Tuesday 7 October 2025
فن وثقافة

يوسف المدخر: الوجوه الجديدة في فيلمي "زَّازْ" ليست مغامرة.. بل رؤية فنية

يوسف المدخر: الوجوه الجديدة في فيلمي "زَّازْ" ليست مغامرة.. بل رؤية فنية المخرج يوسف المدخر
بعد الانتهاء من ترتيبات توضيب فيلمه السينمائي الجديد "زاز"، الذي يجمع بين الكوميديا السوداء والتشويق البوليسي، التقينا المخرج يوسف المدخر للحديث عن خبايا التجربة وعن رهاناته الفنية والجمالية في هذا العمل الذي يقتحم عوالم الشهرة الرقمية ومفارقاتها.
 
يحكي الفيلم قصة "زاز" وزوجته "حليمة"، إذ يصوّر رحلة رجل بسيط يحقق شهرة غير متوقعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ليدخل بعدها في صراعات مع أقرب الناس إليه، قبل أن يجد نفسه متورطًا مع أفراد عصابة إجرامية.
 
في هذا الحوار، يكشف المخرج يوسف المدخر عن فلسفته في الإخراج، وعن خياره في إسناد دوري البطولة إلى وجهين فنيين من خارج الصف الأول، كما يتحدث عن العلاقة الإبداعية التي جمعته بالسيناريست رشيد صفـَر وبطل الفيلم عبدو الشامي.
 
في البداية، كيف استقبلت فكرة الفيلم لأول مرة ؟.
جذبتني فكرة الفيلم منذ القراءة الأولى لأنها تجمع بين البساطة والعمق. "زاز" بالنسبة لي ليس مجرد قصة عن الشهرة الرقمية، بل حكاية عن التحوّل الإنساني حين يلتقي الصدق بالصدفة. ما شدّني هو الطابع الإنساني للقصة، وأيضًا أسلوب الكتابة الكوميدية الساخرة، لذلك تعاملت مع المشروع كعمل درامي اجتماعي في قالب ساخر، وليس كفيلم كوميدي خفيف. أعجبتني أيضًا المقاربة التي قدمها عبدو الشامي ورشيد صفر في كتابة السيناريو، فهي لا تكتفي بالسخرية بل تفكّك الظاهرة وتحللها بصريًا، وتعتمد على أحداث متوالية ومتوازية، قوية ومؤثرة ومتناغمة.
 
 
كيف كانت علاقتك بالمؤلفين رشيد صفـَر وعبدو الشامي خلال مراحل المناقشة والإعداد والتصوير؟.
كانت علاقة احترام متبادل وفهم مشترك للغة السينما. رشيد صفـَر ليس فقط سيناريستًا بل هو أيضًا إعلامي وابن المسرح كممثل ومؤلف، وحضر معي في مهمة الكوتش الفني خلال التصوير. وعبدو الشامي هو خريج المعهد ومسرحي وسيناريست، وممثل في عدة أعمال مغربية ودولية، وكان في مرحلة التصوير منسجمًا مع الرؤية الإخراجية. لم أواجه صعوبات في التعامل معه ضمن التوجيهات التقنية والفنية، سواء وراء أو أمام الكاميرا، فهو ممثل محترف ومتمكّن من أدوات التشخيص.
 
ناقشنا كثيرا البنية الدرامية والإيقاع، وتشاركنا في فهم الشخصيات من زوايا مختلفة داخل النص، وأيضا في البعد البصري للصورة. رشيد وعبدو يتميزان بالموهبة والجدية، لذلك خرج الفيلم بنتيجة متماسكة، لأن الخلفية الفكرية والنية الفنية كانت واحدة : التعاون على تقديم فيلم جديد وعمل سينمائي متكامل وممتع.
 
 
لاحظنا أن الفيلم لا يعتمد على نجوم الصف الأول في دوري شخصيتي "زاز" وزوجته "حليمة". لماذا هذا الاختيار ؟.
بصراحة، لم أكن أبحث عن أسماء معروفة بشكل كبير لدى الجمهور، بقدر ما كنت أبحث عن بطلين تصدقهما الكاميرا والجمهور ويمنحان المصداقية للشخصيات والحالات والمواقف.
 
