Friday 12 September 2025
سياسة

محمد حفيظ يرد على إدريس الأزمي.. الوقائع التي تفضح كَذِب عبد الإله بن كيران (2\2)

محمد حفيظ يرد على إدريس الأزمي.. الوقائع التي تفضح كَذِب عبد الإله بن كيران (2\2) محمد حفيظ يتوسط عبد الإله بن كيران و إدريس الأزمي (يسارا)

أخصص هذا الجزء الثاني من ردي على السيد إدريس الأزمي لعرض الوقائع المتعلقة بقراري رفض المقعد البرلماني المزور في الانتخابات التشريعية لسنة 1997. وكما أشرتُ في آخر الجزء الأول، فإني سأستعرض الوقائع لحظة بلحظة، من بداية تسلم محاضر مكاتب التصويت إلى نشر موقفي على الصفحة الأولى لجريدة "الاتحاد الاشتراكي"، وما تلا ذلك، بذكر الأزمنة والأمكنة وأسماء الأشخاص الذين عاشوا تفاصيلها وعايشوها.

 

وكما ذكرتُ آنفا، فقد سبق لي أن رويتُ ما حدث وعرَضتُ وقائعه بتفصيل. وإذ أُعيد اليوم سرد هذه الوقائع، فذلك ليطّلع عليها الجيل الجديد من الشباب، الذين لم يعاصروها، إما لأنهم كانوا صغارا حينها، أو لأنهم وُلدوا بعدها، وكذلك ليطّلع عليها بعض من عاصروها ولكن لم تكن لهم آنذاك صلة بالعمل السياسي ولا وعي به، والتحقوا به متأخرين، كما هو حال السيد إدريس الأزمي. أما شيخه عبد الإله بن كيران، فهو يعرف هذه الوقائع جيدا، وأنا متأكد من أنه سيعود، بعد حين، ليُزَوِّر التاريخ من جديد، حتى يتماشى مع سردياته البطولية التي اعتاد على إطلاقها.

 

الجمعة 14 نونبر 1997

بعد مرور ساعات قليلة على انتهاء عملية الاقتراع مساء يوم الجمعة 14 نونبر 1997، كنتُ قد توصلتُ بمحاضر جميع مكاتب التصويت الفرعية، باستثناء المكتب المركزي الذي يحمل رقم 83، وهو آخر مكتب بدائرة "مبروكة البلدية السلامة" التي ترشحت بها، وفيه ستتجمع نتائج باقي المكاتب، للإعلان عن النتيجة الإجمالية والنهائية. فمباشرة بعد انتهاء عمليات الفرز، وابتداء من الساعة التاسعة والنصف ليلا، أخذت أتوصل تباعا بنتائج المكاتب ولم يتطلب الأمر كثيرا من الوقت حتى كنت أتوفر على معطيات 82 مكتبا (من المكتب رقم 1 إلى المكتب رقم 82). قمتُ بعملية حسابية بسيطة، لم تكن تتعدى عملية الجمع والمقارنة، فعرفت أنني لم أفز.

لقد عرفتُ نتيجة الانتخابات قبل الإعلان عنها في المكتب المركزي، لأن نتائج جميع مكاتب التصويت كانت بحوزتي، باستثناء نتائج المكتب رقم 83، التي لم تكن لتؤثر على النتيجة النهائية. لذلك، لم أكن بحاجة إلى انتظار محضر المكتب المركزي لمعرفة النتيجة، واعتُبِر أمر نتائج الانتخابات منتهياً من جانبي.

 

كنت أتصور أن تنتهي عملية جمع نتائج المكاتب الفرعية في المكتب المركزي خلال وقت وجيز، ليُعدَّ بعد ذلك المحضرُ المركزي متضمنًا النتائج التفصيلية والنتيجة الإجمالية. لكن ذلك تأخر كثيرا، وأَخَذَتْ تمضي الساعة تلو الساعة، ودخلنا في زمن ما بعد منتصف الليل؛ أي الساعات الأولى من يوم السبت 15 نونبر 1997.

