الاثنين 29 إبريل 2024
ملفات الوطن الآن

«الوطن الآن» تنشر خريطة الخلايا الإرهابية بالمغرب

«الوطن الآن» تنشر خريطة الخلايا الإرهابية بالمغرب

تعد أحداث 16 ماي 2003 الإرهابية التي هزت المغرب آنذاك ، محطة بارزة في تاريخ العقل الأمني العام ببلادنا، بالنظر إلى أن هذه الأحداث سترفع من وتيرة الحذر والرصد لكل ما يمكن أن يمس الأمن العام للمغاربة ولممتلكاتهم عبر التدخلات الاستباقية لتفكيك الخلايا الإرهابية ووضع اليد على عناصرها قبل تنفيذ مخططاتهم.

هذا العمل الاستباقي للمصالح الأمنية مكن من تفكيك ما يزيد عن 140 خلية في السنوات العشر الماضية، أي بمعدل تفكيك خلية في الشهر تقريبا. وبالرغم من جدية المخاطر الإرهابية، ظلت بعض العائلات السياسية (خاصة زعماء حزب العدالة والتنمية) تخلق التشويش وتشكك في الخطر الإرهابي وتعبئ الأذرع النيابية والنقابية والجمعوية للمطالبة بالإفراج عن المتورطين في قضايا الإرهاب. ومع الربيع الأصولي الذي اجتاح العالم العربي عام 2011، سيتم تعبيد الطريق لحزب العدالة والتنمية للوصول إلى الحكم عقب انتخابات تشريعية بوأته المراتب الأولى من حيث عدد المقاعد بمجلس النواب.

فتم تسليط كشافات الضوء من طرف المراقبين على حكومة عبد الإله بنكيران لمعرفة رد فعلها في التصدي للإرهاب، خاصة وأن حزب العدالة والتنمية عض بالنواجد - أثناء المفاوضات مع الحلفاء لتشكيل الحكومة- على حقيبة العدل والحريات، بل وحرص على تسليمها للمحامي مصطفى الرميد الذي كان يتزعم الحملة ضد التشكيك في الحملة ضد الإرهاب حينما كان يترأس «منتدى الكرامة».

الآن وقد مرت ثلاث سنوات على حكم عبد الإله بنكيران، فإن المدة كافية لقراءة تعامل الأجهزة العمومية - في ظل الحكومة الملتحية- مع المخاطر الإرهابية.

«الوطن الآن» اكتفت بدراسة الفترة الزمنية الممتدة من ماي 2013 إلى اليوم (نونبر 2014)، أي ما يعادل 20 شهرا من عمر الحكومة الملتحية. وهي فترة أملتها بالأساس دواعي توثيقية، على اعتبار أن المادة الخام التي اشتغلت عليها «الوطن الآن» تمثلت في البلاغات الرسمية التي أصدرتها الحكومة وعددها 28 بلاغا خلال الفترة المدروسة، همت تفكيك 21 خلية إرهابية.

28 بلاغا لـ 21 خلية إرهابية

طيلة الفترة التي درستها «الوطن الآن» و التي تغطي 20 شهرا (من ماي 2013 إلى نونبر 2014)، أصدرت وزارة الداخلية 28 بلاغا بخصوص تمكن الأجهزة الأمنية من شرطة ودرك (بفضل المعلومات التي التقطها رادار أجهزة الديستي) بشكل استباقي من تفكيك الخلايا الإرهابية التي كانت تتهيأ لضرب منشآت حيوية بالمغرب، أو كانت تقوم بتجنيد مقاتلين وإرسالهم للقتال في صفوف التنظيمات المتطرفة: 3 بلاغات خلال سنة 2013، و25 بلاغا خلال 2014.

 

وقد همت بلاغات وزارة الداخلية 21 خلية، حيث استأثرت خلية القنيطرة بثلاثة بلاغات: (27 أكتوبر 2014) و(30 أكتوبر 2014) و(5 نونبر 2014)، وهي الخلية التي خططت لتفجير البرلمان وبنك المغرب ومقرات دبلوماسية أجنبية، فضلا عن اغتيال شخصيات سياسية وطنية وأجنبية، لخلق أجواء ترهيبية داخل المملكة. في حين حظيت خلية الناظور: «الموحدون» و«التوحيد» ببلاغين: (5 ماي 2013) و(9 ماي 2013)، وهي الخلية التي كانت تراهن على تقوية صفوفها باستقطابات أكبر من أجل القيام بأعمال إرهابية داخل المغرب.

كما صدر أيضا بلاغان آخران بشأن خلية الناظور مليلية التي كان عناصرها يستقطبون مقاتلين مغاربة لتعزيز صفوف دولة أبي بكر البغدادي: (26 شتنبر 2014) و(28 شتنبر 2014).

الخلايا الإرهابية التي تم تفكيكها في 20 شهرا

السنة                        عدد البلاغات            

2013                            3

2014                            25

المجموع                          28 بلاغا

يكشف الجدول المرفق عن صدور 28 بلاغ بشأن تفكيك خلايا إرهابية بالمغرب خلال الفترة المدروسة (ماي 2013 - نونبر 2014).

