أظهر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون نمطًا متكررًا من القرارات المتسرعة والمتضاربة، ما أثار تساؤلات حول غياب الرؤية الاستراتيجية في إدارة شؤون الدولة.
كريم مولاي، الخبير الأمني الجزائري، يبرز، في هذه، الورقة التي أفاد بها " أنفاس بريس" الأسباب البنيوية والسياسية والشخصية التي تقف خلف هذا التخبط، بدءًا من أزمة الشرعية، مرورًا بتأثير المؤسسة العسكرية، ووصولًا إلى سمات نمط الحكم الفردي والانغلاق الإعلامي. الهدف هو فهم طبيعة الأزمة التي تعيشها السلطة التنفيذية في الجزائر، وتداعياتها على استقرار البلاد ومستقبلها السياسي:
منذ توليه الحكم في أواخر 2019، أظهر الرئيس عبد المجيد تبون نمطًا متكرراً من القرارات المتسرعة والمتضاربة، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، مما خلق شعورًا عامًا بأن السلطة التنفيذية تسير دون رؤية أو بوصلة واضحة، هذا التخبط لا ينبع من فراغ بل يعكس مجموعة من الأسباب البنيوية والسياسية والشخصية التي يمكن تلخيصها كما يلي:
1-غياب الشرعية الشعبية الحقيقية
تبون وصل إلى سدة الحكم في انتخابات جوبهت بمقاطعة واسعة وحراك شعبي رافض لها. غياب الشرعية الشعبية دفعه منذ البداية إلى اتخاذ قرارات استعراضية لفرض نفسه "رئيسًا شرعيًا"، ما جعله يميل إلى الشعبوية السياسية بدل الحكمة المؤسساتية. قرارات مثل "رفع الرواتب"، أو "توزيع أموال خارجية"، كانت تُستخدم كأدوات دعائية في غياب برامج اقتصادية شاملة.
2-محدودية الاستقلال في اتخاذ القرار
رغم الصورة التي يحاول إظهارها كرئيس "قوي"، فإن الواقع السياسي يشير إلى أن تبون لا يمتلك الاستقلال الكامل في القرار، بل هو محاط بدوائر نفوذ عسكرية وأمنية تتحكم في الخطوط العريضة للسياسات. هذا يخلق حالة من التداخل والتناقض بين توجهات الرئاسة وتوجهات المؤسسة العسكرية، ما يظهر في تصريحات وقرارات تتغير أو تتراجع دون تفسير، مثل مواقفه المتناقضة حول العلاقات مع المغرب أو فرنسا.
3-الارتجال الإداري وغياب الدولة المؤسساتية
تبون يشتغل بمنطق "الأوامر الفوقية"، وغالبًا ما يتم اتخاذ قرارات عبر برقيات مفاجئة دون المرور عبر دراسة الملفات أو النقاش في البرلمان أو المشاورة مع الوزراء. هذا الارتجال الإداري جعل العديد من القطاعات تعاني من التخبط، خصوصًا التجارة الخارجية، الصحة، التعليم، والمالية. القرارات تصدر اليوم وتُعدّل أو تُلغى غدًا، في ظل غياب آليات المراقبة والتقييم.
4-الانغلاق الإعلامي والخوف من النقد
من أهم أسباب التخبط أيضًا أن تبون يُدير البلاد في بيئة مغلقة إعلاميًا وسياسيًا، حيث يتم التضييق على الصحافة المستقلة، ومحاصرة الآراء النقدية، مما يمنعه من الاطلاع على الواقع الحقيقي للبلاد. حين تغيب الأصوات المعارضة ويُحاط الحاكم بمستشارين انتهازيين، تصبح القرارات مفصولة عن واقع الشعب، وغالبًا ما تؤدي إلى نتائج كارثية.
5-الشخصية السياسية غير المتزنة لتبون
تبون ليس رجل دولة في المفهوم المؤسساتي الحديث، بل هو نتاج بيروقراطية قديمة نشأ وتدرّج في عهد بوتفليقة، دون أن يكوّن رؤية اقتصادية أو استراتيجية عميقة. يظهر في خطبه ميله للتصريحات العشوائية، والتناقضات بين خطاب وآخر، مما يعكس شخصية سياسية تميل إلى الارتباك والعناد أكثر من الاستماع والتعقل.
6-التعامل مع الشعب كخصم لا كشريك
تبون لا ينظر إلى الشعب كقوة اقتراح ورقابة، بل يتعامل معه بنظرة فوقية، تُخفي احتقارًا سياسيًا ضمنيًا. يتجلى ذلك في قرارات مثل منع جزائريين من دخول بلادهم، أو سجن الصحفيين، أو تجاهل مطالب المعلمين والمهنيين. هذه النظرة تُنتج قرارات لا تحترم الإرادة الشعبية، وتفاقم الشرخ بين السلطة والمجتمع.
خلاصة
إن تخبط تبون في اتخاذ القرارات لا يعود فقط إلى فشله الشخصي في القيادة، بل هو نتاج منظومة سلطوية منغلقة، غير خاضعة للمحاسبة، ومعزولة عن واقع المجتمع. هذا النمط من الحكم لا يمكنه أن يُنتج استقرارًا، بل يُعمّق الأزمات، ويقود البلاد نحو المجهول.
.png)
