Friday 5 September 2025
كتاب الرأي

بنسعيد الركيبي: مدارس الريادة بين التجريب المرحلي وتحديات الاصلاح البنيوي الشامل

 
 
بنسعيد الركيبي: مدارس الريادة بين التجريب المرحلي وتحديات الاصلاح البنيوي الشامل بنسعيد الركيبي
يمثل مشروع "مدارس الريادة" محاولة لإعادة التفكير في نموذج إصلاح المدرسة العمومية ببلادنا، من خلال اعتماد منهج مرحلي يقوم على التدرج والتجريب. فبدل الانخراط في إصلاح شامل دفعة واحدة، اختار صانعو القرار التربوي الانطلاق من عينة محدودة من المؤسسات التعليمية، لتكون بمثابة مختبر بيداغوجي لتجريب ممارسات جديدة، وابتكار حلول عملية قابلة للتعميم. ويستند هذا التوجه نظريا إلى ما يعرف في الأدبيات التربوية بنموذج "الإصلاح التجريبي" الذي يسمح بقياس الأثر وضبط المؤشرات وتجاوز الاختلالات قبل التعميم. وينظر إليه أيضا كآلية لتفادي فشل المشاريع الكبرى التي غالبا ما تصطدم بضعف الإمكانيات أو غياب التنسيق. غير أن القراءة النقدية تضعنا امام عدة إشكاليات، أولها مرتبط بمسألة العدالة المجالية والاجتماعية، إذ يخشى أن يؤدي هذا التدرج إلى تكريس تمايز جديد بين مدارس تحظى بموارد وتجهيزات وفرص تطوير، ومدارس أخرى تظل رهينة النقص والخصاص. وثانيها يتصل بمدى قدرة هذا المشروع على التحول من تجربة محدودة إلى سياسة عمومية شاملة، في ظل تراكم تجارب سابقة انتهت إلى شلل أو توقف عند حدودها الأولى. كما أن السياق السياسي والتربوي يفرض التساؤل حول طبيعة الرهانات الحقيقية للمشروع: هل يتعلق الأمر بإرادة لإصلاح المدرسة العمومية جذريا، أم مجرد خطوة لتلميع صورة المنظومة أمام الرأي العام والشركاء الدوليين؟ إن تحليل مشروع "مدارس الريادة" يضعنا أمام معادلة دقيقة، من جهة الحاجة الموضوعية إلى الإصلاح التدريجي باعتباره أكثر عقلانية وواقعية، ومن جهة أخرى، خطر تحوله إلى أداة لتأجيل الإصلاح البنيوي الشامل الذي مازال مطلبا ملحا. ومن هنا فإن التحدي الأكبر لا يكمن في نجاح التجريب بحد ذاته، بل في ضمان أن يكون هذا النجاح مدخلا لتعميم المنجزات وإرساء تحول هيكلي يعيد للمدرسة العمومية مكانتها كفضاء للعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص.