الثلاثاء 30 إبريل 2024
ملفات الوطن الآن

«الوطن الآن» استقت آراء علماء وحقوقيين وباحثين.. هل «شارلي إيبدو» أقدس من الرسول الكريم؟

«الوطن الآن» استقت آراء علماء وحقوقيين وباحثين.. هل «شارلي إيبدو» أقدس من الرسول الكريم؟

لماذا تصر وسائل الإعلام الأوربية على استنساخ الإساءة للإسلام وتحويل الانتماء له إلى منجل لقطع رأس كل من يجرؤ على قول: «أنا عربي.. أنا مسلم»؟

لماذا ترتبط حرية التعبير دائما بإرادة مواجهة الإسلام وتحويله إلى مجال للرماية العشوائية وإهانة رمز يؤمن به مليار و300 مليون نسمة، في حين أن المس بـ«اليهودية» يندرج في إطار جريمة معاداة السامية، على سبيل المثال. لماذا هذا التقديس الناقص للديانات؟ لماذا يدعى الغرب أنه يمنع الاستهزاء بالأديان، لكن كلما تعلق الأمر بالإسلام يتحول الأمر إلى حرية تعبير وصراع حضارات ومقاومة الهمجية الثقافية؟

هل نسيت أوربا أن هناك مليارا و300 مليون نسمة (فيهم المثقف والفقيه واليساري والليبرالي والفنان والعالم والموسيقي والرياضي والمقاول والفيزيائي... إلخ) يعتنقون الإسلام، وأنها بالإساءة إلى نبي الإسلام إنما تسيء إلى ربع البشرية، وتعمد إلى استفزاز مشاعرهم الدينية؟

لقد انتبه الأمريكيون مبكرا إلى هذا الاحترام الواجب للأديان. ولهذا أصرت الصحف الأمريكية في أعقاب الهجوم على «شارلي إيبو» على القول إنه ليست هناك أية «صحيفة مماثلة لشارلى إيبدو فى الولايات المتحدة، رغم رفعها شعار حرية التعبير المطلقة، حيث يبقى الاستهزاء بالأديان من المحرمات». وهذا معناه أن الأمريكيين اكتشفوا تناقضاتهم وعرفوا كيف يتعاملون معها بمنطق التاريخ، وليس بمنطق الصراعات الدينية. فيما انزلقت أوربا بشكل محتوم في منحدر الإسلاموفوبيا التي يروّج ويحشد لها كثيرون، كما فعل الروائي ميشيل ويلبيك الذي قدم الدليل بروايته «استسلام» على أن هلوسات اليمين المتطرف وجدت طريقا إلى الأدب العظيم، حيث نقل الحمى التي تجتاح العقل الفرنسي خوفا من الإسلام، كما عكست الجدل القائم في أوربا والمهاجرين.

لقد رأينا في مسيرة باريس كيف تحول زعماء دول وسياسيون من مختلف بقاع العالم إلى أوصياء على حقوق الإنسان وإلى مناصرين لها، مما جعل المشهد أشبه ما يكون بطقس من طقوس غسيل الدم وتبرئة النفس والذمة. غير أن السؤال الذي لا بد من طرحه هنا هو:

لماذا حج رؤساء العالم إلى باريس للتعبير عن تضامنهم مع ضحايا الهجوم الإرهابي، في الوقت الذي يسقط فيه المئات والآلاف في بقاع أخرى بسلاح الإرهاب الغادر دون أن يحركوا ساكنا، ودون أن يحتشدوا أمام الكاميرات للتعبير عن استنكارهم وشجبهم للأعمال الإرهابية؟ هل الدم الفرنسي أغلى من الدم الفلسطيني أو اللبناني أو النيجيري أو السوري أو العراقي أو الكيني أو النيجيري أو الباكستاني أو الصيني ...إلخ؟

الجواب طبعا معروف سلفا، ولكن هذا لا يمنع من التذكير بحجم الاعتداءات التي يتعرض لها المهاجرون في دول أوروبا: (هولندا، الدنمارك، فرنسا، السويد، إيطاليا وألمانيا). ففي كل يوم، يقتل عشرات من العرب المسلمين في أوطانهم على يد الإرهابيين، ولا أحد يثير تلك الأعمال الإرهابية. كما لا ينبغي أن ننسى مذبحة الحرم الإبراهيمي بقيادة العنصري الرهيب غولدشتاين، حيث قتل 29 مصلياً وجرح أكثر من 150 آخرين، وهي جريمة تمت تحت حراسة الجيش والشرطة الإسرائيلية. ماذا كان رد فعل المجتمع الأوروبي؟ هل كان بالمستوى نفسه من رد فعل المجتمع الأوروبي والدولي لما حدث في باريس؟

إن سجل الهجمات الإرهابية التي تطول غير الأوربيين طويلة، ولا يمكن حصرها كلها في هذا المقال.

إن ثنائية تقسيم العالم إلى مسلمين وغير مسلمين رؤية تخدم الأصوليات المتطرفة، وتخدم الحروب الاستعمارية، وتخدم إسرائيل التي عرفت كيف تنتهز الفرصة لحيازة تعاطف العالم، وتخدم داعش ومشتقاتها.. ولن تخدم العدالة والتحرر. كما أن التضامن مع الضحايا لا يكون بالتضامن مع رسومات المجلة التي ساهمت في التحريض ضد المسلمين والعرب. لكن مع ذلك يجب علينا أن نعترف بأن هناك خللاً مفهوميّاً للدين موصولاً بالشعور بالدونية أمام الغرب، يجعلنا نحاول إثبات براءتنا كل الوقت، أو الانتصار الوهمي لرموزنا الحضارية والدينية، بما يسيء للرموز نفسها وللحضارة التي نسعى إلى الدفاع عنها، وهذا دليل ضعف وعجز، وليس دليل قوة. وعلى فرنسا أن تعترف بأنها لم تنجح في إقامة نموذج معتدل للتدين الإسلامي. لقد جربت الإسلام الوهابي والإخواني والشيعي، وكانت النتيجة غرق أحيائها الضاحوية في التطرف والإجرام و«الدعشنة» إلى أن تحولت إلى مشاتل لإنتاج «مراح» و«الكواشي» و«كوليبالي» و«حياة بومدين»، واستنساخ نموذج من الفرنسيين المسلمين الذين يحلمون بالتوجه إلى دولة «سيدنا» أبو بكر البغدادي للقتال في صفوفها.

ولعل هذا المعطى هو ما قاد العديد من السياسيين الأوربيين، الذين فوجئوا بحجم المتطرفين بين ظهرانيهم، إلى الالتفات للنموذج المغربي، حيث تبنى المغرب سياسة لإعادة ترتيب بيته الداخلي عقب هجمات 16 ماي 2003، وأطلق خطة لإعادة هيكلة حقله الديني وتنظيمه من الشوائب الأصولية التي كادت تعصف بوسطيته واعتداله. ومازالت الطريق أمامه طويلة لتجفيف منابع الإرهاب ومشاتل التطرف، حيث يواكب إعادة هيكلة الحقل الديني بالاستنفار الأمني والاستخباراتي الذي مكنه إلى حدود الآن من وقوع الأسوأ.

إن فرنسا مدعوة، ليس إلى تغذية الأحقاد والضغائن، ولا إلى تكرار الإساءة للمسلمين والإصرار على ذلك، بل إلى القضاء على الأصوليات بمختلف أنواعها وتقديم نموذج إسلامي قابل للتعايش مع الأديان الأخرى، وليس هناك أفضل من النموذج المغربي الذي بدأت تأخذ به بعض الدول، كما قامت دول أخرى، وتحديدا من أوربا، باستدعاء هذا النموذج من أجل تعميمه، وإحلاله محل هذا الذي ظل يقترحه على أبنائها فقهاء الظلام لـ «دعشنة» فرنسا.