وهذه البلاغات تخص في الواقع تفكيك 21 خلية إرهابية. لأن بعض الخلايا صدر بشأنها أكثر من بلاغ.

تعاون استخباراتي غير مسبوق بين المغرب وإسبانيا

بفضل التعاون الأمني الوثيق مع إسبانيا، تمكنت أجهزة الأمن المغربي، حسب ما حملته بلاغات وزارة الداخلية خلال الفترة المدروسة، من تفكيك 3 خلايا، وهو ما يعكس التنسيق غير المسبوق بين البلدين، حيث أضحى المغرب، حاليا، هو البلد الأكثر تعاونا وثقة على الصعيد الاستخباراتي بالنسبة لمدريد، وهذا ما تحمله تصريحات المسؤولين الإسبان أنفسهم. وليس أدل على ذلك من إقدام إسبانيا على توشيح مدير الديستي، عبد اللطيف الحموشي، ومسؤولين آخرين مغاربة بالجهاز نفسه، بأوسمة: وسام «الصليب الشرفي للاستحقاق الأمني بتميز أحمر»، حيث أوضح بلاغ لوزارة الداخلية الإسبانية «أن المصالح الأمنية بالبلدين تعمل في أجواء ممتازة من الثقة والاعتراف والاحترام المتبادل» في مجال «حساس للغاية ومعقد» مثل مكافحة الإرهاب.

 

وقد اعتبر مراقبون أن تلك التوشيحات التي تم الإعلان عنها في 8 أكتوبر 2014، بمناسبة تخليد يوم الشرطة الإسبانية، بحضور وزير الداخلية خورخي فيرنانديز دياث، تعتبر تثمينا لجهود وتعاون هذا الجهاز المخابراتي مع إسبانيا، وهو التعاون الذي أحدث تغييرا جذريا في العلاقات بين البلدين.

التنسيق الاستخباراتي المغربي الإسباني القائم أسفر عن تفكيك العديد من الخلايا النائمة، سواء التي كان تعتزم القيام بأعمال عنف أو إرهابية، أو التي كانت تقوم بتجنيد الشباب للتوجه إلى دولة «سيدنا» أبوبكرالبغدادي للالتحاق بمقاتلي داعش أو ببؤر توتر أخرى. ولعل آخر هذه العمليات هو تفكيك المصالح الأمنية لـ «خلية جهادية» واعتقال 6 من أعضائها من بينهم أول جهادي إسباني عاد مؤخرا من معسكرات الجهاديين بمالي، في عملية سرية أطلق عليها اسم «جابر».

واعتبرت المصالح الأمنية أن اعتقال أول جهادي إسباني عائد من الحرب الدائرة في مالي، بعد أن تلقى تدريبا في معسكر عائد لحركة التوحيد والجهاد في الغرب الإفريقي يعتبر غنيمة لها، لمعرفة مستوى عمليات التنسيق التي تجري بين الأطراف الجهادية بشمال المغرب وخلايا متفرقة بكل من ليبيا ومالي.

وجاءت عملية «جابر» ثلاثة أيام فقط بعد تفكيك المغرب لخلية مماثلة، من بين أعضائها شخص من مدينة الفنيدق على مشارف سبتة، بتهمة إشرافه على «تأمين الدعم المادي للمشروع القتالي لاثنين من رفاقه»، من أجل تسفيرهما إلى سوريا للمشاركة في المعارك الدائرة بين مقاتلي المعارضة الإسلامية وجيش النظام السوري، كما تم أيضا توقيف شخصين بمطار محمد الخامس بالدار البيضاء، كانا ينويان التوجه إلى سوريا للانضمام إلى «تنظيمات إرهابية تابعة للقاعدة للمشاركة في القتال هناك والاستفادة من الخبرة العسكرية»، حيث كانت تربطهما علاقة بمنسق ينشط على الحدود السورية التركية كان يستعد لتسهيل دخولهما إلى الأراضي السورية.

التوزيع الجغرافي للجهاديين في المغرب

فاس والناضور: عاصمتا إنتاج الجيل الجديد من الإرهابيين

إذا كان التقرير الذي أعده مركز «بوي» للأبحاث حول التوزيع الجغرافي للدول المصدرة لمقاتلي «داعش» نحو سوريا والعراق قد وضع المغرب في المرتبة الثالثة بعد تونس والسعودية، فإن التوزيع الجغرافي للجهاديين الذين جرى توقيفهم على المستوى الوطني في المرحلة الفاصلة ما بين ماي 2013 ونونبر 2014 جعل مدينة فاس على رأس القائمة، حيث أنتجت 11 جهاديا، تليها مدينة الناظور بـ 10 جهاديين، في حين احتل مدينة مراكش والمناطق الحدودية المرتبة الثالثة بـ 3 جهاديين. أما المرتبة الرابعة، فكانت من نصيب مدينتي الحسيمة ومليلية المحتلة. بينما تقاسمت المرتبة الخامسة بجهادي واحد (1) المدن التاليىة: تطوان، تازة، صفرو، مريرت، الفنيدق، تيزنيت، تاونات، مكناس، وجدة، بركان، العيون، القنيطرة، طنجة.. وتوزع ما تبقى من الموقوفين على مدن أخرى.

