في سياق المشاورات السياسية الجارية بين وزارة الداخلية والأحزاب السياسية بخصوص الإعداد للانتخابات التشريعية المقبلة، دعت الوزارة مختلف التنظيمات إلى رفع مذكراتها واقتراحاتها قبل نهاية غشت. هذا المسار يندرج في إطار مقاربة تشاركية تعكس حرص الدولة على إخراج منظومة انتخابية جديدة تستجيب للتحديات الراهنة وتُجسّد التوجيهات الملكية الداعية إلى احترام الآجال الدستورية وضمان مصداقية الاستحقاقات المقبلة.
لكن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه هنا لا يتعلق فقط بالتفاصيل التقنية حول التقطيع أو القاسم الانتخابي أو طريقة الاقتراع، بل يرتبط بشكل مباشر بـ طبيعة المرشحين الذين تُزكّيهم أغلب الأحزاب. فقد هيمنت لسنوات ظاهرة ما يمكن تسميته بـ “الكائنات الانتخابية”، التي يُعاد تدويرها كل دورة، ليس لخبرتها ولا لكفاءتها، بل لكونها تملك القدرة على جلب الأصوات وضمان المقاعد بطرق شتا. هذه الممارسة أفقدت العملية السياسية جوهرها الحقيقي، وحوّلت التمثيلية إلى لعبة حسابية لتوزيع المقاعد بدل أن تكون مدخلا لتأطير المجتمع وبناء السياسات العمومية.
هذا الواقع انعكس بشكل مباشر على ثقة الناخبين. فالكثير منهم لم يعودوا يفرّقون بين الحزب ومرشحيه، إذ يرون الوجوه نفسها، والوعود نفسها، والخيبات ذاتها. ومع تراكم الإحباط، لم يعد العزوف مجرد حالة ظرفية، بل أصبح ظاهرة بنيوية تنذر بنسبة مشاركة متدنية جدا في الاستحقاقات المقبلة. وهنا يكمن التحدي الأكبر بالنسبة للدولة: كيف يمكن استعادة ثقة المواطن في العملية السياسية وفي المؤسسات المنتخبة؟
أحد الأجوبة الممكنة –والتي لا نجد لها مكانا في النقاش العمومي بعد– هو تخفيف شروط الترشح بالنسبة للمستقلين. فالقانون التنظيمي الحالي يجعل من دخول البرلمان بدون انتماء حزبي مسارا محفوفا بالقيود: توقيعات عديدة، ضمانات مالية ثقيلة، متطلبات إدارية مفصلة. هذه الشروط، التي وُضعت بدعوى التنظيم، تحولت إلى حاجز حقيقي أمام كفاءات وطاقات قد ترغب في خوض التجربة البرلمانية دون أن تُقحم نفسها في لعبة الانتماءات الحزبية.
إن مراجعة هذه الشروط نحو مزيد من المرونة سيتيح للمجتمع السياسي نَفَسًا جديدًا. فوجود مرشحين مستقلين بكفاءات مهنية وفكرية سيُعيد الاعتبار لفكرة التمثيلية نفسها، ويوسّع من دائرة الخيارات أمام الناخبين، ويُضعف من هيمنة “الكائنات الانتخابية” التي استنزفت رصيد الثقة. كما أن فتح المجال أمام الوجوه الجديدة سيُشجع شريحة من المواطنين على المشاركة، بعد أن كانوا قد قرروا الانسحاب من اللعبة الانتخابية.
من هنا، فإن إدراج هذا المقترح ضمن مذكرات الأحزاب أو من طرف وزارة الداخلية نفسها لن يكون مجرد إجراء تقني، بل رسالة سياسية قوية تؤكد أن الدولة واعية بأعطاب التجربة الانتخابية، وأنها تسعى بصدق إلى معالجتها من جذورها، لا إلى إعادة إنتاجها بآليات جديدة.