الشهرة ليست شرطا للتمثيل الجيد. عبدو الشامي في دور "زاز" وسارة دحاني في دور "حليمة" قدما أداءً صادقا ومقنعا، وأكيد سيكتشف الجمهور هذا الأمر، لأنهما تقمصا الشخصيتين الرئيسيتين للفيلم بعيدا عن النمطية، دون تكرار أشكال أو أنماط مألوفة لدى الجمهور. ما ركزت عليه في الرؤية الإخراجية هو أن يكون أداءهما دون تصنّع أو رغبة في الظهور. أردت أن يشعر الجمهور أن "زاز" و"حليمة" يعيشان بيننا في الواقع، لا على الشاشة فقط.
كما أن الفيلم نفسه ينتقد منطق الشهرة السريعة، فكان اختيار ممثلين بعيدين عن الأضواء متوافقا مع الفكرة وأسلوب الإخراج.
 
 
وماذا عن باقي الأدوار في الفيلم؟ هل تم الاعتماد أيضا على وجوه غير مشهورة ؟.
الفيلم يضم وجوها فنية معروفة وذات تجربة مهمة ونجوما، مثل عبد اللطيف شوقي في دور عميد الشرطة "الغوتي"، وزكرياء عاطفي الذي أضفى بذكائه الفني طاقة مميزة على المشاهد، وإبراهيم خاي في دور نائب برلماني، وجواد السايح في دور كوميدي مهم، إلى جانب عباس كاميل ولبنى شكلاط ومهدي تكيطو وكريم سعيدي وسحر المعطاوي، ووجوه جديدة مثل سفيان سميع ولبنى ماهر، وأيضا فنانين شباب معروفين عند الجمهور مثل زياد الفاضلي ومريم زبير وأيوب حكيم.
 
هذا التوازن بين الوجوه الجديدة والمخضرمة خلق انسجامًا دراميًا وإنسانيًا أغنى الفيلم وجعل مشاهده أكثر صدقية.
 
كيف جعلت الكوميديا تتناغم مع الإيقاع البصري والإخراجي للفيلم بحيث تصبح جزء من السرد، وليس مجرد حوار لفظي كما هو الحال في غالب الأعمال السينمائية الكوميدية ؟.
الرهان البصري كان مزدوجا وهو أن نضحك دون أن نفقد عمق الصورة.
اشتغلت مع مدير التصوير حميدة بلغربي على إضاءة تعكس التناقض بين الضوء والظل، بين ما هو ساخر وما هو مؤلم. في بعض المشاهد، استخدمنا حركة الكاميرا كأداة نفسية تعبّر عن اضطراب الشخصية الرئيسية، خصوصا بعد تحوّل "زاز" من مواطن بسيط إلى "نجم رقمي".
 
أردت أن تكون الكوميديا جزء من الإيقاع البصري، لا مجرد الحوار. كل لقطة يجب أن تقول شيئا حتى في صمتها.
 
الفيلم يتضمن عناصر تشويق بوليسي داخل عمل كوميدي. أليس الجمع بينهما مغامرة؟
على العكس، هي مغامرة محسوبة....أنا مؤمن أن السينما المغربية تحتاج إلى هذا النوع من التهجين الفني: كوميديا تنبع من داخل دراما تلامس الواقع اليومي للناس، وتشويق لا يتخلى عن البعد الإنساني.
 
في "زاز"، يتطور الحدث تدريجيًا من الضحك إلى الغموض، ومن البساطة إلى التوتر، لأن الحياة نفسها ليست ثابتة بل متغيرة.
ما يهمني هو أن يعيش الجمهور التجربة بكل أبعادها: أن يضحك، ويتساءل، وربما يتألم أيضًا.
 
 
ما هي الرسالة التي تريد إيصالها من خلال فيلم "زاز"؟
الرسالة ليست مباشرة، لكنها واضحة: لا تصدّق كل ما تراه على شاشة الهواتف الذكية.
الفيلم يدعو للتفكير في الإنسان خلف الصورة، وفي الثمن الذي يدفعه من أجل الشهرة.
"زاز" ليس مجرد قصة رجل اشتهر صدفة، بل مرآة لمجتمع يبحث عن اعتراف في فضاء رقمي لا يرحم.
 
أردت أن يخرج المشاهد مبتسمًا، لكنه يحمل داخله سؤالًا عن معنى الشهرة والصدق في زمن "البوز".
 
 
متى سيلتقي الجمهور مع هذا العمل في القاعات السينمائية؟
سيكون العرض ما قبل الأول يوم 31 أكتوبر 2025 بقاعة ميغاراما – الدار البيضاء، بحضور طاقم العمل وعدد من الوجوه الفنية والإعلامية، لتنطلق العروض الرسمية ابتداءً من 5 نوفمبر 2025 في مختلف القاعات المغربية.
 
أعتقد أن فيلم "زاز" سيمنح الجمهور متعة مضاعفة، لأنه فيلم هادف وساخر، ويقدّم كوميديا منسجمة مع عصر الانتشار في مواقع التواصل الاجتماعي.