الدراسة التي تم تقديمها يوم الأربعاء 24 شتنبر 2025 بالرباط، كان الأجدر بأن تحمل عنوانا أقرب للواقع، ألا وهو:" مراكز النداء أو عبودية القرن 21 ".
وبالنظر لأهمية هذه الدراسة ارتأت " أنفاس بريس" نشرها كاملة:
1- مهن الأوفشورينغ بين الاقتصاد النيوكولونيالي وغياب الدراسات والهشاشة المهنية
يعتبر تاريخ مراكز النداء بالمغرب حديث نسبيا، إذ يعود إلى أواخر التسعينات من القرن الماضي مع وصول شركات رائدة مثل أتينتو (Atento). ثم انتشر هذا النموذج بسرعة مع مطلع الألفية الثالثة، لا سيما في محور الدار البيضاء – الرباط، وكذلك في مدن رئيسة مثل فاس وطنجة ومراكش وأكادير. وقد ارتبط هذا التوسع، بدايةً بارتفاع معدلات انتشار خدمات الاتصالات، في سياق وطني اتسم بإرادة سياسية تهدف إلى إدماج اقتصاد الأوفشورينغ (الخدمات الموجَّهة إلى الخارج) باعتباره رافعة استراتيجية لمكافحة بطالة الشباب الحاملين للشهادات. غير أن اعتماد هذه السياسة القائمة على نقل الأنشطة الاقتصادية ذات القيمة المضافة المنخفضة تمّ على حساب نهج سياسة صناعية وطنية حقيقية.
انضافت إلى هذه الدينامية المحلية عدة عوامل بنيوية عززت من جاذبية المغرب للشركات الأجنبية: يد عاملة شابة ووجود ساكنة متعددة اللغات ومتعلمة تبحث عن عمل، وتجهيز بعض المدن الكبرى ببنى تحتية تكنولوجية حديثة بفضل استثمارات عمومية موجهة، جاءت عقب سياسة الخوصصة الكبرى التي اعتمدتها أول حكومة انتقالية اشتراكية بقيادة عبد الرحمن اليوسفي (حكومة التناوب التوافقي)؛ إضافة إلى أن تكاليف التشغيل هي أقل بكثير من تلك التي تتطلبها الأسواق الأوروبية؛ وهكذا تمكّن المغرب من ترسيخ مكانته كمنصة تنافسية في مجال المناولة عن بعد والاستعانة بمقدمي الخدمات وجهات الإسناد الخارجية ناسجا شراكات مع العديد من الشركات المتعددة الجنسية، لا سيما الفرنسية والاسبانية منها؛ أي الدول التي اختارت نقل بعض خدماتها ذات القيمة التكنولوجية المحدودة، من أجل التركيز على تحولات اقتصادية جديدة.
طفت هذه الدينامية على السطح في وقت كان فيه المغرب يواجه أزمة اجتماعية كبرى تتعلق بمسألة تشغيل حاملي الشهادات المعطلين، رافقتها تعبئة غير مسبوقة لهؤلاء عقب الانفتاح السياسي للعهد الجديد. فقد التحق العديد من الشباب، بينهم حاملي شهادات الإجازة والماستر بمراكز النداء سعيا وراء وظيفة مؤقتة، ريثما يعيدون توجيه مسارهم الوظيفي أو تمويل استئناف دراساتهم. غير أن هذا الالتحاق الذي كان من المفترض أن يكون انتقاليا عابرا، تحوّل بالنسبة إلى الكثير منهم إلى مسيرة مهنية طويلة الأمد. ورغم ظروف العمل الصعبة فإن فارق الأجور مقارنة بالوظيفة العمومية، بالإضافة إلى قلّة فرص التشغيل للخريجين، قد عززا من هذه المسارات المهنية الطويلة نسبيا في قطاع مراكز النداء.
يدلي أيوب سعود، وهو مسؤول نقابي في الاتحاد المغربي للشغل (UMT) والأمين العام للفيدرالية الوطنية لمراكز النداء ومهن الأوفشورينغ (FNCAMO، بشهادته على هذا السياق الأولي قائلاً:
"وجدت أعداد كبيرة من حاملي الشهادات الجامعية، مثل الإجازة والماجستير، مكانًا لها في هذا القطاع الذي كان يقدّم أجورا تُعتبر حينها مرتفعة إلى حدّ ما ، مقارنة بالوظيفة العمومية،. وهذا ما أدى إلى ارتفاع عدد المستخدمين، وكان هناك أيضًا ما نطلق عليه "الطالب العامل". ساد هذا المسار الذي جعل الكثير من المستخدمين، وأنا منهم على سبيل المثال، وربما أيضًا عدد غير قليل من الحاضرين هنا، يعتقدون بأن الأمر يتعلق بوظيفة مؤقتة لعامين أو ثلاثة فقط، مع فكرة استئناف الدراسة بعد ذلك. لكننا وجدنا أنفسنا في نهاية المطاف قد قضينا مسيرة تمتد 15 أو 16 أو 17 سنة في هذا القطاع."
تشير التقارير الأولية للوكالة الوطنية لتقنين المواصلات (ANRT) إلى وجود خيار سياسي واضح منذ بداية سنوات 2000؛ جعل قطاع الاستعانة بمصادر خارجية (outsourcing) محورًا استراتيجيًا للتنمية الاقتصادية. وفي سباق ترحيل الخدمات نحو أسواق ذات يد عاملة منخفضة التكلفة، سرعان ما فرض المغرب نفسه كفاعل أساس في القارة الإفريقية، متقدّمًا على دول ناشئة أخرى مثل تونس أو السنغال. وقد تمكن البلد من جذب تدفق الاستثمارات من الشركات الأوروبية، خصوصًا الفرنسية، مثل SFR وBouygues Telecom وDell وAtento، الساعية إلى خفض التكاليف.
هذه الاستراتيجية شجّعت على نمو سريع للقطاع، لكن ضمن إطار مؤسساتي مطبوع بنقائص عميقة فيما يتعلق بشروط العمل وكذلك الاستراتيجية الوطنية للتنمية الاقتصادية. رسميًا، يُقدّر عدد العاملين في مراكز النداء بالمغرب بحوالي 100 ألف مستخدم في سنة 2025. غير أنّ المسؤولين النقابيين الذين تمت مقابلتهم يؤكدون أنّ هذا الرقم أقل بكثير من الواقع، إذ يقدّرون أن العدد الحقيقي يتجاوز 150 ألف إذا ما أُخذت بعين الاعتبار الشركات غير المصرّح بها.
في سنة 2020، أقامت الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات بعملية إحصاء 620 مركز اتصال مرخّصًا له رسميًا، لكن منذ ذلك الحين لم يُنشر أي تقرير جديد. وآخر تقرير متاح، وهو تقرير سنة 2019، لم يخصّص للقطاع سوى صفحة واحدة واكتفى بمؤشرات عامة. أمّا الفراغ الحاصل على مستوى الأبحاث والاستطلاعات الذي تركته مؤسسات البحث العمومي والجامعي، فقد بدأت تسده الآن جهات فاعلة من القطاع الخاص: مراكز أبحاث اقتصادية (Think Tanks) تابعة لأرباب العمل، اتحادات قطاعية منضوية تحت لواء الاتحاد العام لمقاولات المغرب (CGEM)، مثل الفيدرالية المغربية لترحيل الخدمات (FMES)، أو حتى بوابات مثل التوظيف والموارد البشرية (Rekrute). تتمحور هذه المنشورات، التي غالباً ما تكون ذات طابع ترويجي، على إبراز ارتفاع مداخيل القطاع (13,5 مليار درهم سنة 2020)، وإحداث 10 آلف منصب شغل سنوياً إلى غاية 2024، إضافةً إلى تنويع الخدمات المُرحّلة (إدارة علاقات الزبائن CRM، تكنولوجيا المعلومات ITO، خدمات الأعمال BPO، خدمات الدعم ESO، خدمات المعرفة KPO).
غير أنّها تتجاهل بشكل منهجي أسئلة أساسية: ما هو معدل دوران المستخدمين والاستقالات عن العمل؟ ما هي ظروف الشغل الفعلية؟ ما هي حصة القطاع غير المهيكل؟ وما هي الآليات القانونية التي تحمي العمال، خاصة في مواجهة انسحاب المستثمرين الأجانب وتغوّل الشركات متعددة الجنسيات؟
من جهتها، لا تدرج المندوبية السامية للتخطيط (HCP) قطاع مراكز النداء في احصاءاتها الرسمية ؛ إذ تصنفه ضمن الفئة الواسعة للقطاع الثالث، مما يحول دون إجراء أي تحليل دقيق. ويندد النقابيون بالغموض الذي يكتنف الأرقام الرسمية باستمرار، محذرين من ظاهرة التصريح الناقص على نطاق واسع بالمؤسسات. ويُقدم المقتطف التالي من حوار مع أيوب سعود، المسؤول النقابي في الاتحاد المغربي للشغل (UMT)، لمحة كاشفة عن ذلك. وقد تمّ هذا الحوار بحضور ممثل نقابي لمركز اتصال غير مصرح به، يحمل اسم Paul & José، مؤكِّداً هذا الواقع، في الوقت ذاته الذي كانت فيه الشركة تمضي قدما في الطرد التعسفي لجميع عمالها.
أيوب: هناك أكثر من 800 مركز اتصال مدرج في إحصائيات الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات (ANRT) ، لكن على سبيل المثال لا الحصر مركز "بول وخوسيه"، لم يكن مُصرَّحًا به أصلا. ومن بين هذه الـ800 مركز،.نتحدث فقط عن المراكز التي حصلت على ترخيص رسمي، في حين توجد مراكز أخرى عديدة تشتغل دون تصريح، أي في إطار غير قانوني. لأنه، للعمل كمركز اتصال – باستخدام خط خاص أو خط عبر بروتوكول الإنترنت (IP) – يستوجب الحصول على ترخيص من الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات.
منتصر: هل هناك أرقام تخص هذا الجزء غير المصرّح به من القطاع؟ لأنني حاولت أن أجد معطيات، لكن دون جدوى…
أيوب: لا، لا توجد أرقام. وعندما أتحدث عن الـ800، فنحن، كفاعلين في القطاع، لا نعرف في الواقع سوى حوالي خمسين منها. أي المراكز الكبرى أو المتوسطة، تلك التي تحترم على الأقل الحد الأدنى تقريبًا من القواعد النقابية – مثل قانون الشغل، والتصريح لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، إلخ. أما البقية، فلا نعرف عنها الكثير. حتى الدولة، من خلال وزارة التشغيل، ليس لديها، إلى اليوم، دراسة أو بيانات دقيقة حول هذه المراكز.
