الجمعة 3 مايو 2024
ملفات الوطن الآن

ماهي مكاسب المغرب من موت بوتفليقة؟

ماهي مكاسب المغرب من موت بوتفليقة؟

لم تكن الجلطة الدماغية التي أقعدت الرئيس عبد العزيز بوتفليقة منذ أبريل 2013 مجرد توصيف لحالة صحية شخصية، بل هو ذات التوصيف الملائم للحالة التي دخلتها الجزائر منذ ذلك الوقت، حيث استشرى العطب العارم في العقل المتحكم متمثلا في الصراع على خلفية من يخلف الرئيس داخل محيط الرئيس وأجهزة الجيش والمخابرات ورجال الأعمال، وتنامت حالات الاحتقان الشعبي، إما على خلفيات إثنية كما في مشاكل القبائل، أو على خلفيات الأزمة العامة التي أججها تبني قانون المالية لسنة 2016، والذي تضمن إجراءات شرسة تعتمد على التقشف والخوصصة بدعوى انهيار أسعار النفط، إضافة إلى احتداد التهديد الإرهابي منذ الهجوم على مؤسسة الغاز بعين أميناس. الأمر الذي يطرح أكثر من سؤال حول مآلات الأوضاع في البلد الجار، وتفاعلاتها مع المحيط الإقليمي، حيث ليبيا ماضية في التحول إلى بؤرة إرهابية مهددة للجميع، وحيث المغرب يشكل عقدة الجزائر التاريخية التي يرى العسكر هناك ضرورة دوامها لتكون الشماعة التي يعلقون عليها خيباتهم وفشل سياساتهم.

في الملف التالي إحاطة بمختلف السياقات التي تتضافر في جزائر اليوم، وبصراع الخلافة داخل أروقة الحكم، وما قد يتولد عن ذلك من سيناريوات لمستقبل الرئيس والبلاد على حد سواء.

تعيش الجزائر منذ استقلالها سنة 1962 في حالة حجز تطبع المجتمع والدولة بثلاث سمات: -إحكام قبضة الجيش والمخابرات على كل الدواليب بما في ذلك اختيار الرؤساء وتشكيل الحكومات على خلفية استمرار أطروحة «الثورة»، وشعار «المليون شهيد».

- انغلاق النظام سياسيا مقابل تكبيل مبادرات النخب السياسة والمدنية.

- الاعتماد السيئ لآليات الاقتصاد الموجه، والاكتفاء بعائدات النشاط الريعي في مجال النفط، والنفط وحده. وانطلاقا من ذلك تعيش البلاد بوجهين متناقضين:

جزائر الثراء الفاحش نتيجة ما متعتها به الطبيعة من موارد ترابية وطبيعية ومالية، جزائر البؤس المدقع الذي يكتوي بناره المواطنون عبر بؤس الدخل الفردي، وانسداد آفاق التشغيل، وتنامي ظواهر اليأس. ولذلك كان لابد أن يحدث في يوم ما انفجار البلاد. وهو ما تمثل فعلا في الاحتجاجات الشعبية الغاضبة لسنة 1988، والتي تم على إثرها إجراء إصلاحات سياسية ودستورية أفضت لأول انتخابات فاز بها الإسلاميون. وقد تدخل بعدها الجيش من أجل توقيف المسلسل الانتخابي، وما تلا ذلك من آثار عنف قاس أدخل الجزائر في عشرية دموية امتدت من 1992 إلى 2012.

وتشاء الأقدار أن بوتفليقة الذي هدأ الوضع بتبنيه لسياسة الوفاق الوطني منذ ولايته الأولى (1999)، هو نفسه الذي يعمل اليوم على تفجير هذا الوضع بعد أن دخل مرحلة العجز السريري خلال فترة رئاسته الثالثة سنة 2013، دون أن يجرؤ على وفاق ثان يتنازل بموجبه عن الرئاسة، ويطلق سراح البلاد والعباد.

