الجمعة 3 مايو 2024
ملفات الوطن الآن

قضية الصحراء لن تحلّ بنخب «الشيشة» و«الحشيش»!

قضية الصحراء لن تحلّ بنخب «الشيشة» و«الحشيش»!

الاستحقاق التشريعي الذي ستدخله بلادنا في أكتوبر 2016 ليس فقط تاريخا اعتياديا في تراتبية العمل السياسي الوطني، لكنه حدث مفصلي في مشهدنا السياسي الراهن، بالنظر إلى التطورات الشرسة التي يعاينها المغاربة في السنوات الأخيرة، تطورات ليس لها من توصيف في المعاجم سوى كلمة الحرب المفروضة علينا من أعداء الإصلاح والتقدم على المستوى الداخلي، ومن خصوم وحدتنا الترابية على المستوى الخارجي.
هي إذن وضعية حرب يعيشها المغرب على جبهتي الداخل والخارج. وبما أنها حرب ضروس ككل حروب الرهانات الكبرى، فالمطلوب أن تكون على رأس الأولويات إعادة اللحمة للتماسك الوطني، وإعادة الأخلاق للسياسة، من خلال تجديد النخب السياسية. وإعادة الأمل للمغاربة في ممارسة سياسية سليمة.
ومع ذلك يبدو أن كل هذه التحديات الاستراتيجية في واد، واهتمامات نخبتنا السياسية داخل الحكومة، أو في المعارضة في واد آخر. وما يقودنا إلى تأكيد ذلك هو التشريح للممارسة السياسية المنتهجة في مغرب اليوم.
إن عبد الإله بنكيران لا يزال يشعل الحرائق ويخنق المغاربة، في تنكر سافر لبرنامجه الانتخابي المعلن في الحملة الانتخابية السابقة، ولانتظارات المواطنين. وها هي المردودية الاجتماعية لحكومته قد اقترفت المحظور بذهابها بعيدا في الانصياع لتعاليم صندوق النقد الدولي، وهو ما لم تجرؤ الحكومات السابقة على الخوض فيه بمثل الخفة التي تطبع سلوك هذه الحكومة. يتباهى بنكيران بإقفال باب التشغيل في الإدارة العمومية، وبالوفاء للتوازنات المالية على حساب كل ما هو اجتماعي،  بما يعني ذلك من استمرار تدهور الوضع الاجتماعي، خاصة بعد الجفاف الذي ضرب اقتصادنا هذا الموسم. ويتم كل ذلك بعد إقفال الحوار الاجتماعي، واحتداد التوترات الاجتماعية، والتهاب الشارع المغربي الأمر الذي لا يتصور أي منا مآلاته المستقبلية.
أما على مستوى الجبهة الخارجية، فقد كان علينا أن نتعرض إلى هزتين في الحلبة الدولية (نازلة السويد التي أشهرت ورقة الاعتراف بجمهورية الوهم، وموقف المحكمة الأوربية من الاتفاق الفلاحي مع الاتحاد الأوربي، وتصريح الأمين العام للأمم المتحدة بان كيمون الأخير الذي وصف المغرب بـ «المحتل»)، لنكشف هشاشة أدائنا الحكومي، خاصة في ما يتعلق بتدبير أمور قضيتنا الوطنية في الخارج، واكتساح فراغات المنتظم الدولي لفائدة الدعاية الجزائرية ورديفها البوليساريو. وهو الواقع الذي يقتضي ضرورة ممارسة نقد ذاتي لحضورنا في الخارج، هذا الحضور الذي كان دائما يعتبر ريعا سياسيا تخصصه الدولة إما لمتقاعدي الشأن العام، وللأقارب، أولاستدراج عناصر من البناء الحزبي، واللعب على تناقضاته.
الآن، وقد دقت ساعة الحسم يصبح المغرب ملزما بانتهاج سياسة مغايرة تجعل الدبلوماسيين المغاربة في الخارج على جبهة حرب، لا على مشارف النزهة.
جهد آخر مطلوب، في نفس الإطار، يتمثل في ضرورة اكتساح اليسار الراديكالي والخضر، وهذا ما لا يتأتى دون مقاربة تشاركية بين الجهاز الحكومي  واليسار المغربي بكامل مكوناته،  سواء تلك المتواجدة في البرلمان أو خارجه، وذلك نظرا للعلاقات الفكرية التاريخية التي تربطه بالعائلة اليسارية في العالم، ونظرا كذلك للثقة الذي يضعها الخارج في قوى اليسار المغربي بشكل عام.
أما على مستوى المعارضة التي ينيط بها الدستور المهام التشاركية، فتبدو هي الأخرى غارقة في تجاذباتها الذاتية، مع الإبقاء على عين يقظة واحدة، مفتوحة فقط على مهمة واحدة هي الانتخابات المقبلة، أما المجتمع وتحدياته ومآسيه فذلك في اعتبارات المؤجل، غير عابئة بجسامة المخاطر التي تتهدد البلاد. إنها معارضة تعيش مفصولة عن الواقع تماما، مستقيلة من دورها التشريعي الفعال، ومن مساندتها لرفع مظاهر التوتر الاجتماعي، فهي لا تريد تأزيم الأوضاع لأنها غير قادرة على ذلك ذاتيا، ولا تقدم اقتراحات عملية لحل مشاكل التشغيل والصحة والتعليم مثلما تفعل كل حكومات الظل الحزبية كما هو الحال في كل المجتمعات الديموقراطية. وبذلك تنزل الممارسة الحزبية إلى نوع من الكاريكاتور السياسي المذل لواقع الحال، بدليل أن الأحزاب الكبرى في المعارضة لا تضع في مقدمة انشغالاتها الحالية المطالب الاستراتيجية الملحة من قبيل حوار مع العالم حول قضيتنا الوطنية ودور اليمين واليسار، وحول صياغة منظومة اقتصادية لتحريك عجلة التنمية وامتصاص البطالة، أو إطلاق خطط وطنية غير مسبوقة للرفع من القدرات الشرائية للمواطنين، أو لحل معضلات التعليم والصحة على سبيل المثال، أو مبادرة ما لترشيد السياسة عبر مقترح ميثاق شرف جديد للسياسيين في المغرب. عوض ذلك يرتئي حزبا الأصالة والمعاصرة والاستقلال أن يقنعا المغاربة بأن معركة البلاد اليوم هي تقنين زراعة الكيف، وفي هذا الباب يجد قادة هذين الحزبين كل الوقت للاقتراحات لشحذ «السبسي» وتزيينه وملئه بـ«الطابا»، وبذلك تصبح الحرب الحقيقية التي نعيشها داخليا وخارجيا ذات مظهر بارودي: حرب الكيف التي تتبناها المعارضة وتعد لها كل ما استطاعت من بلاغات خطابية و«بوليميك» و«تخراج العينين»، وتقديم الاعتبار الزبوني على الاعتبار الوطني، مقابل حرب الشيشة التي تخوضها أحزاب الحكومة بقيادة حزب المصباح، ضد مقاهي «الشيشا» في محاولة إقناعنا بأنها هي الوكر الوحيد الذي يختبئ فيه أعداء المغرب في الداخل والخارج.
إنه المشهد السياسي الراهن الباعث على الشفقة والحسرة كما تصوغه حكومة التنازلات المتوالية مع معارضة الهواة اليوم.
فهل ينصت السياسيون لنداء الحرب الحقيقية، ولنبض الشارع المأزوم، أم أنهم سيستمرون في العبث بالسياسة والأخلاق فاتحين الباب للمجهول ولبيع الوطن للأعداء؟.

