Tuesday 23 September 2025
كتاب الرأي

زكية لعروسي: شكرا ماكرون.. يا حمامة سلام في خيمة الأمم المتحدة

زكية لعروسي: شكرا ماكرون.. يا حمامة سلام في خيمة الأمم المتحدة زكية لعروسي
في زمن تعصف به الحروب وتضيع فيه الكلمات بين لغة المصالح وضجيج الصفقات، إرتقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منبر الأمم المتحدة، فلم يكن خطابه مجرد إعلان سياسي ولا مجرد خطاب دبلوماسي عابر. لقد كان لحظة نادرة إستعاد فيها العالم ملامح السلام، حين تحولت القاعة الكبرى الى فضاء يليق بالانسان، وحين تنفست العائلات المرهقة بالقلق بعض الطمأنينة.

شكرا ماكرون، شكرا للرئيس الذي حمل على كتفيه حمامة بيضاء وحلّق بها في سماء الأمم المتحدة، ليؤكد ان السياسة ليست فقط إدارة مصالح، بل يمكن أن تكون فعلا أخلاقيا وشعريا في آن واحد. شكرا للرئيس الذي جعل من فرنسا صوتا للعدالة في لحظة كان العالم فيها بأمس الحاجة الى كلمة صادقة.

خطابك يا سعادة الرئيس لم يكن جملة من التعهدات، بل كان لوحة رسمت ملامح سلام واضح. لقد ذكّرتنا بما قاله محمود درويش يوما عن أن على هذه الأرض ما يستحق الحياة، وبما رفعه سامح القاسم من أناشيد جعلت من القصيدة سلاحا ضد القهر. أرواحهم كانت حاضرة معك، حمامتك وصلت إليهم، إلى سماء الشعراء الذين لم يشهدوا هذه اللحظة لكنهم حلموا بها.

شكرا ماكرون لأنك تحدثت بلسان الضمير الإنساني، لا بلسان لغة المصالح وحدها. شكرا أنك طمأنت الأسر التي أرهقها الخوف على الغد، شكرا لأنك أثبت أن الكلمة الحرة قادرة أن توقف نزيف الأرواح وتمنح العالم فسحة أمل.
 لقد دخلت خيمة الأمم المتحدة لا لتعيد تكرار المألوف بل لتعيد تعريف الدبلوماسية بوصفها قوة ناعمة تكتب بالعدل وتتنفس الحرية. والتاريخ سيسجل أنك جعلت من الأمم المتحدة بيتا للسلام لا مجرد ساحة للمصالح المتناقضة.
 
إنني كمثقفة عربية، أكتب اليوم باسم الضمير الجمعي، لا أملك إلا أن أرفع شكرا يتجدد مع كل سطر، ويتوهج مع كل معنى.

شكرا ماكرون على الكلمة الحرة التي اخترقت جدار الصمت..
شكرا على ملامح السلام التي رسمتها في خيمة الأمم..
شكرا على الحمامة التي أطلقتها في وجه عالمٍ يترنح بين الحروب والمصالح..
شكرا لأنك جعلت السياسة قصيدة والعدالة قدرا..
شكرا لأنك أيقظت في القلوب أملا يشبه الينابيع حين تنبثق من صخر قاس..
إن التاريخ سيسجل أن خطابك لم يكن لحظة عابرة بل علامة فارقة، وأن صوتك في الأمم المتحدة أعاد صياغة المعنى، وأنك كتبت بضمير الإنسانية قبل أن تتحدث بلسان الدولة. سيبقى صداك في ذاكرة العرب كما بقيت كلمات ديغول شاهدة على زمنها.
ولأن الكبار وحدهم هم الذين يحولون السياسة إلى فعل نبيل، فإنك يا ماكرون تركت في هذه اللحظة بصمة لا تمحى، بصمة سلام ستظل تتردد ما دامت الإنسانية تبحث عن عدالة تستحق الحياة.