عوض ذلك أقدم في شتنبر من السنة نفسها، ومباشرة بعد عودته من رحلة العلاج، على إحداث تغيرات في أجهزة الجيش والمخابرات فهمت باعتبارها إجراءات احترازية لما بعد بوتفليقة.

بعد ثلاثة أشهر من ذلك اندلعت أحداث غرداية على خلفية الصراع الاجتماعي ـ الاثني بين أمازيغ المنطقة وعربها، وهو الصراع الممتد إلى اليوم بعد إعلان نشطاء حقوقيين مطالبتهم بالحكم الذاتي لمنطقة القبايل وتشكيل الحكومة المؤقتة. وتأزم الوضع بشكل فاحش حين أعلن «الرئيس المقعد» عن اعتزامه التقدم إلى الانتخابات الرئاسية في أبريل 2014 وسط احتجاجات شعبية، بموازاة تنامي غضب المجتمع السياسي والمدني الذي شكل معارضة غير مسبوقة. كما أن هذا الترشح كان قد أجج نيران التصارع داخل أروقة الجيش والمخابرات التي انقسمت بين مؤيد لبوتفليقة ومعارض له. وقد نجح الجناح الأول باسم «الاستقرار بدل الفوضى» في الدفع ببوتفليقة نحو قصر المرادية من جديد.

في هذا السياق التسلسلي المتأزم ستشهد الجزائر ثلاث وقائع على درجة قصوى في التعبير عن التباسات المرحلة:

ـ الأولى: حادث إطلاق النار في المنتجع الصيفي للرئيس بزيرالدا، ليلة 16 و17 يوليوز الماضي ضمن ما تم التعبير عنه في بعض وسائل الإعلام المحلية بمحاولة اقتحام مسلح للمحيط الرئاسي، الأمر الذي فسر كمحاولة انقلاب، أو على الأقل كتعبير عن التصدع داخل العقل المتحكم. وهو ما أجاب عنه الرئيس (أو من يحكم بدله) بإحداث تغييرات كبرى في تراتبية الجيش والمخابرات مست ثلاثة من أسمى المناصب: قيادات الأمن الرئاسي والأمن الداخلي والأمن الجمهوري.

وقد تطورت هذه التغييرات، في ما بعد، عبر إقالة الجنيرال محمد مدين (المعروف بتوفيق) من مهامه كرئيس لأجهزة المخابرات، واعتقال أكبر رجاله الجنرال حسان (المعروف عبد القادر آيت عرابي) رئيس مصلحة مكافحة الإرهاب بالجيش، وتقديمه إلى المحاكمة 0 بتهمة «إتلاف وثائق عسكرية، وعدم الخضوع للتعليمات»، وإدانته بخمس سنوات سجنا. الأمر الذي دفع بالجنيرال توفيق إلى المطالبة علنا برفع الظلم عن الرجل، وإطلاق سراحه. الموقف نفسه اتخذه الجنيرال خالد نزار (رئيس أركان الجيش ووزير الدفاع سابقا)، معتبرا «إدانة حسان جريمة».

وبالنسبة إلى من يعرف تعقد الأوضاع في الجزائر، وتداخل السياسة مع الجيش والمخابرات والأمن، فسيرى في ما يحدث بهذا الخصوص خللا كبيرا داخل الكيان المغلق لصانعي القرار، وفتحا لباب جهنم على الجميع.

