الخميس 2 مايو 2024
سياسة

ننفصل اليوم.. وغدا نرفع شعار "تجميع العائلة الاتحادية"؟!

ننفصل اليوم.. وغدا نرفع شعار "تجميع العائلة الاتحادية"؟!

هل أقول هذا العنوان؟ أم أقول (.. ثم نرفع غدا شعار..؟) أم أقول (.. حتى نرفع غدا..؟) أم أقول (.. لكي نرفع...؟). لست أدري. إنّما العبث (السياسي والديمقراطي والاشتراكي والحداثي.) عينه، هو: أن ننفصل بملء أيدينا (وأفواهنا طبعا.) اليوم. وفي الغد ترانا، نعزّز (حتى نفكّ مقبولة) بسنّنا "برنامجنا النضالي" بهاجس/مطلب مصيري، كذا.. هو "تجميع العائلة.. "وكأنّنا نطالب الجمل (.. فينا، أو الجمل نحن..) بأن يحرث ما دكه؟

مناسبة هذا القول المؤسف، هي ما يعيشه حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية اليوم، من أجواء الاحتقان والتوتر والتجاذب والتحارب حتّى.. قد أبالغ في هذا القول، سيما، وأنا، فقط، فرد (أحدهم..) متابع لهذه الأجواء (من بعيد..) عبر الجرائد الورقية فقط. وسيما (ثانية) وهذه الأخيرة فيها، حقيقة، من ينفخ في وقود هذه الأجواء بسابق الإصرار والترصد والنّيل والشّماتة.. لكن فيها (والحق يقال، وإن كانت هذه أقلية للأسف) من يواكب هذه الأجواء بحرقة ظاهرة أو مستترة، وهو يضع يده على قلبه خوفا على مصير هذا الحزب.. (ومعه بالطبع مصير البلاد..) لكن ما يصرّح به هذا المسؤول الاتحادي الرسمي (بصدد هذه الأجواء طبعا)، أو هذا الخصم المعارض من جناح الانفتاح والديمقراطية، أو هذا الوسيط المعتدل الغيور من نداء المستقبل.. وما حدث ويحدث في النقابة (الف د ش) من انقسام واضح فصيح، كل هذا وغيره.. ينمّ ويدلّ على أن المصاب الاتحادي، هو فعلا، خطب جلل لا تهويل فيه.. عندئذ، تكون مشاعري الأليمة، وغصّتي الأسيّة، أنا المتعاطف (فقط) مضاعفة اليوم.. فماذا عساي أن أقول؟ وبأيّ الأسلحة سأواجه خصوم الاتحاد (وأعدائه..)، وأسلحة أهله ترتدّ عليه؟ ثم إذا كان أهل البيت بهذه الغلالة الباردة، والانفضاض المتناسل.. ماذا سيكون، أو ماذا سنقول عن المدعوّين لسياسة هذا البيت.. والمتعاطفين معها؟ في رأيي المتواضع، بعد خروج الاتحاد الوطني للقوات الشعبية عن حزب الاستقلال غداة الاستقلال.. وبعد ذلك، خروج الاتحاد الاشتراكي ق ش عن الاتحاد الوطني ق ش منذ1972 (وقبل ذلك، أيضا، خروج منظمة 23 مارس سنة 1967).. لم تعد الخلافات (ولا أقول الاختلافات..) الفكرية والمذهبية والإيديولوجية (أما الاجتماعية الطّبقية.. ففيها نظر كبير..) هي ما يغذي صيرورة الانفصالات والانشقاقات التنظيمية في الجسم الاتحادي. إنني أميل جدّا الى دور وأثر الوازع الشّخصاني النّفساني المتضخم غلبة.. أو مغلوبية.. وأيضا، الى دور التكتلات التنظيمية القطاعية وراء هذا الزعيم أو ذاك.. ثم قبل هذا وبعده، إلى غلبة ثقافة سياسية غليظة الطبع عصابيتيه، غريبة عن أخلاق العلاقات السياسية الديمقراطية المدنية الحداثية كما تحدث في الحوارات والاختلافات الحزبية المتحضرة هناك.. كل هذا وغيره ساهم في تغذية هذه