Monday 25 August 2025
كتاب الرأي

الجباري: المادتان 297 و370 من قانون المسطرة الجنائية.. تعارض أم تكامل؟

 
الجباري: المادتان 297 و370 من قانون المسطرة الجنائية.. تعارض أم تكامل؟ عبد الرزاق الجباري
اطلعت على مقالٍ لأحد الأساتذة الأفاضل حول: "أثر تغيير الهيئة القضائية في المادة الزجرية"، خلص فيه إلى وجود تعارض بين المادتين 297 و370 من قانون المسطرة الجنائية، معتبرا أن المادة الأولى هي الواجبة التطبيق، لأن مقتضياتها تستلزم تبني الإجراءات التي أنجزتها الهيئة القضائية السابقة ولو تعلقت ببحث الدعوى دون إعادة هذه الإجراءات من جديد، والاكتفاء بحضور القضاة مصدري الحكم القضائي لمناقشات القضية لا غير، واعتبر أن المادة الثانية التي تلزم القضاة بالحضور في جميع الجلسات التي تمت فيها دراسة الدعوى لا تعدو أن تكون عنصرا مشوشا ونشازا، ولم يستبعد كونها من الأطلال المنسية لقانون المسطرة الجنائية القديم. فإلى حد يمكن اعتبار هذا القول صحيحا من الناحية القانونية ؟
قبل الإجابة عن هذا التساؤل، لا مندوحة من إيراد مضمون المادتين المذكورتين لفهم الإشكالية أعلاه، وذلك وفق ما يلي:
المادة 297: وتنص فقرتها الثانية على أنه "يجب تحت طائلة البطلان أن تصدر مقرراتها [الهيئة القضائية] عن قضاة شاركوا في جميع المناقشات. إذا تعذر حضور قاض أو أكثر لأثناء النظر في القضية، تعاد المناقشات من جديد".
المادة 370: وتنص على أنه "تبطل الأحكام أو القرارات أو الأوامر: 1- (..)؛ 2- (..) إذا صدر الحكم عن قضاة لم يحضروا في الجلسات التي درست فيها الدعوى (..)".
فالمشرع المغربي، من خلال هاتين المادتين، رتب جزاء البطلان في حالتين اثنتين: الأولى؛ إصدار حكم قضائي من طرف قضاة لم يشاركوا في جميع المناقشات. الثانية؛ إصدار حكم من طرف قضاة لم يحضروا في الجلسات التي تمت فيها دراسة الدعوى. ولما كان الأمر كذلك، تعين تحديد المفهوم القانوني لكلا هاتين المؤسستين: دراسة الدعوى، ومناقشتها.
حدد المشرع مفهوم "دراسة الدعوى" في الفقرة الأخيرة من المادة 304 من قانون المسطرة الجنائية، قائلا: "تشمل دراسة الدعوى البحث والمناقشات". مما يعني، بما لا يدع مجالا للتردد، أن المناقشات في عرف المشرع مُكوِّنٌ من مكونات دراسة الدعوى.
ويتحدد مفهوم المناقشات حسب المادة 306 من القانون نفسه في العناصر التالية: - تقديم الطرف المدني إن وجد طلبه بالتعويض عن الضرر؛ - تقديم النيابة العامة لملتمساتها؛ - عرض المتهم دفاعه وكذا المسؤول عن الحقوق المدنية عند الاقتضاء؛ - الكلمة الأخيرة للمتهم؛ أي تلك المرحلة التي تشمل مرافعات أطراف الدعوى الجنائية.
وبالتأمل الحصيف في هذه المقتضيات، يتبين عدم صحة ما انتهى إليه المقال موضوع هذه الورقة إذا ما تم إعمال بعض القواعد الأصولية الواجب اعتمادها في تفسير النصوص وتطبيقها. وبيان ذلك من ثلاثة وجوه:
أولها: أن الخُلوص إلى القول بتعارض المادتين 297 و370 أعلاه يتطلب التروي عند النظر في مقتضياتهما للتأكد مما إذا هذا التعارض حقيقيا أو ظاهريا، فإن كان حقيقيا وجب الترجيح بينهما، وإن كان ظاهريا تعين التوفيق والجمع بين مقتضياتهما، إذ لا يصار إلى الترجيح بين الأدلة إلا إذا تعذر هذا الجمع، عملا بالقاعدة الأصولية القائبة بأن "الجمع بين الأدلة مقدم على ترجيحها".
وبالنظر المُتأني في علة الحكم المنصوص عليه في المادة 297، وهو مفهوم "المناقشات"، وعلة الحكم المنصوص عليه في المادة 370، وهو مفهوم "دراسة الدعوى"، يتبين أنه لا تعارض بينهما، وأن ما يبدو كذلك لا يعدو أن يكون ظاهريا، طالما أن هذا الأخير - أي "دراسة الدعوى" - يشمل الأول - أي "المناقشات" - ولا تقوم له قائمة بدونه حسب التحديد الوارد في المادتين 304 و306 أعلاه، مما يبقى معه الجمع بين المادتين ممكنا إعمالا للقاعدة السالفة، لأن في الجمع بينهما إعمال لدليلين تشريعيين، وفي الترجيح إعمال لواحد وإهمال للآخر؛ وإعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما كما هو مقرر في محله من علم الأصول.
