شرحت اللجنة في جزء كامل من تقريرها وبشكل مستفيض شرط ثبوت القصد الجنائي الذي من اللازم توفره في الأفعال المحددة في اتفاقية الإبادة الجماعية مؤسسة تحليلها على ما هو مستقر في القانون الدولي الجنائي من جهة، وعلى اجتهاد محكمة العدل الدولية في قرارها لسنة 2007 (قضية الإبادة الجماعية /البوسنة والهرسك ضد صربيا) من جهة أخرى، التي اعتبرت الإبادة الجماعية جريمة دولية ترتب مسؤولية جنائية فردية لكن الدولة تتحمل أيضا المسؤولية عن ارتكابها إذا ما كانت الأفعال المجرمة منسوبة إليها. وانتقلت اللجنة بعد ذلك، في ضوء شرحها المفصل للعناصر القانونية ذات الصلة، الى تحليل ما إذا كانت الأفعال الأساسية المكونة للإبادة الجماعية التي رصدتها اللجنة قد ارتكبت من قبل الجناة بنية محددة وخاصة لتدمير الفلسطينيين في غزة، كليا أو جزئيا، بصفتهم هذه. وأوضحت اللجنة في هذا الصدد، أن "نية التدمير" لا تعني بالضرورة أن هذا التدمير قد تحقق فعلا. إضافة الى ذلك، وطالما ان القصد أو النية تتعلق بتدمير الجماعة، فإن الأفعال المعنية قد ترتكب ضد المدنيين وغير المدنيين الذين ينتمون لجماعة معينة. وتعتبر هذه الأفعال بمثابة إبادة جماعية بمجرد ثبوت العنصر المعنوي " النية الجنائية" في ارتكابها. وذكرت اللجنة أن محكمة العدل الدولية قد جزمت في أمرها الاستعجالي بتاريخ 26 يناير 2024 أن " الفلسطينيين يعتبرون جماعة متميزة من حيث الهوية الوطنية أو العرقية أو الإثنية أو الدينية، وبالتالي جماعة محمية بموجب المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية " مضيفة ان " الفلسطينيين في قطاع غزة، الذين يزيد عددهم عن مليوني نسمة يشكلون جزءا كبيرا من الجماعة المحمية ".
وبالنظر للتعقيد الذي يطبع مسألة إثبات عنصر "القصد الجنائي" في جريمة الإبادة الجماعية، استرسلت اللجنة في تحليلها المعمق لوسائل إثباته، مستندة على اجتهاد محكمة العدل الدولية المذكور سابقا. ويمكن إجمال تحليلاتها الضافية لهذه المسألة في كون نية الإبادة الجماعية، يمكن إثباتها إما من خلال أدلة مباشرة، مثل التصريحات التي تفيد وجود نية لتدمير الجماعة المحمية بصفتها هذه، كليا أو جزئيا، وأيضا من خلال أدلة ظرفية، تأخذ بالاعتبار مجموع العناصر المتوفرة، كما تستخلص من فحص وتحليل نمط التصرف والسلوك.
وفي هذا الصدد، ترى اللجنة أن العنف الجنسي أو القائم على النوع الاجتماعي مثلا، يمكن أن يعتد به لاستنتاج وجود نية إبادة جماعية، وينطبق نفس الأمر على الأفعال التي تستهدف الأطفال. وشدّدت اللجنة على وجوب تقييم السياق والوضع الواقعي العام من أجل إثبات نية الإبادة الجماعية وليس الاعتماد على حالات فردية ومعزولة، علاوة على أن جميع الأفعال المرتكبة سواء قبل أو اثناء أو بعد حصول فعل الإبادة يجب أخذها بالاعتبار لإثبات توفر عنصر النية والقصد الجنائي للإبادة.
وفيما يتعلق برصد اللجنة لبعض الأفعال والانتهاكات وتحليلها القانوني، قامت بفحص عدد من التصريحات التي أدلى بها بصفة رسمية وعلنية بعض المسؤولين السياسيين والقادة العسكريين والدبلوماسيين الإسرائيليين، وذلك من أجل التأكد من كونها عناصر مناسبة ومهمة ومحتملة لإثبات النية لدى المؤسسات الرسمية لارتكاب انتهاكات للقانون الدولي الإنساني وللقانون الدولي لحقوق الإنسان في غزة. وفي هذا الاتجاه، اعتمدت اللجنة على جملة من التصريحات التي تفصح عن نوايا فرض عقاب جماعي على سكان غزة، وتدمير البنية التحتية ومنع دخول المساعدات الإنسانية. واستندت اللجنة على القواعد القانونية الدولية ذات الصلة التي تحظر ارتكاب هذه الانتهاكات (المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة – المدة 54 من البروتوكول الإضافي الأول – المادة 23 من اتفاقية جنيف الرابعة).