 

السبت 15 نونبر 1997

  • الساعة الواحدة صباحا:

حوالي الساعة الواحدة من صباح يوم السبت 15 نونبر 1997، وبعد أن تأخرت نائبتي بالمكتب المركزي، فاطمة يحياوي، عن العودة، قلقتُ لتأخرها، فانتقلتُ برفقة عضوين من أعضاء حملتي، وهما عبد الله امعاشو وعبد المجيد لعطاش، على متن سيارة هذا الأخير، إلى مقر المكتب المركزي، الذي كان يوجد بمدرسة الركيبي بحي السلامة، للاطمئنان عليها ومعرفة دواعي هذا التأخر.

أوقفنا السيارة على مقربة من المدرسة، وترجلتُ متجها نحو بابها، فلمحتني فاطمة يحياوي من داخل الساحة، حيث كان يوجد عدد من الأشخاص (علمتُ منها أن أحدهم رئيس المكتب المركزي والآخرين بعض مسؤولي الداخلية بالعمالة). أشرت إليها، ولما قَدِمتْ، أخبرتها بأنني توصلت بجميع محاضر المكاتب الفرعية، وأنني لم أفز، واستفسرتها عن سبب التأخر في إتمام عمل المكتب المركزي، فأخبرتني بأنها لاحظت أن هناك تعمدا للتأخير، وأن شيئا غير عادي يتم التحضير له، حيث يتردد مسؤولون من العمالة، وفي مقدمتهم رئيس قسم الشؤون العامة، على المكتب المركزي، وينادون على رئيس المكتب ليتحدثوا إليه. وأخبرتني بأنها كلما احتجَّت على التماطل في استكمال العمليات الحسابية بجمع نتائج المكاتب الفرعية وتدوينها في محضر المكتب المركزي، أو تعقبت رئيس المكتب حين يغادر المكتب للتحدث لمسؤولي العمالة، كانت تتلقى تطمينات. وقالت: "إن هذا التماطل يشي بأن هناك محاولة لتزوير النتائج، ويظهر أنهم يفكرون في التزوير لفائدتك". قلت لها: "إذا حدث أن زوروا لفائدتي فسأفضحهم". ودعوتها إلى العودة إلى المكتب والحرص على ألا تغادره إلا والمحضر بين يديها.

 

رجعتُ إلى السيارة، حيث يوجد عبد الله امعاشو وعبد المجيد لعطاش. أطلعتهما على ما دار بيني وبين فاطمة يحياوي، وقلت لهما: "إذا مشاو حتى ارتكبوا هاذ الخطأ وزوروا لصالحي غادي ندمهم". وبقينا ننتظر داخل السيارة.

 

إذن، حوالي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، وقبل تسلُّم محضر المكتب المركزي، وبمجرد أن ساورني الشك في وجود نية لتزوير النتائج لصالحي، صرّحتُ أمام الأشخاص الآتية أسماؤهم: فاطمة يحياوي، عبد الله امعاشو، وعبد المجيد لعطاش، بأنه إذا حدث أن زُوِّر لصالحي فإني سأندد بهذا التزوير، وسأرفض المقعد الناتج عنه. وهؤلاء جميعهم ما يزالون على قيد الحياة، أطال الله أعمارهم.

 

  • الساعة الرابعة والنصف صباحا:

في حدود الساعة الرابعة والنصف صباحا، بدأ نواب المرشحين يغادرون المدرسة. وكانت من بينهم نائبتي التي خرجت وفي يدها محضر المكتب المركزي. وقالت لي: "لقد تأكدَتْ صحة ما خمنته". تسلمتُ منها المحضر على الفور. وبعد أن اطلعتُ عليه، تبين لي بالفعل أنه جرى تزوير النتائج لصالحي.

توجهنا جميعا (عبد الله امعاشو وعبد المجيد لعطاش وفاطمة يحياوي وأنا) صوب أحد المقاهي بسوق الجملة للخضر والفواكه بالمنطقة. اطلعنا جميعا على محضر المكتب المركزي وفحصنا معطياته وأرقامه. لقد دُوِّنَتْ في محضر المكتب المركزي أرقام تخالف ما ورد في محاضر المكاتب الفرعية التي كنت قد توصلتُ بها كاملة (من المكتب 1 إلى المكتب 82). وأصبحْتُ، بحسب النتائج المتضمنة في محضر المكتب المركزي، أنا الفائز. وأكدتُ لمرافقِي أنني أرفض هذا المقعد المزور.