 

خديجة الرويسي، عضو المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة

 

هناك وعي لدى الجميع لرسملة جهود الفاعلين خدمة لقضية الصحراء

 

- يرى المراقبون أن التصريح الأخير لبان كي مون لم يقابل برد قوي وحازم من قبل النخب السياسية التي تبدو غارقة في التحضير للانتخابات التشريعية والتسابق للظفر بالكراسي وقضايا «الشيشة» و«الكيف» بدل الحرص على تعبئة الجبهة الداخلية لمواجهة ما يحاك ضد المغرب، مارأيك؟

+ أعتقد أن ملف القضية الوطنية وتدبير علاقاتنا الخارجية هي أمور أساسية، ولكن هذا لا يعني ألا تهتم النخب بالقضايا الداخلية التي تعتبر أساسية كذلك، فليست هناك مفاضلة بهذا الخصوص. اذن ينبغي تدبير علاقاتنا الخارجية وشؤوننا الداخلية كذلك وبشكل جيد، وأعتقد أن الاهتمام بالقضايا الاجتماعية وقضايا تدبير الأزمات هي أيضا تحظى بالأولوية في بلادنا، ولكن هذا لا يعني عدم الاهتمام بنفس الدرجة بما يجري على مستوى علاقاتنا الخارجية، وخصوصا لما يكون لها وقع مباشر على قضايانا الوطنية، بالإضافة إلى القضايا الخارجية التي لا تعنينا بشكل مباشر في بعض الأحيان ولكن تعنينا بالنظر لأهمية الأمن الدولي والاستقرار الإقليمي، وبالنظر لأهمية الدول التي تربطنا بها علاقات.