هذا النقص في البيانات الموثوقة يعيق قياس المساهمة الحقيقية لمراكز الاتصال في مجال التوظيف، كما يمنع من فهم المشكلات والقضايا المرتبطة بالقطاع. لاسيما وأن الطموحات المُعلنة لا تتطابق مع الحقائق والواقع الذي يلاحظه الفاعلون على أرض الميدان.
كان من المرتقب لهذا القطاع، وفقا للإحصائيات الرسمية المتعاقبة الصادرة عن وزارتي التشغيل والصناعة، أن يصل بحلول سنة 2025 إلى أكثر من 250 ألف مستخدم. غير أن الواقع يُظهر أننا ما زلنا – في غياب أرقام رسمية – عند حدود 100 ألف فقط. وهو الرقم نفسه الذي استقر عليه القطاع منذ ما يزيد عن عقد من الزمن. يمكن بالتالي الحديث عن حالة من الجمود البنيوي، جمود مردّه إلى مجموعة من العوامل المتداخلة.
منذ مطلع الألفية إلى حدود سنة 2008، أصبح هذا القطاع معروف بقدرته على امتصاص إحدى المعضلات البنيوية التي يشهدها المغرب، وهي العطالة. (…) حاولت الحكومة أن تجد فيه نوعاً من التملص من هذه الاشكالية الاجتماعية. وهكذا، أصبح يستقطب شريحة واسعة من حاملي الشهادات الجامعية، الذين وجدوا أنفسهم، في غياب منافذ مهنية تتناسب مع مؤهلاتهم التعليمية، مضطرين للانخراط فيه. وبالنسبة للدولة، يمكن القول إن هذا الوضع بدا وكأنه يحقق منفعة متبادلة: من جهة القطاع العام الذي خفف من ضغط البطالة، ومن جهة أخرى القطاع الخاص الذي وجد في هذه اليد العاملة المتعلمة والقابلة للتأطير مورداً بشرياً لتشغيله، لاسيما في مجالات تكنولوجيا المعلومات والإعلاميات…
باختصار، فإن هذا الاقتصاد المسمى اقتصاد المنفعة المتبادلة «win-win» والذي كثيرًا ما تم الترويج له في الخطابات الرسمية، يبدو وكأنه بُني على سوء فهم: إذ يُقدَّم هذا القطاع على أنه محرّك للنمو، لكنه يظل في الواقع مرادفًا لعدم التوافق بين الشهادات الجامعية وفرص العمل، وللهشاشة التي يعيشها العمال، وغياب التنظيم، وضعف التمثيل الإحصائي، والنقص الواضح في دراسات معمّقة حول هذا الخزان من الوظائف المأجورة الحضرية التي تقوم بنيتها الأساسية على مبدأ الدوران الوظيفي (التغيّر السريع في العمالة). والأهم من ذلك، أنّ هذا الاقتصاد تطوّر على حساب القطاعات المفصلية للسيادة الاقتصادية والوطنية، أي الصناعة والزراعة.
2. الضغط النفسي، الإرهاق، استهلاك الحشيش والاجازات المرضية: حالات مألوفة من عدم الاستقرار.
تظل ظروف العمل في مراكز النداء غائبة إلى حد كبير عن أعين المؤسسات الحكومية. فعندما تنشر وكالات مثل الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات (ANRT) مؤشرات مرتبطة بالقطاع، فإنها تعتمد في المقام الأول على وجهة نظر إدارات الشركات والمستثمرين. وهكذا، تشير إحدى تقارير الوكالة إلى أن «معدل دوران العمالة قد انخفض (…) إذ بلغ 12٪ بالنسبة للمستشارين الهاتفيين و0,6٪ بالنسبة للمشرفين. ويظل هذا المعدل، حسب مراكز النداء، مرتفعًا ويُسبب تكاليف كبيرة لتعويض المغادرين وتكوين الوافدين الجدد.»
غير أن هذه القراءة الإدارية البحتة، التي تركّز على مخاوف الشركات ومديري الاقتصاديات المُرحّلة إلى بلدان الشمال، تُغفل الأسباب البنيوية لعدم الاستقرار هذا، الذي يكشفه مسحنا الميداني بشكل منهجي: تدهور ظروف العمل، تدني الأجور، الضغط المستمر، غياب آفاق مهنية، والارهاق النفسي.
مع كل موجة من عمليات التسريح أو إعادة الهيكلة، ترتفع أصوات التنديد النقابية، يقودها مناضلون متمرّسون بدعم من الفيدرالية الوطنية لمراكز النداء (FNCAMO) ومن نقابات كالاتحاد المغربي للشغل (UMT)، وأحيانًا تنقلها الصحافة الفرنكوفونية. في المقابل، يظل الإنتاج الأكاديمي ضعيفًا فيما يخص الدراسات الميدانية التي توثق واقع العمال الاجتماعي في هذا القطاع. وتُعد الدراسة التي أنجزها سعد الدين إيغامان وأمل بوصبع سنة 2018 واحدة من الاستثناءات النادرة في هذا المجال.
أُجري البحث على عيّنة من 467 شابًا يشتغلون في مراكز النداء بمناطق الدار البيضاء وفاس- مكناس، وهو يسلط الضوء على ظاهرة مزدوجة: الهشاشة الموضوعية لظروف العمل، وشعور العمال أنفسهم بالهشاشة. وأظهرت المعطيات أن » كلما كان العامل من وسط اجتماعي مهمش، قلّت لديه فرص التشغيل، وتدهورت ظروف عمله أكثر«
ملامح هؤلاء العمال متقاربة: شباب بين 25 و30 سنة، أغلبهم حاصلون على شواهد الإجازة أو الماستر، ينحدرون من أسر متواضعة، بآباء لهم مستوى تعليمي ضعيف، يعملون كعمّال أو عاطلين. دخولهم إلى القطاع تمّ غالبًا بعد فترات من العطالة أو ممارسة أعمال هشة. ويُنظر إلى هذه المهنة باعتبارها مرحلية، قليلة القيمة، ولا توفر آفاقًا للتطور الوظيفي.
كما أبرزت الدراسة أن ظروف العمل الفعلية تتسم بـ:
• ساعات عمل طويلة (44 ساعة أسبوعيا في المتوسط)؛
• أجور غير كافية ( ما بين أربعة آلاف وسبعة آلاف درهم)؛
• ومستوى عالٍ من عدم الرضا.
إذ صرّح أكثر من 80% من الشباب المستجوبين أنهم يرغبون في مغادرة القطاع، بينما يرى أكثر من 60% أن جهودهم لا تُقدَّر ولا تُكافَأ. كما اعتبر ما يقارب نصفهم أن مهامهم »رتيبة، مملة، بل ومهينة أحيانًا. «
وتشير الدراسة أيضًا إلى أن الذين يفكرون في الاستمرار في القطاع غالبًا هم من الشبابً العزّابً، دون مسؤوليات عائلية مباشرة. وهكذا يبدو مركز النداء أشبه بـ«محطة انتظار محبِطة»، وحلًّا مؤقتًا في غياب بدائل أفضل، كاشفًا عن المآزق البنيوية لادماج الشباب الحاصلين على شهادات جامعية في المدن الكبرى بالمغرب.
تظهر هذه الظروف الهشّة للعمل بشكل صارخ في الشهادات التي جُمعت خلال تحقيقنا لسنة 2025. ففي إحدى جلسات النقاش الجماعي التي ركّزت على العمل في مراكز النداء خلال فترة جائحة كوفيد-19، قدّم عدد من المشاركين روايات صادمة:
»لقد طلبت الشركة العالمية الرائدة في مجال مراكز النداء في المغرب، خلال فترة كورونا، من المستخدمين الذين يعملون عن بُعد أن يشتروا ويثبتوا كاميرات ويب حتى تتمكن الإدارة من مراقبتهم. يفرض على المستخدم في صالون بيته، داخل حرمة منزله، تشغيل الكاميرا ليُراقَب. لقد تجاوز الأمر الحدود! لكن هناك ما هو أسوأ: بعض الزملاء الذين كنتُ أساندهم آنذاك ويعملون في مركز نداء، طُلب منهم خلال فترة الحجر أن يظلوا نائمين في مكان عملهم، وأن يحجروا أنفسهم داخل المركز. وطُلب منهم أن يشتروا ويحضروا أسِرّة قابلة للطي... وقد قام هؤلاء العمال بتصوير ما يحدث وأرسلوا إليّ الفيديوهات. نحن أمام أرباب عمل بلا ضمير، ولا تعرف قلوبهم الرحمة. «
أما فيما يخصّ وضع المراكز الجديدة الخاصة بمراقبة المحتوى، فإن الشهادات التي جُمعت لا تقلّ خطورة، بل تكشف عن ممارسات مشابهة، وربما أكثر فداحة:
» هذا يتيح لنا الحديث عن مهنة أخرى في الظل داخل قطاع علاقات الزبائن: ما يُعرف بمراقبي المحتوى (Content Moderators) لدى الشركات الكبرى مثل فيسبوك، ميتا، تيك توك وغيرها. نحن نحصي المئات من هذه المراكز في المغرب، ولا أحد يتحدث عنها ! فهي جزء من مراكز النداء. ففي شركتي Teleperformance وFoundever، على سبيل المثال، يتولّى المستخدمون مهمة مراقبة وفلترة محتوى فيسبوك وتيك توك وسنابشات. يعمل هؤلاء المراقبون والمراقبات في ظروف أكثر قسوة، لأنهم يتعاملون مع محتويات صادمة (Hard Content). يمكن أن تتخيلوا: مشاهد مازوخية، اغتصاب... وكل ذلك دون أي متابعة نفسية. يتم وضعهم في أماكن مغلقة، خوفاً من أن يفقد أحد العاملين أعصابه ويلقي بنفسه من النافذة. إنّها مهنة مجهولة إلى حد كبير . (...) لقد كنّا ندير نشاطاً لشركة مختصة في مراقبة محتوى سنابشات. وكان الموظفون في الطابق الثالث، فقامت الشركة بتغيير مقرّ عملهم وإنزالهم إلى الطابق الأول تحسباً لاحتمال إقدامهم على انتحار. في الواقع، كانت الشركة قد برمجت إطلاق تدفّق من الفيديوهات الحساسة والصعبة: مقاطع تتضمّن تشويهاً للجسد، بل وحتى عمليات قطع للرؤوس. حينها اتصل بي أحد الموظفين طالباً التدخل، لأنهم لم يعودوا قادرين على تحمّل فظاعة المقاطع التي كانوا مطالبين بمراجعتها.
