Thursday 24 July 2025
كتاب الرأي

عبد الحي السملالي: النزوح وسؤال المواطنة.. تأملات فلسفية في جرح اليسار المغربي.

عبد الحي السملالي: النزوح وسؤال المواطنة.. تأملات فلسفية في جرح اليسار المغربي. عبد الحي السملالي
ليس اليسار المغربي في أزمة، بل في مفارقة وجودية: إنه يعيش بين رمزية الاغتيال وجمود اللغة، بين وهج الذاكرة وانطفاء المشروع. ما يشهده اليوم ليس انهيارًا تنظيميًا فحسب، بل تحوّلًا في سؤال “الانتماء السياسي” نفسه، الذي لم يعد يُطرح كخيار تاريخي، بل كبحث عن مأوى رمزي.
من عمر بنجلون إلى عزيز بلال، لا نستحضر رمزين غابرين بقدر ما نستدعى إلى التفكير في جسد المقاومة وفكر النقد، بوصفهما لحظتين تتأسس فيهما السياسة على دم الرمز ونار السؤال.
اغتيال الجسد وسؤال اللغة
حين يُغتال بنجلون، لا يُقتل جسد مناضل فحسب، بل تُعلَّق الرغبة في التغيير. تصبح السياسة تمثيلًا لا مواجهة، ويغدو التنظيم وسيلة للتماهي لا للتحوّل.
وحين يحترق بلال، فإن النار لا تُطفئ جسدًا، بل توحي بانطفاء المشروع النقدي ذاته، ذاك الذي أراد أن يربط التنمية بالتحرر، وأن يجعل السياسة فعلًا معرفيًا لا مجرد تموقع حزبي.
هنا، يبدأ اليسار في فقدان لغته: تلك اللغة التي كانت تُنتج المفاهيم، تُعيد تأطير الفاعل، وتفتح أفقًا قيميًا للصراع. حين تغيب هذه اللغة، لا يعود الانتماء فعلًا، بل مأوى، ويصبح النزوح ليس خروجًا من التنظيم، بل طردًا من التاريخ.
المواطنة العضوية: أن تكون داخل الصراع لا على هامشه
كيف يمكن إعادة بناء الأفق؟
الجواب لا يكمن في العودة إلى التنظيم بوصفه سلطة رمزية، بل في إعادة تعريف علاقة الفرد بالمجال العام. وهنا يُستدعى مفهوم المواطنة العضوية: تلك التي لا تُقاس بالانخراط الإداري، بل بالتماهي الأخلاقي مع مشروع جمعي تحرري، متجذر في الواقع، ومنفتح على أفق الفكرة.
المواطنة العضوية هي أن تكون داخل الصراع، لا على هامشه؛ أن لا تختبئ خلف لغة الإصلاح، بل تخلق من هشاشة اللحظة أرضية للفعل الجديد.
الهوية السياسية: من الغرامشية إلى المغربي
الفكر السياسي والفلسفي يمنحنا أدوات لفهم هذا التحوّل:
• غرامشي يُعيد تعريف المثقف لا كمراقب، بل كفاعل عضوي في معركة المعنى.
• تايلور يربط الهوية السياسية بسياق الفعل والاعتراف، لا بالتمثيل السطحي.
• عبد الله العروي يُفكك التنظيم من الداخل، بوصفه سلطة فقدت وظيفتها التاريخية.
• طه عبد الرحمن يستعيد الأخلاق بوصفها قاعدة للفعل، لا مجرد تزيين للخطاب.

كل هذه اللحظات الفكرية تُشير إلى أن الانتماء السياسي لا يُورث، بل يُنتَج داخل صراع اللغة والقيمة.
النهاية أم البداية؟ موت التنظيم أم ولادة اللغة؟
حين يُهندس إدريس لشكر الاتحاد الاشتراكي على صورة توافقية هشّة، هل يُعلن بذلك موتًا سياسيًا للتنظيم؟
وهل يمثل النزوح نحو حزب التقدم والاشتراكية مقاومة، أم انقراضًا ناعمًا للرمزية اليسارية؟
هل ما يزال اليسار موجودًا بغير لغته؟
وهل يمكن أن يُولد من جديد من قلب هذا التمزّق القيمي؟
السؤال لا يُجاب عليه، بل يُستأنف.
ليس لأننا نجهل الجواب، بل لأننا لم نعد نملك اللغة التي تطرحه..