 

- لكننا أمام مخطط خطير كشف عنه تصريح بان كي مون يستهدف الوحدة الترابية للمملكة ونحن نعاين ما حدث مؤخرا في السودان التي تم تقسيمها إلى دولتين وهو خطر لا تستحضره الأحزاب؟
+ هناك جهود تبذل في هذا الإطار ونحن بحاجة فقط إلى تظافر الجهود، والجهود الدبلوماسية التي يقوم بها مجلس النواب ليس من الضروري أن تكون مماثلة وبنفس إيقاع الجهود التي تبذلها الحكومة أو المجتمع المدني، فكل موقع يتطلب مقاربة وشكل من أشكال العمل، ولابد من تنسيق هذه الجهود من أجل تكوين رسملة حقيقية لهذه الجهود وأعتقد أن هذه القضية تتطلب الاستمرارية وفق استراتيجية واضحة، مثلا الحفاظ على العلاقات التي نكتسبها في المنتديات الدولية وتطويرها وإعطائها الإمكانية لكي تقدم نتائج، وأن تتحول إلى علاقات دائمة وفق تصور. فنحن نعرف أن العلاقات على الصعيد الدولي تحكمها معادلة «رابح..رابح». فالكل يود تحقيق الربح. إذن، إلى أي حد مجهوداتنا تجعل الآخرين يستفيدون منا سواء على صعيد العلاقات التجارية، الاقتصادية، الثقافية؟ وهل هذه العلاقات تسير في اتجاه تمكين دول أخرى من أن تشعر بالاستفادة من علاقاتها مع المغرب وفي نفس الوقت جعل المغرب يستفيد من هذه العلاقات وهذا يتطلب تصور قبلي مفكر فيه.
 
- هذا يعني غياب تصور بهذا الخصوص لدى الحكومة الحالية؟
+ لا.. اذا كان هناك تصور فينبغي استكماله مع جميع الأطراف ومنها المجتمع المدني، مثلا اللقاء الأخير للحكومة مع رؤساء الأحزاب السياسية بعد الأزمة مع بان كي مون أظنه إيجابيا، لكن ماذا سيتبعه؟ ماذا برمج؟ كي نتمكن من تحقيق مكاسب ملموسة، فعملية التنسيق وتبادل الرؤى لا يمكن إنجازها في يوم واحد بل هي تحضر دائما كميثودولوجيا، وأظن أن هناك وعيا بهذا الخصوص، فالجميع يتحدث عن ضرورة استراتيجية بخصوص تدبير قضية الصحراء. لكن إلى أي حد نجري تقييما كي نجزم بكون هذا الشيء موجودا ومستمرا. وإذا لاحظت فقد كان هناك تدبير ايجابي في العلاقة مع افريقيا، حيث جاء في الخطاب الملكي أن افريقيا هي التي ستساعد نفسها بنفسها، يمكن أيضا النظر إلى السفراء الذين تم تعيينهم في افريقيا، العلاقات بالدول الإفريقية.. ولابد من متابعة دائمة من أجل خلق دينامية بهذا الخصوص.

 

عبد الإله حبيبي، باحث في علم النفس

 

المغربي قد يتألم وقد يقمع، لكنه لن يترك الوطن يضيع

 

في قلب كل مغربي نبض من الوطنية لا يموت، قد يخمد، قد يفتر، لكنه يظل يترقب الظروف ليعلن وجهه صريحا، نظيفا، بملامح الأجداد وصدق الرجال الذين منحوا، يوما، أرواحههم ليحيا الوطن.
هكذا تظل شعلة الوطنية متقدة حتى في أحلك الظروف، توثق اللحمة بين المغاربة، تصهرهم في كيان واحد، ترفعهم إلى مقام شعب يرفض أن يساوم أو يفاوض على وحدته الترابية؛ إنها بلاغة الوجدان المغربي الأصيل الذي لم تلوثه السياسات الانتخابوية، أو تنل منه الانتكاسات الاجتماعية، يحمل في قلبه ألم الخصاص لكن الوطن يظل في منأى عن كل غضب أو فتور.
في خضم هذا الهدير الوطني القوي الذي خرج إلى الشوارع في المغرب وفي الخارج، يمكن قراءة المشهد من زاوية خاصة، أي من خلال حرص المغاربة على وحدتهم رغم الصراعات السياسية والتقاطبات الإيديولوجية التي لم تقوى يوما على تغيير ثقافة هذا الشعب الملتحم في المعارك الكبرى التي تهدد الوطن. إنه تمرين على أن الوطن ليس موضوعا للمزايدة أو المساومة، إنه درس بليغ لكل من يظن أن المشاكل الاجتماعية والاقتصادية قد تسهل عملية اختراق هذا السد المنيع الذي أبان، غير ما مرة، وعبر تاريخه الطويل، أنه قد يجوع، وقد يتألم، وقد يقمع، لكنه لن يترك الوطن يضيع.
أهم انشغال يتعامل معه المغاربة بجدية هو حماية الوطن ووحدة أراضيه، تأمين ديمومته، تمنيعه ضد كل الوباءات التي تحاول غير ما مرة تسميم أحشائه. لهذا لا يمكن أبدا قياس الوعي السياسي للمغاربة بالحدود الانتخابية ومشاريع فرقائها السياسية، بل بصرامة موقفهم عندما يخرجون ليقولوا كلمتهم، جهرا، و بكل بحرية، عندما يشعرون أن هناك خطرا ما يتهدد الوطن. هنا ينبغي التوقف لتحليل هذا الشعور واستخلاص العبر وإعادة تقييم علاقة المغاربة بالسياسة.
إذا كانت النخب السياسة منشغلة بتهييء الأجواء لمعاركها الانتخابية، فإن الشعب منهمك في بناء ثقافة الوطنية التي كادت أن تمحى من القواميس السياسية الجديدة، لا شيء يعلو على حفظ الوطن كأرض وتاريخ وثقافة ومجال جيو استراتيجي، وهواء ومكان الأحلام  والآلام. عندما يعود المواطن لبناء الوطنية فهذا مؤشر مهم على أن أرواح الجماهير يسكنها الحلم بوطن جميل، عادل، آمن، حر، بعيد عن الفتن، محصن ضد كل النزوعات المتطرفة التي تبدأ فكرة بسيطة لتنتهي إلى حروب أهلية.
هكذا يصبح الدرس الوطني هو أن الجرح الاجتماعي لن نتركه يتعفن لينتقل الداء إلى جسم الوطن، وهذا هو دور النخب التي تتسابق إلى المقاعد والمواقع، عليها أن تفهم أن الأمر المستعجل هو  كما يلي: كما يؤسس المواطن البسيط لقدسية الوطن فعليها أن تبادر للتأسيس لمفهوم المواطن بكل ما تحمله هذا الكلمة من ثقل تاريخي قادم من أزمنة الظلام والظلم والاستعمار والاستعباد. ساعتها سيلتحم واجب حماية الوطن بحقوق المواطن الذي بدون  سعادته لا يمكن لهذه الوطنية أن تستمر في التدفق والانهمار في أزمنة الانحسار...

