الثلاثاء 30 إبريل 2024
ملفات الوطن الآن

ردا على اتهام المغرب بـ «نهب الثـروات» بالأقاليم الجنوبية.. هذا ما أنفقه المغاربة على الصحراء

ردا على اتهام المغرب بـ «نهب الثـروات» بالأقاليم الجنوبية.. هذا ما أنفقه المغاربة على الصحراء

مع اقتراب محطة جنيف (الحقوقية) ومحطة نيويورك (السياسية) تسلط كشافات الضوء على قضية الصحراء.

«الوطن الآن» اختارت مواكبة محطتي مارس وأبريل 2015 باستلهام النماذج الدولية في الإعمار وتدارك الخصاص كلما استرجعت دولة ما جزء من ترابها الذي سبق فصله عن البلد الأم في سياق ما. وتحضرنا في هذا العدد تجربتي الفيتنام وألمانيا لمعرفة مدى المجهود العمومي الذي بذله المغرب كاستثمار لتنمية صحرائه المسترجعة مثلما فعلت الفيتنام مع جزئها الجنوبي وألمانيا مع جزئها الشرقي

ما هي فاتورة استرجاع المغرب للمنطقة الجنوبية؟ ما هو الثمن الذي أداه المغرب منذ استرجاعه لمنطقة الصحراء؟ وهل هناك بالفعل استغلال لثروات هذه المنطقة دون أن ينتفع بذلك سكانها؟

هذه الأسئلة قد تبدو مستفزة، خصوصا إذا وضعنا في الحسبان أن توحيد الأرض واسترجاع أجزاء من الوطن من أيدي الاستعمار لا نقاش بحساب الربح والخسارة كأي صفقة تجارية. ولكن الحقيقة هي أن إعادة إدماج أطراف من البلاد تم استرجاعها بعد فترة من الاستقلال الرسمي هي عملية لها ثمن. وهذا الأمر لا يخص المغرب لوحده. بل وقعت تأدية ثمن هذه العملية في عدد من البلدان التي اضطرتها الظروف التاريخية للقيام بنفس ما قام به المغرب لإعادة تجميع أطراف كانت خارجة الوحدة الوطنية من قبل.

فألمانيا، أو بشكل أدق قسمها الغربي (ألمانيا الفيدرالية سابقا)، قد أدت ثمنا باهظا لإعادة لم شمل الألمانيتين الشرقية والغربية. وهذا الثمن كان هو 2000 مليار أورو، دون احتساب نتائج الوحدة الألمانية على الأوضاع الاقتصادية في أوربا. هذا الثمن يمثل في جزئه الأكبر، أي % 65 المساعدات التي تم منحها لجهات ألمانيا الشرقية سابقا.

عندما استرجع المغرب منطقة الصحراء في سنة 1975، كانت الأوضاع الاقتصادية والتجهيزات التحتية والخدمات في هذه المنطقة في مستوى متدن، وكان من الضروري بذل جهد مالي كبير لتحسين الأوضاع حتى تلتحق الساقية الحمراء وواد الذهب بمستوى التطور الذي عرفته باقي مناطق المغرب وحتى يتحقق لهذه الجهة شرط الإندماج في النسيج الوطني.

ومنذ ذلك التاريخ وحتى حدود نهاية العشرية الأولى من سنوات 2000 وصل المجهود المالي المقدم إلى 1200 مليار درهم و%3 من الناتج الداخلي الخام السنوي للمغرب.

الفرق بين الحالة الألمانية والمغربية وبين ما صرفته كل دولة لإعادة إدماج جزئها المسترجع يتلخص في ملاحظتين اثنتين:

1 - على عكس شرق ألمانيا الذي كان يتوفر على مقومات اقتصادية وبنية تحتية وفيرة، منطقة الصحراء حين سلمها الاستعمار للمغرب كانت ضعيفة البنية التحتية، بل في معظم مناطقها، كانت هذه البنية منعدمة تماما. فالطرق التي هي شريان الحياة لم يكن يتجاوز طول شبكتها 70 كلم في 1975. وهي الآن تتعدى 9457 كلم، وتغطي الجهات الثلاث التي تكون هذه المنطقة.

والتعليم الذي هو عصب بناء الإنسان كان محدودا جدا. فمثلا بالنسبة لشهادة الباكلوريا، عرفت الفترة السابقة (ما بين 1960 و1975) تخرج 3 أشخاص هم الحاصلون على شهادة الباكلوريا في كل هذه الفترة على مستوى الصحراء. وهؤلاء حصلوا على شهادة الباكلوريا، بعد ذهابهم لإتمام دراستهم الثانوية بإسبانيا.

بعد 1975، كان من الضروري بناء المؤسسات التعليمية غير المتوفرة، وتغطية كل أقاليم المنطقة في هذا المجال.

ولهذا لم تتخرج أول دفعة من خريجي شهادة الباكلوريا بالمنطقة إلا في سنة 1987.

2 - ألمانيا الدولة الصناعية المتقدمة لم تكن في حاجة إلا إلى تقديم مجهود على مستوى تطوير المقومات الاقتصادية لألمانيا الشرقية وتحسين ظروف العيش والوضعية الاجتماعية للسكان في جو من السلم والأمان. بينما المغرب دولة العالم الثالث كان في حاجة إلى تقديم جهد حربي بالإضافة إلى مجهود بناء البنيات التحتية والمقومات الاقتصادية والإنسانية للمنطقة المسترجعة. وهذا زاد من عبء وحجم الفاتورة.

وقد وضع المغرب هذا التحدي بالتضحية التي قبل المغاربة القيام بها على حساب قدراتهم الشرائية ومستوى عيشهم للسماح بتنمية منطقة الصحراء وحماية الوحدة الوطنية والترابية. هل مكنت هذه التضحية من الوصول إلى الأهداف المسطرة؟ كيف تم تصريف الجهد المالي الذي تم رصده لمنطقة الصحراء؟

التقرير الذي قدمه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أمام جلالة الملك في أكتورب 2013 يقول إن مفعول الإطار التحفيزي والنفقات العمومية على القطاع الخاص في هذه المنطقة بقي محدودا ولميسمح بتحقيق إقلاع اقتصادي في الجهات الجنوبية. وبسبب هذه المحدودية بقي مستوى البطالة مرتفعا بالمقارنة مع المعدل الوطني (15 %من منطقة الصحراء مقابل 9%على المستوى الوطني).

