Saturday 13 December 2025
فن وثقافة

محمد شروق يفتح صندوق الذاكرة.. الحصول على أول بطاقة للصحافة المهنية وممارسة نشاط تجاري مواز ( 3)

محمد شروق يفتح صندوق الذاكرة.. الحصول على أول بطاقة للصحافة المهنية وممارسة نشاط تجاري مواز ( 3) محمد شروق.. صورتان من زمنيتين مختلفين
تنشر جريدة "أنفاس بريس" حلقات من ذكريات ومذكرات الكاتب الصحافي محمد شروق، انطلاقا من قضائه للخدمة المدنية بوزارة الداخلية والإعلام (قطاع الإعلام) في 01 دجنبر 1986؛ إلى إحالته على المعاش في 25 مارس 2024، بعمالة الدار البيضاء أنفا كمسشار للعامل في الصحافة والاتصال:
 
كنت رفقة الصديق بلالي اليزيد نتوصل داخل مصلحة استغلال الأنباء بوزارة الإعلام،  بحوالي 15 جريدة أجنبية مابين فرنسية (أهمها) وبلجيكية وسويسرية وعربية: جزائرية (الشعب والمجاهد) والمصرية الأهرام وأخبار اليوم) والليبية..
وأيضا جميع الصحف التي يتم منعها من دخول المغرب.
كنا نبحث أولا عن المقالات التي تهم المغرب وعن كل ما  يمكن أن يهم المسؤول الفعلي الأول عن وزارة الإعلام.
كنت يوميا أدخل عند السيد الكاتب العام عزيز حسبي لأقدم له في البداية ملخصا شفهيا عن نشر في الصحف، وكان هذا التواصل يتم  باستعجال لأنني كنت أدخل مكتبه حتى لو كان في اجتماع لأقدم له الملخص، قبل تحريره بتفصيل مع نسخ للمقالات التي تخص المغرب للاحتفاظ بها بالأرشيف.
سيعرف السيد عزيز حسبي خلال هذه الأيام أنني إبن سيدي البرنوصي وأنني صديق وإبن درب أبناء المرحومة أخته والدة الإخوة جحى.
كنت قد بدأت في التنقل اليومي بين البرنوصي والرباط، وكان الكاتب العام للوزارة يسألني من حين لآخر عن سبب عدم عدم  الاستقرار بالرباط؟
كنت أشعر أنه يمهد لإعطائي مسؤولية المصلحة، لهذا كان يسأل عن تنقلي اليومي وعدم استقراري. أما أنا فكنت أواصل نشر مقالاتي باسم مستعار بجريدة "بيان اليوم"، ولم أهتم يوما بتحمل مسؤولية إدارية. بل لم أبحث عنها طيلة 37 سنة.
لاحظ السيد حسبي بكل موضوعية جديتي في العمل و حرصي على الهندام والحضور، علما أنني كنت أقدم له التحية بشكل عادي جدا؛ خلافا لما كنت ألاحضه من بعض الأشخاص: عبارات كانت غريبة عني أنا القادم من الجو الطلابي والعمل الجمعوي؛ معتاد على الوقوف وعمودي الفقري مستقيم. كنت أسمع من بعض الموظفين وهم أمام السيد حسبي: نعام آسيدي..وخا آسيدي.. الله يحفظكم آسيدي..
كنت أستغرب وأتعجب وأتساءل عن فوائد مثل  هذه العبارات المدلة. 
لهذا قال لي الصديق سعيد جحى إبن أخت السيد عزيز حسبي لما سأله عني مرة: 
صاحبك (يقصدني) "جبهة"!!!
فقلت لسعيد أنا أعرف لماذا قال عني: "جبهة".
أنا اجتهدت وحصلت على دبلوم صحافي وملتزم وجدي في عملي وأحترم جميع زملائي في العمل، نفس التعامل من الحارس إلى المدير إلى الكاتب العام.
في بداية سنة 1988، كنت قد اقتنيت بطاقة القطار لمدة 9 أشهر للتنقل. لم يمر منها حتى شهر، حتى سألني السيد عزيز حسبي:
واش مازال كتدير النافيت؟
نعم
طلع عند سيدي علي باش يصاوب ليك بطاقة الصحافة 
شكرا جزيلا.
كان السيد سيدي علي هو رئيس القسم القانوني بالوزارة ومكتبه بملحقة الوزارة بحي أكدال، وهو المكلف ببطاقة الصحافة التي تتيح مباشرة التنقل المجاني عبر جميع القطارات.
في الغد، طلب مني سيدي علي بعض الوثائق من أجل إنجاز بطاقة الصحافة المهنية التي كانت من اختصاص وزارة الإعلام.
للإشارة، فإن سنة 1988، ستشهد عدة قرارات إيجابية بالنسبة للصحافة منها مجانية التنقل عبر القطار للصحافيين في جميع الاتجاهات وأنواع القطارات. إضافة إلى تخفيض 50% في حافلات الستيام و المبيت في الفنادق المصنفة.