محمد الراوندي، أستاذ بدار الحديث الحسنية

حسنا فعلت حكومة أمير المؤمنين في عدم المشاركة في مسيرة باريز

بعد أن اعتبر الأحداث الإرهابية التي عاشتها فرنسا مؤخرا بسبب الهجوم على «شارلي إيبدو» بمثابة أمر رهيب جدا، لم يتردد محمد الراوندي، أستاذ بدار الحديث الحسنية، في القول إن الغرب مستمر في الإساءة للإسلام وللمسلمين وبأن الإرهاب العالمي تغذيه الولايات المتحدة وحلفائها. وفي سياق تثمينه لموقف المغب من مسيرة باريز الأخيرة قال الراوندي إن على المغرب أن يستثمر رصيده وإرثه الحضاري ليقود العالم الإسلامي

- في نظرك لماذا هناك إصرار من الغرب على الإساءة للدين الإسلامي وللرسول الكريم عليه الصلاة والسلام؟

* فعلا هناك إصرار حقيقي من الغرب على الإساءة للدين الإسلامي، حيث ينسب إليه ما لم يفعله، ولا توجد أي دولة إسلامية تساند الإرهاب باسم الدين، وما وقع اليوم هو أن الغرب أصبح يخوض حربا طاحنة ضد الإسلام، ولو ثبت أن الدين الإسلامي بريء مما نسب إليه الاستمرار في المستفيد الأكبر من أحداث فرنسا الإخيرة هي إسرائيل..

- كيف؟

* استدعي رئيس الحكومة الإسرائيلية وكان يتصدر المسيرة التضامنية في باريس، كما كان ضمن برنامجه زيارة معبد إسرائيلي، وكانت تصريحاته واضحة للإسرائيليين بضرورة العودة لإسرائيل، وهي دعوة لتوسيع احتلال فلسطين، وكان من الضروري أن يعلو صوت العقل في مثل هذه الأحداث، بأن ماحدث ينبغي عزله عن الدين الإسلامي..

- لكن المسيرة حضرها أيضا رئيس السلطة الفلسطينية وعبد الله ملك الأردن؟

* رغم حضور هؤلاء فلم تكن تصريحاتهم ضد الدين الإسلامي، لكن الإسرائيليين أرادوها فرصة لكي يربط العالم الإرهاب بالدين الإسلامي، ويريدون استغفال العالم أنهم لا يمارسون الإرهاب بكل أشكاله، والحال أن احتلالهم لفلسطين هو روح الإرهاب، وما يقومون به في غزة هو الإرهاب بعينه، فإذا كنا نريد محاربة الإرهاب فعلينا التصدي له في كل الأماكن وكيف ما كان مرتكبه..

- لماذا هذا التوجه العام لمقاومة الإرهاب في باريس، والحال أنه في نفس الأسبوع وقعت أحداث ذهب ضحيتها العشرات في اليمن ولبنان ومصر والعراق؟

* شاهدت إحدى اليهوديات في قناة فرنسية، تساءلت بدورها عن «السر في هذا الحشد العالمي لاستنكار ما وقع في باريس، والحال أنه ـ كما قالت ـ تقع العشرات من مثل هذه الأحداث في العالمين العربي والإسلامي، حيث يقتل المسلمون بعضهم بعضا في سوريا واليمن، ولايتضامن أحد مع الضحايا؟». أنت تعرف أن الإرهاب العالمي تغذيه الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها..

- هل معنى ذلك أن المواطن الفرنسي هو أعلى درجة من مواطني بقية دول العالم؟

* حتى لا يفهم كلامي على غير سياقه، فإننا كمسلمين نتضامن مع فرنسا في ماوقع لها من قتل لمواطنيها، وما حدث لايمكن تبريره بآي شكل من الأشكال، وما وقع في فرنسا أمر رهيب جدا، وهو مساس بالاستقرار والسلام والأمن، ولايمكن السكوت عن أي تصرف يهدد أمن المواطنين. ومع ذلك ينبغي إعادة ما وقع لمسبباته الأصلية، إن ما يحدث هو ممارسة ضد الغرب في إصراره على الإساءة للإسلام بالصوت والصورة والكاريكاتير، المسلمون ليسوا في مستوى فكري واحد ودرجة من التعقل، بل منهم من يرى أن الإساءة بالإساءة بشكل تلقائي. ورغم أني لا أتفق مع هذا التوجه، فينبغي مراجعة الأمور، حتى لا نتسبب في وقوع أحداث من هذا القبيل.. أيضا نتسائل، مع إعلاننا التضامن المطلق مع فرنسا، أين هي أجهزتها الاستخباراتية التي تعد من أعلى الأجهزة لما تتوفر عليه من وسائل وتقنيات المراقبة والتجسس والترصد. يظهر أن هؤلاء المواطنين الفرنسيين الذين ارتكبوا عمليات القتل كانوا يتحركون بسهولة ويتلقون تدريباتهم في مواقع الإرهاب.. في بعض اللحظات من الضروري طرح سؤال كيف وقع ما وقع؟

حسب وسائل الإعلام الغربية أن مرتكبي هذه الجرائم كانوا في السجن، بعضهم قضى 3 سنوات وراء القضبان، وبعد انتهاء عقوباتهم توجهوا لليمن. يعني هناك أمور ذات شبهة، والغرب اليوم يريد الاستفادة مما وقع وتصفية حساباته مع الإسلام، باستغلال مثل هذه الأحداث..

- كيف يستقيم الأمر في تصفية الحسابات. فالأمر يهم ربع سكان العالم المعتنقون للدين الإسلامي؟

* هذا العدد لايساوي شيئا في الغرب، لأنه يريد السيطرة على ثروات العالم الإسلامي، ووضع يده مباشرة في تسييرها والتحكم فيها لمصالحه..

- لكن ألا يمكن أن نعتبر أن الإساءة للدين الإسلامي وللرسول الكريم، تعود لتصرفات المسلمين أنفسهم؟

* لايمكن أن نحاكم الإسلام بتصرفات مسلم، مادام أن من بين المسلمين شيع وفرق وإيديولوجيات مختلفة، فمنهم الليبرالي والشيوعي والاشتراكي، وهم ليسوا على قلب رجل واحد، لكن عندما تسيء للرسول عليه الصلاة والسلام فهو رمز الدين الإسلامي مهما كانت الاختلافات المذهبية والسياسية والفكرية.. على مدى قرون من الزمن عشنا كمغاربة مع الغرب، ونحن نعرفه أشد المعرفة، فعندما فتح المسلمون الأندلس ودخلوها كانت هناك تيارات دينية كثيرة فيها، فاقتضت نظرية الإسلام في التسامح أن يعفى من الجزية كل من دخل للإسلام، فدخل الناس أفواجا في هذا الدين، وازدهرت التجارة بشكل كبير نتيجة هذا العفو العام، واستفاد المستعربون تجاريا واجتماعيا من الوضع الجديد. لكن بعد مدة لاحظ قساوسة الغرب ورهبانه أن الناس قد صدوا عن المسيحية، ولم تنفع كل محاولات إرجاعهم لديانتهم الأصلية، فتأسست «حركة الاستشهاد» في القرن الثالث الهجري في قرطبة، متخذة من عداوة الإسلام وسب الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام، مبدأها ومحركها، وكنا ننتظر أن تجادل هذه الحركة في مبادئ الإسلام وتشريعاته وقيمه المتمثلة في الحرية والعدل والتسامح، لكنهم كانوا يجهرون بالإساءة لمحمد عليه الصلاة والسلام، بل ويتوجهون للقضاء مباشرة معترفين بأنهم يستهزؤون به وبشخصيته، ومع قيام القضاء بواجبه في محاكمة هؤلاء المستهزئين وإعدامهم، بدأت تجد هذه الحركة صدى لها وسط المستعربين في الأندلس، واتسعت هذه الحركة التي بدآت تنشط في الأندلس، موجهة إذايتها للمسلمين من خلال الاستهزاء الواضح بشخصية الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام، فكان ذلك من بين أسباب تأليف القاضي عياض لكتابه «الشفاء في ما يجب من حقوق المصطفى»، وقبله كان كتاب ابن سبع السبتي، «في الدفاع والذود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم». وليكن في علمك أن هذه الحركة هي التي دفعت المغاربة للاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم فيما بعد، وجعلت أبو العباس العزفي يكتب «الدر المنظم في مولد النبي المعظم»، وهذه الحركة لم يستسغها إخواننا في الشرق وخاصة ابن تيمية الذي يعتبر زعيم حركة الوهابية الحديثة، فقد كتب يقول عن القاضي عياض رضي الله عنه «لقد غلا هذا المغيربي»، معتبرا أن محبة المغاربة للرسول صلى الله عليه وسلم، فيها مغالاة وتطرف، والحال أن الكتاب يتضمن حقوقا وواجبات اتجاه نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم. فهذه المحبة هي التي أبقت المغاربة على دين الإسلام، وإلا لو استجابوا للحركة التي أنشآت في الأندلس لأصبح المغاربة كلهم مسيحيون، أذكر هذا الكلام لارتباطه باحتفالنا جميعا بمولد خير البرية، وما ينشر من تبديع لهذا الاحتفال من قبل بعض الناس، وما خفي في هذا هو أنهم يشيرون من طرف خفي أن أمير المؤمنين الذي يقيم احتفالات عيد المولد النبوي سيرا على نهج أجداده المكرمين، وأمراء المغرب من جميع العائلات من المرينيين والسعديين والوطاسيين وكذا العلويين. ولاينبغي أن نستدرج لصف الشيعة بأننا نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن علمائنا قالوا إننا نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بما يقرره أهل السنة والجماعة، أي حب تشرع وليس حب تشيع، وشتان بين الحبين..

