهديدات الإرهابية في الجزائر ترأس المركز العسكري
تولى قيادة الامن الداخلي (DSI) سنة 2005 بعد أن كان قد أحيل على التقاعد. ومن ثم عين نائبا لرئيس المخابرات الجنيرال محمد مدين.

 

محمد مدين أو (الجنيرال توفيق):

رئيس المخابرات من سنة 1990 إلى 2015
 تلقى تكوينه العسكري على يد المخابرات السوفياتية (KGB)
كان أسمى منصب تولاه في بداية حياته المهنية قيادة الأمن العسكري بوهران في السبعينيات. ثم عين أيام رئاسة
الشاذلي بن جديد قائدا للمعهد العسكري للهندسة، فمديرا للمديرية الوطنية للأمن العسكري من 1980 إلى سنة 1986، حيث تسلم مهمة قيادة الأمن الرئاسي.

 

جهاز الأحقاد الجزائرية من الداخل

 

ترتبط نشأة جهاز المخابرات الجزائرية بلحظة انتباه أطر الثورة الجزائرية إلى ضرورة هيكلة ذاتهم، إداريا وتنظيميا، للانتقال بالكفاح من أجل الاستقلال إلى مرحلة القوة التفاوضية مع الاستعمار الفرنسي. وفي هذا الإطار تأسست الحكومة المؤقتة سنة 1958 برئاسة فرحات عباس، كشكل من أشكال تصعيد المواجهة وتسريع إيقاع التحرير. وقد تكلف بهذا الجهاز يومها عبد الحفيظ بوصوف الذي يصفه مؤرخو الجزائر باعتباره مؤسس المخابرات.
كانت تلك النواة الأولى التي اتخذها التخابر والاستعلام ضمن السياق الجزائري المحدد آنذاك بتجاذبات التفاوض من أجل استقلال البلد الجار، بدعم وإسناد مالي وعسكري من طرف المغرب بقيادة المغفور له محمد الخامس وباشتراك أركان الحركة الوطنية آنذاك. لكن بعد استقلال الجزائر سنة 1962 ستعاد هيكلة هذا القطاع وفق منطق الدولة التي اتخذت، منذ بنائها الأول، شكل الحكم العسكري القائم على مبدإ الحزب الوحيد (جبهة التحرير الوطني)، وشعار استمرار الثورة ضمن إطار الحرب الباردة القائمة ساعتها بين القوتين العظميين.
ومن ثم سيخضع اسم الجهاز وإدارته إلى بعض التعديلات، خاصة خلال إسناده إلى هواري بومدين الذي سيطبعه باسم «الأمن العسكري» (SM)، وسيجدد هياكله وفق تقاليد الاتحاد السوفياتي سابقا، حتى أن هذا الجهاز صار يعرف بالكيان المعادل للمخابرات السوفياتية، ولذلك كان ينعته الجزائريون بالـ (KGB) (انظر ص:  الذي يبرز أن أغلب رؤساء المخابرات كانوا قد تلقوا تداريب لدى السوفيات)

 