بعد أيام، سأحصل على البطاقة المهنية التي تمنحني التنقل المجاني عبر جميع القطارات.  فماذا أعمل بالبطاقة التي اقتنيت ومازالت صالحة لمدة ثمانية أشهر؟ اتصلت بالصديق بوبكر بعيد فوجدت أنه بحاجة إليها. لم أهدها له ولكن قلت: له أي مبلغ مقبول منك وعلى فترات. نزع بوبكر صورتي من البطاقة ووضع صورته وتنقل بها لمدة ثمانية أشهر.
صار بإمكاني التنقل عبر القطار الذي سيشتهر بعويطة. من محطة الدار البيضاء الميناء أستقل القطار على الساعة الواحدة والنصف زوالا وأعود في قطار السابعة مساء لأنزل بمحطة عين السبع  بعد 45 دقيقة، أي أسهل من العودة إلى البرنوصي من وسط مدينة الدار البيضاء.
حصولي على بطاقة الصحافة سيفتح لي أفقا آخر وهو تشجيعي على التنقل إلى مدينة تطوان وبالضبط الفنيدق، لأمارس التجارة فأنا أظل إبن أسرة تشتغل في التجارة على بساطتها.
هكذا سأعفي الوالدة رحمها الله التي كانت تجلب بعض السلع من الشمال خاصة الأثواب النسائية  من "كاستييخو". كنت أحضر لها ما تريد وأنا أقتني بعض الملابس الرجالية الخفيفة والساعات اليدوية والأغطية. كانت الأثمان بنصف قيمتها بمدينة الدار البيضاء.
بات الأمر عندي متعة حقيقية: أذهب إلى طنجة يوم السبت من محطة الدار البيضاء الميناء عبر قطار السابعة صباحا لأصل إلى طنجة على الساعة الواحدة،  وأتوجه إلى تطوان عبر طاكسي ثم طاكسي ثان إلى الفنيدق. أتناول الغداء وأقتني ما أريد ثم أعود في المساء من طنجة عبر قطار الساعة الحادية ليلا أو عبر حافة الساتيام في نفس التوقيت تقريبا. 
كان هناك خيار آخر وهو اقتناء تذكرة بمبلغ بسيط جدا؛ لحافلة تابعة للمكتب الوطني للسكك الحديدية تنقل المسافرين من محطة إثنين اليماني إلى تطوان، والعودة منها إلى الدار البيضاء.
عرف جميع الأصدقاء بمدينة الرباط ب"نشاطي التجاري"، فصرت أتلقى الطلبيات وأحضرها للمقهى لتزويعها عليهم مع تسجيل الديون إلى آخر الشهر. حينها كنت أربح ما يفوق أجرتي التي كنت أحتفظ بها، مع تقديم المساعدة طبعا للعائلة.
الاشتغال في التجارة بالموازاة مع الالتزام المهني، والنشر في جريدة "بيان اليوم" دفعني إلى توسيع النشاط. بدأت في بيع النظارات الطبية بتعاون مع أحد الأصدقاء كان يجلبها من فرنسا، وساعات يدوية من نوع Reswatch، كنت أشتريها من محل أمام سينما ريالطو، وأستقل مباشرة القطار من محطة الميناء في اتجاه الرباط. كنت أربح في الساعة الواحدة ما لا يقل عن مائة درهم.
كانت لي تجربة أخرى في بيع الأقمصة الرجالية (قوامج). كنت أقتنيها من شركة إيدو كونفكسيون idou confection بالحي الصناعي بالبرنوصي بثمن 50 وأبيعها للأصدقاء بالرباط ب 80 درهم. وهنا لا بد أن أحكي طريفة وقعت لي بالقسم الرياضي بالإذاعة الوطنية. كنت أستعرض 10 أنواع من القوامج على أصدقاء الدراسة الذين اشتغلوا بالإذاعة أو التلفزة: أتذكر عبد اللطيف لمبرع، رشيد جامي، سعيد بوزيام المرحوم محمد تميمي..
كانت الأقمصة موضوعة على المكتب فدخل المرحوم محمد العزاوي الذي كان يشغل رئيس القسم الرياضي بالإذاعة. 
لم يكن يعرفني، فقال لي: جي نهار الإثنين سيكون جميع الصحافيين بالقسم باش تبيع مزيان 
ابتسمت وشكرته وفسرت له أنني صديق الدراسة بمعهد الصحافة للأصدقاء الحاضرين 
ابتسم هو الآخر وشجعني على هذا الاجتهاد. للإشارة هو أيضا خريج المعهد قبلنا بخمس سنوات..
في تلك الفترة، ستنتهي فترة الخدمة المدنية (سنتان) ليتم إدماجنا جميعا في السلم العاشر بصفة رئيس رئيس ركن chef de rubrique لأننا كنا نعتبر أطرا صحافية بالوزارة. طبعا مع وقف التنفيذ.
هكذا سيرتفع الأجر الشهر الى حوالي 3400 درهم.. 
سيتم تعيين صديقي بلالي في مصلحة بملحقة أكدال فيما سأسعد بخريجين وخريجات سيلتحقون بي بالمصلحة. أتذكر منهم/ ن فاطمة رمرام وعبد الله الشخص وابراهيم وعليليس وفؤاد السويبة وأخرين..
 
يتبع..