Friday 9 May 2025
كتاب الرأي

بنسعيد الركيبي: شغب البرلمان وشغب الملاعب.. بين الفوضى الممأسسة والانفلات الجماهيري 

بنسعيد الركيبي: شغب البرلمان وشغب الملاعب.. بين الفوضى الممأسسة والانفلات الجماهيري  بنسعيد الركيبي
حين نتابع مشاهد الشغب في الملاعب، وما يصاحبها من صراخ وتخريب واشتباكات، نميل إلى الحكم السريع على الجماهير بوصفها فئة متهورة ولا تجيد سوى التعبير بالعنف. وحين نتابع جلسات برلمانية تعج بالصراخ والمقاطعات والاتهامات المتبادلة، نميل أحيانا إلى تبريرها باعتبارها جزءا من حرارة النقاش الديمقراطي.

لكن لو تأملنا قليلا سنكتشف أن الصورتين، رغم اختلاف السياق، تشتركان في العمق في شيء واحد يمكن الاصطلاح عليه ب " الازمة " . ذلك أن شغب الملاعب ليس وليد لحظة حماس أو ناتجا عن خسارة فريق فقط، بل هو في الغالب انفجار مكبوت لغضب اجتماعي متجذر. لأن فئات واسعة من الشباب الذين يقودون هذه الاحتجاجات الرياضية، يعانون من التهميش والبطالة وغياب الآفاق وانعدام الثقة في مؤسسات الدولة. حيث يجدون في فريقهم الكروي هوية بديلة وعلى مدرجات الملاعب وطنا رمزيا. وعندما يشعرون بأن لا صوت لهم خارج تلك المدرجات يتحول الحماس إلى عنف والهتاف إلى شغب. 

في المقابل لا يقل شغب البرلمانيين دلالة تحت القبة التي يفترض أن تكون فضاء للنقاش الرصين واتخاذ القرارات باسم الشعب حيث نتابع مشاهد من الفوضى اللفظية والاتهامات المجانية والمزايدات السياسوية التي لا تخدم لا الوطن ولا المواطن. وهنا لا تقذف الكراسي ولكن تقذف الكلمات الجارحة وتنسف قيم الحوار ويغيب التركيز على القضايا الحقيقية التي تمس حياة الناس. 

والأدهى والمحبط من ذلك أن من يفترض فيهم تمثيل المواطنين، بمن فيهم أولئك الشباب المحتجون في المدرجات، هم أنفسهم من يصنعون مشاهد الشغب السياسي. ومن تم يصبح البرلمان، الذي يفترض أن يصون الثقة في المؤسسات، يسهم أحيانا بسلوكات أعضائه في توسيع الهوة بينها وبين الشارع. وفي الوقت الذي يجرم فيه شغب الجماهير نجد أن شغب النواب يمر في كثير من الأحيان بدون محاسبة تحت غطاء حرية التعبير أو طبيعة العمل السياسي. فما يجمع بين شغب المدرجات وشغب القبة هو الشعور نفسه: "الخذلان".

 الجماهير تخذل حين لا تجد من يصغي إليها أو يعبر عن قضاياها والنخب تسهم في هذا الخذلان حين تنشغل بصراعاتها الضيقة وتغفل عن جوهر دورها، وكلا الطرفين يعكس خللا في العلاقة بين المواطن والدولة، بين الممثل ومن يمثله . إن ما نحتاجه اليوم ليس فقط قوانين لردع الشغب، بل سياسة تعيد الاعتبار للثقة وتصلح أعطاب التمثيل وتفتح مسارات التعبير البناء سواء تحت قبة البرلمان أو على مدرجات الملاعب. لأن الشغب في النهاية ليس سوى انعكاس لصوت لم يسمع أو أمل لم يتحقق.