 

إذن، بين الساعة الرابعة والنصف والساعة الخامسة من صباح يوم السبت 15 نونبر 1997، كان الأشخاص الآتية أسماؤهم: فاطمة يحياوي، عبد الله امعاشو، وعبد المجيد لعطاش يعلمون بأنني اتخذت قراري برفض المقعد المزور. وهؤلاء جميعهم ما يزالون على قيد الحياة، أطال الله أعمارهم.

 

  • الساعة السادسة صباحا:

في حدود الساعة السادسة صباحا، اتصلنا بالأخ مصطفى فوميسيل ودعوناه إلى لقاء عاجل بمقر الحزب بشارع 10 مارس. ولأنه يقطن بالقرب من مقر الحزب، فقد وصل بسرعة، حوالي الساعة السادسة والنصف. أطلعتُه على ما جرى وأخبرته بقراري.

وفي الوقت نفسه، اتصلنا بالأخ المختار بنعبدلاوي. وبعد حوالي ساعة، أي في حدود الساعة السابعة والنصف صباحا، وصل إلى المقر. وبمجرد وصوله، أطلعه الأخ امعاشو على ما جرى، وأخبره بقراري.

 

إذن، في حدود الساعة السابعة والنصف من صباح يوم السبت 15 نونبر 1997، كان الأشخاص الآتية أسماؤهم: فاطمة يحياوي، عبد الله امعاشو، عبد المجيد لعطاش، مصطفى فوميسيل، والمختار بنعبدلاوي يعلمون بأنني اتخذت قراري برفض المقعد المزور. وجميعهم، باستثناء المختار بنعبدلاوي الذي توفي رحمه الله في العام الماضي، ما يزالون على قيد الحياة، أطال الله أعمارهم.

 

قررنا إخبار قيادة الشبيبة الاتحادية، في شخص الكاتب العام محمد الساسي، وقيادة الحزب، في شخص الكاتب الأول عبد الرحمان اليوسفي، بالتزوير وبقراري الرافض له. واتفقنا على أن يبقى القرار محصورا بين هؤلاء، وألا يتم إخبار أي كان إلى أن يتأكد التزوير بشكل رسمي بالإعلان عن النتائج عبر وسائل الإعلام العمومية، وإخبار قيادة الحزب، ونَبَّه بعضُنا البعضَ أيضا إلى عدم استخدام الهاتف أثناء حديثنا في الموضوع.

 

بعد ذلك، اتصلنا بمحمد الساسي، وحددنا معه موعدا للقاء به في صباح اليوم نفسه، دون أن نُطلعه على موضوع اللقاء. ومباشرة، توجهنا، عبد الله امعاشو والمختار بنعبدلاوي وأنا، إلى الرباط على متن سيارة المختار بنعبدلاوي.

 

  • الساعة الحادية عشرة صباحا:

حوالي الساعة الحادية عشرة صباحا، وصلنا إلى المقر المركزي للشبيبة الاتحادية بزنقة واد تانسيفت بأكدال، حيث التقينا بمحمد الساسي، وكان بالمقر الأخوان محمد حمضي وأحمد بوز، وأطلعناهم على ما جرى وأخبرناهم بقراري. وحيث كان يتوافد على مقر الشبيبة الاتحادية عدد من المناضلين، فقد انتقلنا، محمد الساسي ومحمد حمضي وعبد الله امعاشو والمختار بنعبدلاوي وأنا، إلى مقهى "دادا" بشارع فرنسا، لنتحدث باطمئنان. وفي جلستنا بالمقهى تداولنا في ترتيب اللقاء مع الكاتب الأول للحزب عبد الرحمان اليوسفي، من أجل إخباره بما جرى وبقراري. وفكرنا في أن الأخ خالد السفياني هو المؤهل، بالنظر إلى علاقته الوطيدة باليوسفي وتواصله الدائم معه، للاتصال به وتحديد موعد معه.