- أمام هذا الإصرار الغربي على الإساءة للدين الإسلامي وللرسول صلى الله عليه وسلم، هل يمكن القول أننا على أبواب حرب دينية جديدة؟

* أبدا، الحرب لاتكون إلا بين طرفين متكافئين، ونحن في أقصى درجات التخاذل والضعف والهوان، وليس منا من يستطيع الرد عن نفسه. ونسجل بكثير من الاعتزاز أن حكومة أمير المؤمنين في البلاد لم تشارك في هذه المسيرة التضامنية بباريس لأنها اشترطت ألا ترفع فيها إشارات أو صور فيها إساءة للرسول صلى الله عليه وسلم، وحسنا فعلت، رغم أن ذلك ستكون له تبعات ضد المغرب، الغرب يريد كما يقول «جورج بوش»، من ليس معنا فهو ضدنا، وهو حكم لايترك للآخرين اختيار معسكرهم بكل حرية. الغرب اليوم يسير مختلا، برجل واحدة، فعندما سقط الاتحاد السوفياتي والمسلمون هم الذين كانوا سببا في ذلك، لما هزموا الدب السوفياتي في أفغانستان، وكان وجود الاتحاد السوفياتي فيه خير للإسلام، لأنه كان قوة تقف ضد قوة الغرب الغاشمة، فهل سيشهد العالم الجديد قيام قطب آخر ضد هذه الهيمنة الغربية على العالم؟

- لكن البعض يعتبر أن التعليم العتيق بالشكل الحالي هو منبت لتفريخ كل أشكال التفسير المتزمت للإسلام.

* أبدا، هذا غير موجود في التعليم العتيق، بل فيه علوم شرعية، لا لون لها إيديولوجيا، ويمكن الاستثمار فيه بشكل جيد، فمن يشرفون عليه هم من حملة القرآن الكريم، وكتاب الله لايمكن أن يكون فيه توسع آو تضيق..

- كيف يفهم الآخر أن المغرب بهذا الزخم الروحي، من إسلام وسطي ودور القرآن الكريم ومؤسسات التعليم العتيق، والمعروف بمحبة الرسول صلى الله عليه وسلم.. يعد من البلدان التي تصدر الجهاديين إلى بؤر التوتر؟

* ينبغي آلا نخلط بين التوجه الروحي العام، وبين ما نشتكي منه من اختلالات اجتماعية، نحن في المغرب لايوجد فقط الدين الإسلامي، وعندما اخترنا الحرية اخترنا التعدد وكان لابد من ذلك من واقع، وواقعنا الحالي يوجد خيط ناظم يرعاه أمير المؤمنين، يمثل الاعتدال والتوسط والسماحة والانفتاح على الآخر، وهذا أمر لا رجعة فيه أبدا، والتعليم الأصيل الذي يحتاج للكثير، يمكن أن يكون وسيلة لتصريف تلك القيم، ويحتاج بدوره لانفتاح على العصر وعلومه، والأمر يحتاج لبعض الوقت، وأن لا نطالب بعزل التعليم العتيق من تعليمه الأساسي إلى الجامعي عن التعليم العمومي، ويعود تسييره إما لوزارة العدل أو الأوقاف، والأفضل لهذه الأخيرة، وتلحق بها كليات الشريعة وأصول الدين واللغة العربية، ويضاف التعليم الإسلامي لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وهكذا يمكن أن نضمن تعليما ينشر التوسط والسماحة والانفتاح، أما بهذه التفرقة بين التعليم العمومي والتعليم الأصيل، والاستعمار هدم عددا من القيم التعليمية عند دخوله للمغرب، وجرب نفس الشيء في تونس، فالذين خططوا لمصير التعليم الإسلامي في تونس هم الذين خططوا لنفس الأمر في المغرب، ولكن لحسن الحظ، أن شعرة معاوية ظلت هي الرباط بين الماضي والحاضر بالمغرب، وكان الحسن الثاني رحمه الله، بقدر كونه كان حداثيا، كان يعرف كلفة ذلك إذا قطع المغرب مع ماضيه، لذلك حافظ على الدروس الحسنية وخلق دار الحديث الحسنية..

- لكن البعض يعتبر أن هذا الحرص الملكي بقيادة المرحوم الحسن الثاني، كان لمواجهة علماء الحركة الوطنية، من بينهم شيخ الإسلام بلعربي العلوي وعلال الفاسي والمختار السوسي..

* هذا الأمر ينطلق من فرضية خاطئة، وهي أن الحركة الوطنية والعرش في واد آخر..

- أنا أتحدث عن مغرب ما بعد الاستقلال

* حتى مابعد الاستقلال لم تكن هناك قطيعة بين العرش والحركة الوطنية والعلماء، فقد كان على رأس العرش رجل صالح مصلح هو الملك محمد الخامس رضي الله عنه، وهو كان ضمن الصفوف الآولى من المصلحين، فهو الذي قاد التعليم الإسلامي والعربي، وكان إلى جانبه رجل لايفرقه وهو شيخ الإسلام سيدي محمد بن العربي العلوي، وعاتبه هذا الأخير يوما عندما رأى أنه يعطي للمقيم العام في عهد الاستعمار أهمية، وخاطبه بالقول: «يامولاي إن هذا العرش الذي تجلس عليه، جلس عليه قبلك يوسف بن تاشفين وعقبة بن نافع ويوسف المريني والمنصور الذهبي ومولاي اسماعيل، وكلهم أمراء مؤمنين، لايرضون بأي استعمار أو احتلال، وكان زعماء المسيحية في العالم ترتعد فرائصهم، لهؤلاء، فينبغي أن تبقى محافظا على جآشك ورباطتك لأن المقيم العام لايرقى إلى أن يخاطبه أمير المؤمنين، بل عليك أن تخاطب رئيس فرنسا مباشرة، لأن المغرب محمي وليس مستعمرا». هذه الحركة الوطنية هي التي أنتجت سياق خطاب طنجة التاريخي الذي كان واضحا عندما اعتبر المرحوم محمد الخامس المغرب جزء من الأمتين العربية والإسلامية وأنه ينبغي ربط حاضر المغرب بماضيه وربطه بنبعه الصافي.