ـ الواقعة الثانية: إقدام حكومة عبد المالك السلال في شتنبر الماضي، على المصادقة على قانون المالية لسنة 2016 الذي اعتبر، بنظر المعارضة، أخطر ضربة توجه للمواطنين، من خلال تبنيه لسياسة تقشفية سترهق طاقات الجزائري البسيط. وإذا كانت الحكومة قد أقرت بالفعل هذه السياسة على خلفيات انهيار أسعار النفط، وعملها من أجل تطويق الأزمة المالية والاقتصادية المرتقبة، فإن المعارضين قد رأوا في ذلك الدليل الواضح على فشل السياسات المتبعة منذ الاستقلال، والمعتمدة على الريع فقط، إضافة إلى الإقرار باستقالة الدولة عن دورها المجتمعي بإطلاقها مسلسل الخوصصة إذعانا لجشع رجال الأعمال الذين يتربصون الفرصة لشراء الجزائر. وهذا بالضبط ما فجر الصراع الصاخب الذي شهده البرلمان، يوم 22 نونبر الماضي، بين نواب الأحزاب الموالية للحكومة ونواب المعارضة من السياسيين والنقابيين.

ـ أما الواقعة الثالثة فتتمثل في إقدام 19 من الوزراء السابقين والدبلوماسيين والنقابيين والمجاهدين كلويزة حنون، ورشيدة بوجدرة وخالدة التومي... على توجيه رسالة مفتوحة إلى الرئيس بوتفليقة، بتاريخ فاتح نونبر، يطالبونه فيها باستقبالهم لمعرفة ما إذا كان يوافق على ما يتخذ من قرارات باسمه أم لا، ولوضعه في صورة ما يعتبرونه إساءة لإرث الجزائر، ومسا بسيادة البلاد. ومنذ تاريخ توجيه الرسالة لم يجب الرئيس، ولم يستقبل أصحابها. بل على العكس من ذلك انبرى أنصاره في تخوين الموقعين، واعتبارهم يقومون بعملية قذرة في لعبة صراع الخلافة، بل إن عمار السعيداني (أمين عام جبهة التحرير الجزائرية) كان قد اتهم في لقاء حزبي حنون (الأمينة العامة لحزب العمال المعارض، والناطقة باسم الموقعين) بالعمالة إلى «جهات معلومة» (كان يقصد حسب الإعلام الجزائري الجنرال المتقاعد توفيق)، وبالدفع بالجزائر إلى مهاوي المجهول.

ولأن النظام السياسي محكم الإغلاق، ومسكون بعقلية المؤامرة والتشكيك، فإن كل تصرف سياسي بهذا الاتجاه أو ذاك يقرأ على أنه منغرس في لعبة شد الأيدي بين أروقة الحكم، وفي التجاذب بين الانحياز لطرف دون آخر. من هنا تبرز عقدة الخلافة كبؤرة مركزية في فهم كل ما يتخذ من قرارات، سواء في مجال بنيات الجيش والمخابرات (التغييرات وقرارات المتابعة والإحالة على التقاعد)، أو في مجال السياسة الاقتصادية والاجتماعية (قانون المالية مثلا)...

في هذا الإطار نقرأ ما يجري على أنه فقط التفاصيل الظاهرة لما يرتب الأوضاع لاختيار رئيس الجزائر المقبل بعد أن تأكد أن بوتفليقة هو مجرد رئيس صوري، أو لنقل بكلمة أكثر تهذيبا إنه رئيس مؤقت مادام وضعه الصحي سيجعله عاجزا، في جميع الحالات، عن استكمال ولايته الرابعة الممتدة إلى سنة 2019. ولذلك سيتحدد موضوع الخلافة واسم الرئيس القادم وفق معطى مغاير هذه المرة، ذلك أن مصدر القرار الحاسم بهذا الخصوص كان يتم دائما من داخل التوافق بين الجيش والمخابرات، سواء بتعيين الرؤساء أو إزاحتهم. أما اليوم فقد عملت التغييرات التي مست رؤوس الجهازين في شتنبر 2013، وفي يوليوز 2015 على إسقاط هذه المعادلة، وتركيز سلطة القرار في جهاز الأمن المقرب من الرئيس، الأمر الذي دفع بعض المحللين إلى الحديث عن تحول في البلاد من الدولة العسكرية إلى الدولة البوليسية.

