السبت 4 مايو 2024
ملفات الوطن الآن

صراع «العتبة الانتخابية» هل هو «مخطط» لقتل أحزاب اليسار؟

صراع «العتبة الانتخابية» هل هو «مخطط» لقتل أحزاب اليسار؟

مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات التشريعية في أكتوبر 2016، تتباين مواقف الأحزاب السياسية، كما جرت العادة، حول نسبة «العتبة الانتخابية»، أي الحد الأدنى من الأصوات الذي يشترط القانون أن يحصل عليه كل حزب ليكون له حق المشاركة في الحصول على أحد المقاعد المتنافس عليها في أي دائرة انتخابية، إذ أن الحزب الذي ينال أصواتا أقل من «العتبة الانتخابية» التي يحددها القانون، لا يدخل مرشحوه حلبة التنافس للفوز بالمقاعد، فتلغى هذه الأصوات. هذا التباين في المواقف يمليه صراع القوة بين أحزاب كبيرة وأخرى صغيرة، إذ أن الأولى تدعو إلى الرفع من العتبة إلى حدودها القصوى، والغاية هي محو الثانية من الخريطة بمبرر القضاء على التفتت الحزبي (البلقنة)، بينما تدعو الثانية إلى خفضها أو إلى إلغائها للحفاظ على وجودها، وهي غالبا من أحزاب «اليسار»، مما يدفعها إلى الاندماج وتشكيل تحالفات لقطع الطريق على الأحزاب الكبيرة والحؤول دون تنفيذ مخطط «القتل».
وإذا كان حزب العدالة والتنمية يدافع عن الإبقاء على عتبة 6 %، بل ويدفع في اتجاه الرفع منها، فإنه يعتبر أي تراجع عنها يعتبر تشجيعا على البلقنة والالتباس في المشهد الحزبي والسياسي، عكس حليفه «التقدم والاشتراكية» الذي يدافع عن عتبة إدماجية (في حدود 3 %)، كما يقول أنصاره، تضمن تمثيلية أغلب الأحزاب والحساسيات السياسية. وهو التوجه نفسه الذي سار إليه «الاتحاد الاشتراكي» الذي كان، في ما مضى، من أشد المدافعين عن الرفع من العتبة على أساس الانفتاح على الأحزاب الأخرى لخلق نوع من التقاطب السياسي. وتذهب الأحزاب التي تعتبر نفسها أحزابا «كبيرة» إلى اعتماد 8 % كعتبة انتخابية على المستوى الوطني، على ألا يتم إعلان النتائج على مستوى المناطق حتى يتم التعرف على مستوى تمثيلية الأحزاب على المستوى الوطني. وبالتالي فلن تمثل على مستوى المناطق سوى الأحزاب التي تتجاوز حصتها من الأصوات نسبة العتبة الانتخابية. وهو ما تعتبره الأحزاب الصغيرة رغبة واضحة في الإبعاد، رغم فاعليتها ونضاليتها داخل المجتمع. كما تعتبر ذلك ضربا لمبدإ التعددية السياسية، وانحيازا واضحا لهيمنة بعض الأحزاب المدعمة ماديا ومعنويا من الدولة. وإذا كان الدفع الذي تقدمه الأحزاب الكبرى يندرج في سياق عقلنة المشهد السياسي ومحاربة البلقنة، كما تدعي ذلك. فهل يمكن تفسير استماتتها في الدفاع عن العتبة خارج نسبة الأصوات التي حصلت عليها في الانتخابات الماضية، والتي تجعل شهيتها مفتوحة لتحسينها ومضاعفتها؟ هل يمكن تفسير الرفع من العتبة خارج إرادة الهيمنة وابتلاع الكبير للصغير؟ ألا يعتبر ذلك إقصاء لأحزاب بعينها من التمثيلية البرلمانية عبر استعمال آلية العتبة؟ وبالنسبة للأحزاب الصغرى، ألا يعتبر تمسكها بتخفيض العتبة إلى 3 % أو إلغائها نهائيا بمبرر ضمان مبدأ تكافؤ الفرص بين كل القوى السياسية، اعترافا صريحا بانكماشها الجماهيري وتقلص وعائها الانتخابي وخوفها من نتائج التباري على أساس عتبة مرافعة؟ أليس ذلك إقرارا مسبقا بهزيمة موضوعية؟
 ومهما يكن فإن مبررات هذا الفريق وذاك، رغم وجاهتها، لا ينبغي أن تلغي أن التنافس البناء بين الأحزاب يقتضي تحديد عتبة معينة، باعتبارها آلية ضرورية لإعمال نوع من الفرز بين الأحزاب، على مستوى القوة، والحجم، والامتداد. كما أن تمكين المغرب من خارطة سياسية واضحة ينبغي أن يقوم على أساس احترام التعددية السياسية، بدل إعمال «قانون الغاب» لإعدام الأحزاب المشاغبة.. والتي تتمتع بـ«قوة اقتراحية» كبيرة جدا، وبأطر حقوقية وسياسية ومدنية واقتصادية قادرة على إحداث الفارق، فالمعيار العددي لم يكن دوما هو الحجة على النجاعة والنبل والامتداد الفكري.

