الجمعة 6 ديسمبر 2024
في الصميم

حتى لا يبقى مستعملو الأوطوروت «رهائن» سياسة الزفت المصلحي!

حتى لا يبقى مستعملو الأوطوروت «رهائن» سياسة الزفت المصلحي!

أيعقل أن يضطر المرء إلى أداء 1500 درهم كغرامة بسبب ضبطه من طرف رجال الدرك بالأوطوروت يتبول، لأن الدولة رسمت سقف 50 كيلومترا بين محطات لاستراحة، وهو ما لا قدرة للإنسان (خاصة المريض بالسكري أو البروستات أوالطاعن في السن أو الحامل) على تحمله لقطع هذه المسافة!

 أيجوز أن تكون مكناس وفاس من أجمل مدن المغرب المصنفة كتراث عالمي، ومع ذلك فالمستعمل للأوطوروت لا يحظى بأي شرف الاستمتاع بجمال هذا التراث، ولو من باب (للي ما شرى يتنزه) إذ لم  تضع له الدولة سوى لوحة قصديرية تخبره بأن مكناس وفاس مصنفتين تراثا إنسانيا؟

 هل يقبل المنطق قطع المسافة بين مراكش والدارالبيضاء في الأوطوروت دون أن يرى المواطن صخور الرحامنة أو بن جرير، وكأن المغرب لم يبن أي حضارة بين مراكش والدارالبيضاء طوال القرون الماضية وكأنه لا يوجد إنسان أو تقاليد أو طبخ أو تراث محلي؟

 هل يستساغ أن يقضي المرء في محطات الأداء ساعتين أو ساعة ونصف في كل عطلة محطة برشيد مثلا أو محطة النسيم بليساسفة بالبيضاء) لدرجة أن المواطن يندم على «السويعات» التي قضاها رفقة أسرته بمناسبة عطلة عيد أو عطلة مدرسية؟

 إن هذه الأسئلة تجد شرعيتها في «الاحتفالية» التي رافقت افتتاح مقطع الأوطوروت بين برشيد وخريبكة في أواخر رمضان الماضي. وهي المناسبة التي جعلت الأصوات ترتفع مطالبة بتجريد وزارة التجهيز والشركة الوطنية للطرق السيارة من أحقية الإشراف لوحدهما على تصميم وإنجاز الأوطوروت في المغرب بالنظر إلى بروز الحاجة الملحة لاعتماد جيل جديد من الطرق السيارة ببلادنا تقطع مع الجيل القديم الذي كان يرسم الأوطوروت لإرضاء اللوبيات أو لجبر الخواطر للنافذين في نادي الكبار على حساب إعداد التراب الوطني. وعلى حساب تنمية المناطق التي تخترقها الأوطوروت.

 فقد انتهى الزمن الذي كان فيه إنجاز الأوطوروت يعد عملا سياسيا خالصا. نحن الآن بحاجة إلى إنجاز الأوطوروت بمنطق تنموي وبمنطق يساهم في تلحيم التراب الوطني.

 فالأوطوروت في الدول المتمدنة ترسم بهاجس تنمية المنطقة والسماح لمستعمل الطريق الاستمتاعالتي تزخر بها المدن  التي تعبرها الأطوروت Le paysage الطريق الاستمتاع بجمالية المناظرواستغلال محطات الاستراحة لفتح شهيته للتعرف أكثر على المناطق المجاورة (إما لبرمجة زيارتها مستقبلا أو على الأقل منحة جرعة من المعارف الأولوية حتى لا يبقى جاهلا بثقافة مناطق بلاده وتنوعها وغناها في الملبس والمأكل والعادات...إلخ).

 الآن، وقد ورثنا بالمغرب مسارات للأوطوروت مثقلة بالأعطاب وبالكوارث المنظرية يبقى المدخل لتدارك الأمر وتقويم الاختلال، هو تنظيم مباريات تساهم فيها مكاتب دراسات تضم كلا من المهندسين والمنظريين وعلماء الاجتماع والباحثين في الأنتربولوجيا والثقافات المحلية ومختصين فيالتهيئة الترابية والعمرانية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

 ولنا في نموذج مدخل عاصمة دكالة خير دليل على ما نقول، إذ كان لمشاركة متخصصين في حقول معرفية أخرى نتائج باهرة على مستوى مردودية مقطع الأوطوروت بمدخل الجديدة، حيث تم تدارك الفظاعات وتم إدماج المنظرالشمولي للمدينة. فرغم إضافة 10 كيلومترات ككلفة، فإن الرابح الأكبر هو مستعمل الأوطوروت الذي ربح منظرا رائعا يطل على الجديدة، كما ربحت الجديدة ميزة هندسية زادتها إشراقا وبهاء.

 إن المغرب يعرف تحولا كبيرا يشمل أنساقه الاجتماعية ويشمل نوعية الطلبات المنبثقة من المجتمع. وهو ما يقتضي من صانعي القرار التعامل مع الأوطوروت كالسينما، مع فارق أن بطل الفيلم هو تراب المنطقة وناسها وحضارتها وثقافتها المحلية وسياحتها. وهو ما يقتضي أيضا خلق لجنة بين وزارية للإشراف على مسارات الأوطوروت أو تصحيح الاعوجاج الموجود في المسارات الحالية (مثلا لإبراز حصن أو سور تاريخي أو منتزه أو محمية...إلخ).

فالدولة الأمة في أوربا التي بنيت على أنقاض الاقطاعيات تبقى مدينة بالأساس إلى الطرق والجسور التي قضت على الهياكل الفيودالية هناك، لأن الطريق والقنطرة لا تسمح بتنقل الإنسان والبضائع فقط، بل وتتيح تنقل الأفكار والثقافات والآراء. فهل سنطوي سنوات الرصاص الطرقي ونحدث هيأةللانصاف الترابي والمصالحة المجالية، أم سنبقى رهائن سياسة الزفت المصلحي؟

 ننتظر الجواب يا ساسة الحكومة والبرلمان!!