السيناريوهات الثلاثة المحتملة

تبرز السيناريوات المحتملة على النحو التالي:

بقاء الرئاسة في المحيط الرئاسي الحالي، وفي هذا الإطار يبرز اسم سعيد بوتفليقة الذي تسند إليه كل قرارات التغييرات في الجيش والمخابرات، والتي يفسرها البعض بالسعي إلى القضاء على الجيل القديم باتجاه خلق نخبة متحكمة جديدة تساعده على تحقيق حلمه بالخلافة.

ومع ذلك فالحظوة التي يتمتع بها حاليا في وجود الرئيس الحالي قد تهتز بمجرد رحيل هذا الأخير، خاصة أنه يلقى معارضة شرسة من طرف مناوئيه في الأجهزة، وكذلك من طرف باقي أفراد المحيط الرئاسي الطامعين هم أيضا في احتلال موقع الرئيس.

بهذا الخصوص يتم تداول اسم أحمد أويحيى رئيس الحكومة السابق، إلى جانب عبد المالك السلال رئيس الحكومة الحالي، وعمار السعيداني أمين عام جبهة التحرير.

السيناريو الثاني الذي يحظى بكثير من الحظوظ في حال سقوط الأول فيتمثل في استدعاء أسماء من الأرشيف تكون غير متورطة في التجاذبات الظاهرة والخفية. يبرز في هذا السياق اسما مولود حمروش وأحمد بن بيتور على سبيل المثال، وهناك من يرشح المفاوض الأممي الأخضر الإبراهيمي.

أما السيناريو الثالث، فيعود إلى مربع العقل المتحكم مرة أخرى وقد يتم ذلك عبر البحث عن صفقة يتم من خلالها استدعاء علي بن فليس (رئيس الحكومة السابق، وزعيم حزب طلائع الحريات) لاستثمار غضبته في الرئاسيات السابقة من أجل امتصاص غضب الشارع، أو يختار الجيش أن يحكم بنفسه من خلال رئيس أركانه أحمد قايد صالح وإن كنا نستبعد هذا الاختيار.

هذه هي السيناريوات الممكنة والمتداولة داخل أروقة السياسة حاليا، والتي تؤكد جميعها أن شأن اختيار الرئيس لا يمكن أن يتم إلا داخل الدهاليز السرية ووفق الصفقات، أما فرضية أن يأتي الرئيس من صناديق الاقتراع فلا شيء يوحي بأن الجزائر مقبلة فعلا على دخول الزمن الديمقراطي، وهو ما يعني أن الجلطة الدماغية التي تعيشها الجزائر قد تعالج فقط بصعقات كهربائية، لكنها لن تعمل، في الشرط القائم، على شفاء الجزائر نهائيا..

«عقدة» المغرب عند سلالة الحكام الجزائريين

الرئيس الجزائري السابق الشاذلي بنجديد

يؤكد مفكرون كثيرون بأن من مواصفات أنظمة الحكم الديكتاتورية أن قيادييها يسعدون بوجود أعداء على الحدود، وحتى حين لا يكون هناك أعداء يبادرون بخلقهم حتى تبقى فرضية التهديد بالخطر قائمة، وحتى يستمر تأجيج المشاعر القومية التي يتوحد حولها المواطنون، ويعلق بالتالي كل فشل أو انتكاس على الأعداء.

يصدق ذلك بشكل كبير على حكام الجزائر الذين ما أن استفردوا بنظام الحكم عبر التحكم في أجهزته العسكرية والمخابراتية حتى جعلوا المغرب في مرمى النار. وقد دشنوا ذلك، في البداية، بالرفض القاطع لتسوية الحدود المترسبة عن الزمن الاستعماري، وبتعنت قادهم إلى الهزيمة في حرب الرمال، ثم واصلوا عدوانهم بالوقوف إلى اليوم ضد حق المغرب في استرجاع أقاليمه الجنوبية.