 

كريم التاج، عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية

 

رفع العتبة يخدم الحسابات الانتخابية لحزب العدالة والتنمية فقط

 

في ما يخص النقاش الدائر حاليا بخصوص موضوع العتبة فقد كنا دائما نطالب بعتبة إدماجية والتي تضمن تمثيلية مختلف التيارات والأحزاب السياسية داخل المؤسسات، لذا ينبغي وضع حد لبعض الإجراءات التي من شأنها إقصاء الأحزاب من المشاركة في صنع القرار داخل المؤسسات دون أن يؤدي ذلك الى تشرذم المشهد السياسي والمشهد الانتخابي. فنحن إذن مع عتبة إدماجية وليس عتبة إقصائية. أما بخصوص الرفع أو التخفيض من العتبة فهذا يبقى نقاشا مطروحا. والأهم بالنسبة لنا ونحن على أبواب الانتخابات التشريعية  وضمان نجاحها، وكي تنجح الانتخابات، لابد من حصول التوافق ورضى جميع الأحزاب السياسية، انطلاقا من ذلك كان موقفنا من داخل حزب التقدم والإشتراكية مع اقتراح التمثيلية النسبية إلى أبعد حد، يعني توسيع اللائحة الوطنية بما يسمح بتمثيلية وطنية للأحزاب، وهو ما يسمح بوجود تيارات سياسية حقيقية تسمح بانبثاق نخب حقيقية تساهم في تنشيط المؤسسات والرفع من منسوب النقاش السياسي وهو ما سيسمح أيضا في إعادة الثقة للسياسة والسياسي. وأعتقد أن إقرار العتبة ينبغي أن يتم عبر النقاش والتوافق بين العقلاء، والقوانين تخضع للمراجعة فهي ليست قرآنا ، والقوانين ينبغي أن تساير تطور كل مرحلة من مراحل تطور البلاد. وأعتقد أن مطالبة حزب العدالة والتنمية برفع العتبة يناسبه من حيث حساباته الإنتخابية وحجمه السياسي. لكن مع الأسف يتم تغييب الموقف المبدئي بخصوص ضرورة تبني عتبة إدماجية تساهم في تمثيلية مختلف الأحزاب السياسية. وبالتالي تجنب إقصاء باقي التيارات السياسية، وأعتقد أن عقلنة المشهد السياسي ترتبط بالأشخاص الذين تزكيهم الأحزاب وبأداء الأحزاب قبل موضوع العتبة والقوانين وإجراءات أخرى، وأعتقد أن هدفنا من تبني عتبة إدماجية هو ضمان تمثيلية حقيقية للأحزاب وليست الدكاكين الحزبية التي لن تغيير شيئا في الواقع، فأنا أتحدث عن تيارات لها تمثيلية رغم كونها صغيرة وعن الأحزاب الجادة والحقيقية و التي لها حضور في المجتمع والأحزاب التي تهدف الى الإرتقاء بالمجتمع والتي لايمكن إقصائها اذا كنا نتبنى فعلا الديمقراطية، ولا أتحدث عن أحزاب لا وجود لها في الواقع وكل ما تمتلكه هو «شكارة أمينها العام».

 

يونس مجاهد، عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي

 

التركيز على موضوع العتبة يحرف المذكرة التي تقدمنا بها عن مضمونها  الحقيقي

 

للتوضيح، فنحن لم نختر لحد الآن لا تخفيض العتبة إلى 3 في المائة ولا إبقائها في 6 في المائة ولا رفعها إلى 10 في المائة. والأهم بالنسبة لنا هو فتح النقاش حول هذا الموضوع، والمسألة الثانية وهي أننا بعثنا مذكرة للأمناء العامين للأحزاب ولرئيس الحكومة وقضية العتبة لم تحظ فيها سوى بسطر واحد ضمن مذكرتنا التي تتضمن أكثر من 7000 كلمة، بمعنى أن قضية العتبة هي جزئية في مختلف مقترحاتنا. ونحن ننبه مختلف الفاعلين السياسيين والإعلاميين بأن الأمر لا يقتصر فقط على العتبة، فالمقترحات التي تقدمنا بها هي مقترحات شمولية تنطلق من وجود إشكال حقيقي الآن في ما يتعلق بكل الاستحقاقات الانتخابية. والانتخابات الجماعية والجهوية مثال واضح بهذا الخصوص، فلا الرابحون ولا الخاسرون في هذه الانتخابات مرتاحون فالكل يشتكي (الأغلبية ومن المعارضة) من وجود مشكل، فهناك من يتحدث عن التزوير، وهناك من يشير إلى استعمال الأموال والفساد، ومعنى ذلك أن هناك إشكالا حقيقيا في المنظومة الإنتخابية، وفي القوانين الانتخابية وفي العملية التنظيمية للانتخابات. والمسألة الثانية أن الرأي العام بصفة عامة سواء رجال الصحافة أو المواطنين الذين نتحدث إليهم يشتكون من وجود مشكل في التمثيلية داخل مجلس النواب ومجلس المستشارين. وبالتالي فالرأي العام يتطلع إلى أجهزة تمثيلية حقيقية تتجاوب مع مطامحه ومتطلباته. وانطلاقا من هذه المعطيات قدمنا مقترحات شمولية ومن بينها قضية العتبة، فالتركيز على موضوع العتبة في الإقتراحات التي تقدم بها الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية يحرف عمليا المذكرة والمقترحات التي تقدمنا بها عن مضمونها الحقيقي. ومادام أن هناك خللا في الانتخابات، والذي يبدو من خلال استعمال الأموال بكثرة من القطبين الموجودين، فهناك أموال كثيرة تستعمل في الانتخابات ولا تدخل في ميزانية الأحزاب ولا تدخل في المعطيات التي تقدم للمجلس الأعلى للحسابات، وهذه أمور يعرفها البادي والعادي، والتي تقف عائقا أمام فوزنا في الانتخابات. إذن، نحن أمام قطبية مصطنعة فيها الأموال، فهناك من يشتري الأصوات وهناك من يشتريها طيلة السنة عبر الإحسان أو غيره، فلا يمكن للأحزاب التي لا تمتلك الأموال، لأنها لا تجمعها بطريقة لا شرعية، أن تفوز في الانتخابات بالشكل المطلوب أو تنافس بالشكل المطلوب، وبالتالي فالرفع من العتبة إلى 10 أو 12 في المائة يسير في اتجاه تكريس الوضع الحالي والذي يعرف استعمال الأموال في الانتخابات.

