الأحد 5 مايو 2024
سياسة

القيادي محمد يتيم: هكذا انهارت مملكة شباط

القيادي محمد يتيم: هكذا انهارت مملكة شباط

حزب العدالة والتنمية يدحر قيادات المعارضة ورموزا كبيرة لها :  ساجد في الدار البيضاء ، والباكوري في المحمدية كما دحر فاطمة الزهراء بمراكش، وعماري طنجة وبن شماس يعقوب المنصور زعيم العنتريات الخطابية  للمعارضة بمجلس المستشارين  وشامي مكناس ووالعلو الرباط ... في حين فر لشكر بجلده من النزال الانتخابي ونزل بحزبه إلى قاع الترتيب السياسي !! 

 لكن اكبر اندحار للمعارضة وأكثرها هزائمها دلالة هي هزيمتها في عقر دارها  بإنهاء أسطورة من قال في صراعه من اجل الوصول إلى قيادة الاستقلال : انه سيزحف على " باب العزيزية " لكن" العزيزية " كانت هذه المرة هي قلعته " المحصنة " في فاس !! ومن ثم كان السقوط مدويا !!

إذن، تصويت عقابي  لقيادات ورموز المعارضة ولو أن بعض الذين روجوا كذبا لنظرية التصويت العقابي خلال الانتخابات المهنية سيقولون: لقد تصدرت الأصالة والمعاصرة الانتخابات الجماعية  !! تخفيفا لوقع الهزيمة المرة التي تلقاها من كانوا يحلمون بالإجهاز على العدالة والتنمية !! وعلى التحالف الحكومي هي بغض النظر عن الأسماء التي سقطت، قضية رمزية، وما أهم الرموز والمعارك الرمزية في السياسة  ! كانت معركة شرسة  وضع فيها "زعيم " سياسي مستقبله السياسي قربانا لها إذا خسرها حين قال : انه سيقدم استقالته في حالة لم تبوءه الانتخابات الترتيب الأول بين الأحزاب الوطنية !

ولأنه لا أحد يصدق حماقات الزعيم أو يأخذ على محمل الجد خرجاته  الحمقاء، وأنه لا أحد يمكن أن يصدق أنه سيوفي بوعده ، حيث انه قد اجتمع بزعماء المعارضة المهزومين الآخرين  وقرر أن يطعن في الانتخابات .. فهي الوسيلة الوحيدة والمخرج من المأزق الذي وضع فيه نفسه، فتبقى الهزيمة التي ألحقها حزب العدالة والتنمية ب " شباط "  هزيمة دالة وكبيرة من حيث المضمون السياسي والرسالة التي وجهها شعب فاس المتحضر !!

حين نتحدث عن نهاية الشباطية فإننا لا نقصد  فقط هزيمة لشخص اسمه " شباط "'على الرغم من القيمة الرمزية لاسقاط " عزيزيته ' بل هي هزيمة لنمط من التدبير الحزبي والسياسي .

 الشباطية هي أن تنتصر السفاهة في السياسة، واستخدمها بمعناها القرآني أي ضعف القدرة على التمييز وسوء التصرف والتقدير المؤدي لتبذير الأموال  .

الشباطية هي السفاهة بمعناها الدارج أي سلاطة اللسان وإطلاق الكلام على عواهنه بالكلمات والاتهامات الكبيرة تماما حين تم اعتبار الشهيد المهدي بن بركة مجرما، وحين تم نعت قضاة المجلس الأعلى بالفساد ونعت بن كيران بالعمالة للموساد وتمويل داعش !!

الشباطية تتجسد من خلال " كائنات سياسية " ونماذج بشرية لم تظهر في فاس فقط وإن كانت هذه المدينة هي علامتها الكبرى وإنما توجد لها أشباه ونظائر في غير فاس، كائنات تسلطت عَلى الحياة السياسية وأفرغتها من قيمها النضالية وعلى رأسها خدمة الصالح العام، وحولتها إلى مقاولات خاصة لبناء الثروة من خلال السلطة.

تبدأ الشباطية في التمكن حين يتحول فرد بسيط ليس له مؤهلات علمية او فكرية أو طرح سياسي، وينتقل من أسفل قاع المجتمع الى إمبراطور قد اغتنى من خلال المسار السياسي وراكم الملايير عبر بوابة التدبير الجماعي وتحويله الى بقرة حلوب تذر الامتيازات وتوزعها !