الصيرورة إن ذات اليسار، أو ذات اليمين.. حتى وإن سيقت هذه الآلية الانقسامية، دائما، في قوالب سياسية مبدئية طهرانية تقول أنها هي، وحدها، الطريق الاتحادي المستقيم الوفيّ. ينسحب هذا المسار على رفاق الشهداء بعد 1983، وعلى الوفاء للديمقراطية بعد مخاض التناوب التوافقي 1997، وعلى المؤتمر الوطني الاتحادي منذ 2001، باعتباره تنظيم القيادة المتحكمة في نقابة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بعد خروج جناحها السياسي من المؤتمر الوطني السادس للاتحاد الاشتراكي ق ش..و على الحزب العمالي 2005.. والحزب الاشتراكي 2006.. فأحرى ما يحدث اليوم؟ ولئن ظل الهيكل الاتحادي الأم (بعد 1975، وليس 1959.. (فاعلا قويا) بل ومتصدرا للانتخابات التشريعية لـ 1997 و2002..) فإن مسؤوليته في هذه الصيرورة الانفصالية لا ترتفع. ويكفي هنا الإشارة الى أن مقولة (أرض الله الواسعة) ليست من أخلاق الممارسة السياسية المسؤولة والمؤسّسية، تماما كما هو طموح البحث عن (سليطين في قويتن..) الذي المنفصلين أو المنسحبين أو ما شابه.. هذا ما يقع اليوم، من جديد، للأسف. لكن السياق السياسي والمجتمعي والتنظيمي والإيديولوجي والنخبوي – العام، وطنيا وإقليميا ودوليا-والخاص للحزب هو في تحول مستمر منذ تزعمه لتجربة التناوب التوافقي عام 1998. هذا التحول أمسى تراجعا بيّنا بعد انتخابات 2007 التشريعية.. ثم تكرّس وتعمّق هذا التراجع بعد انتخابات الدستور الجديد لـ 2011.. بل وتغيّر موقع الحزب نحو المعارضة الحالية، في مقابل الصعود الانتخابي القويّ ثم الحكومي لإخوان العدالة والتنمية، الخصم السياسي والفكري الرئيسي، بنظري، للاتحاد الاشتراكي ق ش، بصرف النظر عن مقتل عمر بن جلون.. أو بسببه.. (وأفتح قوسا، هنا، لأقول أن الأمر يتعلق بخصومة/ تضاد مصيري: فأهل العدالة والتنمية، ظلوا حتى اليوم ينحون بالمغرب نحو توجه إسلامي أخلاقي شكلاني على نهج إخوان المشرق، حيث الدّين هو المرجع الواحد الأوحد في كل/أي شيء.. وحيث يصار ويراد (بضم الياء) بالأغلبية الديمغرافية الإسلامية للمغاربة، أن تكون بالضرورة والدعوة(معا)هي الأغلبية السياسية المذهبية المطابقة للإيديولوجيا الإخوانية.. وكأن الأخيرة هي العنوان السياسي الشرعي الحقيقي الوحيد للمغاربة، وغيرها الزّيف، والتّغريب، والفساد، والضلال، وأولياء الدولة العميقة.. إلخ. وهنا يهمنّي جدا الإشارة والتساؤل عن ماذا فعلت العدالة والتنمية بمرجعتيها المذهبية وهي تقود الحكومة؟ لا شيء.. إذ السياسة تمشي كسياسة.. أما صوت المرجعية فيرتفع مرّة.. لعدة دواعي وخلفيات.. دون أن يصيب في شيء السياسة التي تتخبط في بحر زمنها المتلاطم..  بينما ظل الاتحاد الاشتراكي، منذ الاستقلال، ينحو نحو إسلام مغربي سمح مواكب متصالح مع الاختلاف / التعدد المغربي نفسه، ومع قيم العصر من الحرية والعقل والحقوق والمدنية والمواطنة والتنمية البشرية.. وهذا هو الممكن التاريخان المتاح للمغرب في عالم اليوم، فعلا.