هذه أوضاع هشّة يجري التعتيم عليها في الخطاب الرسمي الذي يقدمه مسيّرو ومُستثمرو مراكز النداء، وكذلك في الحملات الترويجية التي تتكفّل بها الفيدرالية المغربية لترحيل الخدمات (FMES).
في مواجهة خطاب أرباب العمل الذي يستند إلى أرقام تُخفي الحقائق التي يعيشها الأجراء، تتنظم خطابات مضادة، ولا سيما عبر آليات بحثية أُنشئت بمشاركة المعنيين الرئيسيين وممثليهم. وينطبق ذلك بشكل خاص على التقرير الصادر عن مركز الموارد حول الشركات وحقوق الإنسان، الذي أُعدّ انطلاقاً من مساهمات ممثلين نقابيين في تونس (الاتحاد العام التونسي للشغل UGTT ) وفي المغرب (الاتحاد المغربي للشغلUMT)
في المغرب، اعتمد هذا البحث، الذي أُنجز سنة 2020، على أربع مراكز للاتصال: Axa Services Maroc، Teleperformance، Majorel، وWebhelp. ويكشف التقرير عن نظام بيئي يتسم بالغموض، حيث تتفاقم المخاطر البنيوية – الهشاشة، الضغط النفسي، غياب التمثيل النقابي – في أوقات الأزمات.
ويدعو التقرير إلى تعزيز مسؤولية الشركات المتعاقدة الدولية، وزيادة الشفافية، وتفعيل تنظيم نقابي أقوى. وقد حُدد فيه جملة من المخاطر، نعرضها هنا مع مقارنتها بنتائج بحثنا الميداني لسنة 2025. ويمكن تلخيصها على النحو التالي:
المجموعة الأولى من المخاطر تتعلق بتنظيم العمل نفسه، حيث يتميز بساعات عمل غير منتظمة، وغالبًا ما تمتد حتى وقت متأخر من الليل، إضافةً إلى بيئة شديدة الرقابة، تشمل المراقبة المستمرة حتى أثناء فترات الاستراحة في الحمام للضرورة البيولوجية. يضاف إلى ذلك طبيعة المهام الروتينية، والتفاعلات التي قد تتسم أحيانًا بالتوتر مع الزبائن، وفرض استخدام أسماء مستعارة، إلى جانب الضغوط لتحقيق أهداف أداء غالبًا ما تكون غير واقعية – وهي جميعها عوامل تساهم في خلق مناخ من التوتر المزمن. هذه الظروف، التي لا يمكن اعتبارها هامشية أو عرضية، تعكس نمطًا إداريًا ممنهجًا يقوم على تكثيف العمل في قطاع يعتمد في ربحيته على يد عاملة هشّة وسهلة الاستبدال.
في تحقيقنا الخاص، تؤكد العديد من الشهادات هذا الاستنتاج، مثل شهادة أشرف:
بدأت في سن الثانية والعشرين في شركة Webhelp. الدافع كان الراتب، لأنه كان أعلى من راتب الوظيفة العمومية. ومع أنني حاصل على دبلوم من المعهد المتخصص للتكنولوجيا التطبيقية (ISTA)، فقد تخلّيت عن اجتياز المباريات. لكن الأمر مجرد وهم. إنها حلقة مفرغة. غرقت في استهلاك الحشيش مثل آلاف المستخدمين في هذه المراكز. كانت تلك هي الطريقة الوحيدة لتحمّل الضغط وساعات العمل الطويلة. تخيّل: تسع ساعات يومياً على الهاتف لدفع الزبائن إلى الشراء، مستخدماً "نصوصاً تافهة"، ولسنوات عديدة. تسع ساعات في اليوم! هل تريد فعلاً إجراء تحقيق حول العمل في مراكز النداء؟ إذن يجب إجراء بحث حول العلاقة بين تدخين الحشيش وهذا العمل.
السؤال المتعلق بـ استهلاك الحشيش يشكّل موضوعاً متواتراً، وعبارة شائعة، في المقابلات التي أجريناها. فبعد أن طُرح بدايةً بشكل عفوي من قِبَل أوائل المستجوبين، قمنا لاحقاً بإدماجه ضمن شبكة أسئلتنا. وقد أكد جميع المشاركين اللاحقين على هذه المسألة، مبرزين تأثيرها، من خلال ربطها بالضغط المهني، إن استهلاك المخدرات يندرج كآلية لتحمّل وتيرة العمل السريعة وضغوطه وتوتراته.
من بين مظاهر هذا الوضع غير المستقر: الضغط النفسي وتزايد شهادات الغياب الطبية التي تتزايد بشكل كبير وسط العمال. كما أن حالات الارهاق أو الاحتراق المهني (Burn-out) تتفاقم بشكل كبير. فالعامل قد يحصل كل شهر على ما بين شهادتين إلى ثلاث شهادات طبية، إمّا لأنه منهك تمامًا في لحظة معينة، أو لأن الأجر لا يكفيه.
هذا الوضع يولّد أيضًا نوعًا من التبعية؛ إذ أن عددًا كبيرًا من المستخدمين في المراكز يجدون أنفسهم عالقين في فخ إدمان الحشيش. أما التدخين (السجائر) فحدّث ولا حرج!
فالحشيش وغيره من المواد أصبحت وسائل لمحاولة مواجهة الضغط النفسي وتحمّل ظروف العمل، خاصة وأن وتيرة العمل توصف بأنها جهنمية.
أبرز تقرير مركز الموارد حول الشركات وحقوق الإنسان مجموعة ثانية من مواطن الضعف والهشاشة، تتمثل في الهشاشة الشديدة لضمانات أداء الأجر والضمان الاجتماعي، والتي تفاقمت نتيجة غياب التمثيل النقابي الفعّال. فالأجر ظل متدنيا، وغالباً ما ارتبط بمنح غير ثابتة، قابلة للاقتطاع بشكل ملحوظ عند كل غياب أو تأخر أو إطالة في استراحة للضرورة البيولوجية، أو بسبب شكاوى مقدَّمة من طرف الزملاء أو الزبائن أو المشرفين. وتؤدي هذه الوضعية إلى إرغام المشتغلين في مراكز الاتصالات على المحافظة على مستوى أداء ثابت تحت ضغط دائم. كما أن اللجوء إلى الإجازات المرضية غير مرغوب فيه بشكل واضح، بينما لا تتم مكافأة الساعات الإضافية أو يتم التعويض عنها جزئياً، في حين يتقاضى بعض المستخدمين أجورهم نقداً من دون أي تغطية أو حماية اجتماعية.
يترافق فقدان الأمن الاقتصادي هذا مع عرقلةٍ بنيوية للعمل النقابي. ففي المغرب، يستثنى أكثر من 80% من مراكز النداء من أي شكل من أشكال التنظيم التمثيلي، وفقًا لما صرّح به النقابيون الذين جرى الاستماع إليهم. كما تحاصر كل محاولات تأسيس النقابات بشكل منهجي بالقمع المباشر، بما في ذلك الترهيب، والتوقيفات التعسفية، والفصل المتعمد لممثلي الأجراء.
3- أسطورة الترقي الاجتماعي عبر المحو الثقافي
تتسم ظروف العمل في مراكز النداء بالمغرب بثقافة تنظيمية خاصة، نشأت في السنوات الأولى لظهور هذا القطاع، ولا زال يعاد إنتاجها باستمرار في الممارسات التدبيرية الراهنة.. يؤكد المستشارون الهاتفيون الذين تمت مقابلتهم أنّ المستثمرين الأوائل، إلى جانب الدوافع الاقتصادية، سعوا إلى تشكيل فضاء مهني مستقل، منفصل عن النسيج الاجتماعي المحلي وعن مجالات العمل الأخرى. وقد تجسّد ذلك من خلال اعتماد لغة مهنية محدّدة – الفرنسية – وانضباط تنظيمي صارم، فضلاً عن اشتراط قدرة مستمرة على التكيّف مع مجتمع أجنبي، في هذه الحالة المجتمع الفرنسي، الذي يُكلَّف العمال المغاربة بخدمته دون أن تتاح لهم إمكانية الولوج إليه، بسبب القيود المفروضة على التأشيرات التي تجعل التنقل إليه حلما مستحيلاً.
يستهدف هذا النهج الذي يعتمد أنماط رمزية وثقافية جديدة إلى تعديل الهوية الاجتماعية واللغوية للعمال الراغبين في الاندماج في فضاء "الأوفشورينغ". وتبرز المقابلات على سبيل المثال الفجوة المفروضة بين المرجعيات الزمنية المحلية وتلك الخاصة بالبلد الزبون. إذ يصرح المستشارون الهاتفيون الذين قابلناهم على عدم احترام العطلات الرسمية المغربية وتطبيق التقويم الفرنسي على العاملين المرتبطين بالتدفقات القادمة من المشغلين الفرنسيين. وتوضح إحدى العاملات: «حتى أيام العطل الرسمية الفرنسية لا تُحتسب عطلاً بالنسبة إلينا: نحن مضطرون لأخذها كأيام راحة غير مدفوعة الأجر. أما العطل الرسمية المغربية، فلا يُسمح لنا بأخذها وإلا عُوقبنا وفقدنا العلاوة التي تُمكّن من الحصول على راتب لائق » .
إلى جانب ذلك، يُجبر العمال على تعديل طريقة نطقهم، بتحييد لكنتهم لتفادي تمييز زبائن قد يكون بعضهم عنصرياً بشكل صريح، وتعظيم فرص البيع. هذه "الحيادية اللسانية" ترافقها عملية أوسع لمحو الهوية، وصفها المستجوبون بكونها امتداداً لمنطق نيوكولونيالي. خلال السنوات الأولى لتأسيس المراكز، كان يُطلب من الموظفين اعتماد أسماء فرنسية، وإذا كانت لكنتهم اللغوية تكشف هويتهم بشكل واضح، يطلق عليهم أسماء ذات وقع إسباني أو شرق أوروبي، لكونها أكثر قبولاً لدى الزبائن. وغالباً ما تستمر هذه الأسماء المستعارة حتى في العلاقات الداخلية، خارج السياقات التجارية. كما لا تتخذ الشركات أية إجراءات لحماية المستشارين من الخطاب العنصري، على غرار ما قد يحدث في مؤسسات بنكية، حيث يمكن الاكتفاء بإدراج تنبيه للزبائن عند فتح الحساب أو خلال الإجراءات. تقول إحدى المستشارات: « على العكس، المستشار مُلزم بالتحمّل، وألا يقطع الخط أو يعيد ضبط سلوك العميل، وإلا فقد جزءاً من العلاوة. وكل ذلك يتم التنصت إليه وتسجيله من قِبل المدير.».