 

خالد الرحموني، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية

 

شاركنا في إنعاش الديبلوماسية والبرلمانية في العديد من المحافل

 

- إلى أي حد تقومون داخل حزب العدالة والتنمية باستثمار علاقاتكم الحزبية دوليا لخدمة القضية الوطنية، وهل يمكن الحديث عن مكاسب ملموسة لخدمة القضية في عهد الحكومة الحالية التي يقودها حزبكم، أم هناك تراجعات بهذا الخصوص؟
+ أولا، لقد استقرت القضية الوطنية كقضية استئناف مسيرة التحرر الوطني في وعينا السياسي والوطني بشكل مبكر، حتى قبل الاندماج في قيادة دفة القرار العمومي من موقع التدبير الحكومي، فإن القضية الوطنية الأولى تحتل المكانة البارزة في اولويات اشتغال العدالة والتنمية وهي تسبق كل الملفات والقضايا الاخرى، بغض النظر عن الموقع الذي نتحيزه سواء كنا في المعارضة ام في التدبير، لسبب بسيط وهو أننا نقاربها من منطق رؤية سياسية تعلي من شأن قيمة الوحدة الترابية والوطنية، رؤية تدمج بين استكمال مسيرة التحرر الوطني والبناء الديمقراطي للمغرب المستقل القوي بوطنه وبكامل ترابه وأبنائه.
فالوحدة الترابية والوطنية، بالإضافة إلى قضية الإصلاح الديمقراطي، تشكلان مرتكزات لازمة لرؤيتنا السياسية ولعملنا النضالي، سواء كنا في موقع المعارضة كالامس ام تحيزنا موقع المسؤولية الحكومية، كما قلت،هذه الرؤية لا تميزنا لوحدنا ولا تجعلنا اطارا متمايزا ومنعزلا عن بقية الصف الوطني والديمقراطي، في انسجام تام مع التوجهات الاستراتيجية للكيان المغربي دولة وشعبا.
وبذلك فإننا نرى أن قضية الصحراء المغربية تتعالى عن كل المواقع والتحيزات والخلافات والحسابات الصغرى، وهي ليست قضية نظام سياسي أو دولة أو سلطة أو نخبة معزولة فحسب، بل هي قضية شعب بأكمله بكل مكوناته وفئاته وقواه، وما التعبير الشعبي المتجسد في المسيرة المليونية الرافضة لإهانة الكرامة الوطنية، إلا خير تعبير على هذا التحديد، والالتزام بهذا الافق الوطني الموحد في الالتزام بالموقف الديمقراطي، بما يجسده الطرح المغربي الديمقراطي المتقدم والمقدر من قبل العالم ، في الجهوية الموسعة والمبادرة إلى تجسيد الحكم الذاتي في الاقاليم الجنوبية المسترجعة.
المعركة اليوم -اذن- هي معركة وجود ومصير، هي معركة ضد دينامية الاضعاف والتجزيء والتفتيت، ولا مجال فيها للحساب السياسي الصغير ولا للمناكفات الشوفينية أوالمزايدات الحزبية، أو الاثارات الدعائية الزائفة، فحزب العدالة والتنمية- كما بقية المواطنين- يقوم بواجبه الوطني المسؤول بما يستطيع وفي إطار المتاح والممكن، وبلادنا تحقق التقدم السياسي في معالجة هذا الملف بقيادة ملك البلاد، وبما يحقق المكاسب الكبرى في صالح حيازة الرهان الوحدوي.
أما الإشكال الاساسي المعرقل للتسوية العادلة والمنصف للقضية، فهو في الأطراف الاخرى -بالذات في القيادة الجزائرية- التي تعاكس قدر التاريخ ومنطق الاشياء، وتمضي في دعم منطق التجزيء والتفتيت، بالتمكين للكيان الوهمي الانفصالي في خطوة رجعية غير مفهومة. ودعني أؤكد لك أن المنطق التجزيئي التفتيتي لن يزيد إلا في إضعاف المنطقة برمتها، ونحن نرى أن الحل المقترح مغربيا لتسوية النزاع عادل ومقبول دوليا وديمقراطي، وهو يفتح المنطقة على دينامية تمكن من استكمال الاندماج المغاربي، في افق انجاح بنيان وكيان  المغرب العربي الكبير ككيان اقليمي موحد ومتضامن.

