Saturday 18 October 2025
Advertisement
جالية

أريري: كيف غيرت غنائم الأولمبياد وجه روما؟

أريري: كيف غيرت غنائم الأولمبياد وجه روما؟ عبد الرحيم أريري في المحطة الثالثة بمطار روما
يبقى التعريف الذي نحتثه الباحثة" فابيولا فراتيني" Fabiola Fratini، حول مدينة روما، من أحسن التعاريف التي قدمت كتوصيف لمورفولوجية العاصمة الإيطالية. "فابيولا" ( أستاذة الهندسة والتعمير بجامعة روما)، لخصت ميتروبول روما في كونها مجرد "أرخبيل حضري" Archipel d'iles urbaines، بالنظر إلى أن المميزات الطوبوغرافية لميتربول روما، أفرزت بلديات وأقطابا حضرية مجزئة متباعدة عن بعضها البعض، على شكل "مدن فلكية" تدور حول نواة بلدية روما، يفصل بين هاته الأقطاب نهر أو مستنقعات أو أراضي زراعية شاسعة، مما كان يشكل أحد العوائق الكبرى لتجميع هذا "الشتات الحضري" المحيط بمدينة روما، وبالتالي كان يحول دون أن تحصل ميتروبول روما على السرعة القياسية لتنافس الميتروبولات الأوربية الأخرى.
 
لكن في عام 1960، ستحدث القفزة، بل الوثبة التنموية الكبرى ليس في روما وحدها بل في مجموع إيطاليا. إذ في عام 1960 ستحتضن روما الألعاب الاولمبية، وهو الحدث الرياضي الذي حولته إيطاليا إلى محفز لتلحيم "أرخبيل روما"، بشكل قاد إلى خلق مضخة اقتصادية للثروة الوطنية.
 
كيف ذلك؟
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، خرجت إيطاليا جريحة ومنهكة. وعلى عكس دول أوربا الغربية، لم تنعم إيطاليا بمخصصات مالية كبرى ضمن "مخطط مارشال" لإعادة إعمار أوربا، بشكل حال دون تمكين إيطاليا من موارد مالية لتمويل بناء مطار كبير يفتح روما على باقي دول العالم.
 
مدينة روما بعد الحرب العالمية الثانية، كانت خارج رادار الملاحة الجوية الدولية، وبالتالي خارج شبكة تدفقات السياح والمستثمرين، لأنها لم تكن تتوفر سوى على مطار صغير وكئيب، هو مطار Ciampino. هذا الأخير كان في الأصل بنية مطارية عسكرية بنيت عام 1916 ( في أوج الحرب العالمية الأولى)، ولم يعد يستجيب لمواصفات الملاحة الدولية لكونه كان عاجزا عن استقبال طائرات كبرى أو أعدادا كبرى من المسافرين.
 
ولما أرادت إيطاليا عام 1947بناء مطار عصري كبير بروما ليكون بوابة البلد نحو العالم، وجدت إيطاليا نفسها مكبلة بتداعيات الانكماش الاقتصادي، فصرفت النظر عن موضوع بناء المطار.
 
لكن بتاريخ15 يونيو 1955، وقع التحول الذي سيغير وجه روما ووجه إيطاليا على حد سواء. ففي ذاك اليوم ستمنح الدورة 50 للجنة الأولمبية (المنعقدة بباريس) شرف احتضان الألعاب الاولمبية 1960 لمدينة روما. مما شكل فرصة ذهبية لإيطاليا لتحويل هذا الحدث الرياضي الكوني إلى محفز لإعادة تأهيل المدينة وبناء مركبات رياضية كبرى وفنادق وطرق وقناطر وتأهيل الأحياء السكنية المتآكلة.
 
في هذا السياق تم إحياء ورش بناء المطار الجديد بروما، فسارعت إيطاليا بالتنقيب عن موقع مناسب لمطار يكون رافعة لجر التراب الإيطالي للأعلى.
وبعد دراسة ودراسة مضادة، استقر رأي الخبراء على موقع Fiumicino قرب مصب نهر "التيبر" ليكون هو موقع المطار الجديد على مساحة 1500 هكتار( 15 مرة مساحة المطار القديم cimpino).
 
بعد اعتماد التصاميم النهائية عام 1958، أعطي الإذن ببناء مطار روما (أكبر مطار بإيطاليا)، الذي أنجز في زمن قياسي جدا. إذ بعد 21 شهرا من الأشغال افتتح مطار روما يوم 20 غشت 1960، بأربعة مدرجات وبأربع محطات للمسافرين، أي أن الافتتاح تم قبل الانطلاق الرسمي للأولمبياد بأسبوعين.
 
اليوم تنتشي إيطاليا بما غنمته من مطار بفضل الألعاب الأولمبية لعام 1960. فمطار Fiumicino، الذي أطلق عليه اسم الرسام الشهير "ليوناردو دافينتشي"( صاحب لوحتي "الموناليزا" و"العشاء الأخير")، لعب دوا في تجميع أرخبيل روما عبر ربط الأقطاب الحضرية والبلديات المحيطة بروما بالجسور والطرق، ولعب دورا في فتح أقطاب خدماتية وتكنولوجيا أخرى بضواحي روما. وتحول مطار روما من بوابة لإيطاليا إلى أحد أكبر القطاعات التي تخلق مناصب شغل( هناك أزيد من 50.000 ألف شخص يعمل في المطار المذكور)، وأحد أهم الروافد التي تغذي قطاع السياحة بإيطاليا. لدرجة أن روما، التي كانت في عام 1960خارج الرادار الدولي على مستوى الملاحة الجوية، تم في عام 2024 تصنيف مطار روما، ضمن أحسن المطارات في العالم للسنة السابعة على التوالي. كما تم تصنيفه ثامن مطار في أوربا على مستوى حجم المسافرين الذي استعملوه، الذين بلغ حجمهم 50 مليون مسافر عام 2024 ( المطار الأوربي الأول هو "هيثرو" بلندن الذي حقق 84 مليون مسافر).
 
ولضمان ديمومة غنيمة الألعاب الأولمبية، قررت إيطاليا مؤخرا ضخ أكبر غلاف مالي في مطار "ليوناردو دافينتشي"، بغلاف 12 مليار أورو بحلول 2037، لتوسيع المطار وإضافة مدرج خامس ومحطة خامسة وأبراج مراقبة ورقمنة كل خدمات المطار، لتبقى روما البوابة المشعة لإيطاليا. ثم وهذا هو الأهم ليبقى مطار روما هو القلادة الذهبية التي تزين "الأرخبيل الحضري" للعاصمة الإيطالية.
 
 
ملحوظة للاستئناس:
المغرب، واستعدادا لمونديال 2030، شرع في بناء محطة جديدة بمطار محمد الخامس بقيمة 15 مليار درهم، مما سيمكن من رفع الطاقة الاستيعابية للمطار إلى 35 مليون، مسافر بدل 15 مليون مسافر حاليا.