بعد الاستقلال كانت هناك نخبة ممثلة في سيدي علال الفاسي وهو أعلم العلماء وفيها الرحالي الفاروقي والتهامي الوزاني والمكي الناصري وآخرون.. هؤلاء هم الذين كانوا لحمة الحركة الوطنية، صحيح آن جزء من الحركة الوطنية اختار المعارضة وأدى المغرب غاليا ضمن سنوات الرصاص، ولم تكن في عهد الراحل محمد الخامس، الذي كان عليه إجماع الأمة، وكما قال الفقيه البصري، قال له الحسن الثاني، لامشكلة مع علال الفاسي لأنه عالم وإمام، إذا قام محمد الخامس للصلاة نصلي وراءه، المشكلة معكم أنتم السياسيون.. ربما كنت في سؤالك تقصد جناح عبد الرحيم بوعبيد هذه حركة وطنية كانت بحاجة لنوع من الترشيد وأدينا ثمنا غاليا في سنوات الرصاص. تصور لو آراد الله بنا خيرا واجتزنا سنوات الستينات ونحن متحدون ودخل المهدي بنبركة سالما، وتوحدت الحركة الوطنية من جديد، الشيء الذي فعله الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي مؤخرا، كان أن يحدث فيما قبل، بحيث يمكن القول أن حكومة عبد الرحمان اليوسفي أعادت الأمور لنصابها كما كان عليه الحال في حكومة عبد الله إبراهيم، وأنا سمعت من رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران يقول، بأن ما حققته حكومة اليوسفي لايمكن إنكاره، وكانت حكومة إنقاذ البلاد. والحسن الثاني رضي الله عنه اعترف بأن المغرب مقبل على السكتة القلبية واستدعى عبد الرحمان اليوسفي وأعطاه فرصة للإصلاح. للأسف لم يستكمل ذلك، ولنا أخذ العبر والدروس من كل ما سبق، نحن في حاجة لإعادة الاعتبار والنظر، فلايوجد في العالم من لايخطئ، ولا ننسى أن محمد الخامس كان ينفذ برنامج الحركة الوطنية، ولذلك فالحسن الثاني عندما أنشأ دار الحديث الحسنية جعل على إدارتها مثل هؤلاء العلماء الأجلاء: الغرسي وعلال الفاسي والمكي الناصري وعبد الله كنون، والطاهر بنعاشور وغيرهم من زعماء الحركة الإسلامية في العالم وما يمثلونه من رموز الحركة الوطنية، وللأسف لم يجد الحسن الثاني أذانا صاغية من قبل مخالفيه، وأدينا الثمن غاليا، ونحن في حاجة لإعادة قراءة ملفاتنا وكيف أن الحركة الوطنية كانت كلهاخيرا على المغرب، وهي التي جاءت بالاستقلال بقيادة بطل التحرير محمد الخامس طيب الله ثراه.

المغرب مؤهل ليكون زعيم قطب إسلامي

- لكن الإسلام له تمثلات مذهبية مختلفة انطلاقا من الوهابية إلى الإخوانية مرورا بالشيعة ضمن ما يعرف بالإسلام السياسي؟

* كل هذه التيارات هي التي جرت الويل على الإسلام والمسلمين.. والمفروض اليوم هو العودة للمنبع الصافي، نحن في المغرب لامشكل لدينا، حين اخترنا نظام إمارة المؤمنين، وهو ذو صلة كبيرة ومتينة بالدين الإسلامي. ومن حسن الحظ أنه في السنوات الأخيرة أخذ الناس ينظرون إلى ما نجنيه من هذا الاختيار من حيث وحدة البلاد والأمن الروحي.. ونحن نرى دولا من بينها مصر وتونس وغينيا ومالي والسنغال تطلب من المغرب علماء وأئمة يقودون الحركة الدينية، فلدينا ثوابث تاريخية لها علاقة بما يحدث في العالم كله، ولو تمسكنا بهذه الثوابت سنضمن وحدة اجتماعية وقوة سياسية. نحن في أول الطريق ولايمكن أن ندعي بأننا قوة عالمية، ولكن يمكننا أن نمثل قطبا يجتمع حوله القريبون من نفس تصوراتنا، من قبيل تونس وموريتانيا والجزائر ومصر.. أن تشاركنا هذا التصور، وكذا دول من قبيل ماليزيا وإندونيسيا التي تعد نمور آسيا الاقتصادية وتحتاج لقيادة وقدوة. وأعتقد أن المغرب مؤهل لأن يكون زعيما لقطب إسلامي، وحتى تركيا يمكن أن تدخل لهذا القطب بعد عودتها للإسلام، وهذا رهن بمدى شرحنا لهذا التصور، وقبل ذلك تشربنا له شعبيا عن طريق الخطب والدروس الدينية وإحياء العلوم الشرعية، والمشكل الأساسي في العالم الإسلامي هو مشكل التعليم، ولو تم إصلاحه سنكون أمام وجه آخر، ونحن في المغرب مازالت فيه جذوة التعليم العتيق المطلوب أن يصلح..

محمد لمرابط، باحث في الفكر الإسلامي ومندوب جهوي سابق لوزارة الأوقاف بجهة طنجة

السياسة الخارجية يجب أن تحكمها مصلحة الدولة وليس التمرير لحساسية حزبية إخوانية ترأس الحكومة

دعا محمد لمرابط، الباحث في الفكر الإسلامي والمندوب جهوي سابق لوزارة الأوقاف بجهة طنجة، إلى احترام الرموز الدينية للجميع، موضحا أن الخط التحريري لأسبوعية (شارلي إيبدو) ينبغي ألا تخلط بين سلوك المنتمين للإسلام السياسي الرافضين للاندماج في منظومة القيم الأوربية، وبين الرموز الدينية. وأبرز لمرابط أن هناك فصلا يجب أن يقام بين الدين الإسلامي كقيم، وإسهامه في الحضارة الإنسانية، وبين سلوك بعض المتنطعين الخارجين عن قيم الإسلام والذين يرفضهم المسلمون أنفسهم

- لماذا هذا الإصرار على الاستمرار في الإساءة للرسول الكريم وللإسلام وللمسلمين، هل هو راجع لسوء فهم الغرب للإسلام، أم لسلوكات المسلمين في حد ذاتها؟

* الأمر يرجع لبعدين: الأول مرتبط برواسب تاريخية لصراع الأنساق المغلقة، كما أنه ترسبات لظلال المرحلة الاستعمارية. بمعنى أن هناك رواسب الماضي في إطار صراع الأديان، بإرهاصات الظاهرة الاستعمارية. أما البعد الثاني فمرتبط بسلوك أتباع الإسلام السياسي، فأصحاب هذا السلوك واستحضارهم لتاريخ الهيمنة والاستبداد، أوصل العلاقة لهذا المستوى من التوتر.

- لكن هل الإساءة للرسول الكريم وللإسلام، تبيح للشخص أن يتجاهل القوانين ويحل محل الدول ومحل القضاء ليأخذ القصاص بنفسه، كما حدث بالهجوم على أسبوعية (شارلي إيبدو)؟

* الموضوع له وجهان: الوجه الأول: يجب احترام الرموز الدينية للجميع، وهذه المسألة مطروحة على الخط التحريري لأسبوعية (شارلي إيبدو)، وألا تخلط بين سلوك المنتمين للإسلام السياسي، الرافضين للإندماج في منظومة القيم الاوربية، وبين الرموز الدينية، فهذا خلط في تصور هيئة التحرير. الوجه الثاني: أن هاته الإساءة لا يجب أن تكون مبررا للإساءة المماثلة. فالأطراف المتضررة في هذا الباب يجب أن تتوسل بوسيلتين: الأولى هي التوضيح وإبراز أن هناك فصلا يجب أن يقام بين الدين الإسلامي كقيم، وإسهامه في الحضارة الإنسانية، وبين سلوك بعض المتنطعين الخارجين عن قيم الإسلام والذين يرفضهم المسلمون أنفسهم. الوسيلة الثانية، هو أن الأطراف المتضررة في قناعاتها ومعتقداتها ورموزها، يجب أن تتوسل بالقانون لإنصافها، وليس هناك مبرر لاستعمال العنف لاستصدار الحق.