لكن هذا التوصيف الذي يحلل الأوضاع في أفق وضع النموذج التنموي المستقبلي لمنطقة الصحراء: يجب أن لا ينسينا أن الهدف الأول للمجهود المبذول على مدى أربعين سنة. هذا الهدف كان هو محو آثار مخلفات الاستعمار وقد تحقق هذا الهدف.

فقد أصبحت المؤشرات المتعلقة بالتربية والصحة وتراجع الفقر وتحسين الخدمات والبنيات التحتية في منطقة الصحراء هي الأعلى على المستوى الوطني.

السياسة الإنمائية قد اعتراها الكثير المشاكل ومردودية ما تم صرفه من استثمار قد تكون أقل من حجم الأموال التي صرفت، ولكن الأكيد هو أن المجهود المبذول قد سمح بتغيير وضعية الضعف والتهميش التي كانت تعرفها ظروف العيش في منطقة الصحراء.

فهذه المنطقة تبوأت المركز الأول وطنيا على مستوى مؤشرات الصحة وإنجاز البنيات التحتية كإنجاز موانئ ذات مستوى رفيع ومطارات بمدن الصحراء الرئيسية، وقد عرفت المنطقة أيضا تمدنا هو الأعلى وطنيا، فنسبة الكسان الحضريين في المنطقة تبلغ 74% مقابل 60 % في باقي جهات المغرب. الطفرة المنشودة قد تحققت بالنسبة لشروط الحياة في هذه المنطقة التي كان معظم سكانها قبل 1975 يعيشون في البادية.

ولكن لماذا نواجه وضعية متوترة برغم حصول هذه الطفرة على الخصوص على المستوى الاجتماعي الذي يشكل المجال الذي حصلت فيه منطقة الصحراء على امتيازات لا توجد في المناطق الأخرى؟

الجواب على هذا السؤال هو بالضبط ما يقدمه تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. حين يلاحظ أن الشروط التي أسست للنموذج الذي تم نهجه خلال الأربعين سنة السابقة لم تعد قائمة. بل إن إعمال هذا النموذج السابق بماله وما عليه هو بالضرورة الذي غير سواء بما أنجز أو بالأهداف التي حققها معالم الظروف التي كانت قائم ووصل إلى نهاية صلاحيته وبالتلي أنتج شروط ومطلب استنباط نموذج جديد يتجاوز التأثيرات المعاكسة لما سبقه ويجيب على الاشكالات الجديدة المطروحة ويكون مرافقا للدينامية التي أطلقها اقتراح المغرب في سنة 2007 للحل السياسي، أي مشروع الحكم الذاتي.

فالمغرب وبشكل عام، وساكنة الصحراء بشكل خاص، يرفضون مواصلة حالة الجمود التي يريد الطرف الآخر الجزائر والبوليساريو بأي صمن المحافظة عليها. فحالة الجمود هي في الحقيقة كل ما تبقى لاستراتيجية لهذا الطرف الذي أفلست كل خططه السابقة بفعل التحولات التي عرفتها المنطقة والعالم، إذن فاستراتيجية الحركة والالتصاق بواقع التحولات التي يعرفها العالم التي يطبقها المغرب لم يعد بالإمكان مواجهتها بالنسبة للطرف الآخر إلا باستراتيجية الجمود (Statut qug) ولكن يجب أن لا نسمح لهذه استراتيجية بالنجاح لأنها في نهاية المطاف لن تنتج إلا تأزيم أكبر للوضع في كل المنطقة المغاربية وفي الساحل ومزيد من المعاناة لشعوب المنطقة كلها.

 الصحراء في أرقام الصحراء

تمتد على مساحة 416.474 كلم مربع أي ما يمثل 59% من التراب الوطني

ساكنة الصحراء تشكل 2% من سكان المغرب وتبلغ 1.028806 نسمة (باحتساب كلميم وأسا الزاك)

ساحل الصحراء يمثل 40% من ساحل المغرب (1500 كلم من أصل 3500 كلم)

3580 كلم من الطرق أنجزت بالصحراء منذ استرجاعها

البطالة في الصحراء تصل إلى 15 في المائة (9 في المائة بباقي التراب الوطني)

41% من حاملي الشهادات بالصحراء معطلين

* في عام 1975 كان عدد الصحراويين المرتبطين بشبكة الكهرباء يعد على رؤوس الأصابع، وفي عام 1985 وصل العدد إلى 19.915. ثم قفز الرقم إلى 211560 عام 2006 (ارتفاع بنسبة 963 في المائة).

* كلف الاستثمار في التجهيزات التحتية الكهربائية (وسائل التوزيع فقط) في الصحراء مبلغا قدره 620 مليون درهم بين 1976 و2006 (منها 220 مليون درهم للمحطة الحرارية بالعيون).

* الماء، ذلك المورد المفقود في الصحراء، ابتلع لوحده ما بين 1975 و2006 ما قيمته 1624 مليون درهم لتزويد العيون وبوجدور وطرفاية والداخلة والسمارة بالماء الصالح للشرب.

* في مجال التعمير هناك ثلاث محطات أساسية لإعمار الصحراء:

- من 1979 إلى 1991 شملت تهيئة بقع استفادت منها 4400 أسرة.

- 1996-2005: استفادت 10,100 أسرة

- 2008-2010 : تهيئ 68 ألف قطعة اسفرت عن إنتاج 124 ألف وحدة سكنية بكلفة 4,5 مليار درهم. أهمها بالعيون التي عرفت فتح 1000 هكتار لإيواء ساكنة المخيمات (10 آلاف براكة كانت تضم 50 ألف نسمة)

المواصلات السلكية واللاسلكية

شكلت الاستثمارات المتعلقة بقطاع المواصلات السلكية واللاسلكية أداة لتحقيق تنمية الجهة، حيث مكنت من تحديث وتقوية الشبكات في المنطقة. حيث وصل مجموع تجهيزات منصات الصوت، مثلا، إلى 89029 منصة موزعة على جهات الصحراء. كما عرفت المنطقة، منذ استرجاعها، إنجاز عدد من المشاريع همت على الخصوص وضع مراكز للهاتف الرقمي بطاقة إجمالية تصل إلى 43.350 تجهيزا مستخدما و30.000 مشترك.

الكلفة السياسية للصحراء

في خمس أقاليم صحراوية خصصت الدولة 17 مقعدا برلمانيا (العيون، بوجدور، أوسرد، الداخلة والسمارة)، وفي الجماعات التابعة لهذه الأقاليم خصصت 522 مقعدا بينما لم تخصص للدارالبيضاء سوى 147 مقعد ولوجدة 118 وإنزكان 152 مقعد.