 

  • الساعة الثانية عشرة زوالا:

في حدود الساعة الثانية عشرة زوالا، اتصل محمد الساسي بخالد السفياني من أجل اللقاء به. وبعد حوالي ساعة، التقيناه، الساسي وأنا، بإحدى محطات الوقود بالرباط، وأخبرناه بما جرى وبموقفي، وطلبنا منه أن يتولى الاتصال باليوسفي ليرتب معه لقاء، على أساس أنه يريد أن يلتقيه في موضوع مستعجل، دون أن يخبره لا بالموضوع ولا بالحضور. وعلى الفور، اتصل السفياني باليوسفي وحدد معه موعد اللقاء في صباح يوم الأحد 16 نونبر 1997 بالدار البيضاء، في مكتبه بمقر جريدة "الاتحاد الاشتراكي".

 

إذن، في حدود الساعة الواحدة بعد الزوال (13.00) من يوم السبت 15 نونبر 1997، كان الأشخاص الآتية أسماؤهم: فاطمة يحياوي، عبد الله امعاشو، عبد المجيد لعطاش، مصطفى فوميسيل، المختار بنعبدلاوي، محمد الساسي، محمد حمضي، أحمد بوز، وخالد السفياني يعلمون بأنني اتخذت قراري برفض المقعد المزور. وجميعهم، باستثناء المرحوم المختار بنعبدلاوي، ما يزالون على قيد الحياة، أطال الله أعمارهم.

 

  • متى أُجْرِي اللقاء الإذاعي مع إذاعة بي بي سي (BBC

كل الوقائع، التي استعرضتُها أعلاه، بأزمنتها وأمكنتها والأشخاص الذين عاشوها، وقعت قبل أن يلتقي محمد الساسي وعبد الإله بن كيران في اللقاء الإذاعي لراديو بي بي سي (BBC). فهذا اللقاء، الذي يزعم عبد الإله بن كيران أن ما قاله فيه للساسي هو الذي كان سببا في رفضي للمقعد المزور، جرى في حدود الساعة الخامسة من مساء يوم السبت 15 نونبر 1997. بينما أنا صرّحتُ لنائبتي ومرافقَي، حوالي الساعة الواحدة صباحا، بمجرد أن راودني الشك في وجود نية لتزوير النتائج لصالحي، بأنني سأرفض المقعد. وهو القرار الذي اتخذته وأعلنته لرفاقي في حدود الساعة الرابعة والنصف صباحا، عندما تأكدت من وقوع التزوير. وفي حدود الساعة الواحدة بعد الزوال، كان جميع الأشخاص المذكورين أعلاه على علم بقراري.

 

السؤال الذي يمكن أن يُطرح هنا، بغض النظر عن خلفيات من يطرحه، هو: لماذا لم أعلن عن قراري برفض المقعد المزور في اليوم الذي توصلت فيه بالمحضر المركزي؛ أي في يوم السبت 15 نونبر 1997؟

 

السبب يعود إلى أمرين:

أولا؛ قبل أن أعلن عن قراري، كان من واجبي السياسي والتنظيمي أن أخبر الكاتب العام للشبيبة الاتحادية والكاتب الأول للحزب، فأنا أنتمي إلى الشبيبة الاتحادية وإلى الحزب. وهذا الأمر يهم الشبيبة الاتحادية التي أتحمل مسؤولية وطنية بها (عضو اللجنة المركزية)، ويهم الحزب الذي أنتمي إليه وترشحت باسمه، وأتحمل مسؤولية تنظيمية به (كاتب فرع سيدي عثمان)، وهو الحزب الذي ظل يطالب بنزاهة الانتخابات ويندد بتزويرها. وقد فضلتُ أن أعلن قراري وهو يحظى بتَبَنٍّ من الحزب، وأن يَصدر في إعلام الحزب.