 

- البعض يتهم حزبكم بالإنشغال بالأجندة الإنتخابية المقبلة وإهمال القضية الوطنية، التي تعد ذات أولوية في الظرف الحالي بعد التصريحات المستفزة لبان كي مون ، إذ كان يجدر بكم إلى جانب باقي الأحزاب الوقوف والتصدي بحزم لكل هذه الإستفزازات من طرف خصوم الوحدة الترابية، وليس الإكتفاء بالتصريحات وإصدار البيانات؟
+ لم يسبق لي أن عاينت مثل هذه الكليشهات والتوصيفات الموجهة ضد حزبنا، والتي تتهمه بالانشغال بالجزئي عن الكلي، أو تهاجمه بكونه مستغرقا جهده في الأجندة الانتخابية عن الانشغال بالاستماتة من أجل القضية الوطنية وبذل وسعه وجهده فيها. بالقطع وبالعكس من كل ذلك، فلم أرى سوى التفاف غير مسبوق واجماع فريد متجدد حول القضية الوطنية المصيرية لبلدنا، من قبل كل الاطراف دولة وشعبا وقوى سياسية ومن ضمنها حزب العدالة والتنمية، ولم اسمع احدا-من العقلاء المعتبرين- يزايد علينا في هذا الموضوع، بل بالعكس رأيت اندماجا كليا في الاجندة الوطنية الديمقراطية. وعلى العكس تماما مما قيل ويشاع، العدالة والتنمية كان في طليعة القوى السياسية الوطنية التي لا تسمح لها ثقافتها الوطنية ولا التزامها الديمقراطي بالمتاجرة بقضايا الإجماع الوطني، أو الاستعمال الانتهازي لها، أو بأعمال الحساب الانتخابي لتراخي في أداء مستحقاتها، حزبنا يتضائل امام متطلبات الاستحقاق الوطني، باعتبار اساسي وهو كونه منحدرا من مدرسة الوطنية الحقة التي تعلي من شأن قضية استكمال التحرر الوطني والوحدة الوطنية والترابية.
لقد شاركنا في إنعاش الدبلوماسية السياسية وتشغيل محركات الدبلوماسية الموازية والبرلمانية في عديد من المحافل، واستثمرنا كل ما لدينا من علاقات وامكانيات للاسهام في تعزيز الموقف الوطني الديمقراطي من القضية، والترافع بشأنها في المحافل الدولية والعمل على تفويت الفرص على خصوم الوحدة الوطنية..

 