علما أن جماعات الصحراء تعطي 31 مقعدا بالغرفة الثانية منهم 21 قادم من الجماعات، بينما فاس ذات 2.5 مليون نسمة لا تنعم سوى بـ 15 عضوا منهم 10 برلمانيون قادمون من الجماعات المحلية.

مجرد سؤال

لم نسمع طيلة 38 سنة عن لاعب صحراوي أو مغني صحراوي أو مصلح صحراوي فعوض أن نقتصر على صرف الملايير في الطرق والقناطر كان الأولى أيضا الاستثمار بكثافة في قنوات التواصل والاندماج الاجتماعي. فهل ستتكلم القناطر لتصدح بالمغرب؟

ولماذا لا تتم عملية تبادل الزيارات بين الطلبة من الشمال إلى الجنوب والعكس صحيح، بل حتى المحاولات الفردية تصطدم بغلاء التذاكر وكأن الدولة تخاف من أن الشماليين سيغسلون دماغ الجنوبيين، وبأن الصحراويين سيغسلون دماغ الشماليين.

عبد الرحيم المصلوحي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس أكدال / الرباط

الإنفاق العمومي في الصحراء خضع لمنطق التمييز الإيجابي

- بذل المغرب مجهودا في الاستثمار العمومي في الصحراء في الأربعين السنة الماضية، مقارنة مع ما تم ضخه في المناطق الأخرى من المغرب. كيف تقرأ هذا الاختيار والأسباب التي حذت بالدولة إلى ضخ هذه المبالغ الكبرى في الأقاليم الجنوبية؟

+ من الواضح أن المغرب منذ استرجاع الأقاليم الجنوبية، نهج سياسة التمييز الإيجابي بالنسبة للأقاليم الصحراوية، لسببين اثنين: الأول مرتبط بطبيعة الاستعمار الاسباني الذي يختلف جذريا عن الاستعمار الفرنسي. هذا الأخير معروف بكونه كان يستثمر في البنيات التحتية وبناء المؤسسات وتنمية القدرات الذاتية للمجال الترابي. بينما الاستعمار الاسباني مع كامل الأسف كان يهتم أكثر باستنزاف الثروات، للمناطق التي كان يحتلها. أما السبب الثاني فهو مرتبط، بضرورة تعزيز التيار الوحدوي بالأقاليم الجنوبية وتثبيت السلم الاجتماعي داخل هذه الأقاليم. هذا ما يبرر لماذا سلك المغرب منذ بداية الثمانينات سياسة عمومية تنبني على أساس التنمية الإيجابية لفائدة الأقاليم الصحراوية على أساس ردم الهوة فيما يتعلق بالتنمية الاجتماعية.

- لكن عندما نستحضر حجم المبالغ المرصودة خلال العقود الماضية في الصحراء مقارنة مع حجم الساكنة فيها يفترض حسب المنطق ان تكون الصحراء كلها واحة من الرخاء والأمان، والحال انها منبث يعج بالقلائل والاحتجاجات والهشاشة، لماذا؟

+ هنا لا بد من الإشارة إلى نموذجين تنمويين عرفهما المغرب، فيما يتعلق بتنمية المناطق الجنوبية. النموذج الأول هو الذي كان سائدا في عهد ماقبل 1999، وهو نموذج مبني على تعاقد مع أعيان المناطق الصحراوية والنخب المحلية لتعزيز التيار الوحدوي وإدارة مشكل الصحراء. وهذا الاتجاه كان يصب في مسار منح الامتيازات الريعية التي كانت من جهة أخرى تغذي أحيانا التيارات الانفصالية خاصة لدى الشباب والفئات المهمشة. النموذج الثاني: برز في العهد الجديد، ويقوم على إعطاء الأولوية للبرامج التنموية التي تروم تأهيل الأقاليم الجنوبية من حيث الخدمات الاجتماعية والسوسيو اقتصادية، وأيضا البنيات الصحراوية. شخصيا لست أذكر الرقم الذي استثمره المغرب في الأقاليم الجنوبية منذ الثمانينات إلى يومنا هذا، لكن إذا كانت النتيجة أقل مما هو مطلوب فذلك راجع بالأساس إلى طبيعة جغرافية المناطق الصحراوية والإرث الاستعماري الذي لم يترك مكتسبات في أرض الميدان. بالإضافة لعامل أساسي أعتبره مهما جدا وهو أن الأقاليم الجنوبية أصبحت مخترقة من طرف البوليزاريو الذي نجح في تغذية التيارات الانفصالية أسميها شخصيا بـ»بوليزاريو الداخل» ، التي كانت تلعب دور فتيل الاحتجاجات وينقض على كل فرصة احتجاج اجتماعي كي يحولها إلى احتجاج سياسي، بل انفصالي.

- البعض يتهم المغرب بكونه لم يستثمر سوى الفتات مقابل ما يستنزفه وينهبه من ثروات الأقاليم الصحراوية حسب قولهم؟

+ لاأظن، إذا جردنا حصيلة تبادل الثروات ما بين الشمال والجنوب، يمكن أن نجزم أن الجهة الخاسرة فيما يخص التدفقات المالية نجد أن العكس هو الصحيح، بمعنى أن المغرب يستثمر أكثر مما يجني مثلا على مستوى استغلال الثروات السمكية، تعلم جيدا أن المغرب يبيع للاتحاد الأوربي ولشركائه الدوليين هذه الثروات السمكية، بأثمان رمزية فقط للحفاظ على الاعتراف الدولي الضمني بمغربية الصحراء، فيما يتعلق بالموارد الأخرى كالرمال والمقالع وكل الثروات الطبيعية، فإن الدولة والاقتصاد الوطني لا يستفيد منها مباشرة ، بل الصحراويون هم الذين يستفيدون من امتيازات مباشرة كقبائل وتحالفات عائلية كبرى معروفة في الجنوب الصحراوي. وهذا في الواقع يبين أن المغرب استثمر دون أن يكون لديه مقابل لا على المستوى الاقتصادي من حيث إسهام الاقتصاد الصحراوي في الاقتصاد الوطني، ولا على المستوى السياسي والدبلوماسي من حيث الاعتراف بالمجهودات التي استثمرها المغرب في هاته الأقاليم. بالإضافة إلى شيء مهم يتجلى في أن مؤشرات التنمية البشرية مرتفعة في الصحراء، وأنا شخصيا أنجزت دراسة نشرتها في سنة 2011، تبين بالأرقام بأن مؤشرات التنمية البشرية، خاصة على مستوى التعليم والصحة والأمية ومحاربة الفقر، تتجاوز معدلاتها في الأقاليم الصحراوية المعدل الوطني وأحيانا المعدل المسجل في بعض المدن الكبرى كالدار البيضاء والرباط.