 

ثانيا؛ كان علي انتظار الإعلان الرسمي للنتائج عبر وسائل الإعلام العمومية، حتى يتأكد التزوير رسميا وعلنيا. ولهذا السبب، اتفقنا على أن يبقى قراري برفض المقعد المزور محصورا بين الإخوة المذكورين أعلاه. وحتى أفراد أسرتي لم أخبرهم بقراري، باستثناء أختي رقية، وهي مناضلة حينها في صفوف الشبيبة الاتحادية والحزب، حيث طلبتُ من فاطمة يحياوي، عند عودتها إلى البيت، أن تُطلعها على ما جرى، وتخبرها بقراري، وتشدد عليها ألا تخبر أحدا. وللتذكير، لم يُعلَن رسميا عن النتائج عبر الإذاعة والتلفزة إلا في وقت متأخر من مساء السبت 15 نونبر 1997، بعد عودتي من الرباط، حيث كنا قد رتبنا الموعد مع اليوسفي للقاء به يوم الأحد 16 نونبر 1997، في الساعة التاسعة صباحا.

 

الأحد 16 نونبر 1997

  • الساعة التاسعة صباحا:

في الساعة التاسعة صباحا من يوم الأحد 16 نونبر 1997، استقبلنا عبد الرحمان اليوسفي في مكتبه بمقر جريدة "الاتحاد الاشتراكي" بالدار البيضاء. وقد سبق لي أن تحدثت بتفصيل عن مجريات اللقاء. وأكتفي هنا بذكر جميع من حضروا، إلى جانبي، ذلك اللقاء، بأسمائهم وصفاتهم:

محمد الساسي (الكاتب العام للشبيبة الاتحادية)، ومحمد حمضي، وعبد العالي مستور، وعبد الكريم بنعتيق، وحسن نجمي (أعضاء المكتب الوطني للشبيبة الاتحادية)، وخالد السفياني (عضو اللجنة المركزية للحزب)، وعبد الله امعاشو (الكاتب الإقليمي للشبيبة الاتحادية بالدار البيضاء ومدير حملتي)، وفاطمة يحياوي (عضو المكتب الإقليمي للشبيبة الاتحادية ونائبتي بالمكتب المركزي)، والمختار بنعبدلاوي (عضو مكتب فرع الحزب بسيدي عثمان)، والكبير لبزاوي (عضو اللجنة المركزية للحزب، وقد التقيناه عند باب مكتب اليوسفي، حيث كان له هو الآخر موعد مع عبد الرحمان اليوسفي، وقد حضر معنا اللقاء وتابع مجرياته من أولها إلى آخرها).

 

أخبرْنا اليوسفي بموضوع لقائنا به. قدمتُ له الوقائع والمعطيات المتعلقة بتزوير نتائج الانتخابات لصالحي، وأخبرته بقراري رفض المقعد البرلماني المزور، وطلبنا منه أن نعلن هذا القرار بجريدة الحزب. طلب منا في البداية أن يتم تأجيل الإعلان عن موقفي إلى أن ينعقد اجتماع المكتب السياسي للحزب من أجل تدارس الأمر وإصدار موقف. تشبثت بضرورة إعلان موقفي في العدد الذي يتم إعداده في اليوم الذي نجتمع فيه.

 

وهذا ما حصل في النهاية؛ حيث نُشر موقفي بجريدة "الاتحاد الاشتراكي" في أعلى الصفحة الأولى يسارا من العدد الذي كان يجري إعداده وتم إغلاقه في حدود الساعة الثالثة بعد الزوال من يوم الأحد 16 نونبر 1997، والمؤرخ في 17 نونبر 1997.

 

وقبل أن أغادر مقر الجريدة، بعد إغلاق العدد، كانت النسخ الأولى منه تصل تباعًا إلى الأكشاك، بدءًا من الدار البيضاء والرباط، ثم إلى باقي المدن والقرى. وقد عَلِم الرأي العام أنني غير معنيٍّ بالنتيجة التي تم إعلانها عبر وسائل الإعلام العمومية، وأنني رفضتُ أن أكون برلمانيًّا مُزَوَّرًا.