 

الملاحظة الأولى التي تستوقفنا بعد استقراء هذا التوزيع، تجعلنا نطرح هذا السؤال: كيف أصبحت مدينة فاس التي كانت منارة للعلم ومقصدا للعلماء أكبر مشتل لاستنبات الإرهابيين؟ وكيف انمحى الدور الذي كانت تلعبه جامعة القرويين التي ساهمت عبر تاريخ طويل في إنتاج «الإسلام الوسطي» والحفاظ على المذهب المالكي؟ كيف تغلغل الفكر الجهادي في أوساط شباب مدينة فاس التي كانت تعتبر مدينة جامعية أنتجت لنا، في مرحلة السبعينيات، كبار المثقفين والمفكرين والأدباء والسياسيين والفنانين والاقتصاديين؟ كيف تحولت مدينة فاس التي كانت ساحة عمومية للجدل الفكري والاختلاف إلى ساحة مغلقة لتربية فقهاء الظلام؟

الملاحظة الثانية تتعلق بمدينة الناظور التي تعتبر ثاني أكبر مدينة (بعد البيضاء) حاضنة للأموال، مما يدعو إلى التساؤل: كيف يمكن أن تتحول الناضور إلى مدينة تتنافس على إنتاج الإرهابيين، في الوقت الذي كان ينبغي أن تعود الأموال النائمة في مصارفها على شباب الناظور بالنفع، وأن يتنافس مسؤولوها وأحزابها وخطبائها وجمعياتها على تحقيق الرفاه لأبنائها وتحويلها إلى منطقة جذب اقتصادي، وليس إلا مشتل للإرهابين.

 

الملاحظة الثالثة التي استرعت انتباهنا هو أن منابت أغلب الجهاديين تتوزع على منبتين كبريين متجاورين: شريط طنجة الحسيمة وشريط فاس بولمان. وهذا ما يطرح أكثر من سؤال حول أسباب اضطلاع مدن الشمال بصفة عامة بأدوار إنتاج الجهاديين، علما أنها الأقرب إلى أوروبا، وبالتالي ما هي تأثيرات «الإسلام الأوربي» في عملية الإنتاج هاته، خاصة في كل من بلجيكا و إسبانيا وفرنسا؟

الملاحظة الرابعة التي لا يمكن القفز عليها هو أننا لم نعد أمام «المدينة الاستثناء» التي تستفز البحث عن الأسباب والدواعي، بل أصبحنا أمام ظاهرة تتساوى فيها المدن المليونية والمدن الصغيرة، المدن التاريخية والمدن الحديثة، المدن المستقلة والمدن الحديثة، مدن الجنوب والمدن القريبة من أوروبا والتي كانت إلى عهد قريب مدنا دولية..

إن هذا التوزيع يعطى فكرة إجمالية عن الوضع، مما يستدعي ضرورة القيام بإجراءات من شأنها الحد من استمرار إنتاج هذا الكم من الإرهابين الذين يهددون أمننا العام.

كشفها مسار الجهاديين: باستثناء الوحي، الشرق لا يصدر سوى السموم للمغرب

تثبت مضامين البلاغات التي عممتها وزارة الداخلية بخضوص الخلايا الإرهابية التي جرى تفكيكها خلال الفترة المدروسة أن الموقوفين لا يتحركون فقط وفق أجندات وطنية، بل أيضا وفق أجندات إقليمية ودولية. وهذا ما تترجمه المسارات التي قادت هؤلاء المقاتلين نحو بلادنا بحسب ما كشفته التحقيقات. حيث أظهرت البلاغات أن 10 خلايا كانت لها ارتباطات مع التنظيمات الجهادية في المنطقة السورية العراقية (داعش، النصرة)، وهي المنطقة التي تشهد معارك طاحنة يشارك فيها أكثر من 1200 جهادي مغربي. في حين ارتبطت 3 خلايا بشبكة الإرهابيين بشمال مالي ومنهم من شارك في معارك ضارية جنبا مع جنب مع الجماعات المتطرفة التي واجهت الجيش الفرنسي، كما تبين أن اثنين (2) من الموقوفين قدما من الحدود التركية السورية، وهو ما يعني أنهما إما كانا يعتزمان التسلل للإلتحاق بأميرهم البغدادي وفشلا في ذلك، وإما أنها شاركا بالفعل في القتال وعادا للالتحاق بأسرتيهما أو لاستقطاب عناصر أخرى للقتال مع داعش.

كما أظهرت البلاغات أن اثنين آخرين بنوا جسورا مع الشبكة اليمنية؛ ومثلهما عادا من ليبيا، ويحتمل أن يكونا قد شاركا في المعارك التي شنها «أنصار الشريعة» على قوات حفتر.