ويلخص أحد النقابيين، ممن واكبوا نشأة القطاع خلال سنوات 2000، هذه الثقافة المفروضة قائلاً:
« أتذكر مثلاً في مقابلات الولوج، كأننا على وشك الالتحاق بالمكتب الشريف للفوسفاط (OCP)! . كنا في غاية القلق والحرص، من الخضوع لاختبارات سيكولوجية صارمة. فالشخص الذي أصبح لاحقاً رئيس أكبر مركز نداء بالمغرب، أقدم على منع ارتداء الحجاب، فاضطرت بعض العاملات المحجبات أن يضعن شعراً مستعاراً عند دخول مقر العمل. تخيل، أن هذا يحدث في المغرب ! ولم يكن مسموحاً آنذاك باستعمال الأسماء المغربية، بل كان لا بد من اعتماد أسماء فرنسية. وقد لجأت الشركات إلى امتصاص توتر العمال بتنظيم حفلات كبرى كل ستة أشهر، كانت بمثابة "سهرات خمرية مفتوحة ". إنه العقل الاستعماري: إحضار الخمر والموسيقى لـ"السكان الأصليين" حتى يُسكروا إلى حد بعيد، ويعودوا في الغد بشعار: يحيا المدير! وكانت المراكز تحجز فعلاً نوادي ليلية للعمال. واستمرت هذه الممارسة لسنوات. في اليوم التالي، كان ثلث العاملين في عطلة مرضية، وربعهم في المستشفى، والبقية في مركز الشرطة (ضحك). أبالغ قليلاً، لكن هذا كان هو الجو العام... بالنسبة لأرباب العمل، كان ذلك زمن الراحة والازدهار، خصوصاً وأن الأجور لم تكن سيئة، ذلك قبل 2011. بعد 2011، ومع الأزمة في أوروبا والربيع العربي في المغرب، بدأنا نعبّر عن استيائنا ونؤسس نقابات ».
إن هذه الثقافة التنظيمية على الخصوص، هي محاولة متعمدة لفصل المستخدمين عن محيطهم الاجتماعي الأصلي، وتحويلهم إلى قوة عمل مطيعة، منزوعة من سياقها وموجّهة بالكامل نحو تلبية متطلبات الشركات الأوروبية الآمرة. المنطق هنا ليس إدماج العمال المغاربة في المجتمع الأوروبي المستهلك لخدماتهم – وهم في الواقع مستبعدون منه بنيوياً – بل انتزاعهم من جذورهم المحلية، اللغوية والاجتماعية، لإدخالهم في دائرة إنتاجية قائمة على تعظيم المردودية وخفض التكاليف. وهي رؤية مهيمنة تمثل جوهر منطق التعهيد "الأوت سورسينغ"، الذي لا يقوم على الدمج بقدر ما يقوم على التخصيص الوظيفي.
ولضمان انخراط العمال في هذا النموذج، سخّرت شركات الأوفشورينغ عدة آليات مادية ورمزية. فقد شكّل عرض عقد عمل غير محدد المدة (CDI)، في سياق كان يُنظر فيه إلى الوظيفة العمومية باعتبارها الضامن الأبرز للاستقرار الاجتماعي، عامل جذب للشباب المتعلم، المنحدر في كثير من الأحيان من طبقات وسطى موظفة. كما بدت الأجور المعروضة مطلع سنوات 2000 مغرية، إذ تجاوزت غالباً نظيراتها في الوظيفة العمومية، بل كانت أحياناً أفضل من قطاعات "مرموقة" مثل البنوك أو التأمينات. ومع ذلك، كان على الملتحقين الجدد التكيف مع صورة معيارية: منضبطين، شباباً، وديناميكيين. وقد لخصت عبارة «شاب، إطار، ديناميكي»، التي راجت بسخرية بين أوساط الشباب الفرنكوفوني المغربي آنذاك، هذه النمطية المفروضة.
لكن هذا الوعد بالترقي والاستقرار لم يصمد. فقد واجهت مراكز النداء سريعاً معدلات مرتفعة من دوران اليد العاملة، واستقالات مبكرة، وارتفاعاً حاداً في الإجازات المرضية – وهي كلها مؤشرات على إرهاق بنيوي. إن الضغط اليومي الذي يمارسه المشرفون، إلى جانب أهداف أداء غالباً ما تكون غير واقعية، غذّى دينامية من الإحباط وفقدان الحافز.
4.من الأجر المتدني إلى الأداء المفروض: عندما يهضم السباق على العقود حقوق الشغيلة
إلى جانب هذا الشعور بخيبة الأمل لدى المستخدمين، تراجعت الأجور تدريجياً مع تحول القطاع إلى نشاط عادي وفقد هالته الاستثنائية. وقد ساهمت الأزمة التي واجهتها شركات التشغيل الأوروبية، إلى جانب تنويع نسبي للقطاع الثالث الخدماتي في المغرب، في جعل مراكز النداء مجرد جهة توظيف أخرى– هشّة، غير مستقرّة، وغالباً هي محلّ انتقاد.
رافق هذا التحوّل تسييس تدريجي للقطاع. ساهم الاحتجاج والعمل النقابي، المدعوم بتعبئة جماعية، في إضفاء طابع مغربي عليه: سواء عبر كشف الممارسات الداخلية أو من خلال تجذير النضالات في المشهد الاجتماعي المحلي.
وقد كشف تطور الأجور بدوره عن هذه الخيبة. ففي مطلع سنوات الألفين، كانت الرواتب عند التوظيف تتراوح بين 4000 و7000 درهم، أما اليوم فهي لا تتجاوز حدود 3800 درهم صافٍ شهرياً. أيوب سعود ونبيل بنجوة، وهما نقابيان وشاهدان على هذه المسيرة، يقدّمان قراءة نقدية للوضع:
»لقد شهدت مهن مراكز النداء تحوّلاً، لكنه تحوّل نحو الأسفل من حيث الأجور. فقد كان القطاع يوفر بالفعل أجوراً أعلى قبل عشرين سنة مما هو عليه اليوم. في سنة 2000، كان الموظفون يتقاضون ما يصل إلى 7000 أو حتى 8000 درهم عند التوظيف، وهو ما كان يعادل آنذاك راتب السلم 11 في الوظيفة العمومية! كما كان هناك نوع من نظام الترقية الداخلية الذي يتيح للمستشارين الهاتفيين الصعود في السلم المهني والحصول على أجر أعلى. لكن مع مرور الوقت، ولا سيما بعد أزمة 2008، اتجه أرباب العمل – بفعل الأزمة الشهيرة لمشغّلي الاتصالات – نحو خفض الأجور. فشهدنا تراجعاً تدريجياً في الأجر عند التوظيف وتجميداً للزيادات«.
» لقد حصل ركود أعقبه انخفاض في الأجور عند التوظيف: فقبل 15 سنة كان يتراوح بين 4200 و4500 درهم، بحسب ما إذا كان العمل في الخط الساخن أو في خدمة الزبناء. ثم حصل نوع من توحيد الأجور حول 3800 درهم. وكأنّ هناك انكماشاً اقتصادياً في البلاد، بينما الواقع هو عكس ذلك ! «
هذا التدهور في الأجور بدّل طبيعة الفئات المستهدفة بالتوظيف. فبينما كانت المراكز تستقطب في البداية حملة شهادات باك+2 أو إجازة، صارت مع مرور الوقت تستهدف حملة الباكالوريا فقط، مرتكزة أساساً على إتقان اللغات وعلى الاستكانة وغياب أي نزعة احتجاجية، وهما ميزتان وُعِد بهما المستثمرون سواء الأجانب أو المغاربة المنحدرون من الطبقات البرجوازية. وقد عزّز ذلك التوظيف الجماعي – الموازي للاستقالات الواسعة – وخفّض من متطلبات التوظيف، ورفع من وتيرة دوران اليد العاملة (Turnover).
» يبدو لي أن هذا القطاع يسجل أعلى معدلات الدوران المهني في العالم. نحن نقترب من 50%. أي أن الشركة تغيّر عملياً نصف موظفيها خلال سنة واحدة. ما يفرض عليها تدريباً مستمراً – ليس من أجل تطوير الكفاءات، بل فقط لتعويض المستقلين. «
»هذا ما نطالب به ونردده دوماً أمام أرباب العمل. لأنهم، عبر صوت الاتحاد العام لمقاولات المغرب (CGEM)، يروّجون أكذوبة بأنهم "أول مُوفّر للشغل". وهذا غير صحيح. فهم يعتمدون على الأرقام الناتجة عن الدورات التكوينية. نحن نرد بالقول إن الأمر لا يتعلق بخلق فرص شغل، بل بتعويض من يرحل. وحين يزعمون أنهم أوائل الموفّرين نقول: لا، أنتم فقط تستبدلون موظفين بآخرين، ولا تخلقون قيمة مضافة، ولا تضمنون استقرار عمالكم، ولذلك تضطرون دوماً للتوظيف والتدريب. «
هذه الخيبة التدريجية – الناتجة عن انخفاض الأجور، وثبات ظروف العمل تحت ضغط الأداء، والاستهلاك النفسي – تمثل قطيعة في تاريخ هذا القطاع. فالتحقير الأجري لا يحدث من فراغ، بل يعكس تحوّلاً عميقاً في النموذج الاقتصادي لمراكز النداء، التي انتقلت من مرحلة توسع مضبوط إلى منافسة شرسة بين مزودين يتقاسمون بشكل متزايد نفس الزبائن ونفس التدفقات.
في هذا السياق، يصبح "الأداء" المعيار الوحيد للبقاء في السوق. فأي شركة تعجز عن تلبية النتائج المنتظرة تفقد عقدها لصالح منافسين أكثر عدوانية أو أفضل تجهيزاً تكنولوجياً. هذا الضغط، الذي كان شديدا وخانقا أصلاً، تضاعف منذ 2020 حين جاءت جائحة كوفيد-19 لتكون بمثابة كاشف ومسرّع.