ولاحظت اللجنة أيضا انتشار خطاب سياسي يحرض على الكراهية والعنف من خلال استخدام أوصاف تجرد الفلسطينيين من طبيعتهم الإنسانية (البهائم والحيوانات والوحوش)، ويحرض على الانتقام العشوائي من الفلسطينيين. ويندرج الإدلاء بهذا النوع من التصريحات في نطاق تأجيج خطاب الكراهية والتحريض المباشر والعلني على ارتكاب جريمة دولية بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (المادة 25 / 3 (ه)، وبالخصوص إذا كانت هذه التصريحات سابقة أو متزامنة مع ارتكاب أعمال عنف منهجي. كما أن هذه التصريحات يمكن الاعتماد عليها في التحقيقات المتعلقة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، والاستناد إليها كإثباتات على القصد الجنائي الكامن وراء العمليات العسكرية التي تستهدف المدنيين، فضلا على أنها قرائن قوية لتحميل المسؤولية الجنائية الفردية للشخصيات السياسية والعسكرية التي أدلت بهذه التصريحات، وذلك وفقا للمادة 28 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. وقد حرصت اللجنة -في تحليلها لعنصر النية الجنائية للمسؤولين الإسرائيليين في ارتكاب إبادة جماعية – على التذكير برفض السلطات الإسرائيلية التعاون معها، وامتناعها عن التجاوب مع الطلبات المحددة التي قدمتها لها اللجنة وعدم مدّها بمعلومات وبيانات رسمية، الأمر الذي حدّ من قدرة اللجنة على التحليل المباشر لنوايا السلطات الحكومية.
وقد وثقت اللجنة في تقريرها العديد من التصريحات الصادرة عن المسؤولين الإسرائيليين، مع تخصيص تحليل وتقييم دقيق في سياق المادة الثالثة (ج) من اتفاقية الإبادة الجماعية لتصريحات ثلاثة من المسؤولين في قمة هرم الدولة، رئيس الدولة ورئيس الوزراء ووزير الدفاع. كما دعمت تقييمها بالعديد من التصريحات الأخرى، بعضها يعتبر أشد حدة وعنفا وتطرفا، والتي أدلى بها أعضاء في حكومة إسرائيل أو في المجلس الأمني أو شخصيات دينية وإعلامية إسرائيلية. وقد استنتجت اللجنة من تحليلها لهذه التصريحات، أنها لم تكتف بالسماح لعناصر القوات العسكرية الإسرائيلية بتجاهل التزاماتهم بموجب القانون الدولي الإنساني بشكل متواصل، بل إنها غذّت دوافع هذه القوات للقتل العمدي للفلسطينيين في غزة انتقاما لهجمات 7 أكتوبر 2023، وقوت لدى عناصرها الاقتناع بالإفلات من المحاسبة والعقاب.
وبناء على ما تأكد لدى اللجنة من عناصر موثقة ومتواترة ومتطابقة، خلصت الى أن " التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية " طبقا للمادة الثالثة من اتفاقية 1948، يعتبر فعلا ثابتا في خطب وتصريحات رئيس دولة إسرائيل ( هرتسوغ) ورئيس وزرائها ( نتنياهو) ووزير دفاعها السابق ( غالانت).