ثانيها: أن المادة 297 نصت على حكم واحد، وهو بطلان الحكم الصادر عن قضاة لم يشاركوا في جميع المناقشات، بينما المادة 370 عندما رتبت بطلان الحكم الصادر عن قضاة لم يحضروا جميع الجلسات التي درست فيها الدعوى بما تعنيه من بحث ومناقشات تكون قد نصت، ضمنيا، على حكمين اثنين:
الأول: أكدت فيه الحكم المنصوص عليه في المادة 297، أي بطلان الحكم الصادر عن قضاة لم يحضروا جميع المناقشات، لأن دراسة الدعوى تتضمن، وجودا وعدما، مناقشاتها حسب صراحة المادة 304 أعلاه.
الثاني: أسست بموجبه حكما جديدا، وهو ترتيب البطلان على صدور حكم عن قضاة لم يحضروا جميع الجلسات التي بُحِثَت فيها الدعوى، طالما أن دراسة الدعوى تشمل، فضلا عن المناقشات، بحث الدعوى أيضا، تطبيقا للمادة 304 نفسها. ومعلوم أن المشرع قد حدد مفهوم البحث في الفقرة الأولى من المادة 305 بقوله: "يشمل بحث القضية استنطاق المتهم إن كان حاضرا والاستماع إلى الشهود والخبراء وتقديم أدوات الاقتناع عند الاقتضاء".
وإذا عُلم هذا، فلا مناص، والحال هذه، من إعمال ما تقرر في علم الأصول من أن: "الحكم إذا دار بين التأكيد والتأسيس حُمل على التأسيس"؛ لأن في ذلك حَمْلُ الخطاب على معنى جديد وحكم زائد، وهو أولى من حمله على المعنى السابق الذي لا فائدة تُستخلص من تكراره، وما دام أن الحكم المنصوص عليه في المادة 370 أكد على نفس الحكم المنصوص عليه في المادة 297 وزاد عليه حكما جديدا، وهو بطلان الحكم الصادر عن قضاة لم يحضروا في جميع الجلسات التي تم فيها بحث الدعوى باعتبار هذا البحث جزء من دراستها، وجب حمل الأمر على هذا الحكم الجديد، والقول بأن النص الواجب التطبيق هو المادة 370 التي رتبت البطلان على صدور حكم قضائي عن قضاة لم يحضروا جميع الجلسات التي بُحِثَت ونوقشت فيها الدعوى (دراسة الدعوى) وليس المادة 297. ويؤيد هذا:
ثالثها: أن نص المادة 370، وفق ما بسطناه آنفا، قد أفاد نفس الحكم المنصوص عليه في المادة 297 وأضاف إليه حكما جديدا، وهذه الإضافة تعد بيانا للنص الأول المزيد عليه، ويتعين فهمه في ضوئها، عملا بالقائدة الأصولية القائلة: "الزيادة على النص بيانٌ ما لم تُخالف المزيد عليه"، مما يزيد من التأكيد أن النص الواجب التطبيق هو المادة 370 المذكورة وليس المادة 297، لا سيما وأن مفهوم "دراسة الدعوى" المتضمن للزيادة البيانية المتمثلة في "بحث الدعوى" لا تخالف في شيء مفهوم "المناقشات" المزيد عليها، بل إن بينهما تكاملا وتوافقا.
وتأسيسا على ما سبق، نعتقد أن الخلاصة التي انتهى إليها المقال موضوع هذه الورقة لا تستند إلى أي أساس من القانون، وأن الحكم الصادر عن قضاة لم يحضروا جميع الجلسات التي تمت فيها دراسة الدعوى بحثا ومناقشة يعتبر باطلا، تطبيقا لمنطوق المادة 370 أعلاه، والتي لا يمكن - بأي حال من الأحوال - اعتبارها عنصرا مشوشا أو نشازا، نظرا إلى كونها هي الواجبة التطبيق لحل الإشكال، وأن أي تغيير طرأ في الهيئة القضائية التي سبق أن بحثت الدعوى يستوجب إعادة إجراء هذا البحث من جديد من لدن الهيئة الجديدة، خصوصا وأن مناط إصدار الأحكام الزجرية هو تكوين الاقتناع الوجداني الصميم للهيئة المذكورة، عن طريق عرض الحجج أمامها أثناء الجلسة ومناقشتها شفاهيا وحضوريا، تطبيقا للمادة 287 من قانون المسطرة الجنائية، ولا يمكن تصور ذلك دون حضور جميع القضاة المشكلين لها لمرحلة البحث التي تعد قطب رحى تكوين اقتناع المحكمة أكثر من غيرها، طالما أنها تشمل: استنطاق المتهم، والشهود، والخبراء وتقديم أدوات الاقتناع.