 

عبد الواحد بوكريان، منسق برنامج مؤسسة «فريدريك نيومان»

 

تقلب مواقف الأحزاب بشأن العتبة لا يخدم دمقرطة المغرب

 

صراحة، النقاش الحالي بخصوص العتبة هو نقاش التراجع، لأنه من المفترض أن نراكم في المغرب نظريا وفكريا وليس التقدم إلى الأمام تارة وتارة التراجع، فالأحزاب المحترمة في فترة معينة ارتأت إقرار العتبة من اجل عقلنة المشهد السياسي ومحاربة البلقنة وتطوير العمل السياسي. والغريب في الأمر أن بعض الأحزاب التي كانت في السابق تطالب برفع العتبة نعاينها الآن منخرطة في هذا النقاش الذي يعود بنا إلى الوراء، وهذا في نظري لن يخدم الديمقراطية في المغرب. وشخصيا أعتبر 6 في المائة معقولة أما الكلام عن عتبة 10 في المائة فهذا يحمل نوعا من المبالغة. فبفضل العتبة التي تم إقرارها منذ 2002 تبين أن 8 أحزاب هي القادرة على الوصول إلى البرلمان. وفي نظري فأي نقاش سيعود بنا إلى الوراء لن يخدم صيرورة الديمقراطية، وبالنسبة لي فموقف حزب العدالة والتنمية برفع العتبة إلى 10 في المائة يحمل نوعا من المزايدة، علما أن وضعيته الحالية تسمح له بالمطالبة بذلك ولكن السياسة لا تمارس وفقا للأهواء. أما بخصوص موقف حزب التقدم والإشتراكية فيبدو لي منسجما مع ذاته، فمنذ الفترة السابقة وهو يطالب بتخفيض العتبة إلى 3 في المائة، إذ بقي ثابتا في موقفه، والمفاجئ هو موقف الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية الذي كان يطالب بإقرار عتبة تقدر بـ 10 في المائة. لكنه نظرا لفشل تدبيره ونظرا لتراجعه أصبح الآن يطالب بتخفيض العتبة، وهنا يكمن المشكل. فليس من المعقول أن تتذبذب مواقف الحزب تبعا لنتائجه الإنتخابية. وفي نظري النقاش الفكري ينبغي أن يسير في اتجاه البناء. أما بخصوص الموقف المدافع عن رفع العتبة إلى 10 في المائة فمعناه أن من يحصل على 9 دون أن يبلغ 10 ليس له رأي في البلاد وهذا غير معقول والذي قد يؤدي إلى إقصاء 30 في المائة، كما ان تخفيض العتبة في الوقت الذي يعاني فيه المغرب من وجود تعددية حزبية غير مبررة، وليس التعددية المبنية على الأفكار والبرامج والتي تعتبر مطلوبة، فيبدو لي غير مقنع، وأنا لا أفهم وجود ثلاثة أحزاب ضمن الأممية الليبرالية بينما واحد منهم مصطف في المعارضة والآخر ضمن الأغلبية فهذا يخلق التباس لدى المتتبع ، مجموعة من الأحزاب الإشتراكية لاتتمكن من بلوغ 1 إلى 2 في المائة وهذه مناسبة لكي يفكروا بشكل مختلف لإسماع صوتهم اذا كانوا يدافعون على فكرة وإيديولوجية، وقد ناقشت هذا الموضوع مؤخرا مع مسؤولي مؤسسة فريدريك نيومان في ألمانيا التي تعمل بعتبة لا تتعدى 5 في المائة، والتي يعتبرونها نسبة تسمح بتمثيل الأحزاب التي تبلغ عتبة 5 في المائة، مشيرين إلى أنه لا ينبغي إنفاق وهدر المال العام على أحزاب لن تستطيع بلوغ هذا المستوى،. وأنا أتساءل مع الطبقة السياسية المغربية: هل الفكرة هي التي تسبق أم الموقع هو الذي تسبق؟ وفي نظري إذا كنا نناضل من أجل الأفكار فينبغي علينا أن نتشبث بالفكرة التي نؤمن بها حتى وإن كانت النتيجة التي سنحصل عليها ضعيفة، أما تغيير المواقف تبعا للنتائج التي أحصل عليها فالسياسة والمستقبل لا يبنى بهذه الطريقة، كما أن هذه التقلبات لا تساهم في تحقيق التراكمات.

