في كون الحكم مؤقتا وفي سياقه القانوني
أثار الحكم الصادر قبل أيام قليلة عن المحكمة الإدارية بوجدة بوقف تنفيذ قرار جامعة وجدة بشأن فرض مساهمة مالية على طلبة الدكتوراه الموظفين نقاشًا واسعًا، وبالمثل أثارت تدوينتي على الفايسبوك تعقيبا على الحكم المذكور ردودًا وتعليقات متعددة على صفحتي. ومن المهم التوضيح أن هذا الحكم لا يمثل إلغاءً للقرار الجامعي أو حكمًا في جوهر النزاع، بل هو إجراء احترازي مؤقت يهدف إلى تجميد التنفيذ لحين دراسة الملف بعمق. في القانون والقضاء الإداري المغربي، الأحكام المؤقتة بإيقاف التنفيذ تُعتبر أداة لحماية الأطراف من ضرر محتمل يصعب تداركه، وهي لا تمنح وزناً قانونياً نهائياً للمآخذ المطروحة. ومع ذلك، فإن هذا الإيقاف يشير ضمنيا إلى اعتبار المحكمة هذه المآخذ "جدية" وهو ما يبرر أهمية النقاش حول الموضوع بأبعاده ليس فقط القانونية بل وكذلك التدبيرية والاستراتيجية. كلها عوامل وعلامات تؤشر إلى أن الملف يستحق دراسة دقيقة، قبل أن يصدر الحكم البات في جوهر القرار الجامعي، وتقرير مدى مشروعيته.
في مبدأ مجانية التعليم ومشروعية التمييز المبرر
أبرز ما أثار الجدل هو مسألة المساس بمبدأ مجانية التعليم. (راجع مقالنا: "دفع تكاليف تضامنية لا يهدد مجانية التعليم العالي") فالقانون رقم 01.00 المنظم للجامعات الجاري به العمل، يضمن المجانية في الصيغة النظامية، وهو ما يستفيد منه الطلبة النظاميون. أما صيغة "الوقت المُيسر" المخصصة للطلبة الموظفين طبقا لقرار جامعي صادر بصفة مشروعة عن المجالس الجامعية فهي ليست شرعنة لرسوم دراسية frais de scolarité بالمعنى التقليدي، بل هي مساهمات مقابل خدمات إضافية مؤداة contributions services rendus تتطلب تعبئة موارد بشرية ومادية خارج الأوقات الرسمية. هذا التمييز بين الطلبة النظاميين والموظفين ليس تعسفياً، بل مشروع ومبرر لأنه يستند إلى اختلاف موضوعي في الوضعيات: الموظف لا يمكنه الالتزام بالجدول النظامي بسبب ارتباطاته المهنية، ومن ثم يحتاج إلى صيغة مرنة. إلزام الموظفين بهذه الصيغة ليس تقييدًا غير مبرر، بل إجراء تنظيمي عقلاني يضمن انتظام الدراسة ويمنع ازدواجية الحضور، ويعكس صلاحيات الجامعات في تنويع المسارات الدراسية بما يتوافق مع حاجيات المجتمع والطلبة، عموم الطلبة.
في مراعاة المصلحة العامة والسياق الوطني والدولي
المساهمة المالية المفروضة على الطلبة الموظفين تساهم في تغطية التكاليف الإضافية وضمان استدامة الموارد الضرورية للحفاظ على جودة التكوين والبحث العلمي. تعطيل هذه الصيغة يؤدي إلى اضطراب البرامج الأكاديمية ويضر بمبدأ استمرارية المرفق العام الذي أكدته الاجتهادات القضائية المغربية مرارًا. على الصعيد الوطني، الإصلاحات منذ ميثاق التربية والتكوين 1999 ودستور 2011 تؤكد ضرورة تنويع المسارات وضمان الجودة واستدامة الموارد، وهو ما ينسجم مع صيغة "الوقت المُيسر". وعلى المستوى الدولي، تعتمد الجامعات الأوروبية والأمريكية برامج مرنة للطلبة الموظفين في الدراسات العليا، مع مساهمات مالية محددة مقابل خدمات إضافية، ضمن إطار شفاف ومرن يعكس أفضل الممارسات في الحكامة الجامعية.
في كون الحل ليس قضائيًا بل إداريًا وتفاوضيًا
رغم أهمية الحكم المؤقت وما أثاره من نقاش، فإن الحل الحقيقي لهذا النزاع لا يكمن في القضاء، بل في الإدارة والحوار والتفاوض. القضاء سيبت في المشروعية، لكنه لا يعالج بالضرورة الجوانب التنظيمية والاجتماعية التي تهم الجامعة والطلبة. لذلك، من الضروري اعتماد مقاربة تدبيرية وتوافقية تقوم على:
فتح قنوات الحوار بين إدارة الجامعة وممثلي الطلبة الموظفين لإيجاد صيغة تراعي خصوصياتهم المهنية مع التوضيح أن القرار بفرض مساهمات مالية تضامنية لا ينطوي على المساس بمبدأ المجانية.
إعادة صياغة القرار الإداري بشكل أوضح يميز بين الرسوم الدراسية المحظورة قانونًا وبين المساهمات المالية المحدودة مقابل خدمات إضافية مؤداة.
اعتماد الشفافية والتواصل بخصوص التكاليف التي تتطلبها صيغة "الوقت المُيسر".
إيجاد حلول بديلة مثل دعم الدولة أو الشركاء الاجتماعيين بجزء من التكلفة لتخفيف العبء المالي على الطلبة الموظفين ذوي الدخل المحدود والتكاليف الاجتماعية الثقيلة. كما يمكن اعتماد تسهيلات الأداء على أقساط متعددة.
إرساء آلية تفاوضية دائمة داخل الجامعة لمعالجة مثل هذه القضايا تحول دون وصولها إلى القضاء.
ختاما وتنويرا للرأي العام
الحكم المؤقت الصادر عن المحكمة الإدارية بوجدة لا يمس بمشروعية القرار الجامعي، بل يعكس فقط جدية المآخذ المطروحة في انتظار البت في الجوهر.
لقد كتبت هذا المقال تنويرا للرأي العام، بعد ما أثارته تدوينتي على الفايسبوك من نقاش واسع، مؤكداً أن الحل ليس قضائيًا بحتًا، بل تدبيريا وتفاوضيًا يقوم على الحوار والشفافية والتوافق. ومن ثم، فإن الدعوة موجهة للمحكمة عند دراسة الملف في الجوهر وهي تسعى لتكوين قناعتها اليقينية إلى مراعاة هذه الاعتبارات القانونية والتنظيمية والتدبيرية. كما أن نفس الدعوة موجهة للجامعة والطلبة معًا إلى بناء صيغة عملية تضمن العدالة، وتحافظ على مجانية التعليم النظامي، وتوفر في الوقت نفسه خدمات إضافية للموظفين الباحثين بشكل منظم ومستدام. وذلك بشكل يراعي مصلحة جميع الأطراف وعلى رأسها المصلحة العليا للمرفق العمومي الجامعي.