- هناك مفارقة، المغرب طرح مشروع الحكم الذاتي ولحد الآن لم يفعله بشكل أحادي للقطع مع خطاب نهب الثروات بالأقاليم الجنوبية. لماذا؟

+ يجب ان نسجل أن النقطة 13، من مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب للمنتظم الدولي وبالضبط لمجلس الأمن الدولي، في 11 أبريل 2007، تشدد على ضرورة أن تستفيد الصحراء من موارد مالية ذاتية وأن يكون اقتسام الثروات والموارد بشكل يسمح لهذه الجهات والأقاليم بالنمو المستديم والذاتي. لكن للأسف الشديد تنفيذ هذه الالتزامات مرتبط أيضا بأطراف أخرى، من ضمنها دولة الجزائر بطبيعة الحال وبعض الأطراف الفاعلة والقوى العظمى الممثلة في مجلس الأمن كالولايات المتحدة الامريكية وفرنسا وبعض القوى الإقليمية كإسبانيا....وهذه الأطراف التي تحدث عنها وأقصد أمريكا وفرنسا واسبانيا، ليس لديها مصلحة في حلحلة المشكل.

يوسف زركان، أستاذ باحث في القانون الإداري جامعة عبد المالك السعدي طنجة

1200 مليار درهم مفروض أن تحول الصحراء إلى واحة رخاء

- كيف تقرأ حصيلة حوالي أربعة عقود من المجهود العمومي الذي بذل من طرف المغرب من أجل الاستثمار في الصحراء؟

+ لا يمكن لأحد كيفما كان موقعه أن ينكر ان هناك مجهودات عمومية في الأقاليم الجنوبية، وفي شتى المجالات. فالدولة لم تبخل على الأقاليم الجنوبية في مجال التنمية، إذ منذ استرجاع الأقاليم الجنوبية والدولة تضخ أموالا مهمة من أجل تسريع عملية التنمية. فمثلا إذا اخذنا الاستثمار في المجال الطرقي نجد والحمد لله أن جميع أقاليم الجهة الصحراوية مرتبطة بالشبكة الطرقية، كما تتوفر المنطقة على عدد من المطارات كمطار الحسن الأول بالعيون ومطار الحسن الثاني بالداخلة وهناك كذلك مجموعة من الموانئ. ناهيك عن ربط العالم القروي بالعديد من الطرق، فمثلا في جهة العيون بوجدور تقريبا جل مناطق العالم القروي بالجهة تم ربطها بالشبكة الطرقية. وإذا اخذنا قطاع الصيد البحري نجد أن الدولة استثمرت أموالا مهمة في القطاع، وتتجلى أساسا في تأهيل قرى الصيادين وتجديد الموانئ وإعادة تأهيلها. وفي السكن هناك مجهودات مهمة للدولة في مجال السكن، إذ منذ سنة 2008، ثم بذل مجهودات كبيرة بحيث أن جهة العيون بوجدور اصبحت بدون سكن صفيحي بعد أن تم القضاء النهائي على السكن العشوائي والصفيحي بالمنطقة في إطار برنامج مدن بدون صفيح الذي أشرفت عليه شركة العمران. وإذا أخذنا قطاع الصحة نجد أن الدولة وطيلة أربعة عقود بذلت مجهودات كبيرة كبناء مراكز صحية. لكن كل هذا المجهود، إذا قارناه مع حجم المبالغ المرصودة للمنطقة والمعلن عنها فإننا نجد أنه تم صرف أموال طائلة بالمقارنة مع مجموع الاستثمارات الموجودة على أرض الواقع.

- أين تتجلى هذه المفارقة ؟

+ تتجلى في عدد الرساميل التي تناهز 1200 مليار درهم، وهو مبلغ يمكن أن يجعل المناطق الجنوبية تعيش في الرخاء التام. حاليا نحن نعيش مفارقات كبيرة في المدن الجنوبية، فمقارنة مع الرساميل المرصودة فإن البنية التحتية في الأقاليم الجنوبية لازالت بعيدة بشكل كبير عن حجم الأرقام المالية المعلنة

- وكيف تفسر هذا التفاوت بين حجم الأرقام المعلنة، وبين الواقع الذي تعيشه الأقاليم الجنوبية؟

+ أفسره بسوء التدبير، وعدم تتبع الدولة لمدة قاربت 40 سنة الماضية هذا مع العلم أن السنوات 10 الأخيرة عرفت تغيرات كبيرة، مقارنة مع 30 سنة الماضية، التي كان فيها تسيب في تدبير المال العمومي ، وكانت تستثمر أموال طائلة في مشاريع لم تخرج للوجود. كما أن بعض المشاريع صرفت عليها أموال كثيرة دون أن يكون لها وقع تنموي على ساكنة المنطقة أو لا تهمهم في شيء.

- هل يمكن ان تجرد لنا نموذجا عن هذه المشاريع؟

مثلا: حاليا الأقاليم الجنوبية تعيش ازمة تشغيل متفاقمة ونسب البطالة بالصحراء مرتفعة بالمقارنة مع مدن الشمال. خاصة في صفوف السكان المنطقة المحليين رغم اني اتحفظ على هذا المصطلح، فالمشاريع المنجزة بعيدة كل البعد على تشغيل أبناء المنطقة ومعالجة مشكل البطالة. ومنذ صدور قرار منع الوظيفة العمومية المباشرة، تعيش المدن الجنوبية ارتفاعا كبيرا في عدد المعطلين مما قد يشكل خطرا على الوضعية الحالية، لأن أهل الصحراء متعودون منذ القدم بناء على قرارات ومراسيم صدرت في عهد المرحوم الحسن الثاني تمنحهم امتياز التوظيف المباشر.