 

 محمد فقيهي، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بكلية الحقوق بفاس

 

هيكلة الأحزاب من الداخل أهم من النقاش حول العتبة

 

يرى محمد فقيهي، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بكلية الحقوق سيدي محمد بن عبد الله بفاس، بأن النقاش حول العتبة في الانتخابات وإن كان هاما، فإن الأهم بالنسبة إليه هو تسليط الضوء على قضايا مستعجلة تتجلى في وضعية الأحزاب المهمشة فضلا عن التقطيع الانتخابي واللوائح الانتخابية

 

* ماهي قراءتك لتباين مواقف الأحزاب السياسية في ما يخص موضوع العتبة علما أن هذه الأحزاب سبق أن حصل بينها التوافق فيما يخص هذا الموضوع في الفترة السابقة ؟
- هذه النقاشات السياسية تنم عن بداية الحملة الإنتخابية للأحزاب السياسية، وعندما ننظر إليها بلغة الأرقام وبلغة التحليل السياسي يتضح بأنها مسألة تدخل حسب اعتقادي ضمن خانتين اثنتين : أولاهما خانة الرغبة في الإبتعاد عن الخط الذي يحدده الإئتلاف الحكومي الحالي وأقصد موقف حزب التقدم والإشتراكية وموقف حزب الإتحاد الإشتراكي. فحزب التقدم والاشتراكية من رحم الأغلبية الحكومية. وبالتالي فهو يرغب أن ينظر إليه الناخب كحزب يرنو إلى نوع من التميز ونوع من الشخصية الحزبية التي افتقدها في الأداء الحكومي حيث اعتبر الحزب الذي يعول عليه فقط من أجل دعم الحكومة وليس من أجل الفعل السياسي الواضح.
وبخصوص موقف الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية فهو موقف يدعو للإستغراب لأن الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية سبق له أن طالب إلى جانب أحزاب أخرى بتجاوز النظام الإنتخابي الأحادي الذي كانت تنظر إليه الأحزاب كآلية سياسية لتحجيم حضورها على المستوى العالم القروي وأيضا على مستوى المدن والحواضر، واعتماد الاقتراع باللائحة مع اعتماد التمثيل النسبي على أساس قاعدة أكبر بقية.

 

* لكن حزب العدالة والتنمية حصل على مقاعد مهمة اعتمادا على قاعدة أكبر بقية وهاهو الآن يطالب برفع العتبة، فكيف تقرأ هذه المفارقة؟
- حزب العدالة والتنمية يرى أنه إذا تم رفع العتبة إلى 10 في المائة فمعناه إلغاء عدد كبير من اللوائح الصغرى، وبالتالي الرفع من عدد المقاعد التي سوف يحصل عليها بالبرلمان. فعدد مقاعد البرلمان هو عدد محدود ودخول أحزاب صغيرة المنافسة قد يعني تراجع عدد الأصوات التي ستحصل عليها الأحزاب الكبرى. وبالتالي فالأحزاب الكبرى، وضمنها حزب العدالة والتنمية، أن الرفع من العتبة سيؤدي إلى إبعاء الأحزاب الصغرى من دائرة المنافسة. وبالتالي كسب عدد هام من الأصوات قد يمنح حزب العدالة والتنمية ما بين 10 إلى 15 مقعد بالبرلمان. ولعل هذا ما يفسر استماثة الأحزاب الكبرى وضمنها حزب العدالة والتنمية وحزب الإستقلال في الدفاع عن عتبة 6 في المائة على الأقل حفاظا على مكاسبها الإنتخابية الحالية.

 

* لكن حزب الأصالة والمعاصرة يمكن إدخاله ضمن دائرة الأحزاب الكبرى وهاهو يدافع عن تخفيض العتبة. فكيف يمكن تفسير ذلك؟
- حزب الأصالة والمعاصرة يأتي في منزلة بين المنزلتين في الإنتخابات التشريعية ولا يهمه كثيرا موضوع الرفع من العتبة، وهو الآن يناور- على غرار باقي الأحزاب - فإنه فقط من أجل التميز بالساحة السياسية عن موقف أحزاب الأغلبية. وأعتقد أن موقفه الداعي إلى تخفيض العتبة من باب خالف تسد وتسجيل موقف سياسوي لحظي فقط، لأنه ليس من مصلحة حزب الأصالة والمعاصرة أن تخفض أو تلغى العتبة. فتخفيضها قد يكون له تأثير - لا محالة - على عدد المقاعد التي يحصل عليها الحزب، وأعتقد ان حزب الأصالة والمعاصرة سيكون حاضرا وبقوة حتى وإن تم رفع العتبة إلى 12 في المائة.