يوضح نبيل بنجوة الوضع أثناء الجائحة:
» لقد تعمم العمل عن بُعد في تلك الفترة، ما مكّن بعض الشركات من مضاعفة عدد موظفيها دون توسيع مقراتها: فحيث كان الطابق يستوعب 800 موظف، باتت الإدارة تدير 2000 عامل عن بعد من مواقع متفرقة. هذا التنظيم الجديد، الذي قُدّم على أنه أكثر مرونة، ترافق في الواقع مع تكثيف غير مسبوق للمراقبة عن بعد وعزلة متزايدة للعمال. يمكنك أن تتصور حجم الأرباح المتأتية، أما الأجور فلم تتحرك قيد أنملة.«
كما مسّت تحوّلات أخرى بنية العمل نفسه، إذ شهدنا منذ 2021 إدماجاً واسعاً للذكاء الاصطناعي في سير العمليات. فقد سارعت مجموعات مراكز النداء إلى أتمتة المهام الروتينية واستبدال الإقناع الهاتفي تدريجياً بخدمات رقمية مؤتمتة. وقد ترافق ذلك مع موجة من عمليات الدمج والاستحواذ التي أعادت رسم ملامح القطاع في المغرب، حيث جرى ابتلاع الفاعلين الضعفاء – العاجزين عن الاستثمار في الذكاء الاصطناعي – أو إقصاؤهم.
علاوة على ذلك، كشف المسح الميداني الذي أجريناه عن طبقة أخرى أكثر كثافة من الاستغلال تمس فئة هي أصلا هشّة بفعل الأليات القانونية التي تحرمها من حقوقها، ألا وهي المهاجرون من جنوب الصحراء الكبرى في المغرب. خلال مجموعة التركيز التي نظمناها، قدّم الشيخ دياو (Cheikh Diao)– النقابي والمسؤول السابق في شركة Paul & José – شهادة حول فضيحة الإغلاق العشوائي لمركز نداء أغرق عشرات العمال، بينهم مهاجرون أفارقة، في هشاشة قصوى. شهادته أبرزت كيف يتضاعف العنف الممارس على العمال الأجانب. وقد انضم دياو إلى نقابيي الاتحاد المغربي للشغل (UMT) للتنديد بوضعية المهاجرين غير النظاميين الذين يُجبرون على العمل لساعات أطول، غالباً في نوبات ليلية أو متقطعة، بأجور زهيدة، من دون تسجيل في CNSS ومن دون حقوق اجتماعية.
في ظل هذا المشهد المستجد، بدأ نموذج الاستعانة بمصادر خارجية منخفضة الكلفة – الذي جعل من المغرب واجهةً للأوفشورينغ – يُظهر حدوده. فقد تحولت مراكز النداء إلى فضاء لثنائية التهميش: تهميش "العمال الهشّين التقليديين" المحاصرين بدوامة الدوران المهني والاستنزاف اليومي الصامت، وتهميش "الهشّين الرقميين الجدد" المكلفين بمهام المراقبة والدعم أو الإشراف الخوارزمي، في بيئات تتضافر فيها مراقبة مستمرة، ضغط فقدان الوظيفة، والعزلة.
ما يسرده الفاعلون النقابيون والعمال أنفسهم ليس قصة نجاح في "الاندماج الرقمي" أو "الحداثة المقاولاتية"، بل هو قصة دورة من الاستنزاف والهيمنة، وإعادة تشكيل مستمرة، حيث تصبح الأجساد، والذهنيات، والصحة النفسية للعمال مجرد متغيرات قابلة للتعديل في سوق معولم. قصة يفسح فيها المجال لهيمَنة إدارية وثقافية باردة، تحل محل الوعود السابقة بالأجور المجزية والاستقرار، لتسود آلية صارمة من "الأداء"، والإنهاك النفسي، والتسريح.
5- مساهمة في كتابة تاريخ للعمل النقابي بمراكز النداء في المغرب
5.1. - بدايات الاحتجاجات
لطالما قُدِّمت مراكز النداء في المغرب باعتبارها واجهة عصرية للاقتصاد الثالث المعولم، وقد تطورت في إطار نموذج النيوليبرالية القائم على مبدأ الأوفشورينغ (نقل الأنشطة إلى الخارج) نحو بلدان ما بعد الاستعمار. فالمغرب، بوصفه مستعمرة فرنسية وإسبانية سابقة، مثّل فضاءً جذاباً لأصحاب الطلب بفضل مجموعة من الامتيازات: اللغة المشتركة، القرب الزمني من أوروبا، يد عاملة مؤهلة ومنخفضة الكلفة، وحوكمة في صالح رأس المال العابر للقوميات. هذه الخصائص جعلت منه فضاءً مكمّلاً لاقتصادات الشمال، في سياق تقوم فيه سلاسل القيمة العالمية على تقسيم غير متكافئ للعمل.
غير أنّ هذه الواجهة "المتصلة والتنافسية" أخفت وراءها تفاقم واحتقان صراعات اجتماعية، أفلتت من الخطاب الرسمي حول "جاذبية" التراب الوطني. إذ نشأت من الهامش حركات نقابية صامتة – تم تغييبها إعلامياً – لكنها صلبة، قادها في الغالب عاملون شباب، من حملة الشواهد العليا، ناطقون بالفرنسية، يرفضون الاستمرار في نمط عمل مرهق ومغترب لا يتيح آفاقاً للترقي الاجتماعي.
وقد اصطدمت أولى محاولات التنظيم النقابي بمنظومة مغلقة. فمنذ نهاية التسعينيات، وبفعل "مذكرة الأوفشورينغ" التي أطلقتها حكومة جطو، استفادت شركات القطاع من امتيازات ضريبية واسعة دون التزامات مقابلة في مجال الحقوق الاجتماعية. وقد فرضت هذه الشركات منذ البداية مناخاً من "نزع التسييس": حظر أي وجود نقابي، تأجيل مستمر للانتخابات المهنية المقررة منذ 2004، والتهديد بالفصل لكل صوت مخالف. هذه الفترة يصفها العمال القدامى بأنها "العصر الذهبي لأرباب العمل"، حيث برز بوضوح الإرث الاستعماري المتمثل في تمجيد شعار "صفر نقابة".
لكنّ حدثاً تأسيسياً غيّر الموازين: ففي عام 2008، أقدمت ليلى النسيمي، العاملة حينها بشركة Sitel في الدار البيضاء، على تأسيس أول مكتب نقابي رسمي داخل مركز اتصال، تابع للكونفدرالية الديمقراطية للشغل (CDT). وقد صرحت حينها بأن أكثر من 60% من العاملين في الموقع انخرطوا في النقابة، وهو ما نقلته وسائل إعلام دولية. وقد شنّت حملات ضد إنكار الحقوق الثقافية: إذ قالت النسيمي "نغادر المغرب في السادسة صباحاً لنعيش على كوكب آخر"، في إشارة إلى الأسماء المفروضة على الموظفين، ومنع التحدث بالعربية في مقر العمل، واستبدال المرجعيات الثقافية. وقد كشف خطابها، الذي لاقى صدى لدى منظمات غير حكومية ووسائل إعلام دولية، عن سلب ثقافي بقدر ما كشف عن استغلال مادي.
هذا الشرخ الأول مهّد الطريق لتجارب نقابية أخرى: ففي عام 2010 بشركة Webhelp Fès، انخرط عاملون في احتجاجات من داخل الفيدرالية الديمقراطية للشغل (FDT) ثم من داخل الاتحاد العام للشغالين بالمغرب ( (UGTM، رفضاً لسياسة إدارة الشركة القائمة على إنكار الحوار. وقد تدخلت السلطات المحلية (خصوصاً البلدية) للوساطة دون أن تنصف العمال. وبالرغم من ذلك، ولّد هذا الحدث وعياً عاماً بضرورة التنظيم النقابي للضغط على إدارات جاءت إلى المغرب وفي ذهنها صورة مجتمع "عاجز عن الدفاع عن نفسه". لكن بقي العمل النقابي محصورا ومحفوفا بالقيود: غياب المفاوضات، الطرد الانتقائي، وتمييز الموالين غير المنتمين إلى النقابات المركزية.
5.2. ربيع مراكز النداء: لحظة 2011
شكّلت سنة 2011 منعطفاً سياسياً ونقابياً. ففي سياق الربيع العربي وحركة 20 فبراير، ولج جيل جديد من العاملين إلى مراكز الاتصال محمّلاً بمخيال العدالة الاجتماعية والكرامة والديمقراطية. هذه المطالب التي انطلقت أولاً في الشارع، وجدت صداها في فضاءات العمل المفتوحة داخل المراكز. ففي الدار البيضاء، الرباط، فاس، ومراكش، برزت أنوية نضالية بين العاملين، متأثرة بزخم 20 فبراير، ومصمّمة على فرض تطبيق مدونة الشغل، وتنظيم الانتخابات المهنية، وبناء ميزان قوة جماعي. وأصبحت مسألة التمثيلية النقابية شرطاً أولياً للنضال والنقد والعمل الجماعي الهادف إلى تحسين الظروف المادية والرمزية.
يصف أيوب سعود، أحد أبرز الفاعلين في هذه المرحلة ورمز النضال النقابي في قطاع الأوفشورينغ، هذه الدينامية قائلاً:
"بشكل عام، كان أرباب العمل يريدون من هذا القطاع عمالاً (يُستغلّون بلا حدود). عمالاً يكدّون دون احتجاج. لم تكن المشكلة عند أرباب العمل فقط، بل في الصورة التي تمّ تسويقها لهم: أن العامل المغربي مُستكين، مستعد للعمل دون أن يسائل شروط عمله، وأنه لا يبحث سوى عن لقمة العيش، حتى لو كان في وضعية هشة. لقد رسّخوا في أذهانهم فكرة أنّه عامل غير احتجاجي. وكان الهدف هو تجنّب سيناريو فرنسا حيث الإضرابات متواصلة، فالمستثمر الفرنسي جاء إلى المغرب لأنه وجد هنا الحلم: عمال يفرّون من شبح البطالة مهما كانت ظروف العمل. (…) مع حركة 20 فبراير بدأنا فعلاً نفكر بجدية في تأسيس نقابات داخل القطاع، وهذا ما حصل بين 2011 و2012."
هذه اللحظة حررت خطاباً مكبوتاً منذ سنوات، سبقته إرهاصات أولية في 2008 (تأسيس أول مكتب نقابي). كما أنّها مثّلت تجديداً للممارسات النضالية في السياق المغربي، عبر تجاوز البيروقراطية وضعف المرونة النقابية. فالعاملون أعادوا ابتكار أدوات عمل استناداً إلى الثقافة التنظيمية لمراكز الاتصال نفسها: لتجاوز آليات القمع الداخلي وعدم تكافؤ ميزان القوى محلياً، تبنّوا استراتيجية الالتفاف عبر تدويل القضية: اللجوء إلى نقابات دولية مثل CGT الفرنسية ونقابات أمريكية وأوروبية، كتابة مقالات في الصحافة الفرنسية (لوموند)، وظهور إعلامي في التلفزيون الفرنسي.