ولن يزيد تراجع أو تعطل الاتحاد، وعدم مراجعة العدالة والتنمية لنهجها النكوص اللاتاريخي، إلا في تأخير واستنزاف هذا الممكن..) أعود، بعد هذا القوس، للقول أن هذا السياق العام والخاص، إذن، قد يرمي بالاتحاد الاشتراكي ق ش، مستقبلا، الى المزيد من التراجع إذا "تضافرت جهود" أهله والقابلة (أي الدّاية..)على الإمعان في النّيل من صرحه العزيز الثمين.. إنّني من غير المعوّلين عل مقياس الموت في دنيا الساسة.. حتى وإن كان ل"مؤشر الجنازة" دلالته ورمزيه السياسية والاجتماعية والأخلاقية كما حصل، مثلا، مع الراحلين الاتحاديين، القائد عبد الرحيم بوعبيد، والخلوق أحمد الزايدي. فمع جنازة المرحوم أحمد الزايدي، في سياق تراجع اليوم، بدا لي أن حزب الاتحاد الاشتراكي ق ش يمكن أن يصير على خير (لأن الناس شيّعوا، فعلا، سي أحمد الاتحادي الحالي- حتى وعضويته الحزبية كانت مجمّدة حين رحيله..- والإعلامي السابق.. وليس الزايدي زعيم فريق الانفتاح والديمقراطية بالحزب..) إذا عزّزه أهله بالمزيد من الأخلاقيات الاتحادية السامية التي كانت في الراحل، والتي ماتزال في الكثير غيره.. لكن أن يتحول الموت الى "عنوان خاص"، أو "رصيد سياسي خاص"، أو حتى "حزن خاص".. فأمر يضخّ في الغصة مزيدا من الأسى والتشاؤم.

في هذا السياق المؤسف، أو نتيجة له، أثيرت فكرة أنه (لم تعد هناك حاجة الى الاتحاد الاشتراكي..) اليوم بالمغرب.. كما برأي ذ محمد الأشعري. لا أنكر أني استقبلت هذه الفكرة، بغير قليل من مشاعر الفقد والانهزام. فحاولت تعليل الأمر بأن المشكل هو بالذات في تطور ومآل المسار السياسي الحزبي والشخصي لمحمد الأشعري.. لكنّني عدت للتساؤل: من أنا، بالمقارنة مع اتحادية الأشعري الطاعنة في خبرة البيت وعدّته وذويه، حتى لا أرى في عينيه بعضا من زرقاء اليمامة؟؟ هذا إضافة، ربما، لأنني ممّن عاطفتهم هشّة، ويربّون الكبدة على السياسة.. وتحت طائل رأي الأشعري، ومن سار عليه، عنّت لي الصيرورة الحزبية المغربية، بهذا المنحنى: حزب الاستقلال كان وما يزال في الصفّ الأوّل للحزبية المغربية.. وربما يعود هذا، من بين أسباب أخرى، الى إكسير تعادليه المرنة التي تفيض نحو أي اتجاه، وتتكيّف مع أي تحوّل.. لقد استمر، ما بعد الاستقلال، وفي زمن الرصاص والتناوب التوافقي، يلعب دورا سياسيا مسموعا، في الحكومة والمعارضة على السواء. كل هذا حدث على يمين الزمن اليساري الإتحادي.. الآن، ومع صعود هذا الزمن اليميني التقليدي المحافظ، نرى، على يسار هذا الزمن، أن صوت حزب الاستقلال هو الأكثر حضورا وسماعا وإرباكا لزمن العدالة والتنمية هذا، بينما الصوت الاتحادي في تراجع.. فهل ينمّ هذا التراجع، فعلا، عن عدم الحاجة إلى الاتحاد الاشتراكي ق ش..؟ وهل كل من تراجع انتفت الحاجة إليه؟ أم أن هذا الانتفاء مقرون بأحوال البيت أكثر من التراجع، ولو أنهما (التراجع والأحوال) مترابطان متداخلان؟ ولماذا لم تؤدي الحاجة، بعد، الى أي (اختراع) تنظيمي أقوى من هذا الأسف الاتحادي المعيش؟ أم أن هذا ما يزال على جدول أعمال الطريق؟ سينبئنا المستقبل القريب.. إلا إذا كان لهذه الدينامية التنظيمية والإشعاعية الاتحادية، التي يترافع بها الجهاز القيادي للحزب في سياق اليوم، كلام آخر.. غير ذلك، سنقول مع العائلة الاتحادية، اجتمعت أو بقيت متفرّقة، الغالب الله..