لقد كانت المهام بهذا الخصوص محددة أصلا في ما كان يعبر عنه بتثبيت رهان استقلال الجزائر، وتحصينه من كل تبعات الآثار الفرنسية التي تحكمت بالبلاد منذ 132 سنة، ومحددة ثانيا في تثبت أركان السلطة على خلفيات الصراعات الناشئة داخل أجنحة حركة التحرير الجزائرية، والتي سيتم التعبير عنها سنة 1963 من خلال التمرد العسكري لمنطقة القبائل بقيادة الحسين آيت أحمد، ضد على ما اعتبر آنذاك إقصاء الأمازيغ من مراكز السلطة، واستفراد جهات على حساب جهات أخرى.
هنا سيبرز معطى أساسي سيضيف إلى مهام جهاز بومدين مهمة رئيسية تتمثل في توجيه عمل المخابرات نحو المغرب (حليف الأمس وشريكه في معركة التحرير)، ليس فقط لأن نظام العسكر كان يبحث عن عدو موضوعي للامساك المطلق بالسلطة، ولكن أيضا  لتصدير مشاكل الداخل إلى الخارج (انظر المقال ص: 7 الخاص باستعراض العناصر المشتركة بين رؤساء الجهاز الذين اشتغلوا في بداية حياتهم العسكرية بمناطق الغرب الجزائري المجاور للمغرب، وبعضهم تورط في تسليح البوليساريو...).
في هذا الإطار وجهت القيادة الجزائرية الاتهام الرسمي إلى المغرب بدعوى دعم انتفاضة آيت أحمد، خاصة وأن المغرب كان آنذاك يطالب الطرف الجزائري بتسوية مشاكل ترسيم الحدود العالقة منذ زمن الاستعمار. في حينها لم يكتف المغرب بنفي وجود أية علاقة له بالتمرد العسكري لمنطقة القبايل. بل إن المر حوم الحسن الثاني كان قد بادر بزيارة الجزائر العاصمة، في مارس 1963، تلبية لدعوة الرئيس أحمد بن بلا، ولإظهار حسن نية المغرب، وحسب ما يروي ذلك عبد الهادي بوطالب (الذي رافق الملك في الزيارة المذكورة كوزير للإعلام والرياضة والشباب) فقد حمل الوفد معه هدايا سخية ضمنها قطع من العتاد العسكري المتنوع، وثلاثة وعشرين سيارة من نوع مرسيديس مهداة إلى  كل وزراء الحكومة هناك. ومع ذلك فقد باءت الزيارة بالفشل حين رفض الطرف الجزائري كل صيغ التسوية مع المغرب المطالب بحقه الحدودي. بل إن الجيران قد اختاروا التصعيد، وشنوا هجوما على نقط من ترابنا غير المتنازع حوله أبدا مثل مركزي حاسي بيضا وتينقوب، وكذلك نقطة تيندرارة الموجودة ضمن إقليم وجدة، الأمر الذي فجر حرب الرمال بين المغرب والجزائر، والتي انتهت بوساطة قادة من إفريقيا، بعد أن تكبدت فيها الجزائر خسارات مادية ونفسية على حد سواء. وهو ما صار يشكل عقدة العساكر هناك منذ ذلك التاريخ إلى اليوم. وبمنطق الربح والخسارة، فقد خسرت الجزائر على الميدان لكن حكامها ربحوا في اكتساب العدو التاريخي الذي سيعلقون عليه كل مشاكل بلادهم. وهذا بالضبط ما سيجعل جهاز المخابرات يبدل معادلات عمله بحيث جعل مهمة مواجهة المغرب في صدارة المهام الخارجية.
لقد تم ذلك من خلال إيواء معارضي الحسن الثاني، ومدهم بكل أشكال الدعم المادي والسياسي، بحيث صارت الجزائر العاصمة هي قاعدة تحرك أقطاب المعارضة المغربية طيلة مرحلة الستينيات.
في سنة 1965، سيقود هواري بومدين انقلابا على أحمد بن بلا، وسيسلم مفاتيح الجهاز إلى قاصدي مرباح الذي سيواصل مهام التحرش بالمغرب نهاية عقد سبعينيات القرن الماضي، بحيث عمق تلك المهام بكل تفاصيل العمل السري من أجل مواجهة المطلب المغربي باستكمال تحرير ترابه. في هذا الإطار آوى أفراد من الشباب المغربي ذوي الأصول الصحراوية الذين كانوا قد بادروا بطرح موضوع تحرير الصحراء من الاستعمار الاسباني مع الأحزاب المغربية.
