Thursday 24 July 2025
رياضة

محمد حركات: المغرب بين إشعاع الكان 2025 ومونديال 2030 وتحديات الحكامة

محمد حركات: المغرب بين إشعاع الكان 2025 ومونديال 2030 وتحديات الحكامة محمد حركات، أستاذ الحكامة والاقتصاد السياسي بجامعة محمد الخامس بالرباط
يرى محمد حركات، أستاذ الحكامة والاقتصاد السياسي بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن تنظيم التظاهرات الرياضية الكبرى بالمغرب لا يُقاس فقط بالبنيات التحتية، بل بمدى تفاعل الإدارة مع المواطن، من حيث الشفافية في كلفة الإنجاز، توزيع الصفقات، وتوضيح الجدوى الاقتصادية والاجتماعية لهذه المشاريع.

وأوضح محمد حركات، في حوار مع "أنفاس بريس"، أن القائد الإداري في المغرب مطالب بأن يكون رجل تواصل واستشراف، يشتغل في ضوء السياق الوطني والدولي، وينبغي أن يُرافق تخطيط مسبق لكيفية استغلال هذه البنيات بعد انتهاء التظاهرات.
 
كما شدد محاورنا على أهمية الاستفادة من التجارب الدولية، مثل إسبانيا، البرتغال، وروسيا، حيث تم الجمع بين الاستثمار في الرياضة وتعزيز الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والبحث العلمي.
 
 
ينجز المغرب اليوم أوراشًا كبرى، في إطار استعداده لاحتضان تظاهرات رياضية عالمية، أبرزها كأس إفريقيا  ومونديال 2030. هذه المشاريع  تطرح سؤالًا مركزيًا حول دور القائد الإداري في إنجاز هذه المشاريع، ماهي مواصفات القائد الإداري في مواكبة هذه المرحلة؟
لا أحد ينازع بالأهمية الكبرى التي تلعبها الدبلوماسية الرياضية في الإشعاع الدولي، والدليل على ذلك ما أكدته دراسة حديثة صادرة عن مجلة "جون أفريك"، والتي أشارت إلى أن 20 دولة إفريقية حققت أداءً اقتصاديًا متميزًا في هذا المجال، تصدرتها جنوب إفريقيا، تلتها مصر، ثم المغرب في المرتبة الثالثة. هذا التصنيف يُظهر بوضوح أن هناك اهتمامًا متزايدًا بالرياضة كأداة للإشعاع والتأثير.
رغم ذلك، المواطن المغربي لا يرفض هذه المبادرات، بل يدعمها. لكنه، في المقابل، يطالب القائد الإداري أو القائد الرياضي بأن يكون صريحا وشفافا، ويشرح للمواطن ما تحقق فعليًا، وما هي التوقعات الحقيقية من وراء تنظيم مثل هذه التظاهرات. خصوصًا أن تجارب دول أخرى أظهرت أن تنظيم كأس العالم أو غيره من التظاهرات الكبرى لا يضمن دائمًا أرباحًا اقتصادية مباشرة.
 
ماذا عن التوقعات حول تداعيات الكان والمونديال بخصوص المغرب؟
التوقعات المرتبطة بالمونديال والكان، حسب بعض المختصين، تؤكد أن الطفرة الاقتصادية ستكون محدودة زمنيًا خلال فترة إقامة المباريات. لكن الجانب الإيجابي الأبرز يكمن في الإشعاع الدولي، حيث ستكتشف شعوب العالم المغرب عن قرب، وتتعرف على ثقافته ومدنه ومؤهلاته. غير أن هذا الانفتاح يحمل كذلك مخاطر محتملة.
عندما يزور الأجنبي المغرب، لا يرى فقط الملاعب والفنادق، بل يرصد بدقة البنية التحتية، حالة الطرق، المدارس، والمرافق الصحية، ومعيشة المواطنين. وهو ما يستدعي منا التحضير الجيد، ليس فقط على مستوى الاستقبال، بل أيضًا من حيث صورة المغرب الحقيقية. الزائر يلاحظ ما لا نلاحظه نحن: البيئة، المساحات الخضراء، معاملة الشباب، نظافة المدينة، الشوارع، وغيرها من التفاصيل التي تشكل الانطباع الأول.
هذه الصورة ليست مسؤولية القائد الإداري وحده، بل هي مسؤولية جماعية: من الأحزاب السياسية، والمنتخبين المحليين، إلى الأسرة والمدرسة. فنجاح القائد الإداري لا يُقاس فقط بقدرته على إنجاز المشاريع، بل أيضًا بمدى حرصه على القطاعات الاجتماعية الحيوية مثل الصحة والتعليم.  ثمّة زائر قد يتساءل عن نسبة الأمية، عن مستوى التعليم، عن جودة الخدمات. فرغم أنه جاء من أجل كرة القدم، فهو يبقى سائحًا وملاحظًا دقيقًا، يبحث عن مؤشرات التنمية والعدالة الاجتماعية.
 