ثانيا – الاستنتاجات العامة
انصب تقرير اللجنة الدولية المستقلة للتحقيق على تحليل وتقييم مدى انطباق وصف جريمة الإبادة الجماعية وفقا لاتفاقية د1948، على الأفعال التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة منذ 8 أكتوبر 2023، وكذا تحديد مسؤوليتها عن الفشل في منع الإبادة الجماعية وارتكابها ضد الفلسطينيين، والفشل في معاقبة مرتكبي هذه الجريمة. وقد اقتصر تحليل اللجنة وتقييمها للوقائع والأفعال المنسوبة الى إسرائيل على قطاع غزة بالتحديد، بيد أنها عبرت عن قلق بالغ من كون النية المتعمدة لتدمير الشعب الفلسطيني، كليا أو جزئيا، قد شملت باقي الأراضي الفلسطينية المحتلة (الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية)، وذلك استنادا الى ممارسات السلطات الإسرائيلية وسلوك وتصرفات قوات الأمن في هذه الأراضي، وبالاستناد أيضا الى المرحلة السابقة لهجمات 07 أكتوبر 2023. وحرصت اللجنة على التنبيه الى أن أحداث 07 أكتوبر ليست معزولة ولا يجب فصلها عن سياقها التاريخي، حيث سبقت هذه الأحداث عقود من الاحتلال غير القانوني للأرض الفلسطينية، والقمع والاضطهاد المرتكز على أيديولوجية تهدف إلى طرد الشعب الفلسطيني من أرضه وتهجيره قسرا واستبداله.
وتأسيسا على فحص وتحليل اللجنة للعناصر الواقعية التي استطاعت التوفر عليها والتأكد منها وتحليلها وتقييمها القانوني، خلصت إلى أن ثمة أسباب معقولة تدفع إلى الاعتقاد بأن السلطات الإسرائيلية وقواتها الأمنية قد ارتكبت، ولا زالت تواصل ارتكاب الأفعال المادية المكونة لجريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة وهي: -أ) قتل أعضاء من الجماعة. ب) التسبب في إلحاق ضرر خطير بالسلامة البدنية أو العقلية لأعضاء من الجماعة، ج) تعمد فرض ظروف معيشية على الجماعة تهدف الى تدميرها المادي، كليا أو جزئيا، د) فرض تدابير تهدف الى منع الولادات داخل الجماعة.
وفيما يتعلق بتوفر عنصر التحريض على الإبادة الجماعية، خلصت اللجنة إلى أن الرئيس الإسرائيلي «هرتسوغ"، ورئيس الوزراء «نتنياهو"ووزير الدفاع السابق "غالانت"، قد ثبت ضدهم التحريض على ارتكاب الإبادة الجماعية، كما أن السلطات الإسرائيلية فشلت في اتخاذ إجراءات لمعاقبتهم على هذا التحريض. ولم تُقيّم اللجنة بشكل كامل تصريحات قادة سياسيين وعسكريين إسرائيليين آخرين، بمن فيهم وزير الأمن القومي «بن غفير" ووزير المالية «سموتريتش"، وترى أنه من اللازم تقييم تصريحاتهم أيضًا لتحديد ما إذا كانت تشكل تحريضًا على ارتكاب الإبادة الجماعية.
وفيما يخص ثبوت النية الجنائية (النية المحددة) لجريمة الإبادة الجماعية، خلصت اللجنة إلى أن تصريحات السلطات الإسرائيلية تعد دليلًا مباشرا على وجود نية إبادة جماعية. بالإضافة إلى ذلك، ترى اللجنة أن نمط السلوك يعتبر" دليلًا ظرفيًا" على وجود هذه النية، وأن "نية الإبادة" كانت هي الاستنتاج المعقول الوحيد الذي يمكن استخلاصه من مجمل الأدلة المتوفرة والمتواترة، وبالتالي، خلصت اللجنة إلى أن السلطات الإسرائيلية وقواتها الأمنية ا كانت لديها ولا تزال لديها نية إبادة جماعية لتدمير الفلسطينيين في قطاع غزة كليًا أو جزئيًا.
وأكدت اللجنة أنها أخذت بالاعتبار في خلاصاتها وتوصياتها الإجراءات الجارية حاليًا أمام محكمة العدل الدولية، والتي باشرتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، بشأن أفعال إسرائيل في غزة منذ أكتوبر 2023، وأوضحت في هذا الصدد إدراكها لخطورة موضوع هذه الدعوى وتبعاتها القانونية الجسيمة، وأن محكمة العدل الدولية ستصدر حكمًا نهائيًا في المستقبل بشأن مسؤولية إسرائيل بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية. وبصفتها هيئة تحقيق مستقلة تابعة للأمم المتحدة، ومفوّضة للتحقيق في الجرائم الدولية، ترى اللجنة أنه من المهم أن تُجري أيضًا تقييمًا لمسؤولية إسرائيل بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، وتقديم توصياتها بشأن التزامات إسرائيل والدول الأخرى وفقًا لأحكام الاتفاقية، كما حرصت اللجنة على التوضيح أن تقريرها لا يتناول المسؤولية الجنائية الفردية بموجب نظام روما الأساسي والتي تشملها ولاية المحكمة الجنائية الدولية.