ولأن كل الذين تعاقبوا على الحكم منحدرون من نفس السلالة، ولأنهم يعملون بنفس الاستراتيجية، فكل تغيير في سدة الرئاسة لا يحمل عادة أي جديد بخصوص العلاقات مع المغرب، ومع مشروع بناء الاتحاد المغاربي. وتتعزز لدينا هذه الحقيقة اليوم على اعتبار أن الأوضاع العامة هناك تنذر بانفجارات شعبية أشبه بتلك التي هزت البلاد سنة 1988، خاصة مع التغيرات التي مس هرم كل الأجهزة المتحكمة من الأمن الرئاسي إلى الأمن الداخلي والأمن الجمهوري.

إننا إذا استعرضنا السيرة المتعثرة لهذه البلاد، وسير رؤسائها سنجد أن الجزائر الرسمية كانت قريبة منا نسبيا في مرحلتين: الأولى خلال فترة حكم الشادلي بن جديد التي تعتبر أرقى فترات التقارب النسبي، وقد حدث ذلك لا بفضل نروع شخصي للرئيس، ولكن أساسا لطبيعة المرحلة التي فرضت على البلاد شروط الانفتاح داخليا وخارجيا. إنها فترة فتح الحدود بين البلدين، ووضع أسس البناء المغاربي.

أما المرحلة الثانية فمثلتها فترة حكم محمد بوضياف القصيرة (من يناير إلى يونيو 1992)، والمتميزة بإعلانه الحرب على الفساد والقضاء على بؤره ومحاسبة المفسدين، وبتصريحه بإمكانية حل ملف الصحراء المغربية، وبأن قادة البوليساريو هم مجرد مرتزقة. وبدون شك فتلك بعض الأسباب التي أدت إلى اغتياله يوم 29 يونيو 1992. وقد فتح تحقيق في الموضوع لم يصل إلا إلى تأكيد أن الملازم العسكري مبارك بومعرافي الذي أطلق النار على الراحل قد قام بذلك بشكل «معزول». الفترتان هما الاستثناء الذي يؤكد القاعدة.

رئيس واحد يمكن أن يكون في صالح المغرب كما في صالح الجزائر، ويمكن أن يعيد العلاقات بين البلدين إلى جوهرها الأخوي هو ذلك الذي ستكشف عنه انتخابات نزيهة وشفافة. وهو الأمر الذي يبدو بعيد المنال اليوم.

كريم مولاي، ضابط مخابرات جزائري سابق مقيم بفرنسا

موقف حكام الجزائر لن يتغير من قضية الصحراء حتى ما بعد بوتفليقة

يرى كريم مولاي، الضابط السابق (المنشق) بالمخابرات الجزائرية المقيم بفرنسا، أن الوضع الأمني في الجزائر لا تحكمه فقط حيثيات الصراع التقليدي القديم الحديث بين الجناحين المدني والأمني، وهو صراع تذكيه الظروف الاقتصادية الصعبة، والآخذة في التدهور بفعل حجم الفساد، وأيضا بسبب تراجع أسعار المحروقات. واستبعد احتمال أي انقلاب دموي في الوقت الراهن، مشددا على أن موقف حكام الجزائر من قضية الصحراء لن يتغير لأنها بالنسبة لهم قضية أمن قومي.

* ما هي قراءتك لما يجري في الجزائر من حراك سياسي؟

** تعيش الجزائر منذ مطلع العام 2015 تطورات أمنية وسياسية متسارعة، ولا سيما منذ الهجوم الذي استهدف عين أميناس وعملية تحرير الرهائن الغربية، التي خلفت عددا من الضحايا الأجانب، وقد اعتبرتها أطراف غربية تجاوزا للخطوط الحمراء وإساءة بالغة، دفعت المخابرات ثمنها غاليا، بإقالة مديرها الجنرال التوفيق واعتقال ومحاكمة عدد من قياداتها. وقد رافق هذه التطورات الأمنية ضيق في دوائر القرار لتنحسر في جناح الرئيس بوتفليقة ـ القايد صالح، مع استخدام لبعض رموز المؤسسة الأمنية في تصفية جناح المخابرات.