الشباطية نموذج من التدبير للشأن الحزبي والسياسي هو أقرب ما يكون للتدبير المافيوزي وذلك من خلال  القدرة على القيام بانقلابات تنظيمية بعد أن يتم تأمين النفوذ والسيطرة داخل التنظيم من خلال شبكة من الأتباع والمناصرين ومن خلال وسائل إنزال وحشد وإغراق للمؤتمرات بأشخاص لا علاقة لهم من الناحية التاريخية والنضالية بالحزب 

الشباطية ظاهرة مدمرة للأحزاب السياسية، فهي إذ تقتات على الماضي الرمزي والتاريخي لأحزاب كانت رائدة في معركة التحرر الوطني والنضال الديمقراطي وتأكله، تنتهي إلى إفراغ تلك الأحزاب من محتواها و" تطفيش " أهل الفكر والرأي والكفاءات والخبرات في الأحزاب، حيث لا يبقى منها إلا مفزوع أبقته مخاوف على مصالح خاصة أو حرص على مظلة أو حصانة سياسية يتوهم انها هي التي يمكن أن تغطيه عن ممارسات فاسدة خلال تولي مسؤوليات عامة ! 

هي ظاهرة تعتمد البلطجة في التعامل مع الخصوم السياسيين وتسخير عناصر موالية مدربة لنسف التجمعات ومواجهة المنافسين السياسيين في الانتخابات بالعصي والهراوات، بل قد تصل الى حد التهديد بزعزعة أمن البلاد واستهداف استقرارها

الشباطية أن تكون لك القدرة على أن تقول الشيء ونقيضه وان تقول الشيء  وتمارس ضده : ان ترفع شعار الإصلاح وأنت أصل الفساد وتتكلم عن الديمقراطية وانت تُمارس الديكتاتورية والتحكم داخل منظمتك الحزبية، وتتكلم عن عجز الحكومة عن حماية الانتخابات من الإفساد المالي وأنت اكبر من  مارس ويمارس هذا  الإفساد 

الشباطية ان تتكلم عن التنزيل الديمقراطي للدستور وأنت تضع العصا في العجلة وتربك سير المؤسسات، وتحلم ان تنهي مسار بن كيران كما انتهى مسار الرئيس مرسي على الرغم من انه لا قياس مع الفارق !!

الشباطية أن تتوهم بأنه من الممكن ان يصدق الشعب الفطري الذكي ان حزبا أو منظمة لها امتداد سياسي أو حزبي جماهيري  لمجرد أن  تقوم بانزلات وتحشد جمهور من " الأنصار " ليسوا في الحقيقة  سوى عمال مياومين يسترزقون من خلال تكثير سواد المسيرات التي لا يعرفون لماذا خرجت وملء المدرجات لمتابعة مهرجانات لا يعرفون لأي هدف نظمت !!

الشباطية رغم كل تلك المواصفات التي توحي بالقوة والسيطرة والنفوذ هي اضعف مما يتصور .. فرموزها مثل الحكام الذين أسقطتهم ثورات الربيع العربي نمور من ورق سرعان ما يتهاوون حين تهب نسمة من حرية او هامش من تنافس ديمقراطي .. هي بالرغم مما تظهره من قوة وصلابة ، هشة جدا خاصة حين يقول الشعب الذي يظل صامتا لمدة وصابرا ومترقبا: كفى !!

لكن سقوط الشباطية ليس مفاجاة،  إذ أن كل المؤشرات كانت تدل على نهايتها: الانشقاقات الحزبية الداخلية بعد المؤتمرات الوطنية وضعف الشرعية الديمقراطية الداخلية ! إغراق لوائح الحزب في الانتخابات بالأعيان والكائنات الانتخابية من فصيلة الرحل الذين لا يستقرون على قرار ! الانتفاضات الشعبية التلقائية ضد رموز هذه الظاهرة  في معقلها كما هو الشان في فاس !!...الارتباك والعجز عن تشكيل اللوائح وعدم إيداعها إلا في الوقت الميت .. العجز عن مسايرة الإيقاع الراقي للحملة الانتخابية للعدالة والتنمية الذي امتلك زمام المبادرة وتسيد الساحة .. عجزها عن مغادرة قلاعها وتحصِنُها بها خلال ايام الحملة الانتخابية !

انتهت الشباطية،إذن، وانهزمت مع إعلان نتاىج الانتخابات الجماعية وهزمت في عقر دارها .. انهزمت حيث ما تصاعد الوعي وتقدمت المشاركة وقل تأثير المال والنفوذ كما هو عليه الحال في العالم القروي عموما . وينبغي ان نسجل ان نصيبا من هذه الهزيمة يرجع الفضل فيه بعد الله إلى جيل من الشباب الذي يصوت .

انهزمت لكنها لم تمت .. والمعركة القادمة هي أن يتم الإجهاز عليها إجهازا كاملا من أن اجل يتفرغ المغرب لاستكمال بنائه الديمقراطي ومعركة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

 

محمد يتيم - عن موقع حزب العدالة والتنمية