- نفهم أنك تطالب باستثناء أبناء الصحراء من إجراء المباريات الخاصة بالتوظيف؟

+ تقريبا،

- لكن هذا سيضرب مبدا المساواة وتكافؤ الفرص بين المغاربة؟

+ لن يضرب مبدا تكافؤ الفرص، أولا وقبل كل شيء علينا أن نعي أن الصحراء مسترجعة حديثا، ثانيا لا يمكن لأحد أن ينكر أن المنطقة تعرف مشاكل سياسية. ثالثا المغرب يطرح مشروع الحكم الذاتي كبديل، وعندما نتكلم عن مشروع الحكم الذاتي فمعنى ذلك أن هناك وعي بكون المنطقة لها خصوصية وانها ستدبر مواردها بنفسها، وعندما نمنحها هذه الخصوصية، فإننا نعلنا ضمنيا أن جهة الصحراء تخالف الجهات الأخرى. نقطة أخرى تجعلنا متشبثين بالتوظيف المباشر لأبناء الأقاليم الجنوبية، هو أن المناطق المغربية الأخرى إذا منعت عن شبابها الوظيفة العمومية، فإنها تتوفر على مؤسسات القطاع الخاص قادر على استقطاب اليد العاملة الحيوية. وهذا ما لا نجده في الأقاليم الجنوبية التي تعاني من غياب مشاريع القطاع الخاص بشكل نهائي، فالتوظيف في الأقاليم الجنوبية مرتكز على المؤسسات والإدارات العمومية. وهناك خطب ملكية كثيرة للمرحوم الحسن الثاني تؤكد على ضرورة الإدماج المباشر لساكنة أقاليم المناطق الجنوبية، كعملية الأشبال التي كانت عملية شجاعة للمرحوم الحسن الثاني في سنة 1989، وكذلك عملية إدماج العائدين إلى ارض الوطن في سلك الوظيفة العمومية.

- أمام الطرح الذي يقول بأن المغرب، استثمر أموالا باهظة وقام بمجهود عمومي بالصحراء، هناك طرح يتهم المغرب بنهب ثروات الأقاليم الجنوبية، ما هو ردك؟

+ هناك بعض الاقتصاديين يقولون أن المغرب يستفيد من بعض الثروات المستخرجة من الأقاليم الجنوبية، كالفوسفاط، والثروة السمكية، والفلاحة بإقليم وادي الذهب، ويتحدثون عن أرقام كبيرة مقابل استغلال هذه الثروات. فالشعار الذي يردده معطلو المنطقة في العديد من وقفاتهم الاحتجاجية هو «ثرواتنا كفيلة بتشغيلنا» المطلوب هو استثمار أموال الثروات المستخرجة، في تشغيل أبناء المنطقة، وهي معادلة بسيطة لا تتطلب تحليلا خارج الإطار.

- لكن المناطق الجنوبية تتوفر على اعيان ومنتخبون وبرلمانيون، ماذا قدم هؤلاء للمنطقة كي يسمعوا حاجيات أبناء الصحراء لصانعي القرار المركزي؟

+ هذا مؤشر يكشف خللا في منظومة الاستثمارات التي نتكلم عليها منذ حوالي 40 سنة، فخلال هذه المرحلة تم التعامل مع نفس النخبة، الأمر الذي اعتبره البعض نوعا من الإقطاع ، وشكل من اشكال ترسيخ ثقافة الريع والأعيان.

- بمعنى أن هذه النخب لم تكن في مستوى نقل هموم ومشاكل المواطن الصحراوي؟

+ نعم النخب الصحراوية في معظمها، لم تكن في مستوى نقل هموم ومشاكل المواطن الصحراوي، ناهيك عن عدم توازن مجالات الاستثمار ومتطلبات البيئة المحلية...

- كيف؟

+ هناك برامج تخصص لها أموال طائلة تستثمر في بعض المجالات، ونحن نعاني من مشكل إدماج، وامتصاص النسب الكبيرة من البطالة في صفوف أصحاب الشواهد، كان على الدولة أن تستثمر في برامج ذات بعد اقتصادي تنموي، برامج منتجة يمكن أن تشغل عددا كبيرا من اليد العاملة. المنطقة لا توجد فيها شركات كبيرة خاصة كما قلت لك. كل ما هناك المجمع الشريف للفوسفاط، والتي لا تعد شركة خاصة لأنها شركة شبه عمومية، وأخر عملية دمج قامت بها هذه الشركة كانت منذ 3 سنوات حيث تم دمج حوال 300 من أبناء منطقة العيون والداخلة وهؤلاء لم يتم إدماجهم بناء على عملية إدماج أبناء المنطقة من حاملي الشواهد، بل كان إدماجهم على أساس مسلسل تسوية بينهم وبين السلطات الإسبانية، حيث تم إدماج أبناء الموروثين عن الاستعمار الإسباني في شركة الفوسفاط. قبل هذه العملية كنا أصلا بعيدين كل البعد عن هذا المكتب، رغم أنه يعد الفاعل الأول في المنطقة الجنوبية. ثانيا هناك ملف الصيد البحري الذي يعتبر ثاني مورد اقتصادي في المنطقة، نجد أن العيون لا تتوفر على وحدات كبرى في الصيد البحري التي تستغل المنتوجات البحرية وتعيد إنتاجها وتشغل ساكنة المنطقة. بل العكس نجد أن السمك يخرج من مدينة العيون ولا يتم أداء الواجبات الضريبية للمكتب إلا في مدينة أكادير. أي أن دور الموانئ المولد للشغل في الأقاليم الشمالية لا يتوفر في الجنوب.

- وهذا النموذج المعطوب سبق للمجلس الاقتصادي أن رصده في تقريره، ما هو الحل؟

+ هناك حل واحد للنموذج المعطوب لتنمية الأقاليم الجنوبية، هو مواكبة الاستثمارات العمومية مع انشغالات الساكنة المحلية، يجب أن نبحث على فرص شغل لساكنة المنطقة. هنا يجب الإشارة، وكما فسرت لك أنه منذ السنوات 10 الأخيرة هناك قفزة نوعية فيما يخص دور المجالس المنتخبة خصوصا في مدينة العيون حيث أن هناك متغيرات كبيرة وكان سببها الأصلي هو المجلس البلدي لمدينة العيون الذي أعطى نوعا من الفاعلية والديناميكية فيما يخص التدبير العمومي، حيث بدأنا نجد مجموعة من المنشئات تمس المواطن بشكل كبير. حيث تم افتتاح مجموعة من ملاعب القرب وتهيئة الساحات العمومية وأماكن الترفيه كساحة أم السعد التي تضم مسارح ومرافق حيوية. هناك نوع من حسن التدبير في مدينة العيون. وهذا الدور الذي يقوم به المجلس البلدي بالعيون خفف نسبيا من وطأة الخصاص، علما أن موارد بلدية العيون ضعيفة، إلا أن المسيرين للشأن البلدي تفوقوا في نسج شراكات وطوروا من الأداء العمومي بشكل جعل العيون تضاهي مدنا عديدة بالشمال، بل وتتفوق العيون على مدن كثيرة بالداخل من حجمها ومستواها. وهذا الحرص الذي يشتغل به مجلس بلدية العيون نريده أن يتحول إلى «عدوى» تطال كل المؤسسات العمومية بالأقاليم الجنوبية بما يستجيب لطموحات الساكنة ويحقق التنمية المنشودة.

