الجمعة 19 إبريل 2024
في الصميم

أيها الجنود صوتوا على من يطلق اسم شهدائكم على الشوارع !

أيها الجنود صوتوا على من يطلق اسم شهدائكم على الشوارع ! عبد الرحيم أريري
في فرنسا تنشغل الطبقة السياسية اليوم بحملة أطلق عليها اسم «حملة غسل العار» عن شوارع المدن الفرنسية والمرافق العمومية، وهي الحملة التي سبق ودشنها لأول مرة عمدة باريز السابق بيرتراند دولانوي وتستمر إلى اليوم.
الحملة تقوم على تغيير أسماء الشوارع والأزقة والمرافق المحلية بعدا لتحقق من هوية صاحب الاسم، أي هل هو اسم له ماض مشرق في تنمية فرنسا (عسكريا + سياسيا، سينمائيا، فكريا، رياضيا، إنسانيا إلخ..) أم أن الشارع يحمل اسم رمز من رموز الكراهية واحتقار البشرية.
آخر محطة في هذا الصراع ما تشهده مدينة Villiers -le-bell بجهة باريز الكبرى من نقاش ساخن بعد الضجة التي أقامها فاعلون حقوقيون عقب اكتشاف أن «شارل ريشي» الحائز على جائزة نوبل في الطب (عام 1913) الذي يحمل مستشفى المنطقة اسمه، له ماض أسود في احتقار البشر.
إذ اكتشفوا دراسة له مغمورة سبق ووصف فيها عام 1919 الأفارقة الزنوج بأحط النعوت معتبرة القردة أحسن سلالة من الأفارقة. مما جعل الأصوات ترتفع مطالبة بوجوب غسل العار عن المدينة بتغيير اسم المستشفى وتم جمع 30 ألف توقيع لهذا الغرض. وهو ما تم فعلا حيث أذعنت إدارة المستشفيات بباريز إلى ذلك وتم في الشهر الماضي إطلاق اسم جديد على المستشفى المذكور.
كما تم تغيير اسم الزنقة التي تحمل اسم «شارل ريشي» أيضا وتم اختيار اسم جديد لها وهو Rue du haut Roi. في مدن المغرب تعج الشوارع والساحات والأزقة بأسماء استعمارية وبأسماء ضباط فرنسيين عاتوا في المغرب والمغاربة ذبحا وتقتيلا دون أن ينهض صوت عاقل في هذا الحزب أو ذاك ليقول اللهم إن هذا لمنكر. الفظيع أن المغرب مقبل في نهاية شهر أبريل على امتحان مرير في مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء وهي القضية التي استشهد فيها العديد من الجنود والضاط وضباط الصف المغاربة في مختلف الأسلاك الأمنية (جيش + درك + الشرطة +قوات مساعدة ) ولم يتحرك أي مجلس محلي للتنسيق مع الحامية العسكرية التابعة لمجال نفوذه للحصول على أسماء الجنود المغاربة الشهداء المنتمين لتلك المدينة أو القرية أو الجهة التي توجد فيها الجماعة الحضرية أو القروية لكي يطلقها على شارع أو زنقة أو ساحة عمومية أو على مرفق عمومي محلي: احتراما لحرمة الشهداء أولا واعترافا بقيمة الدم المغربي الذي روى الصحراء ثانيا ورسالة للجنود الأحياء على أن حياتهم ليست رخيصة لدرجة لاتقوى الدولة على إطلاق أسمائهم على شوارع مدننا في حالة ما إذا استشهدوا ثالثا، ثم - وهذه نقطة أساسية - هي «ميساج» من كون المسؤولين يؤمنون بثقافة الاعتراف.
مرت 40 سنة على اندلاع حرب الصحراء. ورغم وقف إطلاق النار فإن الحرب لم تضع أوزارها، بل بالعكس لم تفتأ تستعر بفضل تهريب أموال النفط الجزائري لتمويل الحملة ضد المغرب. وطوال هذه المدة لم نقرأ نقطة في البرنامج الانتخابي للأحزاب لرد الاعتبار للجنود الشهداء. اليوم، وعلى هامش تقديم المجلس الوطني لحقوق الإنسان لمقترح السماح لحاملي السلاح (من جيش ودرك وبوليس وقوات مساعدة وجمارك وحراس الغابة وحراس السجون) بالتصويت في الانتخابات المحلية المقبلة.
يبقى مطلوبا من الأحزاب أن تستحضر هذه المعطى في صياغة برامجها. فالطلب على المدينة لا يهم فقط الزفت والطوبيس و«الجردة» و«القادوس» و«الضوء والماء» بل يهم أساس الرموز، وأفدح جريمة هي إقبار رموزنا من جنود وأدباء ورياضيين وسياسيين وفنانيين ومحوهم من شوارعنا وطمس هويتنا بإطلاق أسماء الخونة والاستعماريين على الفضاء العمومي. فيا جنود المغرب، إن حصلتم على حق التصويت، فأنصفوا شهدائنا بالإمساك عن منح الأصوات إلا لمن ينتصر للمغرب والمغاربة!