هنا كان الجهاز الذي استضاف معارضي الحسن الثاني جاهزا لاستضافة معارضي الوطن هذه المرة. بل إنه لم يكن يكتف بهذا الدور، ذلك أنه نصب نفسه فاعلا أساسيا في التأجير على سير الملف داخل المنتظمات الدولية، خاصة بعد أن طرح المغرب الموضوع على محكمة لاهاي سنة 1974، وبعد إطلاق المسيرة الخضراء في السنة الموالية. وهو الوضع المستمر إلى اليوم.
مع بداية الثمانينيات، تستفيق الجزائر على خطر التنظيمات الإرهابية، وسيتولى جهاز المخابرات الذي تحول اسمه إلى دائرة الاستعلام والأمن (DRS) مهمة الرصد والتتبع، بما فيها محاولات اختراق التنظيمات الإرهابية في أدغال الجزائر، بموازاة مع الإبقاء على خط المواجهة مع المغرب. وفي سنة 1990، سيتولى محمد مدين (أو الجنرال توفيق) قيادة الجهاز إلى غاية سنة 2015، تكرس خلاله اسمه كصانع فعلي للرؤساء كما ينعته الإعلام الجزائري إلا أن مهامه التي مارسها على امتداد ربع قرن لم تجعله فقط صانعا للرؤساء فقط، بل صانع للسياسات بما فيها ترسيخ سياسة العداء ضد المغرب، عبر استمرار الماورات من أجل استمرار التضييق على بلادنا. أما لماذا قرر بوتفليقة عزله في شتنبر 2015، وفك جهازه في يناير 2016، وتحويله إلى جهاز باسم «مديرية المصالح الأمنية «بثلاثة فروع (مديرية الأمن الداخلي، مديرية الوثائق والأمن الخارجي ومديرية الاستعلام التقني) يتولى قيادتها عثمان (أو بشير) طرطاق بارتباط مباشر مع رئاسة الدولة، فالتأويلات تتعدد بسبب تعدد وجهات النظر، لكنها تلتقي في التأكيد على أن قرار بوتفليقة المريض كان هو قرار محيطه الرئاسي الذي يسعى إلى امتلاك القرار الاستراتيجي على خلفيات مشكل الخلافة المطروح منذ سنة 2013. وعلى مستوى المواجهة المباشرة مع المغرب ووجوب تحديد معالمها الكبرى من طرف الرئاسة لكن السؤال الذي يهمنا في هذا الاستعراض التاريخي هو: هل كان قرار عزل مدين، وبعده حل جهاز المخابرات بشكله التقليدي تعبيرا عن قرار الدولة بطي مرحلة التحكم المخابراتي  ذات الجذور العسكرية لفائدة أجهزة الأمن ذات الامتداد المدني كما يذهب إلى ذلك بعض المحللين الرسمين في الجزائر.
الذين يقبلون بمثل هذا التحليل يغيب عنهم معطى أساسي يتمثل في كون النظام في الجزائر هو النظام. إنه الجوهري الثابت بما يعنيه من استمرار إرادة التحكم في الدولة والمجتمع، أما تغيير أسماء الأجهزة وأسماء رؤسائها فما هو إلا المتغير. وهذا ما ينبغي استحضاره في قراءة المشهد الجزائري القائم على الانغلاق. ولأن النظام هو النظام، فالمرتقب لا فقط استمرار التحرش بالمغرب كثابت في استراتيجية حكام الجزائر، ولكن سعيهم إلى تجديد الأدوار والمهام، وهناك اعتباران اثنان يؤكدان هذا التوجه:
الأول تمادي القيادة الجزائرية في دورها المعادي لقضيتنا الوطنية بتنسيق مع حلفائها في الاتحاد الأوربي، وداخل المحفل الأممي والإدارة الأمريكية، وما استقبال الأمين العام بان كيمون بتندوف والجزائر العاصمة، في مارس الماضي، إلا أحد ملامح هذا التمادي. أما الاعتبار الثاني فيتمثل في حاجة النظام الجزائري العتيق إلى العدو التاريخي، خاصة أن قصر المرادية (الأشبه اليوم بعلبة الأسرار) محتاج إلى تأجيج الصراع مع الخارج، ومع المغرب تحديدا لأنه محتاج إلى تمرير صفقة الخلافة لفائدة أبرز مرشحيها الحالين: سعيد بوتفليقة (المسمى حاليا مستشارا خاصا للرئيس، انظر ص: 8)، أو ما يرتضيه هو بعد أن أمم الجيش والأمن ورجال الأعمال لفائدته.
هناك تبرز الدلالة الكبرى لإبعاد محمد مدين، ولتعديل مهام جهازه باتجاه نفس جديد من استراتيجية التحكم في مسارات الدولة والمجتمع هناك.