إبراهيم لغزال، فاعل حقوقي بالصحراء

ثروة الصحراء توجد في قبضة نخب منحدرة من بؤر الفساد

تنهض كل المقاربات التنموية التي شهدتها الأقاليم الصحراوية منذ استرجاعها على مرجعيات ظلت تبوصلها إلى حد الآن، مع العلم أنها كانت ومازالت مكلفة ومضنية بالنسبة إلى إمكانيات دولة كالمغرب. هذه المرجعيات تقوم على منطق استرجاع ما كان ضائعا مهما كلف الأمر، مما ساهم حقيقة في إرساء بنيات تقوم على هذا المنطق بكل هواجسه وتوجساته الأسياسية والأمنية، وتبعثرت معه كل تلك الإمكانيات الهائلة إلى حد الآن، بل وضل العديد منها أهدافه المنشودة، فأسفرت في اعتقادي عما هي عليه الصحراء الآن، والتي لاشك أن جلالة الملك في خطابه عرج عليها بشجاعة وصراحة ملفتتين، أدركنا معه أننا لم نكن في حقيقة الأمر سوى بصدد إنتاج كل شروط المجتمعات الريعية الاتكالية المليئة ببؤر الفساد والمفسدين بكل تجلياتهم، افتقدنا معه في هذه المنطقة ذلك الجنوبي الزاهد والعفيف والصدوق الذي كان مضرب مثل لكل أبناء الأقاليم الأخرى، لتجد الدولة نفسها في مأزق كبير وهي تحاول لملمة الأمور وإصلاحها، خصوصا بعد التقرير الصادم للمجلس الاجتماعي الاقتصادي والبيئي. فبؤر الفساد تغولت، بل وأصبحت هي من يدير هذه الأقاليم أمام سلطات محلية وعمومية ضعيفة ومرتبكة، إن لم تكن متواطئة. هكذا هي الخلاصات التي اختمرت الآن في رؤوس كل أبناء هذه الأقاليم الذين تغنوا في يوم من الأيام بالأماني الإصلاحية. وهكذا هو أيضا المشهد التنموي الآن بهذه الأقاليم الذي أفلت زمامه من الدولة المصلحة، وهو الآن في قبضة نخب منحدرة من بؤر الفساد تلك التي لن تشيد لنا إلا طرق مغشوشة كسابقاتها ومشاريع وهمية، وهي في حقيقة الأمر توزع كل تلك الإمكانات الهائلة في ما بينها غير آبهة بمعدلات البطالة المرتفعة، ولا بكل الرهانات التي تؤرق الدولة الآن. أما في ما يخص سؤال الثروات، فيجب أن نفرق بين أمرين مهمين بخصوصه، فهناك خطاب تنامى في السنوات الأخيرة، وهو اختار أن يروج لنفسه على المستوى الدولي، مما أفقده مصداقيته لأنه جزء من أجندة الانفصال، وهو مليء بالمعطيات غير الحقيقية وخطاب ينهض على قيم العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات، علما في اعتقادي أن ثروات الصحراء إلى حد الآن لا تعادل في شئ ما أنفق وينفق علي هذه الأقاليم أو بالأحرى ينفق على بؤر الفساد.. ليظل سؤال العدالة الاجتماعية هو مصدر كل التوترات الأمنية على الرغم من أن بعضها انحرف واستغل سياسيا بشكل متعمد.

ملياران ونصف شهريا لإنعاش الصحراويين

يعيش آلاف الصحراويين الذين يلقبون محليا بـ «الكوارطية» على المدخول الذي تضمنه لهم استفادتهم من بطائق الإنعاش الوطني إلى درجة تحولت معها هذه البطائق بالنسبة لأغلبهم إلى «نمط عيش» وسبب وجود. بل إن مجموعة من المحطات كشفت أن بطاقة الإنعاش ينظر إليها مركزيا كترمومتر أمني لقياس درجة «الولاء» وآلة لامتصاص الغضب الشعبي، وليس أدل على ذلك من أن أغلب لحظات الهيجان التي عرفتها مدن العيون والداخلة والسمارة وبوجدور كانت لحظات احتجاج على عمليات الإقصاء من الاستفادة من بطائق الإنعاش الوطني على وجه الخصوص.

وتُعرف هذه البطاقات محليا باسم «الكارطيات»، وهي منتشرة على نطاق واسع في الصحراء، حيث يصل عددها إلى أزيد من 16 ألف بطاقة، منها النصف تقريبا بالعيون لوحدها، أي أن حوالي 40 ألف نسمة بالعيون (إذا افترضنا أن معدل عدد أفراد الأسرة الواحدة يصل إلى 5) تعيش من مدخول الإنعاش، مما يعنى أن 41 (ربع) الساكنة تعاني الهشاشة الاجتماعية.

وإذا علمنا أن المبلغ الشهري المخصص لكل بطاقة هو 1500 درهم (في المعدل)، فإن مبلغ المساعدة الاجتماعية أو التعويض عن البطالة المخصص للصحراويين يصل شهريا إلى 24.000.000 درهم (أي حوالي مليارين ونصف سنتيم)، منها 12.396.000 درهم تضخ في جيوب أهل العيون لوحدهم.