* كيف تقارب الصراع الداخلي في الجزائر، وما هي الأجنحة المتصارعة؟

**يبدو ظاهريا أن جناح المخابرات قد انهزم مرحليا لصالح جناح الرئاسة، لكن الرسالة الأخيرة لمدير المخابرات السابق الجنرال التوفيق، وما رافقها من تأويلات تشير إلى أن جناح المخابرات لم يقبل بالهزيمة، وأن أدواته داخل مؤسسات النظام مازالت تعمل، وهذا يجعل البلاد مفتوحة على كافة السيناريوهات، بالنظر للأدوات التي يمتلكها الطرفان، وأعني بذلك النفوذ بمعناه السياسي والأمني والاقتصادي والإعلامي.

* كيف تنظر كخبير أمني للوضع الجزائري والسيناريوهات المحتملة التي قد ترخي بظلالها على الجزائر؟

** الوضع الأمني في الجزائر، لا تحكمه فقط حيثيات الصراع التقليدي القديم الحديث بين الجناحين المدني والأمني، وهو صراع تذكيه الظروف الاقتصادية الصعبة، والآخذة في التدهور بفعل حجم الفساد، وأيضا بسبب تراجع أسعار المحروقات. ولكن هذا الوضع محكوم أيضا بتطورات إقليمية ودولية. فالجزائر اليوم تعيش وضعا إقليميا صعبا بسبب تدهور علاقاتها مع المغرب وأيضا مع مالي وليبيا وتونس، وهو ما يجعل استقرارها رهين باستقرار الأوضاع في هذه الدول جميعا، ولا سيما الوضع في ليبيا.

* ألا يشي الوضع الحالي باحتمال انقلاب دموي في الجزائر، خصوصا في ظل الرجل المريض؟

** احتمال الانقلاب الدموي، ربما مستبعد في الوقت الراهن، وهناك سيناريوهات متعددة، منها الإعداد لخلافة هادئة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، إذا تمكن جناحه المتحالف حاليا مع نائب وزير الدفاع رئيس الأركان قايد صالح من تصفية خصومه في المخابرات. لكنني شخصيا، لست من أنصار الانقلاب قبل وفاة الرئيس بوتفليقة، بل أعتقد بأن أي سيناريو لخلافة بوتفليقة سيكون بعد وفاته.

* هناك في الجزائر تقاطبات؛ قطب يدفع في اتجاه التخلي عن دعم البوليساريو، وبناء الوحدة المغاربية، وقطب يرمي إلى الإبقاء على الوضع كما هو عليه.. برأيك من المستفيد من هذا الصراع الثنائي؟ ومن مصلحتك تعطيل الجزائر وتعطيل البناء المغاربي؟

** لست متأكدا من هذا التقسيم الوارد في السؤال، وعما إذا كان يعبر عن حقيقة، ذلك أن القول بوجود وجهتي نظر متساويتين لدى النخب السياسية الحاكمة في الجزائر في الموقف من جبهة البوليساريو، هذا التقدير قد يكون غير دقيق، إذ أن الجميع يتعامل مع هذا الملف حتى اللحظة باعتباره مسألة أمن قومي، وهو مفهوم يجد معارضو البوليساريو صعوبة في تفنيده حتى الآن.

*كيف تقرأ الجزائر ما بعد بوتفليقة، وما تأثير هذا «المابعد بوتفليقة» على مستقبل البلدين المغرب والجزائر؟

** العلاقات الجزائرية ـ المغربية، للأسف الشديد، لن تشهد تحولا جوهريا في المدى القريب وربما المتوسط، ليس فقط بسبب تباعد وجهتي نظر البلدين بشأن ملف الصحراء، وإنما أيضا بسبب الظروف الأمنية التي تعصف بالمنطقة، والتي تنذر بتحولات كبرى في القادم من السنوات.