- هاهي الأحداث التي عرفتها اسبوعية (شارلي إيبدو)، لم تفض إلا إلى تعنت مجموعة من وسائل الإعلام الغربية، التي أعادت نشر الرسومات المسيئة إلى الرسول الكريم في تحد لربع سكان الكرة الأرضية؟

* هذا خطأ في التعاطي، ما وقع يفرض علينا رباطة جأش والنظر في المرآة جيدا، فالوجود الإسلامي في أوربا هو وجود أصولي، غدته جميع الدول التي لها طموح سياسي من منطلق الدين، كالوهابية، والإخوان المسلمون، وإيران..، هاته البلدان ساهمت في إشاعة تصور عن الإسلام مناهض للقيم الكونية وللتعايش وللإندماج. إلى غير ذلك.

- كيف تم، نشر هذا التوجه الوهابي والإخواني والخميني؟

* هناك رفض للاندماج في الدول القطرية في أوربا، في تراكمها التاريخي والفلسفي والقانوني والاجتماعي، هناك صيغ كثيرة للرفض. والمطلوب الآن على هاته البلدان أن تعيد النظر في سياساتها وفي حقلها الداخلي وفي العلاقات بين المكونات، وأن تعيد النظر أيضا في سياساتها الخارجية، والتي كان فيها نوع من التواطؤ مع الإسلام السياسي في أوربا، والتورط في الشرق الأوسط من خلال تجليات هذا التواطؤ. وهذا درس بالنسبة إلينا في الداخل أيضا...

- (مقاطعا)، ألا ترى معي أن المغرب له تمثلا مالكيا للإسلام ولم يستغل الفرصة لنشر هذه الصورة، لمواجهة المد الوهابي والإخواني والخميني؟

* سبق أن قلنا مرارا، أن تمثل الإسلام الحركي، أو الإسلام السياسي للإسلام، وحضوره من خلال هذا التمثل في علاقته مع الآخر، قد أوصل علاقة الإسلام بالغرب إلى مستوى التوتر والحروب، وقلنا هذا منذ سنوات، لكن لم نبلور سياسة تجعل منا مخاطبا ذا مصداقية في هذا الباب. نؤكد مرة أخرى أن المغرب بالفعل يشكل بديلا لتراكمه الحضاري، بخصوصيته التاريخية والدينية، ونموذجه الذي ورثناه من سلفنا الصالح في الغرب الإسلامي، أي أنه لدينا نموذج قابل للبناء وللتشكل مرة أخرى، وبإعادة التشكل، وفي نظري هو البديل لهاته الأزمة الآن، وسبق لكم في أسبوعية «الوطن الآن» أن نبهتم إسبانيا بضرورة استحضار هذا المعطى في علاقتها مع المغرب.

- كيف للمغرب أن ينجح في نشر الفكر المالكي، وهو في عقر داره يتعرض للاختراق من طرف التيارات الإخوانية والوهابية؟

* هو لا يتعرض للاختراق، بل كل ما هناك أنه ليس هناك وضوح أو إرادة حقيقة، بمعنى هناك تسويق لوهم الإصلاح وليس لمتطلبات الإصلاح، فالمغرب يجب أن يحسم في أمره تفاديا لسياسة الخلط.

- كيف؟

* باعتماد إرادة واضحة وحقيقة للإصلاح في الحقل الديني، ما نراه هو تسويق لوهم الإصلاح، وسنؤدي الثمن وأخشى أن نصل إلى ذلك اليوم. وأتمنى ألا نصل لذلك.

- المغرب عنده مرجعية إمارة المؤمنين، أليست هذه الأخيرة كافية كضامن لحماية المغرب من خطر الإسلام الحركي، ومن جهة ثانية تأمين الوحدة الوطنية بالمغرب؟

* الأكيد أن مرجعية إمارة المؤمنين بالمغرب لها وظائف، راكمتها تاريخيا ومسؤولة على إشاعتها، هاته الوظائف يمكن أن نجملها في ضمان الطمأنينة الروحية للمواطنين، وفي ظل ضرورة هذه الضمان يجب أن لا نسمع، أي خطاب تشكيكي في عقيدة الآخر، هاته الإمارة، إلى جانب أنها تضمن الطمأنينة الروحية للمغاربة تضمن أيضا، مسألة التجديد الديني، كما أنه من وظائفها ضمان التعايش بين الشعوب والأمم والحضارات والثقافات، كما أنها تفصل بين الدين والسياسة، وفي إعتقادي لا يمكن التصور في ظل مرجعية إمارة المؤمنين وجود تنظيمات دينية..

- (مقاطعا)، لماذا نجد حزب العدالة والتنمية ذا المرجعية الدينية، يحكم بالارتكاز على حركة التوحيد والإصلاح؟

* بالنسبة إلى الجماعات الإسلامية التي تسنى لها الفعل السياسي يجب أن تحل نفسها، أو يحلها القانون. لا أقبل، حسب فهمي للوظيفة التي تقوم بها إمارة المؤمنين، أن تكون هناك هيئات دينية في المغرب خارج الهيئة الرسمية ووسائط الزوايا. عدم حسم المغرب في هاته المسألة هو جزء من الخلط العام في البلد، ودليل عن غياب مشروع الإصلاح الديني في المغرب. وهذه الأمور طالبت بها منذ سنوات، وسأبقى أطالب بها، ولا علاقة للأمر بأي نزوع استئصالي أو اقصائي. بل المسألة ترتبط بمنطق بناء المؤسسات في المغرب في الحقل الديني، نحن نسعى أن نبني منطقا للدولة في شقها السياسي وفي شقها الديني، الأمر هنا يتعلق ببناء منطق للدولة في الجانب الديني باعتبار أن إمارة المؤمنين تفصل من جهة بين الدين والسياسة، وتوحد من جهة أخرى بين الدين والدولة. ولذلك فالأشكال التدبيرية لوظائف إمارة المؤمنين، تعطي الإنطباع بأن هناك محاولة انقلابية على هاته الوظائف التاريخية، وبأن ليس هناك تجديد ديني، وليس هناك ضمان الطمأنينة الروحية للمواطنين، وليس هناك فصل للدين عن السياسة وليس هناك نزوع للتعايش.

- ومن يخطط لهذا الانقلاب على وظائف إمارة المؤمنين؟

* (يضحك)، الجهات الرسمية نفسها متورطة في هذا الباب.

- من هي الجهة التي تقصد بالضبط؟

* أقصد سياسة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، والمجلس العلمي الأعلى تحديدا، بدون لبس يجب أن ننظر في المرآة، وأن نمعن النظر فيها لنتلمس حقيقة وجودنا في هذا المجال.

- هل يمكن أن تعطي مثالا واحدا أو أكثر، على تجليات تآمر السياسة الرسمية، للانقلاب على إمارة المؤمنين؟

* من المفارقات اننا ونحن نستحضر حدث مسيرة يومه الأحد في فرنسا (يقصد المسيرة التضامنية مع شارلي إيبدو-المحرر)، نلاحظ أن الناس تنشد الوحدة الوطنية، وتراهن على هذا الرأسمال الذهبي، وتتوسل إليه بجميع الوسائل، بينما نحن أصلا نتمتع بهاته الوحدة الوطنية، لكن نهدمها يوميا لبنة لبنة.