لقد لجأت السلطات إلى استعمال «الكارطيات» لمواجهة التخلف الاقتصادي والاجتماعي الذي كانت تعرفه المنطقة الصحراوية، والذي زادت من وطأته حالة الجفاف التي عرفها المغرب في بداية الثمانينيات. ذلك أن الصحراويين كانوا، قبل الاستقلال، رحلا منخرطين في نظام رعوي ممزوج بنشاط تجاري بسيط يربطهم، على وجه الخصوص، بجزر الكناري. ومع حكومة أحمد عصمان، الذي مكن عددا منهم من الرخص وشجعهم على إقامة نشاط تجاري مدعوم مع جزر الكناري (استيراد الشاي، الأثاث المنزلي..إلخ)، استطاع الصحراويون أن يراكموا «الثروة». غير أن أقدام العامل صالح مرزاك أعادت، في أواسط السبعينيات، العقارب إلى الحقبة الاستعمارية، حيث أقدم على اضطهاد الصحراويين بالعيون وطان طان وطرفاية وبوجدور، وزج بهم في معتقلات أكدز وقلعة مكونة. بل أقدم في خطوة غير محسوبة إلى استعمال العقاب الجماعي بإلغاء التراخيص، وهو ما أدى إلى شلل اقتصادي ولجوء أصحاب «الثروة» (الأرصدة المالية) إلى تربية الإبل والماعز. وهو النشاط الذي أُعدم بفعل العامل المناخي الذي تمثل في الجفاف (جفاف سنوات 82-1985)، حيث ساهم في نفوق القطعان وإفلاس أصحابها، مما أسفر عن وضعية اقتصادية مختنقة تنذر بالاشتعال. وهو الأمر الذي قاد السلطات في أواسط الثمانينات- التي كانت تواجه النزوع «الانفصالي»- إلى محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه وردم الشقوق التي خلفها الجفاف، إذ لجأت آنذاك إلى توزيع بطائق «الإنعاش الوطني» على آلاف الصحراويين. غير أن السؤال الذي يطرحه أغلب الشباب الصحراوي هو: هل عرفت تلك «الكارطيات» طريقها إلى ذوي الحاجة؟

قالوا..

- المغرب ارتكب خطأ التدبير: عبر النظر إلى الصحراء كمنطقة عسكرية محروسة بالجدار الأمني تعيش «حالة استثنائية» جميع المستويات عبر إدامة المقاومة الأمنية التي أشرف عليها ومازال العمال وولاة وزارة الداخلية، وفي المقابل تم خلق تراتبية اجتماعية جديدة وفق اقتصاد الريع والامتيازات الضريبية. محمد أتركين (ع: 216)

- منذ السبعينات إلى حدود 1999 ظلت الدولة تتعامل مع المؤشرات السوسيو اقتصادية بالأقاليم الصحراوية ضمن فرضية أمنية صرفة تستند على القبيلة والأعيان، وما أسميه بـ «مداخيل التربية على الكسل» والصدقة «الانعاش الوطني».

- الفترة 99 - 2005: فترة التردد وعدم الحسم إيجابا مع التململ الحقوقي بالصحراء بعد فشل مقاربة الأعيان مما أدى إلى أزمة ماي 2005.

- مرحلة 2005 - 2009: العودة إلى القبيلة لتطويع الشباب. أحمد سالم أعمر حداد (عدد: 186)

- إخفاق الدولة: اعتماد الدولة على مقاربة بدائية في التعاطي مع الملف ترضي الأعيان وشيوخ القبائل وتهمش الفئات العريضة والواسعة من المجتمع الصحراوي (لحسن سربوت - العدد: 186)

- إن الزمن السياسي الذي يعيشه المواطن الصحراوي زمن راكد، على الأقل بالنسبة إليه... إننا من خلال رصدنا لطبيعة الوضع السياسي الراهن المأزوم نرى أن الذي ساهم في تأزيمه، أعيان المنطقة، أحي بحسن نية نابعة من جهلهم وعدم قدرتهم على فهم المرحلة السياسية الحالية، وأحيانا كثيرة من خلال رغبتهم في المحافظة على مصالحهم المادية والاقتصادية، وقد تذهب به الرغبة إلى أقصى مداها، أي استثمار القضية الوطنية لصالح توسيع نفوذهم. (محمد عبد الله بابيت، معتقل سياسي سابق بأكدز - ع: 176)

350 مليون درهم لمسح وتسجيل عقار الصحراويين

تجدر الإشارة إلى أن الصحراء شهدت مجموعة من الإنجازات في مجال التسجيل العقاري والمسح الأرضي والعقاري، وذلك بقيمة إجمالية تصل إلى 350 مليون درهم. حيث أنجزت المصالح المختصة 20608 رسم عقاري وخريطة مسح.

أما في ما يتعلق بالمسح الأرضي، فقد هم:

- 1500 نقطة للمسح الأرضي (جيوديزي)

- 25 محطة دوبلير و3 محطات جي بي إس.

- 1320 كيلومتر من التسوية الأرضية.

- 600 نقطة لقياس الجاذبية.

- التقاط صور جوية لـ 325000 كيلومتر مربع.

-277 خريطة ورسما هندسيا وصورة مركبة.

هذه الإنجازات تمكنت من تأمين الملكية العقارية وإدخالها في الدورة الاقتصادية مع إقرار منظومة الوثائق الضرورية لتخطيط ودراسة أي مشروع اقتصادي واجتماعي.

مصطفى المنوزي، رئيس المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف

الخطاب الرسمي يتجاهل الرأسمال اللامادي للصحراء

يصعب الإلمام بالعناصر الكاملة للقضية، هي قضية مؤثرة في السياسات العمومية والمصير، بمعناها الوجودي. وبالتالي فهي ليست مسألة أو إشكالية نظرية عابرة لفضاء الأسئلة السياسية المعيشية، وعندما يطرح مبدأ تقرير المصير، ينبغي أن ينظر إلى هذه القضية من زاوية حقوقية محضة، بما تعنيه من ضرورة استحضار الدين التاريخي المتماهي مع الحقوق الوطنية التاريخية. فالحقوق المكتسبة بالنسبة للمواطنين الذين ولدوا وترعرعوا في الصحراء، بعد حدث المسيرة الخضراء، ثم الحقوق المتراكمة، موضوع تفاعل وتواصل وتنازع. فهذه المقاربة تساعد على الأقل على إمكانية ملامسة حظوظ الانتقال من هذا الوضع المبهم الذي يؤثر فيه المناخ الدولي شراكة مع السياسات الوطنية المؤطرة بالمقاربة الأمنية من جهة والمواكبة لتراكم وترسيخ ثقافة الريع.