في نظرك، ماهي أبرز الإشكالات المطروحة؟
الكلفة الاقتصادية لتنظيم مثل هذه التظاهرات، بناء مركبات رياضية كبرى مثل ملعب بنسليمان أو الدار البيضاء، يجب ألا يكون مجرد استثمار ظرفي. ينبغي أن يُرافقه تخطيط مسبق لكيفية استغلال هذه البنيات بعد انتهاء التظاهرات: هل ستُحول إلى فضاءات للمعارض؟ هل سيتم فتحها للشباب؟ هذا ما يجب أن يوضحه القائد الإداري بصراحة.
المغاربة يريدون معرفة الكلفة الحقيقية لهذه المشاريع، ومن سيستفيد منها، هل ستخلق مناصب شغل؟ هل ستعود بالنفع على رأس المال الصغير أم فقط على الرأسمال الكبير؟ كيف سيتم توزيع الصفقات؟

 
هل سيكون ذلك بشفافية؟..
لذلك، نحتاج إلى قائد إداري خبير ورجل التواصل، قادر على تفسير المعيقات والتحديات، وشرح الكلفة والتوقعات بدقة، والتفاعل مع الانتقادات بروح مسؤولة. لأن هذه المشاريع تُمول من أموال الشعب، من الضرائب المباشرة وغير المباشرة، وبالتالي من حق المواطن أن يعرف، ويسائل، ويتابع.
 
كيف يمكن أن يستفيد المغرب من  تجارب دولية؟
من المهم أن نستفيد من تجارب مثل إسبانيا والبرتغال، حيث تم الاستثمار في الإنسان قبل الصورة. المغرب مطالب بأن يضع التعليم والصحة في مقدمة أولوياته، لا أن يجعل الرياضة غاية في حد ذاتها، بل وسيلة لخدمة المواطن.
في روسيا، كانت الرياضة تُعامل كجزء من قطاع الصحة، لا كوزارة مستقلة، إيمانًا بأن شبابًا بصحة جيدة يعني وطنًا أقوى. اليوم، أصبحت الرياضة سوقًا دوليًا ضخمة، لكنها لا يجب أن تُنسينا الأولويات الوطنية: المستشفيات، المدارس، البحث العلمي، ومحاربة الفقر والهشاشة.
لذا، فإن الرسالة التي نوجهها إلى القائد الإداري في المغرب واضحة: يجب أن يهتم بالسياق العالمي، والدولي، والوطني، والقاري، ويدرس بدقة دوافع الاحتضان، وما هو المنتظر، وما هي الصعوبات المحتملة. وعليه أن يكون صريحًا مع المواطنين: أن يعترف مثلًا بأننا قد نحتاج لمزيد من المستشفيات قبل الملاعب، وأن الوقت لا يزال يسمح ببذل مجهود إضافي في قطاعات اجتماعية أساسية.
كما أن وجود برلمان قوي وفعال، يراقب الحكومة والنفقات، يُعتبر حجر الزاوية لأي إصلاح حقيقي. المغرب يحتضن مؤسسات إفريقية، نذكر منها مركز كافراد للحكامة الإدارية بالرباط، تؤهل بلادنا أن تكون نموذجًا إفريقيًا في الحكامة. 
في الختام، المغرب قادر على أن يكون نموذجًا رياديًا في إفريقيا، ليس فقط على المستوى الرياضي، بل الإداري والديمقراطي كذلك. لكن لا تنمية دون كفاءة، ولا كفاءة دون وضوح وشفافية.