 

وأفادت وزارة الداخلية أن موقوفين (2) آخرين كان يقاتلان إلى جانب تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذي يقوده عبد المالك درودكال الملقب بأبي معصب عبد الودود، والذي يدين بالولاء للظواهري، زعيم تنظيم القاعدة بأفغانستان. كما بينت البلاغات أن المقاتلين الآخرين توزعوا على: مليلية المحتلة، بلجيكا، مصر، فرنسا..

والمثير في استقراء مسارات هؤلاء الإرهابيين هو حقيقة أن الشرق لا يأتي منه إلى المغرب إلا السموم والتطرف والمغالاة في الدين والتكفير، ما عدا الوحي الإلهي التي عرف المغاربة كيف يستوعبونه بإيمانهم وعقولهم. أما الملاحظة الثانية، فهو هذا الاستبسال في البحث عن دولة الخلافة الإسلامية ومحو الأوطان، والارتماء في أحضان الإرهاب العابر للقارات، فهؤلاء لا يؤمنون بمؤسسات الدولة القطرية، ولا بدساتيرها، ولا بتشريعاتها. لا يؤمنون إلا بشيء واحد، ألا وهو حمل السلاح ضدها بغاية إرغامها على فسح المجال لحكم الأمير.

الجهاديون الأجانب: الفرنسيون في طليعة الإرهابيين الذين يستهدفون أمن المغرب

من المؤشرات اللافتة، بالنظر إلى جنسيات الموقوفين ضمن الخلايا الإرهابية، أن سبعة فرنسيين، إلى جانب جزائري واحد، دخلوا إلى بلادنا من أجل القيام بأعمال إرهابية وتخريبية. واللافت أكثر هو أن هؤلاء الفرنسيين ليسوا من أصول مغربية أو مغاربية، كما جرت العادة، ولم يشعروا بالتهميش الذي يمكن أن يكون مبررا جيدا لارتمائهم في أحضان التطرف. فهم لا يحملون أسماء مثل أحمد ومصطفى وعمر ويوسف أو المعطي، بل إنهم يحملون أسماء ميشيل وروبير وجان وهنري وجرار وكلود...إلخ.

 

هذا التحول يثبت أن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاندا يوجد في مأزق حقيقي إذ لم تستطع برامج الحكومة الاشتراكية التي يقودها أن تضع هؤلاء الفرنسيين «المغرر بهم»، الذين يتزايد عددهم في دولة البغدادي، في إطار قيم الجمهورية الفرنسية المبنية على الأخوة والتسامح، ولم تفلح «أنوار» فرنسا التي سارت بذكرها الركبان في تأطيرهم روحيا وعقديا، بل دفعت هذه البرامج البائسة بالعديد منهم إلى البحث عن ملاذ في التنظيمات الإرهابية، والإلتحاق بتنظيم «داعش» و«النصرة»، بل إن التطرف جمح ببعضهم إلى درجة بث شريط مصور يظهرون فيه وهم يحرقون جوازات سفرهم الفرنسية ويبدون استعدادهم الكامل للقتال مع «داعش». وقد وجه هؤلاء الفرنسيون رسالة إلى من سموهم «إخوانهم في فرنسا» لـ«الجهاد في سبيل الله» على حد تعبيرهم، مؤكدين عدم ترددهم في قطع رؤوس «أعداء الإسلام»، ولاسيما الفرنسيين كما جاء في تصريحات بعض المتحدثين في الشريط المسجل.

إن واقعة اعتقال فرنسيين ضمن الخلايا الإرهابية ليست بالتأكيد شيئا طارئا على مستوى مكافحة الإرهاب في بلادنا، إذ يذكرنا هذا باعتقال الفرنسي بيير ريشار في 2002 على خلفية أحداث 16 ماي. لكنها مقلقة لأكثر من سبب، ولعل أبرز الأسباب أن فرنسا التي تجمعنا معها علاقات سياسية واقتصادية وتاريخية أصبحت دولة مصدرة للإرهابيين إلى أكثر من مكان (المغرب، مالي، سوريا، العراق)، مما يقتضي من الساهرين على الأمن إبداء الكثير من الحرص واليقظة، وتنشيط التنسيق الأمني والاستخباراتي بين البلدين، وذلك للحد من إمكانية ترجمة المخاوف التي تعتري الطرفين إلى استهداف حقيقي لمصالحهما من طرف العائدين من مناطق التوتر.

أكثر من 71 موقوفا، والعدد قد يتجاوز المئات

نفذت أجهزة الأمن عمليات متفرقة لتفكيك خلايا الإرهاب في مجموعة من المدن المغربية: 19 مدينة (انظر التوزيع الجغرافي: ص: 7)، الأمر الذي قادها إلى وضع يدها على أكثر من 71 عنصرا خلال الفترة المدروسة (من ماي 2013 إلى نونبر 2014). لكن يتعين قراءة هذا الرقم بكثير من التحفظ، إذ ما يجعل هذا الرقم قاصرا عن ترجمة العدد الفعلي للموقوفين الإرهابيين هو أن بعض بلاغات وزارة الداخلية التي اعتمدنا عليه تسكت عن عدد الموقوفين وتكتفي بذكر اسم الخلية التي تم تفكيكها والأهداف التي كانت ترمي إليها، حيث لم تسرد هذه البلاغات عدد الموقوفين إلا في 17 خلية، في حين تم تجاهل عددهم في 4 خلايا أخرى. وهذا يعني في المحصلة أن الذين جرى التحقيق معهم يمكن أن يعد بالمئات، كما يعني ذلك أن عددهم ليس ثابتا، إذا يجري إطلاق سراح من لا يستدعي التحقيق بقاءه، أو من ثبتت براءته من تهمة الإرهاب.

