Tuesday 26 August 2025
كتاب الرأي

إدريس الأندلسي: علي حسن.. مثقف عصامي متواضع ومتمرد

 
 
إدريس الأندلسي: علي حسن.. مثقف عصامي متواضع ومتمرد إدريس الأندلسي
أجمع كل من عرف "علي حسن" الصحافي والمثقف، والعاشق للسينما، على أنه كان وفيا للقيم الثقافية التي تبني الفكر، وتساهم في ترقية الذوق، ولا تتسامح مع من يحملون "الشعبوية وخطاب الحقيقة المطلقة" للتوجه إلى الآخرين. يعرف الكل ذلك الهوس الجميل الذي جعل، هذا العزيز الذي رحل عنا بهدوء، وبكثير من التواضع، يحبب السينما للمغاربة مستعملا كلمات يحق وصفها "بالسهل الممتنع". أسلوبه بسيط ومعرفته عميقة. كان حريصا أن تضم مكتبته السينمائية كل الأفلام. كان يحب تذكير أصدقاءه بلائحة طويلة من أمجاد السينما العالمية. لا يمكن أن نستغني عن التذكير بهذا الذي قبل أن يحمل اسما مستعارا يعرفه من عرفوه.

"علي حسن" رسم الجمال في الإذاعة المغربية الناطقة باللغة الفرنسية، ودخل قلوب عاشقي الفن السينمائي من خلال التمثيل، والنقد والتأريخ لكثير من الحكايات التي تحولت إلى أفلام، وسجلت إبداع مخرجين وممثلين، وكثير من ممارسي المهن السينمائية.
 
لا يمكن أن ننسى، نحن جيل، النوادي السينمائية، ومسرح الهواة، ذلك السائق الذي ذاق محنة السفر وهو يقود "كاميو"، ويتعرض لكل عاديات الزمن المغربي. كان السائق "علي حسن" يؤدي دوره في فيلم "إبن السبيل" لمخرجه محمد عبد الرحمان التازي، بكثير من العفوية الدالة على فهمه العميق للواقع المغربي. ولعل الكثير من جيل السبعينات والثمانيات يتذكرون "سينما الخميس" وتلك المقدمة التحليلية التي كان يتميز بها الراحل علي حسن.
 
شاء القدر المهني أن أسعد بلقاء علي حسن خلال انطلاقة برنامج ديكريبتاج نهاية سنة 2014. كانت إذاعة "امفم" لصاحبها الإعلامي القدير كمال لحلو قد تعاقدت مع المحلل الرياضي، الأخ عزالدين اعمارة، على إنتاج برنامج انطلاقا من سلا. كلفني كمال لحلو بمتابعة انطلاقة البرنامج الجديد، ومراعاة الخط التحريري للإذاعة. إتفقنا على تسمية البرنامج ب"ديكريبتاج" كترجمة لتفكيك الرسائل من خلال برنامج إذاعي. وكانت فرحتي كبيرة حين بدأت العمل مع الفريق الأول الذي كان يضم المنتج، أنذاك، عز الدين اعمارة، وعلي حسن، ومحمد الكرتيلي وعبد المالك النايلي وصحافي آخر لم أعد أذكر إسمه.
 
بدأ البرنامج رياضيا، لكن سرعان ما نضجت فكرة تحويله إلى مناقشة قضايا السياسة الرياضية، ثم انتقلنا إلى التطرق لكل السياسات العمومية. وهكذا أخذ البرنامج يغرس ثقافة جديدة في المشهد الإعلامي المغربي. وأتذكر كيف بدأ فريق العمل يتوسع ليضم أسماء كبيرة كنجيب السالمي، شفاه الله، وعزيز داودة، بالإضافة إلى مشاركات من طرف خبراء ومهتمين، وعلى رأسهم المرحوم عبد الخالق اللوزاني. وشاءت الأقدار والظروف أن يعود إنتاج البرنامج إلى إذاعة "امفم" بعد أقل من سنتين على انطلاقه. ولا زال برنامج ديكريبتاج مستمرا إلى اليوم. وأستمرت العلاقات الإنسانية والفكرية والفنية مع الراحل علي حسن.
 
يؤكد كل الأصدقاء الذين واكبوا تجربة برنامج ديكريبتاج أن الراحل سكن قلوبهم بصراحته، وبقوة حبه للتفكير الحر وغير المنضبط لقواعد الكسل الفكري ولما يسمى بالمسلمات الفلسفية. قررت إذاعة طنجة قبل سنين قليلة أن تكرمه وتعرف الأجيال الجديدة بمساره المهني. دعاني للمشاركة صحبته في سهرة إذاعية وذلك، والله أعلم، بسبب نقاشاتنا التلفونية الليلية التي كانت تدوم لساعات. وأتذكر تقاسمنا لنفس الولع بالموسيقى العالمية، وخصوصا لرائعة "كارمينا بورانا" لمبدعها "كارل اولف".
 
هاتفت الصديق عبد المالك النايلي لأقدم له العزاء في وفاة أخته، وقدمت له العزاء في صديقه في نفس اليوم، وصديقنا، علي حسن. وحكى لي أنه قال للراحل أنه ذاهب إلى وجدة، وأنه سيرجع بعد يومين. كان رد الراحل علي حسن يحمل نوعا من التوديع لصديقه. نلتقي إن أمكن ذلك.
 
ولأنه سكن قلوب المحبين للثقافة بتواضع، فسيظل المثقفون المتواضعون، وغير المتباهين بالألقاب الأكاديمية، يقدرون المثقف الراحل علي حسن. وإسمه العائلي محمد الوالي الذي كان يقضي عطلته الصيفية عند أحد أفراد الأسرة بالرباط. وكان يخصص هذه العطلة لزيارة الإذاعة التي احتضنته وهو يافع، فكبر في حضنها، ووهب قلبه وحياته للصحافة النبيلة.