 

كرونولوجيا الإطاحة بالجنيرال مدين


ـ أبريل 2013: الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يصاب بجلطة دماغية.
ـ شتنبر من نفس السنة، ومباشرة بعد عودته من رحلة العلاج، أقدم الرئيس على إحداث تغييرات في أجهزة الجيش والمخابرات فهمت باعتبارها إجراءات احترازية لما بعد بوتفليقة.
ـ 16 و17 يوليوز الماضي 2015: حادث إطلاق النار في المنتجع الصيفي للرئيس بزيرالدا، (ما تم التعبير عنه في بعض وسائل الإعلام المحلية بمحاولة اقتحام مسلح للمحيط الرئاسي، الأمر الذي فسر كمحاولة انقلاب، أو على الأقل كتعبير عن التصدع داخل البنية المتحكمة).
ـ 28 يونيو: تعيين اللواء محمد العربي حولي قائدا للقوات البحرية، خلفا للمرحوم اللواء عبد المالك نسيب.
ـ 2 يوليوز: ترقية 14 جنرالا إلى رتبة «فريق»، وترقية 47 عقيدا إلى رتبة جنرال
ـ 23 يوليوز: تعيين اللواء مفتاح صواب رئيسا لأركان الناحية العسكرية السادسة عوض اللواء عمار عثامنية،
ـ 25 يوليوز: إقالة اللواء «علي بن داود» مدير الأمن الداخلي، والجنرال،محمد مجدوب، قائد الأمن الرئاسي، واللواء «أحمد مولاي ملياني» قائد الحرس الجمهوري.
ـ 26 يوليوز: تعيين الفريق بن علي بن علي قائدا جديدا للحرس الجمهوري خلفا للواء أحمد مولاي ملياني، وتعيين العقيد عبد العزيز مديرا للأمن الداخلي، وتعيين الجنرال «ناصر حبشي» بقيادة الأمن الرئاسي.
ـ 28 غشت: اعتقال المسؤول عن إدارة مكافحة التجسس الجنرال عبد القادر آيت وعرابي (حسان)، أكبر رجالات الجنرال مدين ، وذلك بتهمة «إتلاف وثائق عسكرية، وعدم الخضوع للتعليمات»، (سيدان في ما بعد بخمس سنوات سجنا).
ـ 10 شتنبر: تعيين الجنرال مناد نوبة قائدا للدرك الوطني مكان الفريق «أحمد بوسطيلة» المحال على التقاعد.
ـ 13 شتنبر: إقالة الجنرال محمد مدين (المعروف بتوفيق) من مهامه كرئيس لأجهزة المخابرات والأمن، وتعيين بدله الجنرال المتقاعد عثمان طرطاق.
ـ الجنرال توفيق يدعو إلى المطالبة علنا برفع الظلم عن الرجل (أي حسان)، وإطلاق سراحه.
ـ 28 نونبر: الجنرال خالد نزار (رئيس أركان الجيش ووزير الدفاع سابقا) يعتبر، في رسالة مفتوحة «إدانة حسان جريمة».
ـ 30 يناير 2016: أحمد أويحيى مدير الديوان الرئاسي يؤكد قرار بوتفليقة بحل جهاز المخابرات والأمن DRS، وتعويضه بمديرية المصالح الأمنية برئاسة الجنيرال.