قاموس المجاهدين

الفيء: كل مال أخذ من المشركين بغير قتال كالجزية والخراج والعشور المأخوذة من تجارهم وما تركوه فزعا أو بذلوه لنا في الهدنة ونحو ذلك.

الغنيمة: كل أموال المشركين وممتلكاتهم التي استولى عليها المحاربون المسلمون بقوة القتال.

الاستحلال: جعل ما حَرَّمه الله حلالاً، استنادا إلى القول بأن عصمة الدم والمال هي لأهل الإسلام فقط دون أهل الشرك المنصوص علي حل دماءهم وأموالهم وعدم عصمتها صراحة.

التعزير: العقاب الشرعي بغرض التأديب على معصية أو جناية لا حد فيها ولا كفارة، أو فيها حد، لكن لم تتوفر شروط تنفيذه، كالقذف بغير الزنا، وكالمباشرة في غير الفرج، وغير ذلك..

الولاء والبراء: الولاء والبراء معناه محبة المؤمنين وموالاتهم، وبغض الكافرين ومعاداتهم، والبراءة منهم ومن دينهم.

لا ضمانة في عودة المعتقلين السابقين إلى تكوين خلايا إرهابية جديدة

أثبتت التحقيقات أن 8 خلايا من التي جرى تفكيكها خلال الفترة المدروسة ضمت في صفوفها معتقلين سابقين في إطار قانون مكافحة الإرهاب، حوكموا وسجنوا وأفرج عنهم بعد إتمام مدة محكوميتهم. وهذا المعطى يؤكد أن أغلب الجهاديين المعتقلين يتعامل مع السجن كابتلاء لا ينهي ارتباطه بإعلان الحرب على الدولة الكافرة، وهو ما يفسر تزايد حالات العود في صفوف هؤلاء، حيث أكد وزير الداخلية مؤخرا أمام البرلمان أن 218 جهاديا تم توقيفهم كانوا معتقلين سابقين. (انظر أدناه)

فرغم الانفتاح الإيجابي للدولة على ملف السلفيين الجهاديين، عبر إعمال مسطرة العفو الملكي بـ«ضمانة من مصطفى الرميد، وزير العدل»، فإن العديد منهم لم يراجع قناعاته ولم يتخل لاعن فكره الجهادي ، بالمقابل مازال العديد من سلفيي السجون يرفضون التوقيع على رسائل العفو، معتقدين أنهم غير مضطرين للتراجع عن اتهامات غير معنيين بها أصلا، بينما هناك آخرون انخرطوا في مشاريع مراجعات تتهدها سياقات ظرفية مرتبطة بمناخ الحرب السورية وتأثيراتها على الجيل الجديد من الجهاديين المغاربة، وأخرى متعلقة بارتفاع حالات العود داخل أوساط المعتقلين في قضايا إرهابية، كما أظهر ذلك مسلسل تفكيك الخلايا. والأدهى من ذلك كله سفر العشرات من السلفيين المتابعين في قضايا إرهاب سابقا إلى سوريا بأعداد أكبر وتشكيل مجموعاتهم الجهادية الخاصة بهم، مثلما فعل ابراهيم بنشقرون (وهو من معتقلي غوانتانامو ومن المستفيدين من العفو الملكي) قبل مقتله، حيث أسس حركة «شام الإسلام» التي انخرط فيها مقاتلون مغاربة وشيشان ومغاربيون، ومن أبرزهم أنس الحلوي (قتل في المعارك) وهو معتقل سلفي سابق أيضا ومنسق لجنة الدفاع عن المعتقلين السلفيين.

بالأرقام

* المغرب يفكك أزيد من 140 خلية إرهابية منذ أحداث ماي 2003 إلى اليوم.

* 1203 مغربي يلتحق بالتنظيمات الإرهابية

* منهم 311 جهادي في سوريا والعراق

* 128 جهادي مغربي تم التحقيق معهم لما عادوا من العراق وسوريا

* 20 جهاديا مغربيا نفذ عمليات انتحارية باسم دولة «سيدنا» أبو بكر البغدادي

* 218 من الجهاديين المغاربة سبق وقضوا عقوبات في ظل قانون الإرهاب

* 245 جهادي مغربي قتل في معارك جهادية

* 15000 فرد، هو عدد الجهاديين الأجانب الذين التحقوا بسوريا لوحدها للقتال مع التنظيمات الإرهابية كــ «النصرة» و«داعش»

