Wednesday 26 November 2025
كتاب الرأي

حرمة الله داهي: كفى عبثًا… لقد انتهى زمن الصمت

حرمة الله داهي: كفى عبثًا… لقد انتهى زمن الصمت حرمة الله داهي
كنتُ في رحلة نقاهة للنفس والذات إلى البادية، أهرب بها من متاعب لا تنتهي في مدينة الداخلة. وفي صباح اليوم الثاني من الرحلة، قصدتُ وديات لعصل غرب من  اغريد الذيبة لتحضير وجبة الإفطار وسط أجواء هادئة وجميلة، يرافقها نسيم عليل من الكبلية الشركية، يحمل معه قطرات خفيفة كأنها من عطر الياسمين، وكأن رحمة الله تتنزل عليا ترحبا بالمكان و الزمان في نفس الوقت.

وبينما أنا منشغل في إعداد الشاي، توقّفت سيارة متهالكة في مظهرها الخارجي، تعلوها أشياء لم أتبينها، وفوقها جديّان مكبّلان على ذلك الدّبش كما هو حال أهل البادية. نزل منها رجل، وفي الوهلة الأولى خُيّل إليّ أنّه أحد شيوخ الصحراء الذين اعتادوا حياة البادية. وقفتُ للترحيب به كما هي عادتنا نحن أهل الصحراء في استقبال الضيف، خصوصًا اذا كان الضيف من الكبار في السن.

لكن تبيّن لي أنه شاب من أبناء الداخلة، من أهل الأصل والأصول. تبادلنا السلام طويلًا، وبعد أن شرب كأس الشاي الأول، بدأ يرتّل كلمات لم أفهم مقصدها في البداية، لكن نبرة صوته دفعتني إلى الإصغاء جيدًا، فقد لمستُ فيها ألمًا دفينًا وامتعاضًا واضحًا.

كان يتساءل بمرارة: لماذا يتم إقصاؤنا من خيرات أرضٍ دافع عنها آباؤنا وأجدادنا؟ أرضٌ نملكها نحن… ولا يملكها غيرنا.

أعاد هذه الكلمات مراتٍ عديدة، وقد بدا على وجهه الشاب ما فعله الزمن من مصاعب وصدمات: تجاعيد مبكرة، جلد منكمش، نظرة ثاقبة كنظرة شيخ سبعيني، وجبهة تحمل آثار السنين. ملامحه لم تعد ملامح شاب؛ بل ملامح من أرهقته الحياة في أرضه حتى صار غريبًا فيها، كأنّه لا ينتمي إليها.

واصل الشاب حديثه وهو ينفث حرقة السنين:
“ماذا نحن فاعلون؟ خربوا الثروة الطبيعية… خربوا تضاريس الأرض… خربوا شباب هذا الوطن. اشتكينا لرب العزة بكلمات لا نملك غيرها: حسبنا الله ونعم الوكيل. “
وبعد أن انتهى من كلامه، سألته:
– ما المشكلة بالضبط؟
فأجاب بصوت ممتلئ غضبًا:
“المشكلة أنتم… أنتم  انتم الخراب. أنتم من خرب البيوت، وأفسد الشباب بالمخدرات والفساد، وفكك الأسر، وباع المجتمع مقابل المال العام الذي ارتعيتم به على حساب معاناة الصحراويين. نحن الشباب اليوم لم يعد لنا أمل معكم؛ فقدنا كل شيء… فقدنا شبابنا، أحلامنا، إحساسنا بالوطن والوطنية.”

وأضاف بصوت ممزوج بالقهر:
“اليوم نحن تائهون بين حرارة الشمس ورياح الصحراء القاسية. لم يتبقَّ لنا شيء. ابتلعتم كل شيء في داخلنا؛ شبابنا، أحلامنا، طموحاتنا، وحبّنا للوطن… كما يبتلع السراب الحلم قبل أن يلد الغيث.”

وختم كلامه بقول موجع:
“المنتخبون هم السبب في كل ما يحدث لنا. أتمنى أن توصل رسالتي إلى مجالسكم التي فارغت من احترامها.”
بعد هذا الحديث الطويل، أحسست بشيء من الخجل. ابتسمت ابتسامة خفيفة وقلت له:
“نعم، كل ما قلته صحيح. سأرفع رسالتك إلى أحبّتي وأصدقائي في مجلسي الأزرق، لعلها تصل إلى من يهمه الأمر. فأنا شخصيًا لا أملك كلمة في المجلس الذي أنتمي إليه، ولا في الحزب الذي أنتمي إليه، لكن في عالمي الأزرق يحترمونني ويقدّرون حضوري.”

ثم أضفت بخالص الصدق:
“أنا متضامن معكم… مرة ومرتين وثلاثًا. فأنتم تعبّرون عن صوت كل شباب جهة الداخلة وادي الذهب، بل وكل شباب الأقاليم الجنوبية.
 
 
                                    حرمة الله داهي /فاعل سياسي بالداخلة