إن تخفيف شروط الترشح للمستقلين ليس ترفًا قانونيًا، بل خيار إصلاحي استراتيجي قد يساهم في إنقاذ نسبة المشاركة من الانحدار، وفي إعادة الأمل إلى جزء من المجتمع الذي ما زال يؤمن أن السياسة يمكن أن تكون فعلًا نبيلا حين تُمنح الفرصة للكفاءات بدل “الكائنات الانتخابية”.
لكن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه هنا لا يتعلق فقط بالتفاصيل التقنية حول التقطيع أو القاسم الانتخابي أو طريقة الاقتراع، بل يرتبط بشكل مباشر بـ طبيعة المرشحين الذين تُزكّيهم أغلب الأحزاب. فقد هيمنت لسنوات ظاهرة ما يمكن تسميته بـ “الكائنات الانتخابية”، التي يُعاد تدويرها كل دورة، ليس لخبرتها ولا لكفاءتها، بل لكونها تملك القدرة على جلب الأصوات وضمان المقاعد بطرق شتا. هذه الممارسة أفقدت العملية السياسية جوهرها الحقيقي، وحوّلت التمثيلية إلى لعبة حسابية لتوزيع المقاعد بدل أن تكون مدخلا لتأطير المجتمع وبناء السياسات العمومية.
هذا الواقع انعكس بشكل مباشر على ثقة الناخبين. فالكثير منهم لم يعودوا يفرّقون بين الحزب ومرشحيه، إذ يرون الوجوه نفسها، والوعود نفسها، والخيبات ذاتها. ومع تراكم الإحباط، لم يعد العزوف مجرد حالة ظرفية، بل أصبح ظاهرة بنيوية تنذر بنسبة مشاركة متدنية جدا في الاستحقاقات المقبلة. وهنا يكمن التحدي الأكبر بالنسبة للدولة: كيف يمكن استعادة ثقة المواطن في العملية السياسية وفي المؤسسات المنتخبة؟
أحد الأجوبة الممكنة –والتي لا نجد لها مكانا في النقاش العمومي بعد– هو تخفيف شروط الترشح بالنسبة للمستقلين. فالقانون التنظيمي الحالي يجعل من دخول البرلمان بدون انتماء حزبي مسارا محفوفا بالقيود: توقيعات عديدة، ضمانات مالية ثقيلة، متطلبات إدارية مفصلة. هذه الشروط، التي وُضعت بدعوى التنظيم، تحولت إلى حاجز حقيقي أمام كفاءات وطاقات قد ترغب في خوض التجربة البرلمانية دون أن تُقحم نفسها في لعبة الانتماءات الحزبية.
إن مراجعة هذه الشروط نحو مزيد من المرونة سيتيح للمجتمع السياسي نَفَسًا جديدًا. فوجود مرشحين مستقلين بكفاءات مهنية وفكرية سيُعيد الاعتبار لفكرة التمثيلية نفسها، ويوسّع من دائرة الخيارات أمام الناخبين، ويُضعف من هيمنة “الكائنات الانتخابية” التي استنزفت رصيد الثقة. كما أن فتح المجال أمام الوجوه الجديدة سيُشجع شريحة من المواطنين على المشاركة، بعد أن كانوا قد قرروا الانسحاب من اللعبة الانتخابية.
من هنا، فإن إدراج هذا المقترح ضمن مذكرات الأحزاب أو من طرف وزارة الداخلية نفسها لن يكون مجرد إجراء تقني، بل رسالة سياسية قوية تؤكد أن الدولة واعية بأعطاب التجربة الانتخابية، وأنها تسعى بصدق إلى معالجتها من جذورها، لا إلى إعادة إنتاجها بآليات جديدة.
إن تخفيف شروط الترشح للمستقلين ليس ترفًا قانونيًا، بل خيار إصلاحي استراتيجي قد يساهم في إنقاذ نسبة المشاركة من الانحدار، وفي إعادة الأمل إلى جزء من المجتمع الذي ما زال يؤمن أن السياسة يمكن أن تكون فعلًا نبيلا حين تُمنح الفرصة للكفاءات بدل “الكائنات الانتخابية”.