ثالثا – توصيات التقرير
تضمن تقرير اللجنة الدولية للتحقيق ستة عشر (16) توصية ختامية موجهة الى حكومة إسرائيل وإلى كافة الدول الأطراف في اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لسنة 1948، وإلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية. وسوف نعرض عن سرد هذه التوصيات بكاملها مقتصرين- تجنبا للإطالة والتكرار- على تصنيف موجز وتركيبي لأبرزها.
وينبغي الملاحظة بداية أن اللجنة استهدفت بتوصيات تقريرها ثلاثة أطراف أساسية باعتبارهم فاعلين يملكون من الناحية القانونية والواقعية (العملية) الوسائل التي تمكّنهم من وضع حد لارتكاب أفعال الإبادة الجماعية في غزة، ولإعمال وضمان المساءلة واتخاذ تدابير منع تكرار هذه الأفعال. ويتعلق الأمر تحديدا، بحكومة إسرائيل وسلطاتها بصفتها المسؤول الرئيسي عن ارتكاب الأفعال الموصوفة بالإبادة والانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني في غزة. وكافة الدول الأطراف الأخرى في اتفاقية 1948، باعتبارها تتحمل بموجب أحكام هذه الاتفاقية، التزامات ومسؤوليات واضحة في الوقاية من الإبادة الجماعية والمعاقبة على ارتكابها، وعدم المشاركة المحتملة في ارتكابها والتعاون من أجل مساءلة مرتكبيها ومحاكمتهم. والهيئات القضائية الدولية باعتبارها الآليات المختصة لتحديد المسؤولية الجنائية الفردية ومسؤولية الدول ومباشرة المتابعات وتقرير التدابير الزجرية والعقوبات بموجب القانون الدولي.
فعلى مستوى الأهداف ونوع التدابير التي من اللازم اتخاذها، دعت اللجنة الحكومة الإسرائيلية إلى التوقف الفوري عن ارتكاب الإبادة الجماعية للفلسطينيين في غزة، والامتثال الكامل للتدابير المؤقتة التي أمرت محكمة العدل الدولية بتنفيذها في أوامرها الاستعجالية الصادرة في 26 يناير و28 مارس و24 مايو 2024.وأوصتها أيضا بالإعمال الفوري والكامل لوقف إطلاق النار في غزة، ووضع حد لجميع عملياتها العسكرية التي تؤدي إلى ارتكاب أفعال الإبادة في الأرض الفلسطينية المحتلة.
وفيما يتعلق بوصول المساعدات الإنسانية لسكان غزة، دعت اللجنة إسرائيل الى السماح لموظفي الأمم المتحدة ووكالة (الأونروا) والوكالات الإنسانية الدولية الأخرى بالوصول الى الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، والترخيص لهم وعدم عرقلة قيامهم بتنسيق وتوزيع المساعدات الإنسانية، بالإضافة الى التوقف عن سياسة تجويع سكان غزة، و ضمان وصول وتوزيع المساعدات الإنسانية في عدة مراكز في جميع مناطق قطاع غزة، بما في ذلك الغذاء والماء والتجهيزات الطبية والأدوية في إطار عمليات إنسانية واسعة تشرف عليها وتنسقها منظمة الأمم المتحدة. ويشمل الشق الإنساني أيضا، دعوة السلطات الإسرائيلية الى السماح وتيسير وضمان نقل المرضى والجرحى دون عرقلة من غزة نحو دول أخرى من أجل العلاج، والترخيص لفرق الطب الاستعجالي بالدخول دون عراقيل إلى غزة.
وفيما يخص المسؤولية الدولية لإسرائيل، شدّدت اللجنة على ضرورة احترام سلطات هذه الدولة لولاية لجنة التحقيق الدولية، والسماح لها بالدخول دون عراقيل الى إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية من أجل مواصلة تحقيقاتها، كما دعتها إلى إجراء التحقيقات الداخلية اللازمة بشأن ارتكاب الإبادة الجماعية والتحريض على ارتكابها ضد السكان الفلسطينيين في قطاع غزة.
