يتوقع بنك المغرب أن يبلغ معدل النمو الاقتصادي 5 في المائة سنة 2025، على أن يستقر في حدود 4,5 في المائة خلال السنوات اللاحقة. للوهلة الأولى، تعكس هذه الأرقام عودة مطمئنة إلى مسار نمو قوي ومستقر بعد سنوات من الصدمات المتتالية. غير أن ما وراء الأرقام الإجمالية يكشف في الآن نفسه عن التقدم الذي أحرزه الاقتصاد المغربي، وعن الحدود البنيوية التي لا يزال يواجهها.
ويعتمد هذا التسارع المرتقب أساساً على الأنشطة غير الفلاحية، وهو ما يعكس تحولاً تدريجياً بعيداً عن نموذج نمو شديد الارتباط بالعوامل المناخية. فقد أصبحت الاستثمارات في البنيات التحتية والصناعة والسياحة والخدمات المحرك الرئيسي للتوسع الاقتصادي، مما يؤكد توجهاً سياسياً طويل الأمد نحو تعزيز القدرات الإنتاجية وتنويع القاعدة الاقتصادية. ويمثل هذا التطور تحسناً ملموساً في قدرة الاقتصاد على الصمود، ويحد من التقلبات الموسمية.
ويعزز قرار بنك المغرب الإبقاء على سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير عند مستوى 2,25 في المائة هذا التفاؤل الحذر. ففي ظل تراجع الضغوط التضخمية، اختارت السلطة النقدية الاستقرار بدل التحفيز، واضعةً الحفاظ على المصداقية النقدية في صدارة أولوياتها ضمن سياق دولي يتسم بعدم اليقين. وبالنسبة لاقتصاد منفتح ومعرّض للصدمات الخارجية، تظل الثقة وقابلية التوقع من الأصول الاستراتيجية الأساسية.
غير أن هذه الآفاق الإيجابية لا ينبغي أن تحجب مواطن الهشاشة المستمرة. فالمغرب لا يزال يسجل عجزاً تجارياً بنيوياً مرتفعاً، ما يعكس محدودية خلق القيمة المضافة داخلياً وضعف تطور الصادرات. كما أن الأداء الاقتصادي يظل مرتبطاً بشكل وثيق بالتدفقات الخارجية، سواء تعلق الأمر بعائدات السياحة أو تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج أو الاستثمارات الأجنبية المباشرة. ورغم صمود هذه التدفقات حتى الآن، فإنها تبقي الاقتصاد عرضة لتقلبات الطلب العالمي والأوضاع المالية الدولية.
وعليه، فإن التوقعات الحالية تعكس مرحلة انتقالية أكثر مما تمثل نقطة وصول نهائية. فقد تجاوز المغرب نموذج النمو الهش القائم على الدورات الظرفية، لكنه لم يؤمن بعد نموذجاً ذاتياً مستداماً بالكامل. ويتمثل التحدي الحقيقي في المرحلة المقبلة ليس فقط في الحفاظ على وتيرة نمو مرتفعة، بل في تحسين الإنتاجية، وتعميق الاندماج الصناعي، وتقليص التبعية البنيوية للتمويل الخارجي. وفي هذا السياق، يشكل الاستقرار رافعة أساسية، لكنه لا يمكن أن يكون بديلاً عن التحول الهيكلي العميق.