- كيف ذلك؟

* عندما نوظف الدين من مدخل الفضاءات الرسمية الدينية، ضد الأحزاب الوطنية الديمقراطية وضد المفكرين، وضد الإعلاميين، وتمارس الجهات الرسمية الحياد السلبي حتى لا اقول التواطؤ في هذا الباب، ألا نعمل حينها على هدم ونسف تلاحم النسيج الداخلي الوطني. لماذا نوظف الدين ضد بلدان ونتدخل في سياستها الداخلية انطلاقا من منبر الجمعة، ومن مواعظ المساجد؟ ألا يمثل هذا خروجا على منطق الوظيفة الدينية في المغرب وهي السهر على حسن الجوار وعلى التلاحم الوطني، وعلى تليين التدافع الداخلي؟ إذن الترجمة تبدو لي للوظائف المفترضة في إمارة المؤمنين تحاول الالتفاف على النسق الإصلاحي لأمير المؤمنين وهذا من المفارقات العجيبة.

- من المفارقات أن الحادث الذي تعرضت له أسبوعية «شارلي إيبدو» تعيشه يوميا العديد من عواصم ومدن العالم من كينيا إلى اليمن ومن ليبيا إلى بيروت، مرورا ببغداد وحلب، ومع ذلك لا نلاحظ ذاك الاستنفار الضخم للرؤساء والدول بمثل ما عشناه في مسيرة باريز. هل المواطن الفرنسي أعلى إنسانية من المواطن في بقية دول العالم؟

* هناك جهد يجب أن يبذل في هذا الباب، مازلنا رغم انتشار الوعي الديمقراطي والقيم الكونية، مازالت هناك سيادة للمركزية الأوربية، في مجمل العلاقات الدولية. هناك جهد يجب أن يبذل في هذا الباب لخلخلة هذه المركزية، وإيجاد منتظم دولي متكافئ ومتضامن. فالإشكال يكمن في بقاء سريان ما يسمى بالمركزية الأوربية، أي اننا ننظر إلى العالم انطلاقا من الذات الأوربية، وليس انطلاقا من العيش المشترك. لأنه من المفترض، في إطار العيش المشترك أن نتداعى إلى أي إشكال وأي معاناة في أي نقطة من هذا الكون الفسيح. الموضوع مرتبط بسريان المركزية الاوربية وتحكمها في مجمل العلاقات الدولية وهذا أحد التجليات. لكن هذا ليس مبررا للانكفاء والتقوقع، وعدم المساهمة والانخراط في بناء صرح كوني. ولذلك أعجبني اليوم تصريح الطاهر بنجلون وهو يتظاهر في باريس تضامنا مع ضحايا الإرهاب، اعجبني تصريحه حول جريدة «شارلي إيبدو» التي يعرف عددا من صحافييها، حيث قال لفرانس 24 ما مفاده أنهم أسبوعيا يمتعونه كما يغضبونه... وعلى الغرب أن يعيد ترتيب علاقته بالإسلام. بمعنى اختزل موقفين: موقف يحتج ضد الإساءة للرسول الكريم بحكم أن بنجلون مسلم يرفض الإساءة لرموز الاسلام، لكنه خرج تضامنا مع الضحايا احتجاجا على الإرهاب، وآخر يتضمن مطالب للوجود الإسلامي بالغرب. هذا الوضوح يجب أن يكون عنوانا للسياسة الخارجية للدولة المغربية، إذ من المفترض أن تعكس هذه السياسة الرؤية الاستراتيجية للدولة، وليس التمرير لحساسية حزبية إخوانية ترأس الحكومة.

ذ. محمد بلماحي، نائب رئيس النقابة الجنائية الدولية

إعلام البلدان الإسلامية فشل في الترويج لصورة الإسلام الحقيقي

قال محمد بلماحي، نائب رئيس النقابة الجنائية الدولية، إن إساءة الغرب إلى الإسلام تعود إلى سوء فهم الدين الإسلامي، كما تعود أيضا إلى بعض سلوكات المسلمين. مشيرا، في تصريح خص به «الوطن الآن» إلى أنه سبق له أن رفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية في قضية الرسوم المسيئة للرسول التي نشرتها صحف بالدنمارك، والتي أثبت من خلالها أن المسلمين بإمكانهم عمل الكثير من خلال اللجوء إلى المحاكم الدولية، حيث أن محكمة العدل الدولية حينها قضت بتوقيف أحد المسيئين إلى الرسول الكريم.

وعبر بلماحي عن إدانته للهجوم على مجلة «شارلي إيبدو» بباريس، لكنه تساءل ما السبيل لمعرفة المرتكب الحقيقي لهذا الفعل الإجرامي؟ وهل هم فعلا مسلمون؟ فالأخوان كواشي، يضيف بلماحي، توفيا، وليس لدينا تأكيد أنهما فعلا مرتكبا الفعل الإجرامي ضد «شارلي إيبدو».

وقال إن علامة استفهام تظل مطروحة، فالكل يتساءل كيف تسنى لإرهابيين تنفيذ عمل إرهابي وسط العاصمة الفرنسية بكل هذه الدقة وبهذه الحنكة وامتلاك السلاح الفتاك ووجود شارع خال من المارة. فهذا يذكرنا، يقول بلماحي، بأحداث 11 شتنبر. وأضاف قائلا: «كثيرا ما يتم الحديث عن «القاعدة» وعن تنظيمات إرهابية، ولكن منذ 11 شتنبر 2001 لم نعاين أي محاكمة للمتهمين بارتكاب أعمال إرهابية حتى تتوضح لنا الصورة».

وعن ضعف وسائل الإعلام في العالم الإسلامي وفشلها في الترويج لحقيقة الإسلام، قال بلماحي: «للأسف الشديد، فالعالم الإسلامي يفتقد لوسائل إعلام قوية تخاطب الغرب باللغات التي يفهمها، أي الإنجليزية والفرنسية والألمانية.. قنوات البلدان الإسلامية تفتقد لبرامج تعرف بحقيقة الإسلام موجهة للغرب، وهو ما يؤدي إلى وصول صور مشوهة عن المسلمين إلى الغرب، علما أن كبريات وسائل الإعلام في العالم يمتلكها الغرب.

وانتقد بلماحي شبكة الجزيرة القطرية التي تتوفر على إمكانيات ضخمة، لكنها فشلت في اختراق الغرب، والترويج لصورة الإسلام الحقيقي. فبرامجها -حسب بلماحي- أضحت مستهلكة، وهو ما أدى إلى نفور المشاهد.

وعن سلوكات المسلمين أضاف محاورنا قائلا «إن سلوكات المسلمين تساهم في بروز إساءات إلى الإسلام، مثلا تورطهم في بعض عمليات السرقة، الاختطاف.. أو بعض السلوكات البسيطة داخل المطارات الأجنبية، مثلا عدم احترام شخص مسلم لدوره وتجاوزه لطابور المسافرين الأجانب، والتي تجعل أشخاصا بسطاء غير قادرين على استيعاب ما يحدث مما يجعلهم ينسبون ذلك إلى الإسلام، معتبرين أن شعوب المسلمين هي شعوب غير متحضرة».

عبد الهادي حميتو، عضو الرابطة المحمدية للعلماء

كيف يعقل أن يسير نتنياهو في مسيرة باريز المنددة بالإرهاب وهو زعيم دولة إرهابية؟

- بماذا تفسر إصرار الغرب على مواصلة الإساءة للرسول الكريم وللإسلام، هل يعود ذلك لسوء فهم الإسلام أم لتصرفات بعض المسلمين؟

* أيا كان تصرف المسلمين، فإن ذلك لن يعجب الغرب والأوربيين، وهذا في نظري يعود للحقد الدفين منذ القديم أي منذ الحروب الصلبية، إذ يسعون دائما لفرض سياسة معينة واتجاها معينا، وكشروا عن أنيابهم لتحقيق مبتغاهم، ومن حين لآخر يحركون هذا الاتجاه، ويدعون أن المسلمين يمارسون الإرهاب. وكما قال الله تعالى»لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم» ، وهذا شيء معروف خصوصا بعد تنامي الأطماع الاقتصادية والتوسع والرغبة في الحد من ازدهار الشعوب الإسلامية. وهذا ما يجب أن ننتظر منهم كمسلمين، لأن هذا شيء طبيعي وعادي. المشكلة عندنا نحن المسلمين، إذ يجب أن نكون متماسكين موحدين وأن نفهم ما يحاك ضدنا من مؤامرة. ولا نغتر بضحكتهم. فكما يقول الشاعر»إذا رأيت نيوب الليث بارزة،فلا تظنن أن الليث يبتسم». مشكلتنا نحن المسلمون أننا لا نريد الفهم أو أننا لا نفهم أم ربما نحسن الظن أكثر بالآخر.