وتركزت توصيات اللجنة التي تستهدف الدول الأطراف في اتفاقية منع الإبادة على دعوة هذه الدول إلى تحمل التزاماتها القانونية بموجب الاتفاقية، ولا سيما منها المتعلقة باتخاذها التدابير التي تستلزمها الوقاية من ارتكاب الإبادة الجماعية للفلسطينيين في غزة. وفي هذا الاتجاه، أوصت اللجنة جميع الدول باستعمال كل الوسائل المتاحة للوقاية من استمرار إسرائيل في ارتكاب الإبادة الجماعية، وذلك بالتوقف عن تصدير الأسلحة والمعدات العسكرية بما فيها وقود الطائرات نحو إسرائيل أو نحو دول أخرى، في حالة وجود أسباب تدعو الى الشك في استعمالها لارتكاب الإبادة الجماعية. ودعت اللجنة هذه الدول أيضا، إلى إجراء التحريات اللازمة للتأكد من أن المقاولات والأشخاص الموجودين في ولايتها الإقليمية لا يشتبه في ضلوعهم في ارتكاب جريمة الإبادة في قطاع غزة، أو في المساعدة والتحريض على ارتكابها، فضلا عن إجراء التحقيق ومتابعة الذين يشتبه في ارتكابهم لأفعال محظورة بموجب القانون الدولي أمام محاكمها الوطنية. كما دعتها الى التعاون الكامل مع التحقيقات التي يباشرها مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.
وفي نطاق الولاية (الاختصاص) التي تضطلع بها لجنة التحقيق الدولية طبقا لقرار إنشائها، تعتبر مؤهلة لتقديم توصياتها بشأن تدابير المساءلة بهدف إنهاء الإفلات من العقاب وإعمال المسؤولية الجنائية الفردية. وبالنظر إلى أن لجنة التحقيق ليست محكمة دولية ولا هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة كما أسلفنا التنبيه الى ذلك، فإن ولايتها تنحصر في العمل والتعاون مع آليات المساءلة القضائية. ويشمل هذا التعاون تقديم المعلومات والأدلة الى المحاكم والهيئات القضائية الدولية والجهوية والوطنية حسب الاقتضاء.
وبالنظر إلى الاختصاص المنوط بالمدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية في إجراء التحقيق بشأن الجرائم الدولية الخطيرة (جرائم الحرب و الجرائم ضد الإنسانية و الإبادة الجماعية طبقا للمادة 6 من نظام روما الأساسي للمحكمة)، وأخذا بالاعتبار إصدار المحكمة لمذكرات اعتقال دولية في حق ثلاثة من القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين بتهم جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية ، وعدم توجيه المحكمة الى غاية اليوم أية تهمة للمسؤولين الإسرائيليين بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في غزة ، واستنادا الى التحقيقات التي أجرتها اللجنة والأدلة التي توصلت اليها بشأن المسؤولية الثابتة لرئيس دولة إسرائيل والوزير الأول ووزير الدفاع في التحريض على ارتكاب الإبادة الجماعية و عدم اتخاذ السلطات الإسرائيلية لأية تدابير للوقاية من ارتكاب الإبادة أو المعاقبة على ارتكابها، قدمت اللجنة توصيتين الى المدعي العام تدعوه فيهما إلى :
النظر في إطار التحقيق الذي يجريه حاليا بشأن" الحالة في دولة فلسطين" في جريمة الإبادة الجماعية، بغية تعديل مذكرات الاعتقال التي أصدرها سابقا، وإضافة هذه الجريمة وإدراجها في مذكرات الاعتقال التي سيصدرها مستقبلا. وأوصته اللجنة أيضا، بفحص مسألة ضلوع المسؤولين الذين وردت أسماؤهم وصفاتهم في تقريرها من أجل إدراجهم ضمن المسؤولين الرئيسيين عن الجرائم الدولية المرتكبة في الأرض الفلسطينية المحتلة.
محمد العمارتي / أستاذ القانون الدولي وحقوق الإنسان بجامعة محمد الأول (سابقا)