 

أقف عند هذا الحد في استعراض الوقائع، ولن أتحدث عن المعارك التي خضتُها بعد ذلك لإثبات أنني لست أنا الفائز، سواء بتصريحاتي أمام لجنة البحث والتقصي التي شكلتها اللجنة الوطنية لتتبع الانتخابات، في اجتماعين أحدهما عُقِد يوم الأربعاء 19 نونبر 1997 بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، والآخر في اليوم الموالي (الخميس 20 نونبر 1997) بمقر اللجنة الوطنية لتتبع الانتخابات بالرباط، أو بإقدامي على الطعن في النتائج المعلَنة لصالحي أمام المجلس الدستوري؛ وهو الطعن الذي قدمه باسمي المحامي الأستاذ خالد السفياني، أو بإصراري على التشبث بموقفي وعدم الالتحاق بالبرلمان طيلة سنوات قبل أن يلغي المجلس الدستوري النتائج المزورة.

 

وأختم بما يلي،

وهذه المرة أتوجه بخطاب مباشر إلى السيد إدريس الأزمي، مستخدما صيغة المخاطَب في توجيه الكلام إليه:

ليكن في علمك أن مسألة رفضي للمقعد المزوَّر انتهت بالنسبة إلي في حينها، ولم أكن أعود إلى الحديث عنها إلا إذا طُرِح عليّ سؤال بشأنها في إطار ندوة أو حوار صحافي. وما كنتُ لأُعيد الخوض فيها لولا أن عاد إلى إثارتها شيخُك عبد الإله بن كيران.

 

وكنتُ قد صرحت منذ زمان بأن موقفي لا أدعي فيه بطولة ولا سعيت لها أصلا، واعتبرتُه دائما الموقف الطبيعي الذي يجب أن يتخذه كل من يؤمن بالديمقراطية ويدافع عن نزاهة الانتخابات. ولذلك، لم أَسْعَ إلى "رسم أية أسطورة لنفسي"، حتى يتولى شيخُك إنهاءها، كما يتخيل لك. ولعلمك، فأنا لا تستهويني الأساطير، لا سيما الأساطير السياسية، تلك التي تُبنى على الأوهام وتسعى إلى التضليل.

 

أما الذي يحاول "رسم بطولات مزيفة"، بالتعبير الذي استعملتَه، فهو شيخك الذي يَصْدُق عليه هذا الوصم الذي حاولتَ أن تُلصقه بغيره، فهو المعروف بمحاولة "إضفاء الهالة والطلاسم على الشأن العام لإخفاء العجز والحقائق عن الجمهور"، التي تريد أن تُلَفِّقَها لغيره. أليس في استعماله، وهو رئيس للحكومة، مصطلحات العفاريت والتماسيح محاولة لإضفاء الطلاسم على التدبير الحكومي؟! أليس في ذلك محاولة لإخفاء العجز والحقائق عن الجمهور؟! إنك، من حيث لا تدري، تدين شيخَك في الوقت الذي تريد الدفاع عنه.

 

أما أنا، فقد نجحت في فضح التزوير، ونجحت في مواجهة إدريس البصري، حين استشاط غضبا في أول اجتماع للجنة الوطنية لتتبع الانتخابات بعد اقتراع 14 نونبر، وقال إن قراري وراءه جهات أجنبية تستهدف الإساءة إلى المغرب والنيل من سمعته. وتوليتُ بنفسي الرد على اتهاماته، حين قلتُ، في لقاء استضافني فيه فرع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بحي اليوسفية بالرباط مباشرة بعد ذلك الاجتماع: "إن من يسيء إلى المغرب ويلطخ سمعته هو إدريس البصري الذي يُزَوِّر الانتخابات". أما شيخك، فقد رضخ لأوامر إدريس البصري بـ"ترشيد" مشاركة حزبه في تلك الانتخابات، فقط ليُسمَح له بـ"الوجود السياسي الرشيد".

 

واليوم، يتبين أنني نجحتُ في فضح التزوير مرتين: مرة في 1997، عند تزوير الانتخابات من طرف إدريس البصري ومن معه. ومرة في 2025، عند تزوير التاريخ من طرف عبد الإله بن كيران ومن معه من أتباعه ومريديه.