* ألا ترى أن موقف الجزائر من قضية الصحراء المغربية، سيظل هو نفسه حتى لو اختلفت الوجوه؟

** كما سبق وأشرت إلى ذلك، الموقف من الصحراء في الجزائر، يبدو قاسما مشتركا بين النخب السياسية الفاعلة في المشهد السياسي الجزائري الراهن، وأستبعد أن يحدث تحول جوهري في هذا الموقف حاليا. لكن لا بد من الإشارة إلى أن هذا الموقف لن يظل ثابتا، بالنظر إلى التحولات الإقليمية التي تعصف بالمنطقة، وهي تحولات تحكمها أطراف محلية وإقليمية متضاربة التوجهات والمصالح.

المرشحون المحتملون لخلافة بوتفليقة

سعيد بوتفليقة .. الرئيس الفعلي حالياً

يعتبر الرئيس الفعلي، في جزائر اليوم، وقد تم له ذلك فقط بفضل قرابته العائلية مع شقيقه عبد العزيز، فالمعروف أنه بلا ماض كفاحي أو سياسي مميز، وأكبر منجزاته رفقة الرئيس منذ عطبه الصحي الأول سنة 2005، وتواصلت الرفقة خلال الأعطاب اللاحقة، خاصة أثناء الإصابة بالجلطة الدماغية في أبريل 2013.

ومن ذلك الموقع صار الحاسم الأول في إدارة الشأن العام في البلاد، متهما من طرف مناوئيه بالفساد وبشراء النخب، خاصة رجال الأعمال، حيث يتلقى باستمرار كيلا من الانتقادات كان آخرها ما ادعاه الجنرال المتقاعد حسين بن جديد، في حوار إعلامي، حيث اتهم شقيق الرئيس بالتهييء لحكم البلاد، وبسبب ذلك تمت إقالة الجنرال توفيق.

مولود حمروش .. الوجه العريق

من الوجوه العريقة في المشهد السياسي الجزائري. تحسب له مشاركته في حكومة عبد الحميد مهري (زمن الشادلي) التي أطلقت مسلسل الإصلاحات بعد إحداث 1988 من خلال فتح باب التعددية السياسية والإعلامية التي ترتب عنها فيما بعد فوز الإسلاميين في الانتخابات البلدية.

ترشح للانتخابات الرئاسية سنة 1998، وحصل على نسبة 3 في المائة من مجموع النتائج الرسمية، وكان قد صرح خلال حملة الرئاسيات الأخيرة بأنه لا يريد أن يكون مرشحا معينا، بل يسعى إلى الوصول إلى الرئاسة فقط عن طريق الانتخابات.

أحمد أويحيى .. ظل بوتفليقة

دائم الولاء للرئيس، ومسانده في كل الولايات. ترأس الحكومة لثلاث فترات (من 1995 إلى 1998، ومن 2003 إلى 2006، ومن 2008 إلى 2012). وهذا لم يمنعه من الاستقالة في آخر فترته الثالثة، الأمر الذي يفسر على أنه تنحية في إطار ترتيبات سابقة.

أسس حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي يشغل اليوم المكانة الثانية في البرلمان ب 68 نائبا، بعد جبهة التحرير الوطني ذات الأغلبية ب 208 من أصل 462 نائبا.

أحمد بن بيتور .. مرشح الاسلاميين

سبق أن ترأس الحكومة من سنة 1999 إلى 2000 (خلال الولاية الرئاسية الأولى لبوتفليقة). وقد ترشح للانتخابات الرئاسية الأخيرة (2014) مقدما نفسه باعتباره رئيسا توافقيا. وفي هذا الإطار انتقد ترشيح عبد العزيز بوتفليقة للولاية الرابعة، مؤكدا أن «ترشح الرئيس رغم اعتلال صحته دليل كاف على تزوير الانتخابات»، ومضيفا في حوار مع إحدى القنوات التلفزية بأنه «مقتنع بالنضال السلمي لتغيير السلطة». ويوصف في المحافل الإعلامية بأنه مرشح الإسلاميين.