إن إقرار الخطاب الرسمي المغربي بأن صرف درهم واحد في الأقاليم الجنوبية قرينة على أن ذلك يكلف بالمقابل أربعة دراهم على حساب أقاليم بقية الوطن، لا يعني سوى أن التعثر الذي تعرفه تنمية الشمال والوسط، سببه بنيوي مرده المجهود المبذول، وكذا «حرب الاستنزاف» المتوارثة عن العهد البائد. ولكن الخطاب الرسمي يتجاهل الرأسمال اللامادي، في شخص الكفاءات والثروة البشرية وتضحياتها، والتي كانت حطبا لمطلب «الاستقرار. في المنطقة، ويتجاهل أن الشمال والوسط والشرق، نفسه مرهون لترسبات الحرب الباردة، وكذا لتداعيات ما بعد نهايتها وسقوط جدار برلين، وما رافقه من انهيار للمعسكر الشرقي «الاشتراكي»، وصعود المد المحافظ، على عهد تاتشر وريغن، وصدور وثيقة «توافق واشطن» سنة 1989، التي شرعنت للهيمنة الأمريكية وأخواتها الأوروبية الغربية، في شخص الشركات المتعدية القوميات والمتعددة الجنسيات، فتولت «الصحراء» إلى بؤرة للتوتر والابتزاز المالي والاقتصادي والعسكري الرأسمالي، بعد أن كانت لدى التقدميين مشروعا لبؤرة ثورية وبوابة لتحرير «مغرب الشعوب» الكبير، سواء كامتداد للاتصال. بالنسبة لفلول الحركة الوطنية المسلحة، التي قضت بإعدام مهندسي حركة ثالث مارس 1973 في مولاي بوعزة / تنغير / كلميمة ، أو مناصري نزعة الانفصال ، بالنسبة للحركة الماركسية اللينينة، التي دعمت التحول السياسي والخيار الفكري الحاصل في الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الصحراء ووادي الذهب، وبعد أن كانت الجزائر خصما عنيدا للمتروبول الامبريالي، والمغرب «دركيا» له في المنطقة، فاختلطت الأوراق وتماهت المطالب بين التوسع والتحرر، لكن في آخر المطاف صارت المنطقة محل تنازع بين عدة أطاريح، غابت فيها المقاربة التشاركية وانفردت «الأنظمة» هنا وهناك باحتكار التدبير، تارة تحت غطاء الشرعية الدولية وتارة أخرى باسم الوطنية/الشوفينية، وغاب مشروع الحل الديمقراطي، ليطرح السؤال العريض أمام الغيورين على مصلحة الوطن: كيف يمكن استكمال مطلب التحرير دون إعادة قراءة المسار، مشروع «عدالة الانتقال الديمقراطي» دون اسحضار تاريخ العلاقة مع الاستعمار وجغرافية التواصل مع الجوار؟ فالمرحلة التي نستشرف معالمها المشوهة لا يمكن أن تتشكل بوضوح دون فك الارتباط بالتعاقدات الإذعانية التي تربط المغرب ومصير المغاربة بالمؤسسات المالية الدولية والوكالات الدولية المتخصصة التي بواسطتها تخترق الشركات الرأسمالية المتعددة الجنسيات، دواليب القرار بمؤسسات هيأة الأمم المتحدة التي تحولت إلى مجرد نواد خاصة لصناعة القرارات المالية العالمية المتحكمة في بقية العالم «الآخر» المتخلف/النامي، في طل تراجع «الدولة الوطنية الاجتماعية» التي صار خبراؤها من «قدماء الإشتراكيين» عملية بيع القطاع العام والخصخصة، بكون الاستقرار شرط للتنمية، وبأن هذا الاستقرار لن يتأتى دون تحويل فوهة «الإحتجاجات الشعبية» إلى جبهة «الملاك» الخواص بدل الدولة كمعبر عن «الملكية العامة»، ومع استشاراتهم انتعشت مطالب خوصصة «السيادة الوطنية» بعولمتها ورد الاعتبار للدولة الشرطي، المنظم لحركة جولان السلع وعولمة الاقتصاد والمعلومات والاتصالات، لذلك فاقتراح الحكم الذاتي يظل مقيدا بكوابح الشرعية الدولية ذات الحدين، أحلاهما مر، فمن جهة القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يعتبر سكان الصحراء شعبا محروما من حقه في تقرير مصيره بنفسه، والحال أن الأمر يقتضي الفصل بين ذلك وبين كون المغاربة جميعا سواسية أمام هذا المطلب ومطلب جبر الضرر الفردي والجماعي والمجالي، إثر الانتهاكات الجسيم لحقوق الإنسان، والتي كان سببها الاستعمارين الفرنسي والإسباني على هذا سواء، ثم الجلادين المغاربة الذين تمثلوا الخبرة في القمع والاضطهاد كاستمرار للأجهزة المتوارثة عن الحماية والتجربة المخابراتية الدولية، ومما يقتضيه هذا الاتجاه من إعمال تدابير وضمانات عدم التكرار، كمدخل لأي تنمية وديمقراطية، ومن جهة ستظل الانتظارات حبيسة «فزاعة» مقتضيات القانون الدولي الإنساني، والتي تبيح للمتروبول الرأسمالي «التدخل إنسانيا» عبر عمليات عسكرية وفق ما تستدعيه المادة السابعة السيئة الذكر والتطبيق. من هنا وجب التأكيد على أن القضية الوطنية تتطلب فتح استشارات وحوارات عمومية بين جميع الأطراف المعنية، تلك التي لها مصلحة مشروعة في ايجاد حل عادل يضمن حق الوجود والحقوق المكتسبة، في ظل دولة الجهات الديمقراطية. وإلى أن تنضج ظروف تحقيق مطلب الملكية البرلمانية، ما علينا سوى أن نتوسم في بقايا الوطنيين رد الاعتبار للبعد الاجتماعي في الهوية الحزبية والمسؤولية الاجتماعية للسيادة الوطنية، فلا يعقل أن نراهن على شرعية دولية تروم القضاء على كل استقلالية في القرار المالي والحق في عودة الدولة الاجتماعية التي قضت شروطها منذ قرر الزعماء الرأسماليون تقليص الإنفاق في المجالات الاجتماعية الحيوية، التعليم والصحة والشغل. فلا عدالة للقضية دون عدالة اجتماعية عالمية.

4730 طن من اللحم

أقامت وزارة الفلاحة بنيات تحتية مهمة ووضعت إمكانيات بشرية وتجهيزات لتقديم الخدمات الضرورية من أجل تطوير الفلاحة في المنطقة الجنوبية. حيث تتوفر المنطقة الآن على ما يلي: كل هذه البرامج جعلت جهة الصحراء تنتج جزء مهما من احتياجاتها الغذائية على الخصوص من اللحوم التي وصلت إلى 4730 طن موزعة عل: 2700 طن في السنة من اللحوم الحمراء، و2030 طن من اللحوم البيضاء، فضلا عن 8000 طن من الحليب في السنة.