يبدو أن ساكنة سوس " تَمَحْضَرَتْ" (من كلمة أمحضار الأمازيغية والتي تعني متلقي الدرس الشرعي في الكتاب القرآني) أمام الشيخ عبد الإله بن كيران الذي أوصاها يوم 30 غشت بساحة الهدى بوسط آكادير بعدم "التَّرَكْتُرْ" (من التراكتور شعار حزب الأصالة والمعاصرة) فقامت بتصويت جماعي على ممثلي آل المصباح في 04 شتنبر 2015.

يلزم كثير من الوقت لتحليل هذه الجُهْمَة (القطعة من الجحيم) التي اصطلت بها قلاع اتحادية واستقلالية اعتادت اعتبار كل استحقاق انتخابي بمثابة تجديد الولاء لها من طرف الساكنة السوسية.

نحن أمام اختفاء "مجتمعات حزبية محلية" وهذا موضوع شديد الأهمية. ولا يمكن بحال اتهام مخلوق البيجيدي بتولي الإبادة وإلا سنكون أمام تحامل لا يليق بكائن كامل الوداعة نحرص على إظهاره في وصف تحولي استذءابي.

اختفاء مجتمعات حزبية هو تخصص أنثروبولوجي بامتياز. لا ننسى أنه في المغرب يجاور الحزب القبيلة في اللحمة والشبه والعقيدة. ولما يتحول التحليل الانتخابي إلى شماتة يكون جديرا الاستعاضة عنه بآخر علمي؛ من حسن الحظ أننا نملك منه عينات محفوظة كتابة وصورة.

حدث ذات زمن ستيني من القرن الفائت أن انحنت قامات كبيرة مثل جون بير فرنان (مؤرخ مهتم بالحقبة الهيلينستية) جاك لوكوف (مؤرخ مهتم بالعصر الوسيط) بيير بورديو (سوسيولوجي) أوندري كونت سبونفيل (فيلسوف) ميشيل تورنيي (كاتب) لوك دو هوش (إثنوغرافي) واعترفت بالعطايا العلمية لأحد أهم "المحققين الإثنوغرافيين"؛ كلود ليفي ستراوس المهتم بكشف خبايا أسرار انزياح مجتمعات "تعبت" من الظهور في الوجود .

لقد تعب حزب الاتحاد الاشتراكي في آكادير من الوجود، وأصبح كخليفة عباسي تحت رحمة سلاجقته له الرسم والعلامة ولهم الأمر وما تلاه .

لقد انقرض الاتحاد من آكادير منذ 2003. وهي السنة ذاتها التي انقرض فيها من مدينة الدشيرة المجاورة، فيما انقرض من إنزكان منذ 2009. وها هو ينقرض من تارودانت في 2015 .

أما حزب الاستقلال، والتي قامت عائلة قيوح بتوطينه بأولاد تايمة والنواحي منذ 2003، فها هو يختفي بدوره .

نحن لسنا أمام اختفاء حضور حزبي؛ ولكن أمام اختفاء حزبي لعائلات بالمعنى البيولوجي والرمزي. ينسى الكثيرون أن الزعماء المحليون لحزب الوردة الكثير منهم أدى مناسك الحج وأصبح أرثوذوكسيا في معيشه وتصوراته الدنيوية. ومنهم من "سلفن" (من السلفية) مظهره وسمياه كمصطفى المتوكل؛ كبير اشتراكيي تارودانت .

الكثير من اشتراكيي سوس احتفظوا بانتماء حداثي – سري بحزب المهدي وعمر؛ فيما أعقابهم من وُلْدِ وبنات وحفيدات وأحفاد هم أصوليي التنشئة والحياة والإيديولوجيا.

الدرس الأنثروبواوجي في نسخته الستراوسية (نسبة إلى كلود ليفي ستراوس) يخبرنا أن المجتمعات القبلية حينما تختفي تترك ورائها ما يمكن تسميته بعلامات هي عبارة عن "بقايا" ترشد عن ذاك الذي كان يوما تاريخا، معاشا، سلوكا، تنظيما، سلطة... لهذا ليس غريبا البتة حينما نرى البعض من "عتاة" الاتحاديين وقد هرموا سنا وتصورا يعتبر أن الفكرة الاتحادية بذرة لفظتها الوردة والتقطها المصباح.. فلا ضير إذن من الانتساب لإخوة بنكيران؛ بهذا المعنى يكون حزب العدالة والتنمية هو "البقية"Résidu  من مجتمع/ حزب اليسار متبلورا في الفكرة والمشروع الاتحادي  مادام بن كيران نفسه كان يساريا ذات زمن..

نفهم الآن أن الترويج الذي سبق الانتخابات الجماعية لزمن سيارة R4 على صفحات الفايسبوك في انتقاد "بذخ" سيارات الدولة لم يكن اعتباطيا.. إنه نقد بيجيدي لمفهوم الزمن. إصلاح على وتيرة الزمن المقدس..

إن انتخابات 04 شتنبر 2015 هي إعلان عن مرحلة جديدة من هوية وانتساب التراب والمجال. مدن حلال من أجل إمارات إسلامية متحدة وإصلاح إيركاطي (نسبة إلى سيارةR4 ) يليق بدولة تتزاحم فيها مُدَد جورج غورفيتش.