كان فنجان قهوة سوداء بدون سكر، كافيا لإنعاش الذهن واستقرار المزاج بعد قطع عشرات الكيلومترات، والعبور من محطة القطار بمدينة بلقصيري نحو الطريق المؤدية للجماعة الترابية حَدْ كُورْتْ بإقليم سيدي قاسم.
هنا تحديدا يشعر الزائر بنفس جديد، وبتبدّل حال وأحوال الطقس ومعه حقول الأراضي الزراعية المكسوة بمختلف المزروعات والنباتات والأزهار العطرة التي شكلت صورا فاتنة لجمال الطبيعة الخلابة التي تسر الناظرين.
كل شيء عبر هذه الطريق وتحديدا عند المنعرج الذي يتفرع عنه شريان يؤدي أيضا صوب مدينة وزان "دار الضمانة" يوحي بأن أمطار الخير قد مرت من هنا وتركت بصمتها على الإنسان والحيوان والمجال، استرجعنا كل لياقتنا في حضن الطبيعة، إلى أن وصلنا لإقامتنا بين أحضان أصدقائنا من فعاليات المجتمع المدني المنخرط بعزيمة وإرادة لإنجاح عرسهم الثقافي والتراثي الذي خلد ورسخ عبر مساره العديد من التراكمات والبصمات الثقافية، الفنية، الرياضية والتنموية.
عبر مدخل الجماعة الترابية حَدْ كُورْتْ يكتشف الزائر مجالا ترابيا ينعم ببيئة خلابة، باعتباره تجمعا سكانيا تنطه أشجار الكاليتوس من كل ناحية، تلطف الجو والطقس، وتضخ في الروح أوكسجين الراحة والطمأنينة، خصوصا أن عيون أهل المكان ورجال لبلاد، تتعرف منذ النظرة الأولى على الزوار والضيوف بابتسامة مفروشة بالترحاب، في رحاب وعلى ضفاف الدورة 18 لمهرجان حَدْ كُورْتْ للثقافة والتنمية والفنون، الموسوم بشعار: "مهرجان حد كورت...ملتقى ثقافي ـ فني ـ رياضي ومسار تنموي" الذي يقام وينظم، بتنسيق مع الجماعة الترابية ومؤسسة حد كورت للثقافة والفنون والتنمية من 5 إلى 10 ماي 2025.
لقد عكس "الكرنفال" الذي جاب شوارع مدينة حَدْ كُورْتَ، والذي كان مؤمنا بكل أصناف القوات العمومية، صورة حقيقية للفعل الجمعوي، وللمفهوم التشاركي الجاد والهادف، حيث تحلق على مائدة المهرجان المتنوعة الأطباق الدسمة بقيم المعنى الثقافي والتراثي والفني والرياضي، ما توزع من فقرات برنامجه الغني والمتعدد الروافد والخصوصيات، لمنطقة تحتفل منذ 18 سنة خلت بساكنتها نساء ورجالا، شبابا، شيبا وأطفالا، حيث تَخْلُصُ إلى أن الكل منظم تحت لواء انتمائه لهذا المحور أو ذاك، بعنوان عريض سمته الإبداع الدائم والحضور القوي.
قمنا بزيارة خاطفة لـ "مَحْرَكْ" سنابك الخيل والبارود، واستنتجنا بأن التغيير والإرتقاء نحو الأفضل هدف أساسي وضع بين أيدي كل المؤسسات والشركاء والجهات المنظمة مثل خلايا نحل تشتغل دون كلل، حيث تم بناء وتجهيز المدرجات التي ستستقبل عشاق التبوريدة، إلى جانب المنصة الشرفية لضيوف المهرجان، وهندسة خيم علامة/مقاديم السربات تغري المشاهد بجمال "مرابط الخيل" التي تصهل استعدادا لنقطة الصفر. ومن تمة انتقلنا إلى اجتماع خاص بفرسان التبوريدة لوضع الترتيبات والتعاقد مع مْقَادِيمْ السَّرْبَاتْ حول الضوابط ومخرجاتها القانونية والإجرائية.
في فضاء منصة السهرات التراثية والفنية والموسيقى والغناء الشعبي، انطلق العد العكسي بالنسبة لمهندسي الصوت، لإنهاء اللمسات الأخيرة تقينا وفنيا، في أفق أن يستمتع الجمهور الغفير بالأنماط الغنائية والموسيقى الشعبية التي تستهوي الإنسان الغرباوي. حيث كل الترتيبات الأمنية على قدم وساق لتقديم أول سهرة فنية للساكنة وضيوفها الوافدين من كل صوب وحدب ليلة الأربعاء 7 ماي 2025، خصوصا أن فترة العطلة المدرسية شكلت فرصة سانحة لصلة الرحم والإستفادة من قضاء أيام جميلة بتراب منطقة حَدْ كُورْتْ وعمالة سيدي قاسم التي تدعم المهرجان وتتابع عن قرب كل صغيرة وكبيرة.