 

* وماذا عن السيناريوهات الممكنة لمجمل المواقف التي أثيرت في ما يخص موضوع العتبة، وماذا عن تداعياتها على النظام السياسي والنظام الانتخابي؟
- لنبدأ بمطالبة الأحزاب الصغرى بإلغاء العتبة، أقول إن هذه المسألة مرتبطة بالدعم الذي تمنحه الدولة للأحزاب من أجل التحضير وتنفيذ الحملة الإنتخابية. فعندما تلغى الأصوات التي عبر عنها المواطنون لصالحها تكون مجبرة على إعادة المبالغ التي حصلت عليها إلى الدولة. وأعتقد أنه من غير المنطق أن تصرف الدولة مبلغا ماليا معينا لصالح حزب، وهي تعرف أنه قد لا ينجح في الحصول ولو على مقعد واحد في البر لمان. ودفاع هذه الأحزاب عن إلغاء العتبة أمر منطقي، فهي تدرك أن الأمر مرتبط بوجودها داخل الهيئة التشريعية، أما بالنسبة للأحزاب التي تطالب بتخفيض العتبة، وعلى رأسها الاتحاد الإشتراكي، فلا أعتقد أن الاتحاد الإشتراكي يخشى على نفسه أن تجرفه عتبة 6 في المائة. وبالتالي فهذا الموقف فيه ما فيه في ما يتعلق بمخالفة وجهات نظر الأحزاب الكبرى، وأقصد حزب العدالة والتنمية وحزب الاستقلال. أما بالنسبة للأحزاب التي تطالب بإبقاء العتبة الحالية أو الرفع منها، فأعتقد أن هذه الأحزاب لها وجهة نظر دقيقة جدا، فهي ترى أن إقرار عتبة ضعيفة قد يؤدي إلى شرذمة المشهد السياسي والمشهد الإنتخابي، وتغيير الخريطة السياسية، وبالتالي فكلما ارتفعت العتبة كلما أدى ذلك إلى إبعاد الأحزاب الصغرى مقابل تقوية موقع الأحزاب الكبرى.

 

* إذا استحضرنا نسبة مقاطعة الإنتخابات وحجم تأثير أحزاب اليسار في الشارع، إلى أي حد سيؤثر الرفع من العتبة على مصداقية النظام الإنتخابي؟
- يجب أن ننظر إلى المسألة من زاويتين اثنتين: عندما ننظر إلى نظام التمثيل النسبي ففلسفته هي إدخال أكبر عدد من الأحزاب على مستوى المنافسة، وعندما ندخل العتبة في التمثيل النسبي فإننا نود أن نحصل على التأثير العكسي. وأعتقد أن اعتماد العتبة يعد بمثابة تصحيح لعدد من التجاوزات التي يؤدي إليها نظام التمثيل النسبي، وهي شرذمة المشهد السياسي وتمكين عدد كبير من الأحزاب الصغرى من منافسة الأحزاب الكبرى. وبالتالي يصبح المشهد الحزبي مشتتا، ومن ثم إضعاف الأداء الحزبي من الداخل، فالمسألة هنا تتعلق بحزب كبير حصل على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان ومطالب بتكوين النواة الحكومية. وبالتالي فدخول أحزاب صغيرة إلى التحالف الحكومي سيؤثر على التماسك الحكومي برمته والتكثلات الحزبية برمتها وإضعاف الأداء الحزبي الذي لا يمكنه أن يشكل أداة لديمقراطية حقيقية، فالديمقراطية الحقيقية لا يمكن تحقيقها إلا من خلال أحزاب كبرى وليس أحزاب هامشية تحصل على فتات مع تحصل عليه الأحزاب الكبرى.


* إذا استحضرنا التجارب المقارنة، ماهي أقرب تجربة يمكن تطبيقها بناء على الخصوصيات السياسية والإقتصادية والإجتماعية ببلادنا؟
- الغريب في ما يخص نظام العتبة هو مايقع في تركيا، حيث توجد عتبة على مستوى اللائحة الوطنية وعتبة على مستوى اللائحة المحلية، فاذا حصل حزب معين على عدد من الأصوات التي تمنحه عدد من المقاعد على المستوى المحلي ولم يصل إلى العتبة على المستوى الوطني يتم إلغاء حتى المقاعد التي حصل عليها على المستوى المحلي، وهناك تجربة هولاندا التي لها خصوصيات إلا أن الشائع هو نظام العتبة الذي اعتمده المغرب مع وجود اختلافات في النسبة : 4 في المائة، 5 في المائة ، 1 نسبة 10 في المائة. وأعتقد أن نسبة 6 في المائة هي نسبة معقولة تصنف ضمن المعدل الممارس من قبل الأنظمة الدستورية في بلدان أخرى. وأذكر أخيرا بما صرح به أحد الخبراء في ندوة نظمها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والتي كنت أحد المشاركين فيها، وهي أن النظام الانتخابي في المغرب يعد من الأنظمة المتطورة في العالم، يعني أننا لسنا في حاجة للتمحيص والتدقيق في القواعد الانتخابية التي وضعناها، وإنما التفكير في التطبيق الصحيح لما لدينا الآن، وأخص بالذكر الدستور في ما يتعلق بالنظام الداخلي للأحزاب السياسية ولدورها في التأطير الصحيح الذي يتلاءم مع منظومة الحقوق والحريات الأساسية وإقرار المساواة بين الرجل والمرأة والمساواة بين الشباب (شبان وشابات) وباقي المكونات، وهذا إذا نظرنا إليه هو مفقود في عدد من الأحزاب التي ترفع سقف مطالب عالي جدا بهذا الخصوص.