الجهاديون الموقوفون: تجربة قتالية ودراية بالتفخيخ والتفجيرعن بعد

من بين 21 خلية تم توقيفها خلال الفترة المدروسة، هناك 6 خلايا أعضاؤها لديهم تجربة قتالية ومعرفة بالسلاح والمتفجرات والتفخيخ والتفجير عن بعد والاغتيالات. وهذا يؤكد أن العديد من الجهاديين الذين نبتوا بيننا (أو تسللوا إلينا) كانوا قادرين على القتل والتدمير على الطريقة الداعشية (حرب العصابات)، وأنهم كانوا ينتظرون ما يلزم من المعدّات الحربية لخوض تجربة القتال محليا، أو على الأقل كانوا يتهيأون للالتحاق بتنظيم «داعش» الذي تمكن من إثبات حضوره بالعنف الدمويّ وقطع الرؤوس، وتحول إلى منطقة جذب لتمكنه من السيطرة على مساحة جغرافية واسعة يبسط عليه نفوذه، ومن امتلاك نظام مالي قوي وشبه مستقل (عائدات النفط المهرب)، إضافة إلى المعدّات والأسلحة الجاهزة للاستخدام.

هذا المعطى يثبت أن التجربة القتالية، وأحيانا شبه العسكرية، التي يتوفر عليها الجهاديون ينبغي أن تكون في قلب معادلة مكافحة الإرهاب، ما دام «العائدون» يتوفرون على دراية كبيرة بطرق القتال، كما يتمتعون بــ «كشف سيرة» في القتل يبعث على الزهو.

وزير الداخلية: عودة الجهاديين من بؤر التوتر مشكل يؤرق بالنا

«نالت الأوضاع الأمنية في بلادنا حيزا هاما من تدخلات النواب، الشيء الذي ينم عن الاهتمام الذي يحظى به هذا المجال لدى السادة ممثلي الأمة. وأود أن أشكركم في هذا السياق، على تنويهكم بالعمل الذي تقوم به مختلف المصالح الأمنية من أجل السهر على النظام العام وعلى حماية المواطنين وممتلكاتهم وضمان استتباب الأمن الذي تنعم به بلادنا.

كما أود أن أؤكد، من خلالكم، للمواطنات والمواطنين المغاربة بأن الوضعية الأمنية ببلادنا تتميز، والحمد لله، بالاستقرار وبالإحساس المتزايد بالأمان لدى عموم المواطنين وزائري المملكة.

ورغم تشعب التحديات الأمنية التي تتم مواجهتها، فإن الإدارة الترابية والمصالح الأمنية المختصة تعمل وفق خطة تروم الوفاء بالتزامات الدولة بشأن جميع المجالات ذات الصلة، خاصة في ظل التحديات الأمنية والإرهابية التي تحدق ببلادنا.

لقد نجحت بلادنا طيلة المرحلة السابقة في تفادي وقوع أي عمل إرهابي وذلك بفضل يقظة المصالح المختصة التي تعمل دوما على تحسين وتطوير أدائها، وفق مقاربة استباقية تقوم أساسا على دعم التنسيق بين مختلف هاته المصالح.

وفي هذا الصدد، ينبغي التأكيد على أن سياسة السلطات العمومية في مجال محاربة الإرهاب تندرج في إطار مقاربة شمولية ومندمجة توفق بين البعد الأمني والحقوقي والأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتحسيسية.

ولمواجهة التهديدات المرتبطة بالمستجدات التي تعرفها المنطقة، فقد عمل المغرب على تكريس مبدأ عدم تجزيء المنظومة الأمنية وعلى تشجيع المبادرات الإقليمية الرامية إلى ضمان مراقبة أفضل للحدود ومنع المنظمات الإرهابية من الحصول على الأسلحة أو على الموارد البشرية أو اللوجستيكية.

لقد أصبح الإرهاب يشكل آفة عظمى تتربص بأمن واستقرار كل دول العالم، خاصة مع تكاثر بؤر التوتر والتحاق عدد من الأفراد بالمجموعات المسلحة للمشاركة في عمليات قتالية، مما يمكنهم من الحصول على مهارات في استعمال الأسلحة والمتفجرات وتنفيذ العمليات التخريبية. ومما يزيد من حدة هذه الإشكالية هو عودة هؤلاء المقاتلين إلى بلدانهم، الأمر الذي يضاعف من فرضية تنفيذهم لبعض العمليات الإرهابية.

فعودة الجهاديين من بؤر التوتر يشكل مشكلة تؤرق بال العديد من أجهزة الأمن والاستخبارات، خاصة في ظل اتساع رقعة المناصرين للتنظيم الإرهابي «داعش» بكل من مصر وليبيا وارتفاع عدد المقاتلين الأجانب الملتحقين بسوريا الذي بلغ أكثر من 15 ألف شخص».