- ماذا عن دوركم كحزب داخل الحكومة في حل الملفات الإجتماعية العالقة، والتي يستغلها خصوم الوحدة الترابية لتسديد الضربات للوحدة الوطنية، وهل تمتلكون استراتيجية واضحة المعالم للدفاع عن القضية الوطنية ولم الصف الوطني؟
+ أعتقد ان نسيجنا الوطني -في العموم- سليم ومعافى ومبرء من كل النتوءات والاختناقات والانتكاسات والتراجعات الحقوقية المنهجية، ومن اراد ان يقتحم منطق التأزيم والتأجيج فهو من لا يراعي للمرحلة التي يمر منها البلد، الصورة العامة تسجل تقدما ملموسا-بالرغم من بعض التراجعات المحدودة والمحاصرة والمراقبة هنا وهنالك-.
العدالة والتنمية بمعية حلفائه -وكل المخلصين من ذوي النيات الحسنة- يمضي في تمنيع النسيج الوطني من كل إمكانيات الاحتقان الاجتماعي والتداعي، وهو يعالج القضايا المطروحة على أجندة المرحلة في السبورة الاجتماعية والحقوقية بمقاربة تقوي منطق التوازن العام لصالح المجتمع ولصالح الفئات التي استبعدت من دورة النمو ومن الاستفادة من ثمراته، بالشكل الذي يدعم منطق العدالة الاجتماعية و معايير الانصاف الاجتماعي، وبما يحقق معالجة معقولة للملفات العالقة وذلك بمقاربة تشاركية، وباستحضار واعي للزمن والممكن والمتاح، بعيدا عن اسلوب المزايدة الشعبوية، أو طريقة الشد والتوريط وعدم الالتزام بالتعاقدات.
بالعكس الحرص كل الحرص في المرحلة الدقيقة التي يمر منها الوطن، يتركز على توطيد اركان المناعة الاجتماعية والحوار المسؤول والاسهام في تجنيب البلاد مطبات الاختناق. اما قضية استثمار الخصوم لبعض الاشكاليات، فاعتقد ان الشعب المغربي بكل قواه وفئاته وحساسياته قادر على ابتداع اسلوب حل الاشكاليات العالقة بالحوار والتفاوض واعمال اليات التسوية العقلانية لمناطق الخلاف حول الملفات الاجتماعية العالقة، سواء تعلق الامر بالتقاعد او بعض الملفات الفئوية، او ملفات اخرى، ومجمل المؤسسات السياسية والدستورية ومن ضمنها الحكومة تقوم بما تقتضيه الانصاف والمعالجة المعقولة والمتوازة للاختلالات الواردة في هذا الشأن.

 

عبد المالك إحزرير، أستاذ العلوم السياسية بجامعة المولى اسماعيل بمكناس

 

هل الأحزاب الـ 36 على علم بما يدور في كواليس الأمم المتحدة بشأن قضية الصحراء ؟

 

- تتهم النخب السياسية (حكومة ومعارضة) بأنها في «دار غفلون»، بينما قضية الصحراء في نزْعها الأخير وتشهد «تكالبا» شيطانيا من قبل الجزائر والبوليزاريو والأمين العام للأمم المتحدة، فما تعليقك؟
+ نعاني حاليا من أزمة نخب، نعاني من ضعف كفاءة هذه النخب والدليل على ذلك هو اننا أقمنا الجهوية ويصعب الآن تنفيذ هذه الجهوية بسبب غياب النخب التي ستقود الجهات رغم وجود قانون تنظيمي ولوائح وضوابط. فنحن نفتقد إلى آلية التنفيذ والمتجلية في كفاءة الموارد البشرية. وفي ما يتعلق بقضية الصحراء فأعتقد أن هناك إجماعا وطنيا حول القضية منذ عام 1975 وربما هذا ساهم في المصالحة بين المؤسسة الملكية وأحزاب الحركة الوطنية وطي صفحة الصراع القديم الذي كان بين المؤسسة الملكية وهذه الأحزاب في ما يتعلق بالدسترة، وفي ما يتعلق بالمسؤوليات الدستورية للمؤسسة الملكية والمسؤوليات الدستورية للحكومة...إلخ. وأعتقد أن عام 1975 كانت نقطة تلاقي الإجماع الوطني، ففي كل خطاب سياسي وفي كل موسم سياسي وإلا نعيد التشبث بالإجماع الوطني حول الصحراء، إنما التعبير عن المواقف يختلف، ففي وقت معين كان هناك ثقل كبير للأحزاب السياسية فيما يخص قضية الصحراء، وأذكر بهذا الخصوص البيانات التي كانت تصدر عن الكتلة الديمقراطية ضد الجزائر وضد أعداء التراب الوطني. والآن يسجل تشرذم الزعامات، تشرذم النخب، كما أن الريع السياسي ساهم في إضعاف الأحزاب السياسية، وخير دليل هو كوطا الشباب التي ساهمت في إضعاف الأحزاب.

 

- ولكن مختلف الأحزاب السياسية تؤكد دائما في تقاريرها السياسية وأدبياتها على مغربية الصحراء، لكن العطب الأساسي يكمن في ضعف مبادراتها للدفاع عن القضية سواء داخل المغرب أو خارجه؟
+ الأحزاب السياسية  تفتقد لطاقة المحاججة، فلما يصف الأمين العام للأمم المتحدة المغرب ببلد «احتلال»، كان يجدر بالأحزاب السياسية أن تندد وتذكر بالقرار الصادر عن محكمة العدل الدولية والتي تعتبر جزء من الأمم المتحدة وفقا للمادة 86 من ميثاق الأمم المتحدة والتي أكدت على وجود علاقة بيعة وعلاقات قانونية مابين سكان الجنوب والسلاطين المغاربة. وبالتالي فتصريح بان كي مون يخالف روح قرار محكمة العدل الدولية والأحزاب بحاجة ماسة إلى خطاب قانوني وليس  خطاب عاطفي، فالخطاب العاطفي يمكن أن يقوم به رجل الشارع، الأحزاب السياسية بحاجة إلى خطاب مواجهة وفق الضوابط القانونية وبما تمليه المشروعية الدولية وفق القانون الدولي، ولذلك فالأحزاب بحاجة إلى كفاءات ملمة بدروب القانون من أجل المحاججة بخصوص القضية، فاسترجاع الأقاليم الجنوبية والذي مرت عليه 40 سنة لم يكن مخالفا للضوابط القانونية.