 

* إلى جانب العتبة، ماهي باقي الإجراءات المصاحبة التي يمكن اعتمادها من أجل ضمان نزاهة الانتخابات التشريعية القادمة؟
- أنا لا أعتقد أن نظام العتبة له وقع كبير على نزاهة وشفافية الانتخابات، لأن هذه مسألة تقنية محضة، بالنسبة للمسائل الكبرى التي تشكل الأساس الذي بإمكانه أن يؤمن شفافية ونزاهة الإنتخابات فما يجب فعله وهو إعادة هيكلة الأحزاب من الداخل كي تتماشى مع القواعد الموجودة حاليا، فلسنا في حاجة دائما إلى إعداد ترسانات قانونية جديدة فما لدينا الآن هو كاف لإعطاء طابع متميز للعملية الإنتخابية وهو المعطى الذي أكدته الإنتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة. وبالتالي فأنا أعتقد أن القصور يتعلق بأداء الأحزاب السياسية، وهذه في وجهة نظري من الأمور المستعجلة التي ينبغي أن تعي بها الأحزاب السياسية التي هي في غالبيتها مهشمة داخليا وضعيفة وتنتابها تيارات متعددة واختلافات فكرية، بل وإيديولوجيات متدافعة داخل الحزب الواحد وهذا يؤثر على تقسيم الأدوار بين مكونات هذه الأحزاب وبالتالي يؤدي إلى نتائج سلبية على مستوى أدائها.
وفي ما يتعلق بباقي الإجراءات التقنية، فلو نظرنا إلى مسألة التقطيع الإنتخابي فهذه مسألة مهمة ولابد من إعادة النظر في التقطيع الحالي بناء على المعطيات التي أتى بها دستور 2011، فالتقطيع الذي كان معتمدا قبل دستور 2011 مازال قائما لحدود الآن، فلا يمكن للنظام الانتخابي أن يحقق أداءه الصحيح في ظل التقطيع الحالي، مع الإشارة إلى أن الإعلان عن تاريخ إجراء الانتخابات التشريعية يعني عمليا استبعاد إعادة النظر في التقطيع الحالي. وبالتالي فقد أصبح مسألة ثانوية، وحتى إذا تغيير التقطيع في الظرف الحالي فإنه لن يؤدي إلى نتائج دقيقة. مسألة اللوائح الإنتخابية هي أيضا من النقط المهمة، حيث يجري حاليا إعادة النظر في اللوائح الإنتخابية، مع الإشارة طبعا إلى وجود وجهتي نظر بهذا الخصوص بين من ينادي بوجوب التسجيل في اللوائح الإنتخابية وبين من ينادي بالتسجيل الأوتوماتيكي لكل من بلغوا سن التصويت في اللوائح الإنتخابية. وبالتالي ينبغي علينا التفكير مليا بهذا الخصوص. وأشير أيضا إلى مسألة قد تثير لغطا في ما بعد، وهي أن قاعدة أكبر تستعمل لصالح وجود النساء في اللوائح الإنتخابية. بمعنى أن المقاعد الناتجة عن أكبر بقية تمنح أساسا للنساء، وبهذه الطريقة يكون التمييز النسبي لصالح النساء يمر في ظروف هادئة جدا وليس بناء على لغط كبير، كما نادت بذلك بعض الأحزاب الصغرى، أي إلغاء اللائحة الوطنية للنساء والشباب التي تمنح عدد من المقاعد بطريقة ميكانيكية لصالح النساء والشباب.

 

أحمد مفيد، أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق بفاس

 

المطلب الحالي الذي يرفعه حزب الاتحاد الاشتراكي بتخفيض العتبة هو دليل على تراجعه

 

* كيف تقرأ النقاش الساخن الدائر حاليا بين من يطالب بالإبقاء على العتبة الإنتخابية حاليا 6 في المائة، بل والرفع منها كما هو حال حزب العدالة والتنمية. والحال أنه فاز في الانتخابات الأخيرة عبر الاقتراع باللائحة على أساس قاعدة أكبر بقية، فماذا يعني لك هذا الأمر، وماذا عن موقف حزب الاستقلال الداعم لموقف البيجيدي، في حين يطالب الاتحاد بتخفيض العتبة إلى 3 في المائة، علما أنه كان من المؤيدين للعتبة الحالية في الفترة السابقة؟
- تعكس المواقف الحالية لمختلف الأحزاب السياسية من موضوع العتبة، مدى قوة او ضعف الحزب، وهي بمثابة مؤشر قوي على ما يمكن أن تسفر عنه الاستحقاقات الانتخابية المقبلة من نتائج. فحزب العدالة والتنمية عرف تزايدا منتظما  في عدد الأصوات والمقاعد التي حصل عليها عبر مختلف الاستحقاقات الانتخابية التي شارك فيها بما فيها الانتخابات الجهوية والجماعية التي عرفها المغرب شهر شتنبر الماضي وكذلك بمناسبة انتخابات مجلس المستشارين التي جرت في أكتوبر الماضي. وكذلك الأمر بالنسبة لحزب الاستقلال فهو ورغم أنه لم يتقدم بشكل كبير إلا أنه استطاع المحافظة على نتائج انتخابية مهمة. ولهذا فرفع العتبة سيكون ومن غير شك في صالح هذين الحزبين، إلى جانب حزب الأصالة والمعاصرة. أما حزب الاتحاد الاشتراكي فبعدما تراجعت النتائج التي يحصل عليها سواء من حيث عدد الأصوات أو عدد المقاعد وبالنظر أيضا للمشاكل التي يتخبط فيها منذ مؤتمره الأخير، فإن العتبة المرتفعة لن تكون في صالحه ولهذا فهو يطالب بتخفيضها، وذلك على عكس مواقفه السابقة من العتبة بمناسبة استحقاقات 2002 مثلا، حيث طالب برفع العتبة. وهذا المطلب الحالي الذي يرفعه حزب الاتحاد الاشتراكي هو دليل على تراجعه وعلى تخوفه من عدم الحصول على عدد مهم من الأصوات والمقاعد يؤهله لتكوين فريق برلماني بمجلس النواب.