5.3. تشبيك النضالات والاختراقات المحلية وعولمة الصراع في هوامش الأفشورينغ
تُمثل هذه الاستراتيجية نوعاً من " الدهاء السياسي ": إذ أن الفعل الاحتجاجي يستمد أدواته وشرعيته من داخل الفضاءات ذاتها التي تصدر عنها المعايير والمنطق المكرّس لهيمنة السلطة. فقد وظّفت الحركة النقابية اللغة الفرنسية، استندت إلى مرجعيات قانون الشغل الفرنسي، واقتحمت المنابر الإعلامية الأوروبية والتصورات النقدية العابرة للأطلسي. هكذا نشأ شكل من التشبيك النضالي، يتقاطع بين تقاليد العمل النقابي المغربي وبين ديناميات التداول الدولي للقضايا والفئات الاجتماعية.
تكرّست هذه الدينامية حول قضايا الصحة الجسدية والنفسية، باستلهام مقاربات نقدية عابرة للحدود وفي الوقت نفسه عكست الواقع الفعلي لاستغلال أجساد العمال المغاربة، مثل الإرهاق النفسي burn-out))، القلق المهني، والاضطرابات النفسية والاجتماعية، وأمراض السمع. فأثبت النقابيون أن مراكز الاتصال ليست على هامش منطق الاستغلال الرقمي، بل تمثل مختبراً في محيطه. لذلك حظيت نضالاتهم بتغطية وتداول إعلامي ملحوظ، خصوصاً عند بروز حالات الصراع المرتبطة بعمليات الطرد، تقابلها أشكال من التضامن العابر للحدود، على نحو يوازي الطابع العابر للقوميات الذي تتسم به شركات "الأوفشورينغ"..
لقد أعادت حالة تعبئة ملموسة ترتيب أشكال الوعي النقابي الذي بدأ يتبلور منذ سنة 2008، في خضم التحولات السياسية المتسارعة التي رافقت الربيع العربي المغربي سنة 2011. ويعيد مثال تعبئة موظفي شركة Total Call طرح هذا الصراع، إذ أفضت إلى اتخاذ قرار بتنظيم العمل النقابي داخل مراكز النداء، في إطار القوانين والآليات المؤسسية المتاحة، ولا سيما من خلال محطة الانتخابات المهنية لسنة 2015. وفي السياق ذاته، أبدت المركزيات النقابية الكبرى في المغرب، وعلى رأسها الاتحاد المغربي للشغل (UMT)، اهتمامًا متزايدًا بهذه الأشكال الجديدة من التنظيم، محاولةً عبر الأعضاء القادمين من هذا القطاع إدماجهم في هياكلها بغرض إرساء قواعد أكثر استقرارًا واستمرارية داخل المجال. كما جاء الدعم من خارج الحدود الوطنية، من خلال المبادرات التي قام بها " المجتمع المدني" مجسّدا في منظمات نقابية دولية مثل UNI Global Union، وAFL-CIO، وCGT.
وقد قدم أيوب سعود، وهو فاعل بارز في هذا المسار، خلال مجموعة النقاش المركّزة التي أجريناها وصفًا لهذا المسار التنظيمي:
لقد بدأنا بمساندة بعض الزملاء في شركة توتال كول سنة 2011. كان الأمر يتعلق بمركز النداء التابع لشركة فري تيليكوم (Free Telecom) المملوكة لــ (Xavier Niel). في هذا السياق بادرنا إلى تأسيس نقابة، فواجهتنا المؤسسة برد فعل عنيف وصارم، باعتبارها أول نقابة يتم إنشاؤها داخل شركة توتال كول. وقد خضنا إضراباً استمر لمدة شهر كامل، تخللته اعتصامات أمام مقر الشركة، في معركة اتسمت بطول النفس وشدة المواجهة مع مختلف أدوات وأذرع الباطرونا، بكلاب حراستها وبمخبريها وغيرهم، وهو ما جعل الوضع أشبه بحالة حرب مفتوحة.
مع تدخل السلطات المحلية، واهتمام وسائل الإعلام، اتخذت القضية بعداً واسعاً؛ إذ حضر صحفيون فرنسيون إلى عين المكان لتغطية الأحداث، ونالت القضية صدىً واسعا في الفضاء الإعلامي. شخصياً، شاركت في برنامج تلفزيوني عُرض لاحقاً عام 2017 ضمن سلسلة Cash Investigation التي تقدمها الصحفية (Elise Lucet) على القناة الفرنسية الثانية (France 2)، حيث تناولت هذه الأخيرة تفاصيل هذه المواجهة، إضافة إلى متابعة القضية من قبل وسائل إعلام أخرى في تلك الفترة.
هذه التجربة أظهرت لنا مبكراً طبيعة رد فعل أرباب العمل وإصرارهم على مواجهة العمل النقابي. فقد أقدمت الشركة على فصل ما يقارب 100 عامل، رافضة أي تنازل، حيث تمسّك صاحب العمل بخيار التصعيد حتى النهاية. وقد تناول البرنامج الإعلامي المشار إليه اسم المسؤولة (Angélique Gérard) التي نُسب إليها قرار التخلص من مئة عامل. كما عُرضت رسائل إلكترونية ومراسلات داخلية كشفت هذا التوجه، ما أدى إلى إحراج المدير العام لمجموعة (Iliad) التي تُعد (Total Call) إحدى فروعها، والذي عجز عن تقديم رد مقنع.
تكشف هذه المعطيات أن الموقف الأولي لإدارة الشركة كان قائماً على سياسة "صفر تسامح" تجاه العمل النقابي، وأن الرسالة الضمنية التي أراد أرباب العمل الفرنسيون تمريرها هي أن انتقالهم إلى المغرب لم يكن بهدف إعادة مواجهة النقابات وتعقيداتها، بل للاستفادة من بيئة عمل لا تعرقل منطقهم الإداري والاقتصادي.
بعد سنة 2011، بدأنا نفكّر في الإشكاليات ذات الطابع التشريعي، إذ أن شرط الدخول في المفاوضات يتمثل في التوفر على صفة "النقابة الأكثر تمثيلية". وقد واجهنا هذا الإشكال تحديداً في حالة شركة Total Call وتجدر الإشارة إلى أن أول انتخابات مهنية قد جرت سنة 2009، علماً أن مدونة الشغل دخلت حيّز التنفيذ منذ عام 2004. وقد أفرزت تلك الانتخابات حقّ تمثيل العمال عبر مندوبي الأجراء.
غير أنّ المشهد داخل مراكز النداء اتّسم في مجمله بوجود مندوبي أجراء من غير أي انتماء نقابي، نظراً لغياب النقابات في ذلك الحين داخل هذا القطاع. وعليه، وجدنا أنفسنا سنة 2011، خلال فترة احتدام الصراع، أمام وضع ما بعد الانتخابات. وعلى مستوى السلطات، كان يُوجَّه إلينا الخطاب بكوننا "غير مُمثِّلين تمثيلاً شرعياً".
في هذا السياق، بدأنا بالتحضير للاستحقاقات الانتخابية المقبلة، والتي ستشهد لأول مرة مشاركة ممثلي الأجراء وهم حاملون لصفة نقابية. وقد تم ذلك فعلياً خلال انتخابات سنة 2015.
إن ما تعلمه لنا هذه التجربة المغربية للصراع داخل مراكز النداء، ليس فقط مسار شاق لتشكيل مسار نقابي جماهيري بالمعنى الكلاسيكي التقليدي، بل أيضا تشكيل جينالوجيا للصراع تحت الأرض: اختراقات محلية، ردود فعل عابرة للمستوى الوطني، وتحالفات براغماتية. إن التاريخ النقابي لمراكز النداء في المغرب يعكس محاولة هشة ولكن متواصلة لبلورة قوة مضادة في قطاع صُمّم منذ بدايته ليكون بمنأى عن مثل هذه الديناميات.
في هذا السياق العدائي، تبتكر النقابات – حين تفسح المجال أمام العاملين أنفسهم داخل مراكز النداء – أشكالاً مرنة من التدخل والمرافعة. فالممارسة النقابية التقليدية، المركزية والمفرطة في البيروقراطية، تبدو عاجزة عن الاشتغال داخل قطاع يتسم بمعدلات دوران مرتفعة للأجراء وببنية قانونية مجزأة تمنع أي استقرار تنظيمي مستدام. وبدلاً من ذلك، غالباً ما تتجلى أشكال التنظيم في لجان عفوية، أو مجموعات عبر تطبيقات مثل "واتساب"، أو تجمعات ميدانية، تتولى مهمة الوساطة بين العاملين والتنظيمات النقابية العتيدة، مثل UMT و CDT و FNCAMO.
5.4. التمثيلية النقابية والمطالبة باتفاقية قطاعية
مثّلت سنة 2015 محطة بارزة، حيث شهد القطاع أول انتخابات مهنية بمشاركة لوائح نقابية منبثقة من صفوف العمال. وقد تمكن الاتحاد المغربي للشغل (UMT) – الذي كان غائباً عن القطاع – من الحصول على 120 مقعداً انطلاقاً من قاعدة تنظيمية شبه معدومة. هذا الإنجاز كان ثمرة عمل ميداني طويل بدأ منذ 2012.
يوضح أيوب سعود:
" لقد استلزم الأمر عملا شاقا ومتواصلا بين 2012 و2015 من أجل الإعداد لتأسيس النقابات وتكوين مناضلين ميدانيين. كنا نوزع المناشير أمام مواقع العمل، نجمع المعطيات، ونستقطب المنخرطين. قطعنا آلاف الكيلومترات عبر مدن المغرب. وخلال هذه الفترة، فقدنا كثيراً من الرفاق الذين تعرضوا للطرد."
هذا النجاح منح شرعية جديدة للمطالبة باتفاقية جماعية خاصة بالقطاع:
"ينبغي سنّ تشريع خاص بالقطاع، نظراً لكونه يتسم بخصوصيات مهنية لا يمكن معالجتها أو تنظيمها بفعالية في إطار مقتضيات المدونة العامة للشغل."
لكن أرباب العمل اعتمدوا على تطوير أساليب دقيقة للحدّ من فعالية الاحتجاج: الاعتراف بوجود نقابي محدود قصد توظيفه في تحسين صورة المؤسسة مستعملين في هذا الإطار أدوات مثل اعتماد معايير المسؤولية الاجتماعية للمقاولات RSE، أو الحصول على شهادات المطابقة من مؤسسات مثل AFNOR، إضافة إلى البيانات والخطابات الرسمية التي تُقدَّم فيها النقابات بوصفها دليلاً على وجود حوار اجتماعي، من دون أن يترتب عن ذلك أي أثر فعلي ملموس. وفي بعض الحالات، يقدمون تسهيلات شكلية مثل إجازات نقابية، مقابل وقف الاحتجاجات.
