مقدمة
يعد موضوع المشاركة السياسية للنساء من أبرز رهانات التحول الديمقراطي بالمغرب. فمنذ مطلع الألفية الثالثة، تبنى المغرب آلية "الكوطا" كخطوة لتعزيز حضور النساء في المؤسسات التمثيلية، غير أن دستور 2011 أرسى مبدأ "المناصفة" باعتباره أفقاً دستورياً لتحقيق المساواة الكاملة بين الجنسين. وفي ظل هذا المسار، يطرح التساؤل: ما الفرق بين الكوطا والمناصفة؟ وما موقعهما في التجربة المغربية؟
أولاً: الكوطا النسائية منطق التمييز الإيجابي
الكوطا تعني تخصيص نسبة أو عدد محدد من المقاعد للنساء داخل الهيئات المنتخبة. في المغرب، أُقرت هذه الآلية سنة 2002 من خلال اللائحة الوطنية للنساء، وهو ما سمح بولوج نساء إلى البرلمان لأول مرة بأعداد ملحوظة مقارنة بالسنوات السابقة.
المرجعية: الكوطا ليست منصوصة في الدستور، وإنما جاءت عبر تعديلات في القوانين الانتخابية وتوافقات بين الأحزاب.
الأهداف: معالجة ضعف تمثيلية النساء، فتح المجال أمام نخب نسائية جديدة، وتعويض الفجوة التي يفرضها الواقع السياسي والثقافي.
الإيجابيات: ساهمت في رفع نسبة النساء في البرلمان، وفي كسر احتكار الرجال للفضاء السياسي.
الانتقادات: اعتُبرت حلاً انتقالياً محدود الأثر، قد يفتح باباً لـ "الريع السياسي"، إذ يتم أحياناً اختيار المرشحات بناء على الولاءات الحزبية لا الكفاءة.
ثانياً: المناصفة – منطق المساواة الدستورية
المناصفة مبدأ يقوم على التوزيع العادل والمتساوي بين الرجال والنساء في التمثيل السياسي (50/50). وقد نص عليها دستور 2011 في الفصل 19 والفصل 30، كما أحدث هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز لتفعيلها.
المرجعية: المناصفة مبدأ دستوري سامٍ، يجعل المساواة بين الجنسين حقاً أصيلاً لا مجرد امتياز.
الأهداف: ضمان عدالة ديمقراطية، وتكريس المشاركة المتكافئة للنساء في القرار السياسي.
الإيجابيات: تحقق استدامة وعدالة في التمثيل، وتغير البنية الذكورية للمجتمع السياسي.
الإكراهات: تظل بعيدة عن التحقق الفعلي بسبب غياب الإرادة السياسية القوية، وضعف تفعيل الآليات الدستورية، واستمرار هيمنة العقلية التقليدية.
ثالثاً: المغرب بين الكوطا والمناصفة
تُظهر التجربة المغربية أن الكوطا ساعدت في تعزيز تمثيلية النساء، لكنها لم تصل إلى المناصفة المنشودة. فعدد النساء البرلمانيات لا يزال في حدود 24% فقط، وهو رقم بعيد عن 50%. ومن ثمة، فالمغرب يعيش مرحلة انتقالية: الكوطا كوسيلة مرحلية والمناصفة كغاية استراتيجية.
رابعاً: آفاق تفعيل المناصفة
لتحقيق المناصفة، يحتاج المغرب إلى:
1. إصلاح عميق للقوانين الانتخابية بما يضمن تناوباً فعلياً بين الجنسين.
2. تفعيل دور هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز.
3. تشجيع الأحزاب السياسية على ترشيح النساء في مواقع متقدمة، لا فقط عبر اللوائح الوطنية.
4. الاستثمار في تأهيل وتكوين القيادات النسائية.
5. تغيير العقليات المجتمعية التي تحد من المشاركة النسائية.
خاتمة
الكوطا كانت أداة انتقالية فتحت الباب أمام النساء للمشاركة السياسية، غير أن المناصفة تبقى الغاية النهائية التي نص عليها الدستور. إن الانتقال من الكوطا إلى المناصفة يتطلب إرادة سياسية قوية، وإصلاحات تشريعية عميقة، ودعماً مجتمعياً واسعاً. فالمناصفة ليست مطلباً نسوياً فقط، بل شرطاً من شروط ديمقراطية حقيقية قائمة على المساواة والعدالة.
