يتميز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأريحية وتلقائية كبيرة أثناء خطاباته سواء أمام وسائل الإعلام أو تلك الموجهة لنظرائه من الرؤساء. وأذكر هنا تحليل صديق لي حين قال: إذا رأيت شخصا يتحدث بأريحية كبيرة وتلقائية ويلقي كلمة دون إعداد قبلي فاعلم أنه في قرارة نفسه يستصغر من شأن الحاضرين. هذه الفرضية، رغم بساطتها الظاهرة، تفتح الباب أمام تساؤل أكثر تعقيدا حول أسلوب ترامب الدبلوماسي: هل سلوكه مجرد تعبير عن ازدراء شخصي لقادة العالم، أم أنه جزء من استراتيجية تفاوضية محسوبة؟
تتجلى هذه الاستراتيجية بوضوح في لغة جسده التي تسعى دائما للهيمنة والسيطرة. فقد وصف الخبراء مصافحاته الشهيرة، كتلك التي جمعته بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بأنها وسيلة لتأكيد تفوقه وإظهار للرجولة. هذا السلوك لا يقتصر على المصافحات، بل يمتد إلى مواقف أكثر وضوحا، كما حدث خلال غداء عمل مع قادة أفارقة حين قاطع الرئيس الموريتاني مطالبا إياه بالإيجاز، أو عندما أبدى دهشته من طلاقة الرئيس الليبيري في اللغة الإنجليزية. مثل هذه التصرفات، التي قد ترقى إلى الإهانة وتجسد شعورا بالاستعلاء، هي أفعال محسوبة تهدف لخلق حالة من عدم التكافؤ يفرض من خلالها نفسه كسلطة عليا، مما يمنحه الأفضلية في أي مفاوضات لاحقة.
يمكن فهم هذا النهج الدبلوماسي بشكل أفضل عند ربطه بعقليته التجارية ومنطق الصفقات. فترامب لا يرى العلاقات الدولية كتحالفات مبنية على قيم مشتركة، بل كصفقات تجارية بحتة تقيم بمنطق الربح والخسارة. تجلى ذلك بوضوح في لقاء جمعه بقادة أوروبيين في البيت الأبيض، حيث جلس خلف مكتبه في موقع قوة بينما اصطف القادة أمامه بوجوه متجهمة، في مشهد وصف بأنه أقرب إلى مكتب مدير مدرسة. هذا التصوير البصري يعكس فلسفته السياسية بأن أمريكا هي السيد، وأن الأطراف الأخرى يجب أن تقدم التنازلات. وهو أسلوب أثبت فعاليته في دفع حلفاء الناتو لزيادة إنفاقهم العسكري، لكنه في الوقت ذاته قد ينفر الحلفاء الضروريين لتحقيق المصالح الأمريكية.
ولم تكن المؤسسات الدولية بمنأى عن هذا الأسلوب، حيث كان مقر الأمم المتحدة مسرحا لتجسيد سلوكه حين هاجم المنظمة ووصفها بأنها مجرد كلمات فارغة. بناء على ما سبق، يمكن القول إن ترامب يستصغر بالفعل القادة الذين يراهم ضعفاء أو يتبعون الأعراف الدبلوماسية التقليدية التي يعتبرها عائقا. هذا الاستصغار ليس غاية في حد ذاته، بل هو وسيلة لفرض إرادته وتغيير قواعد اللعبة ليعيد هو بناءها، مستخدما الهيمنة والتهديد باستخدام القوة الفتاكة كأدوات لتحقيق أهدافه السياسية والاقتصادية.