"لتتسع صدوركم أيها المسؤولون..."
عبارة تصلح لعنوان عريض في المرحلة التي نعيشها، وقد باتت حرية الرأي تمارس على وقع القلق والترقب، لا بثقة وطمأنينة كما يفترض في دولة تصف نفسها بالديمقراطية التشاركية.
عبارة تصلح لعنوان عريض في المرحلة التي نعيشها، وقد باتت حرية الرأي تمارس على وقع القلق والترقب، لا بثقة وطمأنينة كما يفترض في دولة تصف نفسها بالديمقراطية التشاركية.
في الآونة الأخيرة، يتابع الرأي العام الوطني بقلق كبير ما يتعرض له عدد من الأصوات الحرة من نشطاء حقوقيين، ومحامين، وصحافيين، وأعضاء في هيئات سياسية، آخرهم الصحافي حميد المهداوي، والمحامي الأستاذ محمد الغلوسي،رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، إضافة إلى عدد من مناضلي فيدرالية اليسار في الزمامرة وبني ملال وغيرها من المدن المغربية ، الذين أصبحوا هدفاً لمتابعات قضائية خلفيتها الحقيقية – في ظاهرها – ليست سوى: الانتقاد.
لكن الغريب والمفارقة العجببة أن هذا الإنتقاد، في جوهره، لا يخرج عن صلب ما تعترف به الدولة نفسها، وعلى أعلى مستوياتها.
فملك البلاد في أكثر من مناسبة، أقرّ بأن المملكة تسير بسرعتين، وحث في خطبه المتكررة على إصلاح سياسي واقتصادي حقيقي، داعيا إلى تقويم الاعوجاجات وتصحيح المسار.
وأم الوزارات لم تتوقف منذ سنوات عن إصدار البلاغات والتوجيهات التي تضع الأصبع على مكامن الخلل في الممارسة السياسية والإدارية.
والمجالس الدستورية وهيئات الحكامة بدورها تنشر تقارير رسمية تكشف، بالأرقام والوقائع، ما يعانيه البلد من سوء تدبير، فساد، فوارق مجالية، اختلالات اقتصادية واجتماعية.
والمجالس الدستورية وهيئات الحكامة بدورها تنشر تقارير رسمية تكشف، بالأرقام والوقائع، ما يعانيه البلد من سوء تدبير، فساد، فوارق مجالية، اختلالات اقتصادية واجتماعية.
بل حتى الأحزاب السياسية، ومنها من يوجد في موقع القرار، لم تتردد في الخروج بتصريحات وتقارير داخلية تعترف بالفساد السياسي والمالي، وتنتقد طريقة تدبير الشأن العام.
والصحافة الوطنية، وهيئات المجتمع المدني، وعموم المواطنين في وسائل التواصل الاجتماعي... جميعهم يشتركون في القلق، وفي التشخيص، وحتى في صياغة بعض الحلول.
والصحافة الوطنية، وهيئات المجتمع المدني، وعموم المواطنين في وسائل التواصل الاجتماعي... جميعهم يشتركون في القلق، وفي التشخيص، وحتى في صياغة بعض الحلول.
فإذا كنا جميعاً داخل هذا الوطن متفقين على أن هناك خللا، فمن نعاقب إذن؟
ولماذا الملاحقة تطال فئة من المواطنين بتهم مبهمة، بينما قولهم لا يختلف كثيراً عما تقوله مؤسسات رسمية؟
هل من حق الدولة ومؤسساتها فقط أن تقول "نحن نعاني من فساد وسوء تدبير"، ويمنع على المواطنين تكرار نفس القول؟
هل أصبح النقد فعلا انتقائيا تمارسه السلطة حين تشاء، وتجرمه حين يصدر من غيرها؟
وهل المواطن الصادق الغيور، حين يتساءل ويقترح وينتقد، يكون عدوا لللدولة؟
ولماذا الملاحقة تطال فئة من المواطنين بتهم مبهمة، بينما قولهم لا يختلف كثيراً عما تقوله مؤسسات رسمية؟
هل من حق الدولة ومؤسساتها فقط أن تقول "نحن نعاني من فساد وسوء تدبير"، ويمنع على المواطنين تكرار نفس القول؟
هل أصبح النقد فعلا انتقائيا تمارسه السلطة حين تشاء، وتجرمه حين يصدر من غيرها؟
وهل المواطن الصادق الغيور، حين يتساءل ويقترح وينتقد، يكون عدوا لللدولة؟
إن ما يحدث اليوم يعكس، للأسف، خللا خطيرا في منظومة تقويم الذات الوطنية.
فحين تتحول التقارير إلى وثائق أرشيف، ويتم التضييق على النشطاء، ويتابَع الصحافيون، وتخيف المتابعات أصحاب الرأي، فإننا بذلك نخسر التراكم الديمقراطي الذي لطالما تغنينا به.
فحين تتحول التقارير إلى وثائق أرشيف، ويتم التضييق على النشطاء، ويتابَع الصحافيون، وتخيف المتابعات أصحاب الرأي، فإننا بذلك نخسر التراكم الديمقراطي الذي لطالما تغنينا به.
إننا لا نطلب سوى الحق في الاختلاف المسؤول، وفي النقد البناء، والمشاركة في صياغة المصير الوطني.
لا نريد أن نظل مجرد متلقين للقرارات، نستهلك ما يطبخ لنا، دون حتى أن يسمح لنا بشم رائحته.
لا نريد أن نظل مجرد متلقين للقرارات، نستهلك ما يطبخ لنا، دون حتى أن يسمح لنا بشم رائحته.
فالدولة التي تفتح صدرها للنقد، وتحصنه لا تجرّمه، هي دولة قوية بثقتها في نفسها، وشرعيتها، وأفقها.
أما التي ترى في كل رأي مخالف تهديدا، فذلك مؤشر على أزمة أكبر: أزمة خوف داخلي من الحقيقة.
أما التي ترى في كل رأي مخالف تهديدا، فذلك مؤشر على أزمة أكبر: أزمة خوف داخلي من الحقيقة.
ختاماً، نعيد ما بدأنا به:
لتتسع صدوركم أيها المسؤولون، لأن الوطن يتسع للجميع، والنقد ليس خيانة، بل في كثير من الأحيان... هو قمة الولاء.
لتتسع صدوركم أيها المسؤولون، لأن الوطن يتسع للجميع، والنقد ليس خيانة، بل في كثير من الأحيان... هو قمة الولاء.
سعيد عاتيق، فاعل جمعوي