Saturday 10 May 2025
كتاب الرأي

بومدين: الحداثة.. معركة الحياة في هذا العصر جسدا وفكرا وروحا

بومدين: الحداثة.. معركة الحياة في هذا العصر جسدا وفكرا وروحا عبد الصاديقي بومدين
في تقديري أن المعركة الأساس، بل أم المعارك، في المغرب اليوم هي المعركة من أجل الحداثة، بكل معانيها ومكوناتها وتجلياتها، معركة الحياة في هذا العصر جسدا وفكرا وروحا.
لا أقصد هنا الحداثة كما يقدمها البعض كسلوك ولباس ونمط حياة، والتي ما هي إلا تجليات وقشور...
الحداثة كانت أساسا ثمار فكر وإنتاج عقلي (فكري- فلسفي وعلمي تقني عملي).
لذلك أعتبر أنه ما لم يكن هناك أساس فكري، فكر مبني على العقل والعقلانية، لا يستقيم أي بناء للحداثة. من هنا أهمية الصراع الفكري وأهمية الاستفاقة مما سمي بصدمة الحداثة في مجتمعنا أو ما سماه المفكر المغربي التقدمي الراحل عزيز بلال بالاصطدام الحضاري الذي سببه الاستعمار وأدى إلى الاحتماء بالموروث كميكانيزم سيكولوجي لمواجهة تاثير هذا الاصطدام (سماه بلال بملجأ سيكولوجي)...
الاستفاقة من هذه الصدمة ومواجهة العصر بفكر وعقل وإنتاج العصر، مسألة جوهرية في الطريق نحو الحداثة الشاملة، وهذا لا يتم إلا بالفكر والعمل الفكري والصراع الفكري...
لكن الحداثة لا تعني فقط تشبعا بفكر حداثي عقلاني موجه، بل للحداثة أبعاد، ومكونات وتجليات.
منها السياسية التي تعني ممارسة العمل السياسي بحرية وقوانين وتنافس البرامج والافكار والاستقلالية في اتخاذ القرار، ومؤسسات قوية، وانتخابات نزيهة وتحالفات منطقية على أساس البرامج والأفكار، وحرية التعبير.. وغيرها من شروط وتجليات الحياة السياسية العصرية والسليمة.
للحداثة أيضا بعد اقتصادي يمكن تلخيصه في كلمة واحدة: دولة القانون في المجال الاقتصادي، يعني احترام القوانين المنظمة للحقل الاقتصادي، مما يعني أن الريع لا مكان له في اقتصاد حداثي.
الحداثة تعني أيضا حماية حقوق الناس ومنها الحق في التعليم والصحة والثقافة والكرامة وكل مجالات الحياة، ففي أي مجتمع حداثي متقدم لا مكان للفقر المذقع ولا للحرمان من أي حق من حقوق الإنسان الأساسية ولا لظلم خارح القوانين ولا لفرض لنمط من اللباس والسلوك والحياة الخاصة بالقوة..
هذه بعض الأبعاد الاساسية للحداثة التي تعني باختصار الحياة في هذا العصر بكل مكتسباته الفكرية والثقافية والتقنية والاقتصادية والاجتماعية.
يتضح مما سبق أن المعركة من أجل الحداثة معركة شاملة، ولربح أي معركة لابد من فاعلين، أشخاص وهيئات ومؤسسات..
وفي حالتنا المغربية فالمعركة كبيرة وبحاجة إلى جبهة حداثية واسعة..
الصراع من أجل الحداثة يعني وجود طرف آخر غير حداثي، رجعي ومحافظ، وإلا لما كانت هناك معركة ولا صراع.
الطرف الآخر أيضا أيضا كأشخاص وهيئات ومؤسسات.
الطرف الآخر، غير الحداثي بل المعادي للحداثة يتكون، أساسا، من طرفين: الإسلام السياسي بكل مكوناته وألوانه وتجلياته، وطرف داخل السلطة يرفض، بشكل خاص أي حداثة سياسية بالمعنى المتحدث عنه أعلاه أو هو يقبل فقط بالشكل دون الجوهر الذي يبقى محافظا وخائفا من أي تقدم، متشبث بالقشور والمظاهر دون الجوهر..
الحداثيون، فعلا بالمعنى الشامل للمفهوم، يوجدون في المجتمع (تنظيمات وأشخاص) كما يوجدون في مؤسسات الدولة في كل مستوياتها.
المحافظون، دينيا أو سياسيا، يوجدون كذلك في المجتمع وفي أجهزة الدولة في كل مستوياتها.
الصراع إذن، قائم وله تجليات مختلفة في الحياة العامة، حتى وإن لم يظهر بوضوح تام عموما لكن هناك لحظات مهمة يبرز فيها التناقض والخلاف والصراع (مثل تعديل مدونة الأسرة سابقا وحاليا، أو في الفترات الانتخابية، أو خلال بلورة واقرار تشريعات ذات الطابع الاجتماعي والثقافي..)
هو صراع قائم منذ عقود لكنه غير واضح تماما وغير منظم.. هو صراع عمودي وأفقي شامل لكل مناحي الحياة الوطنية.
لقد كانت أحداث 16 ماي الإرهابية سنة 2003 بالمغرب لحظة برز فيها جزء من هذا الصراع وبرز مفهوم وشعار معبر ومعبئ هو شعار "المجتمع الديمقراطي الحداثي" الذي أصبح شعارا قويا يردده جميع المصطفين، نظريا، في صف الحداثة، هيئات سياسية، منظمات مدنية، مسؤولون في الدولة، مفكرون وكتاب وصحفيون، ومواطنون.
لكن توجيه الصراع فقط نحو مكون الإسلام السياسي وشحنه بمضمون سياسي وهدف سياسي ظرفي فقط (فرملة مد الاسلام السياسي) دون الابعاد الأخرى الأساس في مفهوم المجتمع الديمقراطي الحداثي، وبالأساس البعد الفكري، لم ينتج تحولا جوهريا نحو الحداثة، ومرت الموجة كما تمر كل الموجات السياسية الظرفية، بل أنتجت عكس المتوقع..
لكل ما سبق تظهر أهمية تبلور جبهة حداثية تتخذ أشكالا تنظيمية مرنة (لا تلغي الصراعات والخلافات التي تبقى ثانوية مرحليا، في تقديري، مقابل التناقض الأساس الذي هو الطرف الآخر المعادي للحداثة علنا أو ضمنا بمكونيه المشار إليهما أعلاه)...
المعركة من أجل الحداثة هي المعركة الحقيقية من أجل التقدم إلى الأمام والولوج التام للعصر وروح العصر..
 
بومدين عبد الصادقي/ قيادي في حزب التقدم والاشتراكية