Sunday 4 May 2025
سياسة

إدريس الفينة: زيلنسكي يسير بأوكرانيا نحو المجهول

إدريس الفينة: زيلنسكي يسير بأوكرانيا نحو المجهول فولوديمير زيلينسكي
بعد لقاء عاصف بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض يوم 28 فبراير 2025، بات واضحًا أن أوكرانيا تسير نحو مستقبل مجهول. كان من المقرر توقيع اتفاق استراتيجي يتعلق بالمعادن النادرة، إلا أن المحادثات انهارت، مما أدى إلى تصاعد القلق بشأن مستقبل الدعم الأمريكي لكييف. هذا التطور يطرح تساؤلات جوهرية حول مصير زيلينسكي، وضع أوكرانيا في الحرب، وردود الفعل الدولية تجاه الأزمة المتفاقمة.

خلال الاجتماع، شهد المكتب البيضاوي مواجهة حادة بين ترامب وزيلينسكي، حيث أبدى ترامب استياءه من عدم إظهار كييف “الامتنان الكافي” للمساعدات الأمريكية السابقة. ووفقًا لتقارير إعلامية، فإن ترامب قال لزيلينسكي: “أنت لا تتصرف على الإطلاق وكأنك ممتن. هذا ليس تصرفًا لطيفًا.” هذه اللهجة العدائية لم تكن مفاجئة، حيث سبق لترامب أن أعلن مرارًا وتكرارًا أن الولايات المتحدة لن تتحمل عبء الدفاع عن أوكرانيا بمفردها، مطالبًا أوروبا بتولي هذا الدور. كما رفض تقديم أي ضمانات أمنية طويلة الأمد لكييف، واعتبر أن فكرة انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) ليست مطروحة على الطاولة، بل كانت أحد الأسباب الرئيسية في اندلاع الصراع.

انتهى اللقاء دون عقد مؤتمر صحفي مشترك أو التوقيع على الاتفاق المتوقع، مما شكل ضربة موجعة لحكومة زيلينسكي، التي كانت تعوّل على استمرار الدعم الأمريكي في ظل الهجمات الروسية المتزايدة. يعكس الخلاف العلني بين زيلينسكي وترامب تحولًا استراتيجيًا قد يكون له تداعيات خطيرة على مسار الحرب الدائرة. ففي ظل تراجع الدعم الأمريكي، تجد أوكرانيا نفسها أمام سيناريوهات متعددة، جميعها تحمل تحديات كبيرة. السيناريو الأول يتمثل في إزاحة زيلينسكي من السلطة، إذ قد يصبح غير قادر على الاستمرار في الحكم مع تصاعد الضغوط الداخلية. الجيش الأوكراني، الذي يعتمد بشكل أساسي على الدعم العسكري الأمريكي، قد يسعى إلى استبداله بشخصية سياسية أكثر توافقًا مع متطلبات السلام التي يطرحها ترامب وروسيا. هذا السيناريو قد يؤدي إلى اتفاق سريع ينهي النزاع، ولكن بثمن سياسي وعسكري باهظ لأوكرانيا.

أما السيناريو الثاني فيتمثل في استمرار زيلينسكي في الحكم دون دعم أمريكي، ما قد يدفع روسيا إلى توسيع عملياتها العسكرية في أوكرانيا. ومع ذلك، فإن تخلي واشنطن عن أوكرانيا قد يدفع بعض الدول الأوروبية، مثل بولندا وفرنسا، إلى زيادة دعمها العسكري لكييف، ما قد يؤدي إلى تصعيد أوسع للصراع. هذا السيناريو يفتح الباب أمام تدخل أوروبي مباشر في الحرب، وهو أمر قد يدفع روسيا إلى رد فعل أكثر عنفًا. السيناريو الثالث قد يكون تقديم أوكرانيا تنازلات كبرى لروسيا. مع تضاؤل خياراتها، قد تجد نفسها مضطرة للتفاوض مع موسكو من موقع ضعف. قد يشمل ذلك الاعتراف بضم روسيا لشبه جزيرة القرم، وتقديم تنازلات بشأن وضع المناطق الانفصالية في دونيتسك ولوهانسك، وربما التراجع عن أي خطط مستقبلية للانضمام إلى الناتو. هذا الحل قد يحقق السلام، لكنه سيشكل نكسة تاريخية للطموحات الأوكرانية في السيادة الكاملة والاستقلال العسكري.

أثار التحول الأمريكي قلق الحلفاء الأوروبيين، حيث عبر رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر عن الحاجة إلى ضمانات أمنية قوية لأوكرانيا، داعيًا إلى دعم أكثر فاعلية من الدول الأوروبية. كما أعربت فرنسا وألمانيا عن مخاوفهما من أن يؤدي التراجع الأمريكي إلى تفاقم الوضع الأمني في أوروبا الشرقية. على الجانب الآخر، رحبت روسيا بالموقف الأمريكي الجديد، معتبرة إياه مؤشرًا على تراجع النفوذ الغربي في أوكرانيا. وقد صرح المتحدث باسم الكرملين بأن موسكو تعتبر ذلك “خطوة نحو الاعتراف بالواقع الجديد”.

يبدو أن أوكرانيا مقبلة على مرحلة حاسمة في صراعها مع روسيا. فبين ضغوط داخلية قد تؤدي إلى تغيير سياسي، وتصعيد عسكري محتمل، وخيارات تفاوضية صعبة، ستجد كييف نفسها أمام قرارات مصيرية في الأسابيع المقبلة. يظل السؤال الأكبر: هل تستطيع أوكرانيا الصمود في غياب دعم أمريكي مباشر؟ أم أن التوازنات الجيوسياسية ستفرض عليها إعادة حساباتها وفقًا لمعادلات القوة الجديدة؟

مع انسحاب الدعم الأمريكي التدريجي، تدخل أوكرانيا مرحلة من عدم اليقين، حيث لم يعد بإمكانها الاعتماد على واشنطن لضمان بقائها. سيتعين على زيلينسكي إما إيجاد بدائل لدعم بلاده عسكريًا، أو الانخراط في مفاوضات صعبة مع موسكو، أو مواجهة اضطرابات داخلية قد تضعف موقفه. في ظل هذه المعطيات، يبدو أن الأزمة الأوكرانية ستظل مفتوحة على جميع السيناريوهات، مما يجعل الأشهر المقبلة حاسمة في تحديد مستقبل البلاد ومسار الحرب في أوروبا.