 

- لكن بعض المراقبين يلاحظون، ونحن على أبواب الاستحقاقات الانتخابية وجود نوع من التقصير من طرف الأحزاب السياسية التي غلبت رهان التسابق للظفر بالكراسي الانتخابية بدل التجند للدفاع عن القضية الوطنية، فمارأيك؟
+ لا أعتقد أن هناك تقصيرا من طرف الأحزاب السياسية، ففي وقت معين كانت الأحزاب الكبرى خارج الحكومة لكن بعد تجربة حكومة التناوب أضحت الأحزاب القوية ممثلة في الحكومة، والتصريح الحكومي هو ضمنيا تصريح للأحزاب الممثلة داخل الحكومة، وداخل البرلمان أدلت الأحزاب القوية بدلوها فيما يتعلق بقضية الصحراء بما في ذلك حزب العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية، وهي الأحزاب المشكلة للحكومة، إضافة إلى الأحزاب غير الممثلة في الحكومة وهي حزب الاستقلال وحزب الأصالة والمعاصرة والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. لكن لا ينبغي علينا انتظار المواسم الانتخابية من أجل التصريح بكلام أقرب إلى الشاعرية منه إلى العقلانية، وعلى الأحزاب السياسية مراجعة نفسها فالسياسة ليست هي الانتخابات أو الظفر بالكراسي..

 

- هناك آراء ترى أن الحكومة والنخب السياسية تفتقد إلى استراتيجية واضحة للدفاع عن قضية الصحراء، هل تتفق مع هذه الآراء؟
+ الإجماع بخصوص قضية الصحراء ينبغي أن يتمأسس، وأن نكون كما جاء في الخطب الملكية كرجل واحد، لأن الإجماع الوطني لا يمكن التغاضي عنه بل ينبغي الدفاع عنه بشتى الوسائل وبأساليب تساير العقل وتساير الرهانات الدولية. فهناك دينامية في العلاقات الدولية وأنا أخاف أن تتجاوز دينامية الزمان دينامية أحزابنا فهل الأحزاب الست والثلاثون التي اجتمع معها مزوار على علم بما يجري ويدور في كواليس الأمم المتحدة في ما يتعلق بقضية الصحراء؟ هل هم على علم بالاتصالات المؤثرة في جنيف؟ وهل هم على علم بمحتويات المضامين التي يحملها مبعوث الأمم المتحدة روس؟ أنا أخاف ألا يكونوا على علم بذلك.. وماهي مواقف القوى الكبرى والقوى المؤثرة في هذا الصراع الطويل الذي هو نتاج الحرب الباردة، وضمنه موقف الولايات المتحدة الأمريكية وموقف فرنسا الذي وإن كان شجاعا تجاه المغرب، فإنه يبدو متذبذبا في علاقته مع الجزائر؟ ما هو موقف بريطانيا كعضو دائم في مجلس الأمن؟ ماهو الموقف البارز للروس؟ إذن، نحن بحاجة إلى دبلوماسية قوية وليس من المؤسسات فقط، بل أيضا من الأحزاب.

 

عبد القادر الكيحل، عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال

 

بالعكس، تصريح بان كيمون وحد الشعب المغربي بكل فئاته

 

- كما تتبعت ومن خلال تصريح بان كي مون، فالمغرب يواجه خطر التقسيم على غرار ما وقع للسودان في الوقت الذي تنشغل فيه النخب بنقاش «الشيشة» و«الكيف». فكيف تقرؤون هذه المفارقة؟
+ اليوم الأولويات تختلف باختلاف المرجعيات وباختلاف تعاطي الفاعل السياسي مع القضايا السياسية. ونحن نعتبر أنه عندما يطرح إشكال يتعلق باستقلال البلاد أو الوحدة الترابية نعتبره أولوية ومدعاة لتأجيل النقاش في عدد من القضايا التي تكون مصدر خلاف، باعتبار أن الملف وقدسيته يفرض التنازل عن الاختلاف السياسي، ليس بتوقيف العجلة السياسية والعمل السياسي العادي، وإنما تأجيل النقاش في عدد من القضايا التي تشوش على هذه الأولوية بالنظر لسمو مقام الوحدة الترابية. وفي تقديرنا في حزب الاستقلال فقد قدمنا في تاريخ المغرب تنازلات متعددة سواء عام 1976 أو عام 1977 من أجل الوحدة الترابية، في الوقت الذي كان هناك نوع من التنافر بين الأحزاب السياسية والمؤسسة الملكية، والاختلاف كان من مرحلة الاستثناء إلى ما بعد مرحلة الاستثناء. وبالتالي فلما يطرح ملف الوحدة الترابية فمن المفترض أن تضحي الأحزاب بعدد من القضايا الخلافية، لأن الأولوية هي وحدة التراب. وأعتقد أن القضية الوطنية والوحدة الترابية هي نقطة ضعف حزب الاستقلال، فعند طرح ملف من هذا الحجم نكون مستعدين لتأجيل النقاش في القضايا الأخرى. وأعتقد أن هذا الموضوع ليس وليد اللحظة، فعلال الفاسي كان مختلفا مع توجه «إكس ليبان» والاستقلال المجزء، علال الفاسي توجه بنداء للشبيبة الاستقلالية عند تأسيسها بالاستمرار في النضال من أجل استكمال وحدة التراب، في الوقت الذي كان الآخرون يصفونه بالتائه في الصحراء. وأعتقد أن الموضوع كان من المفروض أن يطرح في إبانه بالقوة اللازمة كي لا نستمر في تبعاته..