من كلمة الوزير حصاد في اجتماع لجنة الداخلية بمجلس النواب يوم 10 نونبر 2010

أثناء مناقشة ميزانية وزارة الداخلية لعام 2015

الموساوي العجلاوي، أستاذ بمعهد الدراسات الإفريقية

نزيف «داعش» دفعها لتقديم الإغراءات لاستعادة الجهاديين المغاربة

- لوحظ في الأشهر الأخيرة ارتفاع كبير في عدد الخلايا الجهادية التي تم الإعلان عن تفكيكها من طرف الأجهزة الأمنية بالمغرب. كيف تفسر هذا التصاعد خاصة وأن هناك انطباعا عند العموم بكون المغرب أضحى مزرعة للجهاديين بالعالم؟

+ ارتفاع عدد بيانات وزارة الداخلية باكتشاف خلايا جهادية في المغرب والإعلان عن ولادة الخلافة الإسلامية في المشرق وتأزم الوضع الأمني والسياسي في العراق وسوريا واليمن وبروز الخلاف السني والشيعي في واجهة الأزمة، كل هذه العوامل شجعت عددا من المغاربة على الالتحاق بصفوف داعش أو جبهة النصرة. وعندما لم يستطيعوا الاندماج شكلوا كتيبة خاصة بهم لتتوسع إلى المغاربيين فيما بعد، لكن بعد مقتل بنشقرون زعيم هذه الكتيبة، هرب عدد منهم إلى تركيا في انتظار العودة إلى المغرب، علما أن بعض هؤلاء التحق بالمغرب وتم اعتقالهم، وهم من نشروا مؤخرا بيانا يعلنون فيه أنهم لا يضمرون شرا لبلادهم. إن الأمر يتعلق بظاهرة عالمية تشتد عندما تكون عوامل موضوعية قائمة لتفريخ الحركات الجهادية. موازاة مع ذلك اعتادت الأجهزة المغربية أن تقوم بين الفينة والأخرى القيام بحملات اعتقال، يطلق عليها الآن «حملات استباقية» والهدف منها تكسير البناء التنظيمي للحركات الجهادية، ولذلك تزايد الإعلان عن «تفكيك الخلايا» هو زيادة في «الحذر»، ولا تعني بتاتا تقوي ظاهرة الجهاديين، بل إن نسبة التحاق المغاربة بهذه الحركات ضعيفة بالمقارنة مع عدد السكان، وقتل من 1500 من مغاربة داعش حوالي 400، ومئات منهم تنتظر بتركيا، وقد انتبهت داعش إلى هذا «النزيف» فكلفت مغربيا باستعادة الجهاديين المغاربة عبر إغراءات متعددة. أعتقد أن حدة التغطية الإعلامية وانخراط المغرب في الحملة الدولية ضد الجهادية وتسارع بيانات وزارة الداخلية حول الموضوع وسوء تصريف هذه البيانات هي التي ضخمت ظاهرة الجهادية في المغرب. لا يجب قراءة الظاهرة من جانبها التقني فقط، بل العمق السياسي هو الأهم في القضية، أي القدرة على التمييز بين التهديدات العادية والأزمة الأمنية المرتبطة بتأزم إثني سياسي اجتماعي...وهذا أمر غير قائم بالمغرب. إن داعش وجبهة النصرة وأحرار الشام وغيرها نتاج لأزمات الشرق الأوسط ذات الامتدادات الطائفية والمذهبية والإثنية وارتداد للصراع الإيراني التركي السعودي والأمريكي الروسي وأشياء أخرى، فتعميم التمظهرات الأمنية قد يرسل رسائل خاطئة بعدم استقرار المغرب، وهذا ما انتبه إليه وزير الداخلية في تصريحه الأخير.

- حسب البلاغات الرسمية فإن نسبة كبرى من المتورطين في الانتماء لهذه الخلايا هم متهمون سابقون في قضايا الإرهاب. لماذا ترتفع نسبة العود عند الإرهابيين وهل يمكن القول أن هناك يأس من إعادة إدماج هؤلاء في المجتمع؟

+ يجب الإقرار بأن الدولة المغربية، التي اعترف لها العالم في قضية تأطير الحقل الديني إلى درجة أن هذه التجربة أصبحت مطلوبة في عدد من الدول، لم تتوفق في استقطاب ظاهرة الجهادية، التي لن تنفع معها الاعتقالات والمحاكمات وقوانين ومساطر بقدر ما أصبح مطلوبا هو المقاربة المتعددة المداخل لمحاصرة الظاهرة، وهذا هو الأهم إذ أن الدول القوية وحدها تستطيع استقطاب الجهاديين وإدماجهم في المجتمع كما تفعل الآن دولة الدانمارك التي بلغ عدد دواعشها الأربعمائة، فخصصت لهم دعما نفسيا وإعانات مادية تسهل إعادة إدماج من لم يتورط في عملية قتل أو تعذيب أو اعتداء.

إن التهميش هنا أو هناك والحقد على الدولة ومؤسساتها هو الذي يدفع العديد إلى الهروب من بلادهم بحثا عن عالم يؤسس من شاشة الحاسوب ويقع التواصل والارتباط ثم التجنيد.