 

* هل يمكن اعتبار موقف الاتحاد الإشتراكي ومعه التقدم والإشتراكية  يحمل نوعا من الإنحياز إلى أحزاب اليسار التي تظل حاضرة في المشهد السياسي رغم عدم توفرها على تمثيلية وازنة في المؤسسات؟
- اعتقادي مواقف الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية من العتبة ليس فيها أي انحياز لأحزاب اليسار الأخرى، خصوصا وأن التقدم والاشتراكية حليف حالي للعدالة والتنمية، والاتحاد الاشتراكي لم ينسق مع باقي الأحزاب اليسارية في هذا الخصوص. وبالتالي فمواقف هذين الحزبين تعكس تخوفهما مما يمكن أن تسفر عنه الانتخابات التشريعية المقبلة من نتائج.
 ومن حق كل حزب سياسي أن يتقدم بالطرح الذي يراه مناسبا، وفي مقابل ذلك من الواجب على كل الأحزاب السياسية أن تستحضر في هذا المجال مصلحة الوطن من خلال اختيار نمط الاقتراع الذي من شأنه دعم مسار الانتقال الديمقراطي بالمغرب من خلال تيسير مهمة تشكيل حكومة سياسية منسجمة وعقلنة المشهد الحزبي...

 

* ألا تبدو مواقف بعض الأحزاب السياسية بخصوص العتبة غير متناغمة مع ذاتها، حيث تتغير مواقفها بخصوص العتبة تبعا للنتائج التي تحصل عليها في الإنتخابات والنماذج كثيرة في هذا الإطار؟
l- بكل تأكيد، لأن المتحكم في مواقف الأحزاب السياسية بخصوص العتبة هو عدد الأصوات والمقاعد التي يمكن أن يحصل عليها كل حزب، ولهذا فالحسابات السياسية الخاصة بكل حزب هي المتحكم الأول في تبني موقف معين من العتبة. كما أن مواقف بعض الأحزاب تتغير بتغير الظروف وهو ما يدل على أن الموقف قد يكون غير ثابت، بينما المصالح السياسية تظل ثابتة.

 

* في ضوء تجربتك كباحث في القانون الدستوري ماهو نمط الإقتراع الأنسب لبلادنا  وهل الإبقاء على العتبة الحالية يساهم في عقلنة المشهد السياسي أم أنه مجرد ذريعة للحفاظ على مكاسب انتخابية معينة من طرف بعض الأحزاب الكبرى؟
- من وجهة نظري ليس هناك نمط اقتراع نموذجي أو مثالي، فلكل اختيار ايجابياته وسلبياته، والأساسي بالنسبة لي هو التفكير في نمط اقتراع يمكن أن يشكل مدخلا لعقلنة المشهد الحزبي وللرفع من درجة التنافس السياسي المبني على تنافس البرامج والمشاريع المجتمعية، والذي يمكن أن يؤدي أيضا لتقليص عدد الأحزاب المشكلة للحكومة بالشكل الذي سيساهم في ضمان قدر كبير من الانسجام بين مكوناتها، ويمكن أن يكون مدخلا لتحقيق فرز سياسي واضح مؤسس على برامج دقيقة وواضحة تعتمد ثقافة سياسية منسجمة ومتميزة.

 

أحمد حبشي، عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الموحد

 

نحن لا نرضى باستعمالنا دائما كأرنب سباق

 