 

- في هذا الإطار نلاحظ نوعا من التسابق لجلب زبائن الانتخابات بمختلف الطرق والتركيز على مواضيع لا ترقى إلى مستوى اللحظة التاريخية التي يعيشها المغرب بدل التسابق للدفاع عن القضية الوطنية في المحافل الدولية، مارأيك؟
+ الأولويات تختلف باختلاف المدارس والمرجعيات كما قلت سابقا، فنحن مدرسة الوطنية، وبالتالي فنحن نعتبر القضية الوطنية ذات أولوية، وهناك مدارس أخرى.. وكل واحد سيقييم التاريخ أداءه في كل محطة من المحطات. نحن نعتبر أن هذه المحطة هي محطة أساسية، لأن فيها استهدافا مباشرا من طرف شخصية دبلوماسية دولية وهي شخصية الأمين العام للأمم المتحدة، وبالتالي فالموضوع ليس بالهين. تصريح بان كي مون أعطانا قوة التماسك ووحدة الجبهة الداخلية والتئام الشعب المغربي للدفاع عن هذه القضية، لكننا مدعوون إلى إعادة النظر في عدد من الأمور وضمنها آلياتنا الترافعية ودبلوماسيتنا. فنحن بحاجة إلى عمل قوي ورصين، ونحن اليوم مبادرون ومهاجمون في عدد من المحافل وبحاجة إلى عمل قوي ورصين في ما يتعلق بتكوين الدبلوماسيين من أجل الدفاع عن قضيتنا، مع الإشارة إلى أن التقييم لا يمكن أن يتم عبر تقييم الأحزاب لأداء بعضها البعض. فعمليا المواطن والإعلام هو القادر على تقييم أداء الفاعلين، أما أن نجري تقييما لأداء الآخرين فهذا يدخل ضمن التنافس السياسي، فكل واحد سيعتبر نفسه على جادة الطريق وسلوكه هو الصواب.

 

- إذا استحضرنا البيانات النارية للكتلة الديمقراطية في ما يتعلق بقضية الصحراء ضد الجزائر وضد خصوم الوحدة الترابية، كيف تقيم الخطاب الحالي للنخب علما أن البعض يشير إلى أنه خطاب عاطفي وليس خطاب محاججة، فهل الأمر مرتبط بنقص الكفاءات داخل الأحزاب أم بطغيان المصالح الذاتية؟
+ اليوم وقع تبدل في الحياة السياسية، فمجموعة من القيادات السياسية تستشعر قيمة النضال من أجل وحدة التراب، وليس من الضروري أن تكون كل القيادات تاريخية، فهناك من لم يلقن هذا الدرس، فأجيال 1976 وما بعد 1976 بحاجة إلى استيعاب دروس الوحدة الوطنية داخل الأحزاب الوطنية. اليوم الكتلة الديمقراطية موزعة ما بين معارضة وأغلبية، وهناك دعوات إلى إعادة الروح إلى هذا الإطار، ولكن مع الأسف اليوم هناك تحولات كبيرة تجعل طبيعة المواقف السياسية والقضايا والتحليل ليس بالعمق اللازم. فالجميغ يؤمن بالقضية لكن ليس بالعمق الذي تفرضه القضية الأولى للمغاربة، فهي لا ترتبط بأفق سياسي فقط بل ترتبط بوجدان مجتمعي وكفاح من أجل الاستقلال الذي لا يرتبط بجانب خروج المستعمر، بل ترتبط بمجموعة من القيم والمبادئ التي أسست لها الحركة الوطنية. فاستمرار هذه القيم وهذه المبادئ هو استمرار للدولة ضمن الأفق الذي تم التنظير له، أي دولة المؤسسات ودولة الديمقراطية وحقوق الإنسان، دولة تحترم المواطن، وهذه القيم لا يمكن أن نفصلها عن وحدة التراب.