في سياق متصل، تابعنا يوم الثلاثاء 6 ماي بقاعة مؤسسة حد كورت، ندوة ثقافية موسومة بـ "الموروث الشعبي الغرباوي مكون أساسي لمنظومة التراث اللامادي...رقصة الهيت نموذجا مع نفحات من فن القول" والتي أطرها الباحث إدريس الكرش، حيث استضاف خلالها مجموعة عبيدات الرما للهيت الغرباوي والتي قدمت فقرات تراثية جمعت بين النظري والتطبيقي. وكانت حقيقة فرصة ثمينة للاستمتاع بهذا النمط الغنائي والإيقاعي الجميل.
وسيفسح المجال عشية يوم الأربعاء 7 ماي 2025 ابتداء من الساعة الخامسة عصرا، لملف التعليم، وما يشغل بال الحقل التعليمي من قضايا، حيث الرهان بين مؤسسة حد كورت للثقافة والتنمية وجمعية الشعلة للتربية والثقافة على موضوع: "أدوار الشركاء في تعزيز البيئة الآمنة بالوسط المدرسي"، بتنسيق مع المديرية الإقليمية للتعليم، وهو الموضوع الذي سيناقشه خبراء وأكاديميين وأساتذة باحثين في المجال التربوي على اعتبار أن هذه الندوة هي امتداد للندوة السابقة التي نظمتها جمعية الشعلة برسم سنة 2024، والتي ناقشت المدرسة العمومية والتحولات الاجتماعية وتأثيرها ودورها في ظل التحولات الدولية.
لا يتسع المجال لسرد الكم الهائل من الفقرات ذات الطابع الثقافي والفكري المتزامنة مع عروض فن وتراث التبوريدة التي يشارك فيها 50 مقدم/علام وافد من مختلف المناطق والمدن المغربية، حيث تؤكد الإحصائيات تواجد 770 حصان وفارس مستعدون لتقديم الفرجة وخلق السعادة بين أحضان ساكنة حَدْ كُورْتْ، بتأطير وتسيير من لجنة تنشيط متخصصة.
من جهة أخرى تنوع حضور الرياضة والرياضيين من خلال صنف سباق الدراجات الذي شاركت في منافساته العديد من الأندية الوافدة من مختلف المدن المغربية، إلى جانب منافسات كرة القدم المصغرة، وفرق عريقة في رياضة كرة السلة مثل الرجاء والوداد.
الأكثر إثارة في الدورة 18 للمهرجان، هو حضور الثقافة الرياضية من خلال الندوة الموسومة بـ :"الرياضة طريق نحو التنمية...تأثير الرياضة على العالم القروي" وذلك يوم 8 ماي 2025، بقاعة الندوات بالمركب الثقافي والاجتماعي بحد كورت، والتي سيشارك فيها مسؤولين بمؤسسات رياضية وجامعية وإعلاميين وصحفيين وهم: "محمد الوردي، وحسن البصري، ومنصف اليازغي، ومحمد بلماحي، وحميد البويحياوي، وبدر الدين الإدريسي وعادل العلوي" حيث سيناقشون المحاور التالية:
ـ الرياضة رافعة للتنمية بالعالم القروي
ـ المؤسسات الاجتماعية ودورها في احتضان المواهب الرياضية
ـ أبطال من العالم القروي...قصص نجاح تلهم المستقبل
ـ التحول الرياضي في أفق مونديال 2030
ـ الجامعات الرياضية ودورها في التكوين والتنمية
ـ الإعلام والصحافة الرياضية شريك أساسي في التنمية الرياضية
ـ الأشخاص في وضعية إعاقة والرياضة بالعالم القروي
ـ المؤسسات الاجتماعية ودورها في احتضان المواهب الرياضية
ـ أبطال من العالم القروي...قصص نجاح تلهم المستقبل
ـ التحول الرياضي في أفق مونديال 2030
ـ الجامعات الرياضية ودورها في التكوين والتنمية
ـ الإعلام والصحافة الرياضية شريك أساسي في التنمية الرياضية
ـ الأشخاص في وضعية إعاقة والرياضة بالعالم القروي