"بالنسبة لهم: قبلنا بوجودكم، وهذا يكفي. أنتم هنا كواجهة. وكأن ذلك في حد ذاته امتياز ينبغي أن نتوقف عنده. صحيح أننا حاضرون، وهذا مقبول، لكن حدود ذلك الحضور مرسومة سلفاً. بل إنهم يسارعون إلى التفاخر بالحصول على مختلف الشهادات والاعتمادات مثل معايير المسؤولية الاجتماعية للشركات (RSE) أو معايير AFNOR، ويقدّمون أنفسهم باعتبارهم منفتحين على التنظيم النقابي. غير أنّ ذلك لا يتجاوز المستوى الرمزي أو الشكلي، إذ يظلّ مجال التنفيذ الفعلي للمطالب النقابية موضع رفض أو تضييق، حيث يصرّ أرباب العمل على ضرورة عدم تجاوز الخطوط الحمراء. لقد راهنوا على أن هذه التسهيلات، من قبيل السماح ببعض أشكال التفرغ النقابي، ستكفي لشراء صمتنا. لكن بالنسبة لنا، فإن مثل هذه الهوامش لا تمثل سوى فرصة لتعزيز قدراتنا على التنظيم والاستعداد بشكل أفضل لتصعيد المطالب".
رغم الطرد والترهيب وقمع الإضرابات، استمر الحراك. وفي انتخابات 2021، تعزّز موقع الاتحاد المغربي للشغل بحصوله على أكثر من 200 مندوب.
لكن إشكالية جديدة ظهرت: تعيين مديري الموارد البشرية كممثلين قانونيين للشركات في عقود العمل. ورغم قانونيتها في التشريع المغربي، إلا أن النقابيين اعتبروها ممارسة إشكالية: فهي تُحمّل مسؤوليات قانونية لمديرين وسطاء، بينما القرارات الحاسمة تُتخذ من طرف مستثمرين أجانب أو مجموعات دولية. هكذا تُفرّغ المسؤولية الحقيقية وتُقنّع مراكز القرار. وصف بعض النقابيين هذه الممارسة بأنها "تحايل على الشخصية القانونية" و"التفاف متعمد على قانون الشغل". وتنسجم هذه الانتقادات مع المطالب الداعية إلى تعزيز دور جهاز تفتيش الشغل، وإلى إصلاح قانوني يفرض قدرًا أكبر من الشفافية على البنية القانونية وصنع القرار داخل شركات الأوفشورينغ.
خلاصة
بعيدًا عن الصور النمطية التي تروجها الخطابات الرسمية وأرباب العمل، تفرض مراكز النداء في المغرب نفسها اليوم كفضاءات مميّزة لرصد تناقضات الرأسمالية الرقمية على أطرافها، ولأشكال استغلال الأجراء، ولنزوع بلدان الجنوب ما بعد الاستعمار إلى الانخراط في اقتصاد قائم على إعادة التموقع الجغرافي للإنتاج، تهيمن عليه بلدان الشمال، على حساب خيار التوجه نحو السيادة الزراعية والصناعية. إن اقتصاد «الأوفشورينغ»، الذي قُدِّم طويلًا بوصفه رافعةً للنمو في بلدان الجنوب ووسيلةً لإدماج الشباب المتعلم الساعي إلى عمل، يكشف من خلال الحياة اليومية للمستشارين الهاتفيين عن ديناميات متجددة من الاستغلال وعن نزعة استعمارية جديدة، حيث تتقاطع الهشاشة مع الاقتلاع الثقافي، والعنف الإداري، والهشاشة النفسية-الاجتماعية.
وبالاستناد إلى مقابلات إثنوغرافية ومشاهدات ميدانية مع المعنيين مباشرة ومع ممثلي النقابات، يبيّن هذا التقرير أنّ هذه الهشاشة ليست عرضية ولا هامشية، بل تقع في صميم النموذج النيوكولونيالي ذاته القائم على الاستعانة بالخدمات الخارجية، والذي يجعل من المغرب منصة مميّزة للتعهيد، مقابل تهميش العمال وتفاقم هشاشة حقوقهم. كما يرتبط هذا النموذج بندرة الدراسات، وضعف الأطر التنظيمية، وتجاهل رسمي لرهانات اقتصاد يتقاطع فيه تحكّم المانحين من الشمال، وعدم التوافق بين التكوين وفرص العمل، وانتهاك الحقوق الاجتماعية للأجراء، وبناء أسطورة "الترقي الاجتماعي" التي تكذّبها على الدوام المسارات الواقعية والمعيشة للعمال.
ويكشف هذا الواقع أيضًا عن بُعد آخر يتمثل في النضالات وأشكال التضامن الخفيّة وآليات الدفاع الذاتي النقابي التي، منذ أواخر العقد الأول من الألفية وبالأخص منذ 2011، أعادت رسم مجال للفعل الجماعي خارج القوالب التقليدية النقابية المغربية. فقد أظهرت قوة ممثلي الأجراء عقب صراعات مع أرباب العمل بشأن الانتخابات المهنية، إلى جانب تغطية بعض الإضرابات في وسائل الإعلام، والتحالفات العابرة للحدود، والتنديد بالانتهاكات (الفصل التعسفي، استغلال المهاجرين، تقنين الانضباط الصارم باسم الأداء، والتنصل من المسؤولية القانونية)، بروز سجل عن تشبيك نضالي جديد، متجذّر في السياق المحلي ومتشابك مع المعايير العالمية لحقوق العمل وحقوق الإنسان..
وعليه، فإن مراكز النداء ليست مجرد «مصانع أصوات» ملحقة بأرباب العمل القادمين من الشمال وبالخيارات الحكومية الموجّهة نحو اقتصاديات ضعيفة القيمة المضافة، بل هي أيضًا فضاءات لإعادة التشكل الاجتماعي والسياسي. وإذا كانت هشاشة هذا النموذج تبدو اليوم أوضح – من ركود التشغيل، وتراجع الأجور، وتعميم الضغوط النفسية – فذلك أيضًا لأن العمال نجحوا في فرض سردياتهم وإبراز تجاربهم الجمعية إلى الفضاء العمومي. ومن ثم، فإن هذا التقرير يشكل مساهمة في توثيق هذه السرديات، وإنصاتًا إلى أصوات من يقفون وراء السماعات والنصوص الجاهزة، وهم يعيدون ابتكار أشكال الكرامة والاحتجاج في حياتهم اليومية.
الهوامش
1- تأسست شركة Atento سنة 2000 في إسبانيا، عقب إقدام شركة Telefónica على تجميع أنشطتها في مجال مراكز النداء بإسبانيا وأمريكا اللاتينية ضمن فرع متخصص. وفي عام 2015، قامت Atento ببيع أنشطتها في المغرب إلى مجموعة Intelcia، باستثناء تلك الموجهة إلى السوق الإسبانية. راجع Reuters ، “Atento announces the sale of its operations in Morocco to Intelcia Group”، وكالة رويترز، 5 غشت 2016 (تمت الاستشارة بتاريخ 03/08/2025.)
2- Tcheng, Henri ; Huet, Jean-Michel ; Viennois, Isabelle et Romdhane, Mouna, « Les télécoms, facteur de développement en Afrique », L'Expansion Management Review, 2008/2 N° 129, p.110-120. DOI : 10.3917/emr.129.0110. URL : https://shs.cairn.info/revue-l-expansion-management-review-2008-2-page-110?lang=fr.
3- فاروق نوري، «السياسة الصناعية، الأسس والتغيير البنيوي: تحليل مقارن بين المغرب وماليزيا وكوريا الجنوبية»، ورقة عمل، يوليوز 2022، منشور على الرابط:
https://www.researchgate.net/publication/362148595_Politique_industrielle_fondamentaux_et_changement_structurel_une_analyse_comparee_entre_le_Maroc_la_Malaisie_et_la_Coree_du_Sud.
4- Emperador Badimon, Montserrat, « Les manifestations des diplômés chômeurs au Maroc : la rue comme espace de négociation du tolérable », Genèses, 2009/4 n° 77, p.30-50.
5- تسعة من بين الأشخاص العشرة الذين جرى مقابلتهم يندرجون ضمن هذا النمط. (انظر الإطار المنهجي أدناه)
6- المقابلة أُجريت بمقر الاتحاد المغربي للشغل (الدار البيضاء)، بتاريخ 2 يونيو 2025.
7- Rapport ANRT 2004, « Du développement des centres d’appels … à l’émergence du BPO au Maroc », ANRT.MA, Octobre 2004 https://www.anrt.ma/sites/default/files/Etudes_centres_appel_maroc_2004_0.pdf
8- الأرقام تشير، في عام 2025، إلى تذبذب عدد العاملين بين 90.000 و110.000 موظف.
انظر:
جريدة Le Matin : مراكز النداء: آلاف مناصب الشغل مهددة في المغرب »
جريدة Le Monde : في المغرب العربي، مراكز النداء تستعد لاجتياح الذكاء الاصطناعي »
9- الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات (ANRT)، "التقرير السنوي"، 2018-2019 (تمت الاستشارة بتاريخ 24 يوليوز 2025). متاح عبر الرابط: رابط التقرير.
10- المصدر نفسه
11- يمثل قطاع التجارة أكثر من نصف وحدات الإنتاج (52%)، ويُعد بذلك القطاع الأول من حيث تركّز المؤسسات الاقتصادية في المملكة، حيث يوفر ما مجموعه 1.062.242 منصب شغل دائم، بمعدل نمو سنوي متوسط قدره 1,6% منذ سنة 2002. ويأتي قطاع الخدمات في المرتبة الثانية، إذ يضم أكثر من 31% من مجموع المؤسسات الاقتصادية، ويساهم بـ 36% من حجم فرص الشغل الدائمة، محققًا معدل نمو سنوي متوسط يبلغ 3,7% منذ سنة 2002. وبعبارة أخرى، فإن النسيج الاقتصادي الوطني يهيمن عليه قطاع الأنشطة الثالثية الذي يمثل 82% من مجموع المؤسسات، ويستوعب ثلثي اليد العاملة النشطة.أما القطاع الصناعي فلا تتجاوز مساهمته 14% من مجموع المؤسسات الاقتصادية. غير أنّه يُعد من بين أهم مصادر التشغيل في القطاع الخاص بالمغرب، إذ يوفر حوالي 1.067.872 منصب شغل دائم، أي ما يعادل قرابة الثلث (29,8%) من إجمالي اليد العاملة النشيطة داخل المؤسسات الاقتصادية الوطنية. المصدر: الإحصاء العام للسكان والسكنى 2024، تقرير النتائج المتعلقة بالمؤسسات الاقتصادية ذات الطابع الربحي (باستثناء القطاع الفلاحي)، مارس 2025، المندوبية السامية للتخطيط، الصفحات 18 – 19.