نحن نعتبر رفع العتبة بمثابة إقصاء، علما بأن دعم الدولة للأحزاب غير منصف، فهناك أحزاب تحصل على الملايير وأخرى العكس، ومعناه أن مجموعة من الأحزاب لن تستطيع أبدا بلوغ العتبة رغم حضورها وفعاليتها داخل المجتمع في غياب الإمكانيات التي تمكنها من تهيء نفسها لخوض الإنتخابات، في غياب الإمكانيات من أجل التوسع وتوفير مقرات لأجهزة الحزب. بالمقابل نجد مثلا حزب العدالة والتنمية أضحى مثل المؤسسة القائمة الذات بإمكانياته الضخمة وبالتالي فلإنجاح الديمقراطية لابد من ضمان نوع من التوازن ولا يعقل أن يتلقى حزب 30 أو 50 مليون ويطلب منه خوض المنافسة مع حزب يتلقى 500 مليون. ولهذا فنحن نطرح ضرورة مراجعة العتبة الحالية في اتجاه التخفيض وليس الرفع كما هو حال حزب العدالة والتنمية « اللي ساخن عليه راسو « فهو يود الرفع من العتبة لكي يضمن بقاءه لوحده في الساحة السياسية وهو ما يحمل خطرا محدقا بالديمقراطية علما أن رفع العتبة فيه نوع من الإقصاء. وقد عبرنا عن هذا الموقف في اجتماع مع وزير الداخلية وكذا في لقاء مع رئيس الحكومة. فلايعقل أن يتوفر حزبنا على مقر وحيد في الدار البيضاء رغم حضوره الوازن في الساحة ورغم إشعاعه وأن يتلقى دعما هزيلا في الانتخابات، والذي معناه أن السياسات السابقة التي كانت تمارس في عهد إدريس البصري مازالت قائمة، وهو ما يعطي الإمكانية للأعيان ولأصحاب الشكارة بالإستحواذ وبالفوز في مقاعد في البرلمان وهو ما يبقي العملية الإنتخابية دائما عملية مغشوشة وفاسدة، والغريب في الأمر أن فرض عتبة معينة تحولنا الى حزب غير موجود في المغرب، لكن في نفس الوقت لما يكونون في حاجة الينا لايترددون في استدعائنا، وهناك نقطة أخرى أشبه بـ «النكتة»، وهي أنهم يحاولون منعنا حتى من حل الحزب، ففي غياب دعم وإمكانيات (يضحك...) لامبرر لوجودنا، لكنهم في إطار الفسيفساء السياسي يتشبثون بوجودنا لإعطاء المثال على وجود تعددية سياسية، لكن في واقع الأمر لاوجود لأي تعددية بل هناك هيمنة لبعض الأحزاب المدعمة ماديا ومعنويا من الدولة. لابد أولا من إعداد الأرضية للمنافسة الشريفة بين الأحزاب السياسية كي تصبح جميع الأحزاب على قدم وساق، تماما مثل فرق كرة القدم في البطولة الوطنية التي تتلقى تقريبا نفس الدعم، قبل فرض العتبة وحينها يمكن معاينة مدى تأثير حزب معين يحصل على الدعم في الحياة السياسية ، هل يساهم في تنشيط الحياة السياسية؟ «ماشي نهار يكون عندك مشكل أجي جري معانا.. ولكن في حياتك أنت تدبر أمورك.. تراكم ديون كراء المقرات.. لا شأن لنا في ذلك..». إذن العتبة لها شروط ومنها اشتراط دعم الدولة بضرورة تأثير الحزب في الحياة السياسية أو الحل في نهاية المطاف في حالة فشل الحزب في بلوغ العتبة، فهذا هو المنطق، ونحن لن نرضى باستعمالنا دائما كأرنب سباق.. معناه حياة سياسية مشوهة يغب فيها التكافؤ، ولا أعتقد أن هذا موجود في البلدان الديمقراطية التي تطبق نظام العتبة، فعلى الأقل ينبغي منحنا الحد الأدنى من الدعم لتسيير الحزب.

 

د. حسن عبايبة، عضو المكتب السياسي للاتحاد الدستوري

 

المتمسكون بعتبة 6 في المائة في الانتخابات يخافون على أنفسهم

 

بدأ النقاش حول تعديلات القوانين الانتخابية استعدادا للانتخابات البرلمانية المقبلة في شهر شتنبر 2016. وبدأت المشاورات بين رئاسة الحكومة وبين الأحزاب الممثلة في البرلمان وغير الممثلة. وبما أن القوانين الانتخابية تعد المفتاح التقني لتوجيه أو للتحكم في الانتخابات البرلمانية، فإنه لابد من تسجيل الملاحظات التالية:

- احترام المبادئ القانونية العامة على المستوى الدستوري والقانوني.
- احترام الدستور المغربي الذي يضمن تكافؤ الفرص.
- احترام الدستور الذي يضمن حرية الاختيار والتعبير.
- وضع قوانين وتشريعات تناسب الطبيعة الاجتماعية والثقافية للناخب المغربي.
- أن وجود العتبة في قانون انتخابي من حيث المبدأ غير دستوري، لأن عتبة 6 % ضد تكافؤ الفرص بين الأحزاب.
- أن العتبة تقصي حوالي مليون صوت بسبب وجود العتبة في 6 %. كما أن الحساسيات السياسية التي تمثل التنوع السياسي الذي يكفله الدستور تبقى خارج المؤسسات رغم أنها تقبل العمل السياسي وتمارس الآليات الديموقراطية عن طريق العملية الانتخابية.
- أن المؤسسات الحزبية التي تمنعها العتبة من التواجد في المؤسسات تتحول إلى حركات احتجاجية في الشارع.
- أن وجود العتبة لا تعكس التوجه الحقيقي للناخب المغربي. فمثلا قد يحصل نائب برلماني على مقعد 4000 صوت في دائرة معينة بأكبر بقية في حين يقصى برلماني آخر في دائرة أخرى رغم حصوله على 5000 صوت بسبب العتبة.
- أن مجموع الأصوات التي تقصى بسب العتبة قد تتجاوز أحيانا ما حصل عليه الحزب المرتب حسابيا في المرتبة الأولى.
- بمعنى أن العتبة في النهاية تقصي مليون صوت وتؤثر في ترتيب الأحزاب حسابيا. وهذه العملية غير ديموقراطية وغير منصفة وهي ترغم على المواطن أحزابا ضعيفة من حيث الأصوات المعبر عنها في الانتخابات لا تتجاوز مشاركة الناخب فيها 40% في أقصى الحالات وتمكن أحزابا بعينها تحكم بالعتبة بدل الدستور الملزم للجميع الذي صوت عليه المغاربة بنسبة 80 %.
- أن من يريد أن تبقى العتبة يخاف على نفسه ويتحايل على الدستور وعلى حقوق الناخب.
- أنه أصبح من الضروري عرض القوانين الانتخابية على المجلس الدستوري لمعرفة ما مدى مخالفتها للدستور احتراما لمبدأ تكافؤ الفرص.