- ولكن هل الإساءة للرسول الكريم تبيح للفرد أن يحل محل الدولة والقضاء ويأخذ القصاص بيده؟

* لا.. هذا خطأ، ولا أحد يمكنه أن يحل محل القانون ومحل سلطة الدولة، أنا أتحدث عن الأسباب أما النتائج فهي واضحة، فهؤلاء يصنعون أعداءهم بأنفسهم، وهم سبب رئيسي في الكوارث التي تحل بهم من حين لآخر.

- الغرب جرب عددا من التمثلات للإسلام، إسلام وهابي وإسلام إخواني وإسلام شيعي. ألا ترى أن الظرف ملائم لينشر المغرب إسلامه المالكي المعتدل؟

* هذه حركات سياسية أملتها الظروف السياسية، أما الإسلام فهو دين واحد، ويدين به كل من يشهد أن لاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فهذه الحركات السياسية والتوجهات الفكرية التي لها ارتباط بالإسلام فقد أملتها الظروف في كل جهة وفي كل بلد، وفي كثير من الأحيان تفرض على المسلمين هذه الانقسامات، الأمر الذي يجعل هذه التيارات تنمو وتتطور. m كيف تفسر هذا الاستنفار الغربي لاستنكار ما وقع في أسبوعية «شارلي إيبدو»، في الوقت الذي نجد صمتا حول ما يجري من عمليات إرهابية في لبنان والعراق وسوريا وصومال وغيرها؟ l صحيح، كان الأولى على الدول الغربية والأوربية أن تنتقد الجريدة التي أساءت للرسول الكريم ولديننا الحنيف، ألا يعد ذلك إرهابا في حقنا؟ أم أن الأوربيين لم يروا في ذلك إرهابا، لأن هذا الإرهاب التي تعرضت له الجريدة هو رد فعل على الرسومات المسيئة التي نشرتها. وأعجبني موقف المغرب الرسمي بعدم المشاركة في المسيرة، بسبب أن المسيرة رفعت فيها رسوما مسيئة للإسلام. وهو في نظري موقف جيد جدا.

- في نظرك ما السبيل لإذابة سوء الفهم الكبير ما بين الغرب والمسلمين؟

* يجب علينا كمسلمين أن نعطي الوجه النقي للإسلام الخالي من التعصب والتشدد والتطرف، وهي مسيرة طويلة جدا لن تتحقق بسهولة. فعلى المسلمين أن يكونوا قوة موحدة كي يطرحوا أنفسهم بقوة وليس بشكل محتشم كما يحدث الآن.

- هناك من يقول إن الغرب لم يعرف من الإسلام إلا الشق المرتبط بالمشارقة، في حين هناك تدين مغربي منفتح لم يتمكن من التعريف بنفسه؟

* نعم، وهذا يعود بالأساس لقلة العلماء المغاربة. فالعلماء المشارقة كتبوا كثيرا وتواصلوا أكثر مع الغرب. لكن الكثرة ليست دليلا على معرفة الإسلام الحقيقي. إن العلماء المغاربة لهم وجود ولهم كلمتهم كذلك، لكن اتصالنا بالغرب ضعيف، وحتى عندما نتصل بهم يضطر البعض للاندماج في المجتمع الغربي والاستقرار هناك، ونفقد تلك الاستمرارية التي تجعلنا نتواصل مع الفكر الغربي الواعي كي نعرف بما عندنا بموقف واضح وثابت على المبادئ.

- هناك مفارقة، المغرب يتميز باعتدال ديني لكنه في الوقت نفسه الغربيون يقولون إن المغرب من بين الدول التي تصدر الجهاديين لبؤر التوتر في العالم؟

* نحن لا نصدر الجهاديين، بل هناك أشخاص لهم قناعاتهم الشخصية وفكر مغاير يغادرون المغرب بكامل إرادتهم، والدولة لا علاقة لها بالموضوع.

- لكن كيف للمغربي الذي هو غير محصن في دينه داخليا، أن ينشر صورة إيجابية ومتسامحة عن الإسلام في الغرب؟

* رغم صدق النية التي عند الكثيرين من المسلمين لنشر صورة متسامحة وإيجابية، فهناك جهات تريد أن تصور الإسلام بمظهر بعيد عن التسامح. ويتخذون من مثل هذه العمليات الإرهابية غاية ومقصدا لضرب الإسلام. فكيف يعقل أن يسير نتنياهو في طليعة المسيرة المنددة بالإرهاب وهو يتزعم دولة إرهابية؟ ألا يعد هذا في حد ذاته إرهابا؟!

عبد السلام بوطيب، رئيس مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلم

أرفض اتهامات البعض للغرب بالإساءة للمسلمين

 

قال عبد السلام بوطيب، رئيس مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلم، إنه لا يمكن الحديث عن الغرب ككتلة واحدة.. فالغرب يضم كتلا متعددة، وداخل كل كتلة هناك تباينات متعددة. وأشار إلى أن ما أثير من طرف البعض عن الإسلام وممارسات المسلمين شيء آخر، رافضا اتهامات البعض للغرب بالإساءة للإسلام والمسلمين. وأضاف بوطيب، في تصريح خص به «الوطن الآن» أن الإساءات للأديان كانت على مر الزمن، مشيرا إلى أن المشكل هو كيف يتلقى الذي يعتقد أنه أسيء إليه هذه الإساءة»، داعيا إلى تدقيق علمي لمفهوم «الإساءة إلى الإسلام».

وأوضح بوطيب أن إساءة الغرب للدين تعود أساسا إلى سوء فهم الدين، وثانيا إلى بعض ممارسات المسلمين التي يمكن القول إنها ممارسات لادينية ولاأخلاقية ولا إنسانية حتى.. فمثلا، يقول، كثرة الفتاوى في الدين بدون سند علمي واضح، وغياب قراءة تستند إلى السياقات التاريخية. وأضاف الحقوقي بوطيب قائلا: إن الإسلام يفتقد إلى مفكرين كبار متخصصين في السياقات، فسياقات 2014 و2015 يضيف بوطيب، ليست هي سياقات 247 أو 347 هجرية، والمشكل أيضا يكمن في القراءات المتعددة وغياب نقاط التقاء بين كل هذه القراءات المتعددة في الإسلام بالخصوص، كما أن المسلمين يفتقدون لمؤسسات دينية جامعة لكل العلوم، فكل المؤسسات هي «مؤسسات نصية» تعود إلى النص ولا تعود إلى الاجتهاد.

وحسب بوطيب، فإن المجتمعات المسماة «إسلامية» لم تنتج مفكرين متعددي الاختصاصات بمرجعية دينية وليست بمرجعية نصية.

وخلص بوطيب إلى القول إن المشكل الذي يجري حاليا هو مشكل حقوقي في الأصل لا يكمن في حرية المعتقد، بل في كيفية ممارسة حرية المعتقد وفي ممارسة الثقافة الحقوقية، ولا يكمن في الآليات الحقوقية فقط.