12- Alexandre Aublanc, “Au Maroc, la « fermeture sauvage » d’une entreprise détenue par un Français plonge des dizaines de salariés dans la précarité”, Le Monde, 14 juin 2025 (consulté le 24/07).
13- المقابلة الجماعية مع مسؤولي النقابة (الاتحاد المغربي للشغل)، من بينهم أيوب سعود، الاتحاد المغربي للشغل ـ الدار البيضاء، 2 يونيو 2025.
14- مقابلة مع نبيل بنجوة، الكاتب العام للمكتب النقابي لشركة Téléperformance وعضو في الفيدرالية الوطنية لمراكز النداء ومهن الأوفشورينغ التابعة لـ الاتحاد المغربي للشغل (UMT).
15- .تقرير الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات، "مراكز الاتصال في المغرب: الوضع الراهن وآفاق التطوير"، 2006. تاريخ الاطلاع: 03/08/2025. https://www.anrt.ma/sites/default/files/Etudes_dev_centres_appel_maroc_2007_0.pdf
16- سعد الدين إيغامان وأمل بوصبع، "هشاشة العمل لدى الشباب العاملين في مراكز النداء بالمغرب"، المجلة المغربية للعلوم السياسية والاجتماعية، عدد أكتوبر/نوفمبر 2018، ص ص. 133-160.
17- مجموعة تركيز، مقر الاتحاد المغربي للشغل (UMT)، 2 يونيو 2025. شهادة أيوب سعود.
18- سليمان، عامل في مجال التسويق عبر الهاتف وعضو في المكتب النقابي لشركة Foundever. مقابلة بتاريخ 2 يونيو 2025.
19- تتداول العديد من هذه الشهادات الترويجية، التي تتجاهل الواقع الفعلي لوضعية العاملين، في مواقع تجارية أو في مقالات صحفية. فعلى سبيل المثال، يشير لحسن أودود في مقال بعنوان: «مراكز النداء: نحو 10.000 وظيفة أُنشئت سنة 2023 وما يقارب 15.000 متوقعة سنة 2024»، منشور على موقع Le 360 بتاريخ 01/11/2024 (اطُّلع عليه في 26/07/2025).
20- أنظر التقرير الذي أعدّته كلتا (Saskia Wilks و Salma Houerbi) بعنوان: » منفصلون: حقوق العاملين في مراكز النداء في تونس والمغرب « الصادر عن مركز الموارد المعني بالمؤسسات وحقوق الإنسان، سنة 2020.
21- مقابلة مع أشرف، سلا، 20 يونيو 2025.
22- مجموعة نقاش مركّزة مع خمسةٍ من العاملين والنقابيين في مراكز النداء، الدار البيضاء، 2 يونيو 2025
23- تُشير الإجراءات الجديدة لإغلاق الحدود، التي اعتمدتها أوروبا ووحّدتها منذ سنة 1995، إلى أنها أسهمت في تشجيع عمليات ترحيل الأنشطة الاقتصادية نحو الخارج، وفي بروز أنماط جديدة من اقتصاد "الأوفشور" داخل المستعمرات السابقة. وتتم معالجة هذه الفرضية في نصّ وائل قرناوي ومنتصر السّاخي المعنون:
« De la colonisation à la Schengenisation », Rosa Luxembourg publications, Décembre 2024.
24- مقابلة مع نجاة بالرباط يوم 20 يونيو 2025.
25- مجموعة نقاش مركَّزة مع خمسة من العاملين والنقابيين في مراكز النداء، 2 يونيو 2025، الدار البيضاء.
26- مجموعة تركيز مع خمسة من العاملين والنقابيين في مراكز النداء، 2 يونيو/حزيران 2025، الدار البيضاء.
27- مجموعة تركيز مع خمسة من العاملين والنقابيين في مراكز النداء، الدار البيضاء، 2 يونيو 2025.
28- مقابلة مع نبيل بنجوة، الدار البيضاء، يونيو 2025.
29- تُظهر هذه الأشكال المعاصرة من الاستغلال والاغتراب أنّ المسألة النقابية لا يمكن أن تُعالج بمعزل عن تبنّي مقاربة ما بعد كولونيالية لسوق العمل المغربي، فضلاً عن ضرورة أخذ أشكال التمييز التي تطال بدرجة أكبر فئة المهاجرين غير النظاميين في بلد يُنظر إليه على أنّه فضاء عبور، بعين الاعتبار.
30- نجيب أقصبي، "الاقتصاد السياسي والسياسات الاقتصادية في المغرب"، ضمن: الاقتصاد السياسي للمغرب، عمل جماعي، المجلة المغربية للعلوم السياسية والاجتماعية، عدد خاص، المجلد الرابع عشر، أبريل 2017.
31- تُتاح نسخة من الدورية على الموقع الإلكتروني:
https://fr.scribd.com/document/36793060/Circulaire-Offshoring-Maroc.
انظر أيضاً ملخصاً على موقع لافي إيكو تحت عنوان: «الأوفشورينغ: تفاصيل الدورية التطبيقية»، الصادر بتاريخ 13 أبريل 2007 (تمت الاستشارة في 25 يوليوز 2025)، على الرابط التالي:
https://www.lavieeco.com/affaires/offshoring-les-details-de-la-circulaire-dapplication-2492/
32- LesEco, « Grosses manœuvres autour des centres d'appels », Les Eco, 13/09/2010 (consulté le 27/07/2025) https://www.maghress.com/fr/lesechos/20542
33- انظر: Natacha David، «ظروف العمل في مراكز النداء بالمغرب»، مدونة صوت العمال (La Voix Des Travailleurs - V.d.T)، 17 أكتوبر 2008. وللاطّلاع على النص الكامل للمقابلة مع ليلى Nassimi بخصوص هذه الحلقة من النضال النقابي، يُرجى مراجعة الرابط التالي:
https://www.ituc-csi.org/gros-plan-sur-laila-nassimi-maroc?lang=fr
34- جريدة Les Eco، قضية Webhelp Fès لم تبدأ بعد، Les ECO، 14/09/2010 تاريخ الاطلاع: 27/07/2025، متاح على الرابط: https://www.maghress.com/fr/lesechos/20542
35- مقابلة مع أيوب سعود، الدار البيضاء، يونيو 2025.
36- انظر، على سبيل المثال، برنامج القناة الفرنسية الثانية: تحقيق نقدي (Cash Investigation) كيف قامت شركة فري (Free) بكسر الإضراب في أحد مراكز النداء التابعة لها بالمغرب، بتاريخ 26 شتنبر/سبتمبر 2017 (تمت معاينته في 26 يوليوز/تموز 2025) الرابط: https://www.franceinfo.fr/economie/emploi/video-cash-investigation-comment-free-a-liquide-les-grevistes-de-l-un-de-ses-centres-d-appels-au-maroc_2391394.html
37- إنه تاريخ يتقاطع مع المرحلة الاستعمارية لتشكل الحركة النقابية المغربية. وللاطلاع على تاريخ البدايات الأولى لهذه الحركة، يُراجع كتاب ألبير عياش: الحركة النقابية في المغرب، المجلد الثالث: نحو الاستقلال (1949-1956)، منشورات لارماتان، باريس، 2000. أمّا فيما يخصّ المراحل اللاحقة للاستعمار، فيُنظر إلى دراسة باوليني، د. النقابات في المغرب: الوحدة الوطنية، الصراع السياسي، وتفكك الحركة النقابية في الدولة المستقلة، 1955-1978، 11 مارس 2025، متاح على الرابط: https://hdl.handle.net/1887/4197371)، وكذلك أطروحة فيلتْرين، لورنزو (2018) بعنوان بين المطرقة والسندان: النقابات والانتفاضات العربية لعام 2011 في المغرب وتونس، أطروحة دكتوراه، جامعة وُرويك. أما التطورات الحديثة للحركة النقابية في مرحلة ما بعد 2011، فيُرجع فيها إلى دراسة زرورال، أ. ولفناصة، أ. (2019) الأشكال الجديدة لتنظيم المقاومة العمالية في المغرب، مجلة Confluences Méditerranée، العدد 111(4)، الصفحات 105-118، DOI: https://doi.org/10.3917/come.111.0105.
38- Cédric Durand, Techno-féodalisme. Critique de l’économie numérique, La Découverte, Paris, 2020. – ومن أجل مدخل لهذا النقد، انظر:
Sébastien Broca, Le capitalisme numérique comme système-monde Éléments pour une métacritique. Réseaux, 2022, 231(1), 167-194. https://doi.org/10.3917/res.231.0167.
39- انظر على سبيل المثال: Louisa Guercif، «المغرب: حالات الطرد في مراكز النداء»،
موقع Lutte-ouvrière.org، 16 يوليو/تموز 2025، متاح على الرابط: https://www.lutte-ouvriere.org/journal/article/maroc-licenciements-centres-dappels-185803.html
انظر أيضًا: Anna Benjamin، «العاملون في مراكز النداء ينددون بظروف عملهم»، جريدة لوموند، 5 أبريل/نيسان 2012 (تمت معاينته بتاريخ 04 أغسطس/آب 2025)، متاح على الرابط: https://www.lemonde.fr/economie/article/2012/04/05/les-salaries-des-centres-d-appels-denoncent-leurs-conditions-de-travail_1680511_3234.html
40- في هذا السياق، يُنظر: Michel Dobry : Sociologie des crises politiques, Les Presses de Sciences Po, (3ème éd), Paris, 2009.
41- فرانس 2، «تحقيق نقدي: كيف قامت شركة فري (Free) بكسر الإضراب في أحد مراكز النداء التابعة لها بالمغرب»، 26 شتنبر/سبتمبر 2017 (تمت الاستشارة في 26/07/2025)
42- مقابلة مع أيوب سعود، الدار البيضاء يونيو 2025
43- ربيع زفات، ممثلة نقابية وعضوة في المكتب الوطني لـ الفدرالية الوطنية لمراكز الاتصال بالمغرب (FNCAMO). الدار البيضاء، يونيو 2025.