- قبض على نسبة كبرى من الجهاديين في الحوض الممتد من الناضور إلى طنجة مروا بمليلية وسبتة. ما هو السبب؟

+ إن النظر إلى «بروفيل» الجهاديين المغاربة يطرح على الدولة أكثر من سؤال عن المناطق الجغرافية المنتجة للجهادية، وعن الاختلالات في اليومي في ممارسات بعض المنتمين للمؤسسات الأمنية والسلطات العمومية، إذ عندما تغيب الدولة عن إيجاد منصب شغل لشاب أو شابة، وعندما يجد مهنة ما ويفترش الأزقة لكسب ما يحفظ له الكرامة، فيجد في ركن الشارع من يطارده و يبتزه، وعندما يرى المواطن بأم عينيه وعلى مدار الساعة أن تطبيق القانون يحتمل درجات، إذ ذاك يكفر هذا المواطن بالدولة ويبحث عن البديل. الأمر يتطلب إذن الاعتراف بهذا المواطن من خلال رقم يسمح له بممارسة عمل في « القطاع غير المهيكل»،كما الحال مثلا في دولة جنوب إفريقيا أو تركيا، وبدأت من حسن الحظ بعض التجارب في إطار مبادرة التنمية البشرية، والتي يجب تعميمها على الوطن برمته مع تفعيل آليات المراقبة العمودية داخل المؤسسات الأمنية والسلطات العمومية لتفادي ممارسات «الحكرة». ظاهرة الجهادية مست مناطق الشمال، وبالخصوص في المناطق القريبة من سبتة ومليلية، والسبب هو ظاهرة التهريب من جهة و دور الحكومة الإسبانية في عهد أزنار الذي قررت قطع الصلات بين سكان سبتة ومليلية والمؤسسات الدينية المغربية ، وهذا ما فتح الباب على مصراعيه أمام الحركات الجهادية والشيعية وغيرهما، وهذا أيضا ما يفسر بروز هذه الظواهر في شمال المغرب، علما أن الدراسات المنجزة حول الحركات الجهادية في منطقة الساحل والصحراء أتبثت الارتباط العضوي بين هذه الحركات وجماعات التهريب وتجارة المخدرات والأسلحة. لكن البيانات الرسمية المغربية تشير أيضا إلى أحزمة الفقر حول المدن الكبرى في فاس وسلا والدار البيضاء..

- يوجد تياران داخل الحكومة، الأول يؤكد أن المغرب عرضة لمخاطر إرهابية، في ما التيار الثاني يقر بغياب هذا الخط،ر، لأي توجه تميل في تحليلك؟

+ أعتقد أن هناك اضطرابا عاما في تصريف عدد من المواقف من لدن المسؤولين الحكوميين، آخرها قضية «الكان» التي لم يستطع المسؤولون شرح ما وقع للرأي العام المغربي والدولي، وترك الأمر لوزيري الشباب والصحة وللناخب الوطني لتفسير قرار سياسي ضخم. والمضحك أنه في الوقت الذي كان هؤلاء الثلاثة يفسرون أسباب طلب المغرب بإرجاء موعد «الكان»، تقوم الخطوط الملكية برحلات يومية بين عواصم الدول الثلاث التي تفشت فيها وباء الإيبولا، وفي الوقت ذاته أيضا كان الاستعداد لإقامة مبارة إقصائية في الدار البيضاء بين غينيا كوناكري (إحدى الدول الثلاث التي تفشى فيها الإيبولا) وأوغندا، ويبرز هذا المثال كيف أن المغرب يستطيع أن يمحو في ساعات ما يبنيه في سنين. نفس الظاهرة ترصد في تصريحات مسؤولين حكوميين مغاربة فيما يتعلق بالمخاطر الإرهابية، وهناك صعوبة على مستوى الخطاب في تبيان الإعلان عن خطر والإيحاء بعدم استقرار المغرب، في حين أن القضايا الأمنية يجب أن تربط دائما بالعمق السياسي الداخلي والجيوسياسي الإقليمي. إن تصريحات المسؤولين المغاربة تصرف على أساس أقوال رسمية وتخزن في معايير استقرار الدول وارتباط ذلك بالسلم والاستثمار والسياحة وهناك من يصرف ملايين الدولارات لتسويق صورة عدم استقرار المغرب.

- تم إخراج الجيش من الثكنات للمشاركة في صد ضربة إرهابية محتملة في إطار برنامج «حذر». ماهو تقييمك للأسابيع الأولى من البدء في تنفيذ هذا البرنامج؟

+ إذا ما وضعنا خلفية التصريحات التي تحدثنا فيها أعلاه ومشروع قانون الإرهاب المطروح على البرلمان وعملية حذر وخروج وحدات عسكرية من ثكناتها، يبدو وكأن المغرب منخرط في مقاربة دولية تهدف حماية حوض البحر المتوسط، وربما وضع حاجز بين ما يجري في الشرق الأوسط وغرب أوربا والولايات المتحدة الأمريكية. وبقدر ما تثير مسألة وجود عناصر من الجيش الملكي في شوارع المدن المغربية أسئلة مشروعة، بقدر ما تحمل هذه الظاهرة رسائل طمأنة حول حماية أمن الدولة، والحال أن هذه القضية قد تطرح مسألة إيجاد فرق خاصة لمواجهة التهديدات الأمنية، تخضع لتدريبات أمن المدن بالخصوص مع مقاربة سياسية وتواصلية تهدف وضع المواطن المغربي في عمق العملية الأمنية.