Monday 19 May 2025
كتاب الرأي

خالد أخازي: شطحات الطالبي العلمي.. السوسيون كانوا يخافون البحر... حتى جاءت حكومة الحمامة

خالد أخازي: شطحات الطالبي العلمي.. السوسيون كانوا يخافون البحر... حتى جاءت حكومة الحمامة خالد أخازي
رشيد الطالبي العلمي، القيادي في حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يقود الحكومة، ورئيس مجلس النواب، خرج بتصريحه العجيب خلال لقاء حزبي بمدينة العيون: "المغاربة كانوا يخافون من البحر". لم يكن يروي العبقري حدثا عابرا، بل أعاد صياغة تاريخ بأكمله بطريقة تثير السخرية والدهشة في آن واحد... حتى سقط في يد الحضور...
المغرب، الذي تلتقي حدوده البحرية بين المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، يُتهم فجأة بفوبيا جماعية تجاه البحر؟! هل ننسى أن هذا المغرب نفسه كان عبر القرون قوة بحرية عظمى، تحكم أمواج المحيط، تصدر السلع، وتخوض معارك على السفن؟ يبدو أن الطالبي العلمي لم يفتح كتاب التاريخ المبلل برذاذ البحر، وإلا لما قال مثل هذا الكلام.
لو بدأ من الفينيقيين، لعرف أن سواحل المغرب كانت محطات تجارية تربط أوروبا بإفريقيا، وأن الفينيقيين وجدوا شعباً يعرف كيف يستغل ثرواته البحرية في الصيد والتجارة. أما الرومان، فلم يعالجوا "خوف المغاربة" من البحر، بل بنوا مصانع لتمليح الأسماك وتصديرها. في العصور الإسلامية، ازداد الدور البحري للمغرب قوةً وتأثيراً. الأدارسة لم يروا البحر عائقاً، بل جسراً يربط المغرب بالأندلس. طنجة وسبتة لم تكن مجرد مدن ساحلية، بل محطات للتجارة والدعوة الإسلامية.
المرابطون أسسوا أسطولاً بحرياً للدفاع عن السواحل ومحاربة الأوروبيين، والموحدون امتدت سيطرتهم البحرية إلى البحر المتوسط، حيث أرسل الخليفة يعقوب المنصور أسطولاً لمساندة صلاح الدين الأيوبي ضد الصليبيين. البحر كان رمز قوة، لا مصدر خوف. في القرن السابع عشر، كان "قراصنة سلا" يردون بقوة على الغزو البحري الأوروبي. لم يخرجوا خشية البحر، بل لبسط الهيمنة على المحيط الأطلسي. سلا كانت مركز أسطول بحري يهاجم السفن الإسبانية والبرتغالية، وكأن الأمواج نفسها تتحالف مع المغاربة.
حين احتل البرتغاليون أكادير، لم يرتعد المغاربة خوفاً من البحر، بل قاتلوا على اليابسة والماء. محمد الشيخ السعدي حرر المدينة من الاحتلال البحري الاستعماري. أكادير لم تخف من البحر، بل كانت محطة رئيسية لتصدير السكر والأسماك، بأسطول لا يعرف الرهبة. مع العصر الحديث، لم يكن التراجع البحري بسبب خوف المغاربة، بل نتيجة سياسات استعمارية همشت القطاع. بعد الاستقلال، عرفت موانئ المغرب، خصوصاً أكادير، نهضة كبيرة. ميناء أكادير اليوم الأكبر في المغرب ورابع أكبر ميناء لصيد السردين في إفريقيا.
هل يعقل أن يُتهم صيادو أكادير، الذين يخرجون في ظلمة الفجر لمواجهة الأمواج، بالخوف؟ هؤلاء ورثوا الشجاعة من أجداد خاضوا البحر دفاعاً وصيداً وتجارة. في الثمانينيات، كان الأسطول المغربي يضم أكثر من سبعين سفينة، واليوم لا يتجاوز ست عشرة. ليس خوف المغاربة من البحر هو السبب، بل السياسات غير المدروسة. والاستراتيجية الجديدة لتطوير الأسطول تثبت أن المشكلة كانت في التدبير لا في الشجاعة.
تصريح الطالبي العلمي ليس مجرد زلة لسان، بل رؤية سطحية تختزل علاقة المغاربة بالبحر في فكرة عشوائية وغير تاريخية. البحر كان دائماً رمز التحدي والمغامرة، لا الخوف. ربما عليه الاستماع لقدماء البحارة والصيادين بسوس، ليكشف بنفسه جرأة متأصلة لرجال البحر الذين لا يحتاجون لمحاضرات في الشجاعة. البحر يعرفهم جيداً، وهم يعرفون دروبه كما يعرفون شوارع مدنهم. فهل يخاف من تربى على ضفافه؟
سي الطالبي... ربط السلوقية...