يوسف حنانة، باحث في الفكر الإسلامي  

على فرنسا أن تفهم أنها كانت على خطأ حينما كانت تمهد الطريق للجهاديين للذهاب للقتال في بلدانهم

- هناك إصرار على الاستمرار في الاساءة للرسول الكريم من طرف الغرب، ما السبب في ذلك، هل هو جهل للإسلام أم بسبب سلوك المسلمين؟

* في الحقيقة هناك خلط بين الإسلام وبين نموذج من المسلمين، بمعنى أنه عندما تصبح صورة الإسلام هي ما انعكس عن تأويل معين للإسلام الذي يتجلى في مجموعة من المسلمين اختاروا التأويل المتشدد والحرفي، التأويل الذي ينزع نزوعا تكفيريا إرهابيا، يحتكر الحقيقة ويؤمن بأنه وحده يمتلك الحقيقة. بطبيعة الحال هذا الخلط هو الذي أدى لسوء فهم للإسلام وللرسول الكريم صلى الله وعليه وسلم. بمعنى أن طغيان وجهة نظر أو تأويل معين حول الإسلام ولد لدى الغرب صورة معينة تشوش على صورة الإسلام المعتدل الوسطي المتسامح، وتروج لإسلام متعصب يكره الآخر ينتقم من الآخر ويقتله ويكفره. وهذا في نظري تقف خلفه جهات معينة تشجع هذا النوع من التأويل، وجهات معينة تتساهل معه، وجهات معينة تسكت عنه. إلى أن استفحل وتطور وكانت الأغراض الايديولوجية خفية وراء هذا التحفيز والتشجيع والتساهل والسكوت، انقلبت على اصحابها. الآن العالم الغربي أمام صورة حقيقية: إما أن نشجع الاسلام المعتدل الذي يساير روح العقل ويسعى لتطوير العالم أو نعود إلى الوراء ونشجع الإسلام التقتيلي الإرهابي.

- هل ينهض ذلك كسبب كي يضع الإنسان نفسه فوق القانون والقضاء وياخذ القصاص بنفسه؟

* هذا غير مقبول بالمرة، لكن عندما يتماهى المسلم مع الإسلام ويعتقد أنه يمتلك الحقيقة وبأنه هو الذي يمثل الدين الحقيقي تصبح له جميع المبررات ليفعل كل ما بدا له ويفعل حتى المحال، ولا يتحكم في سلوكياته منطق العقل أو الأخلاق أو المجتمع او القانون. بل يصبح مدفوعا بهاجس الانتقام من الآخر باعتبار أنه مخالف له في الاعتقاد والملة وفي الحقيقة.

- من المفارقات أن الحادث الذي تعرضت له اسبوعية «شارلي إيبدو» تعيشه يوميا العديد من عواصر ومدن العالم من كينيا إلى اليمن ومن ليبيا إلى بيروت مرورا ببغداد وحلب ومع ذلك لا نلاحظ ذاك الاستنفار الضخم للرؤساء والدول بمثل ما عشناه في مسيرة باريز. هل المواطن الفرنسي أعلى إنسانية من المواطن في بقية دول العالم الذي يذهب ضحية العمليات الإرهابية أيضا ؟

* صحيح، هذه وجهة نظر سليمة. لكن آن الأوان لاوربا وعلى رأسها فرنسا أن تفهم أنها كانت على خطأ حينما كانت تتفاعل أو تغض الطرف عن هؤلاء أو أحيانا تشجعهم من أجل أن تمهد لهم الطريق من أجل أن يتجندوا للجهاد في بلدانهم. وأنها ستكون في حل من أمرهم إذا قاموا بعمليات إرهابية في بلدانهم وفي العالم الإسلامي. الآن تساوى التاج والحذاء كما يقال، واستوى الماء والخشب. هذه العملية التي عرفتها باريس ربما كان فيها رجة كبيرة للغرب، ولفرنسا بصفة خاصة وللمثقفين الفرنسيين، من أجل إعادة النظر في الصورة التي كانت لديهم حول هذا النوع للتأويل للإسلام ولهذه الشريحة من المتطرفين التكفيريين .

- ألم يحن الوقت للمغرب كي يروج نموذجه المالكي، مقابل النموذج الوهابي والإخواني والشيعي؟

* في الحقيقة هذه هي الفرصة المناسبة، لكن هل نملك أطرا كفيلة للقيام بهذا الدور؟ المغرب قطب حضري على المستوى الديني، كما أنه يمتلك اختيارا دينيا يؤهله أن يكون قائدا في هذا المجال، ويمثل الإسلام الحقيقي بهذا المعنى. الصورة المنتظرة من المسلمين جميعهم ومن الغرب كذلك من أجل التعايش والتفاعل الحضاري. أما أن ننشأ مجتمعا إسلاميا يحارب الآخر يرفضه ويكفره ويقتله يخرب ولا يوحد، في اعتقادي هذه الرؤية غير منسجمة مع العصر ومع طبيعة الإسلام أو المسلمين المعاصرين.

- هناك مفارقة وهي أن المغرب الذي يقال أنه مهد الإسلام الوسطي أصبح كالمنبت الذي يفرخ الجهاديين ويصدر الانتحاريين إلى مختلف بؤر التوثر في العالم، كيف تفسر هذه المفارقة؟

* غياب الدور الأساسي الذي ينبغي أن يقوم به العلماء والوعاظ والخطباء في هذا الجانب، بمعنى أن هناك غلبة للإسلام الممول بالبيترودولار. الإسلام الذي تشجعه جهات معينة واستحوذت على بعض القنوات التلفزيونية وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، والذي يعتبر نفسه هو الإسلام الحقيقي الإسلام السلفي النابع من سلف الأمة. وكل هذا كان على حساب الإسلام الحق الذي ينبغي أن تتشرب منه الأمة وهو الإسلام الذي جمع بين المسلمين وطور حضارت عبر التاريخ في المغرب وفي غيره، وهذا هو الإسلام الذي يمكن أن يبني الإنسان والمجتمع والحضارة الإسلامية.

- كيف السبيل لتجفيف منابع التأويل المشرقي للإسلام الذي اخترق التراب المغربي؟

* يجب أن تتظافر جميع الجهات بما في ذلك الإعلام ومؤسسات الدولة من وزارة الداخلية والخارجية والأوقاف والشؤون الإسلامية، وعلى المثقفين كذلك أن ينتبهوا لهذا الامر وأن لا يظلوا متفرجين على ما يحدث ويفتعل في المغرب، وخارج المغرب.

- حتى مع وجود حزب العدالة والتنمية في الحكومة؟

* ومع ذلك، يجب الانتباه لهذا الأمر والتأكيد عليه في خطاباتنا وفي طقوسنا اليومية وكتاباتنا الصحفية

- الملك الأردني عبد الله، شارك في المسيرة، ومعروف أنه يقدم نفسه سبط الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن المسيرة عرفت رفع رسومات مسيئة للرسول الكريم. كيف تقرأ ذلك؟

* هناك فرق في المشاركة كرمز، وبين ما رفع من شعارات ورسومات معادية للإسلام، الرمز هو أن هناك مبدأ دفع الملك الأردني للمشاركة في هذه التظاهرة وهذه المسيرة. بينما الشعارات لا يتحكم فيها شخص أو جهة أو قطاعات بعينها بل هي شعارات شعبوية مدفوعة بانفعالات حماسية وبالآثار التي نتجت عن هذه العملية الإرهابية.

- ما تعليقك على الجرائد الأوربية التي أصرت على إعادة نشر الرسوم المسيئة لرسول الكريم...؟

* هذا لا ينبغي أن يكون لأن كل صورة مسيئة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، هي مسيئة لرمز ديني وتؤثر في وجدان جميع المسلمين، ولأجل هذا يجب منع حدوث مثل ذلك، لأن نشر الرسومات يمكن أن يكون من الأسباب التي قد تؤدي إلى نتائج عكسية. وبالتالي ينبغي للحكماء وللعقلاء أن يتجنبوا مثل هذه الأشياء. لأن صراعهم مع أشخاص فهموا الإسلام بشكل خاطئ وليس مع رمز ديني دعوته رحمة للعالمين.