الاثنين 29 إبريل 2024
ملفات الوطن الآن

هل يعادي الأمازيغ فعلا الإسلام؟

هل يعادي الأمازيغ فعلا الإسلام؟

 

منذ تأسيس الحركة الثقافية الأمازيغية، في مطلع تسعينيات القرن الماضي، بدا واضحا تقاطع السياسي والثقافي داخل الملف المطلبي الذي سعت هذه الحركة إلى تبنيه، دفاعا عن الحقوق الثقافية واللغوية التي نادى بها النشطاء الأمازيغيون، مطالبين بإنصاف الدولة والمجتمع. وقد تركزت أبرز مطالب الحركة، في البداية، في دسترة الأمازيغية، وإدماجها ضمن السياسة التعليمية المتبعة بالمغرب. وقد بدا واضحا كذلك أن موضوع العلاقة بالإسلام يشكل موضوع تجاذب داخل أروقة النقاش حول المسآلة الأمازيغية، حيث صرنا نلاحظ لدى بعض نشطاء الحركة، إما السكوت عموما عن الموضوع الديني كعنصر أساسي في بناء الهوية المغربية، أو المجاهرة بعدائه صراحة، والتصرف في معالجة الموضوع.

في هذا الإطار، أنجز بعض النشطاء قراءته الخاصة للتاريخ المغربي يبدو معها الإسلام كعنصر دخيل فرض علي الأمازيغ (سكان المغرب الأولين) بالقوة. ووفق هذه القراءة، فإن الفتح الإسلامي، الدرس الذي تعلمه المغاربة في المدارس منذ الاستقلال إلى اليوم، يصبح غزوا واعتداء على استقلال المغرب والمغاربة، ومتتالية في تاريخ ما اعتبر مندرجا ضمن ما للحق بـ «الشعب الأمازيغي عبر العصور، من أشكال الاحتلال المتعددة من قبل الرومان والوندال والفينيقيين والبزنطيين والعرب الفارين من الجزيرة العربية...». وبناء على هذا التصور نرى نشطاء متطرفين يذهبون إلى القول إن القضية الفلسطينية التي تعود جل المغاربة على اعتبارها دائما قضية وطنية، هي قضية الآخر البعيد، وبأن ما يعتبره جل المغاربة بخصوص إسرائيل ككيان صهيوني وعنصري هو في رأي هؤلاء المتطرفين شأن خارجي، ومنهم من يعتبر «أن الشعبين الأمازيغي واليهودي قد تعرضا معا للاجتثاث ولاغتصاب هوياتي»، ولذلك يفسر البعض اختيار الحركة الأمازيغية لمؤتمرها الدولي باسم «الكونغرس العالمي» إشارة إلى ما يعتبرونه التطابق بين الشعبين، ولذلك تنادي الحركة في أدبياتها، وفي مقررات كونغرساتها من أجل استعادة «الشعب الأمازيغي» لهويته على «أرض تامزغا» التي يرونها ممتدة من جزر الكناري غربا إلى بحيرة سيوة بمصر شرقا.

تقترح هذه «الرؤية الأمازيغية المتطرفة» كذلك قراءة موازية تصبح معها اللغة العربية لغة المستعمر (بكسر الميم)، وتصبح العروبة، الفكرة الوحدوية التي ألهمت المغاربة حلال مرحلة الكفاح الوطني في عهد الاستعمار الفرنسي، وخلال مرحلة بناء الاستقلال هي إيديولوجية للإخضاع والإقصاء، وتسويغ نظري لبسط الهيمنة على «الشعب الأصلي».

إزاء هذه القراءة ينبري مثقفون آخرون من الصف الأمازيغي نفسه، ومن خارجه لإبراز أن مثل تلك التصورات المتطرفة تكذبها وقائع التاريخ، فهؤلاء يرون أن الإسلام ما كان ليمتد داخل الجغرافيا المغربية لولا احتضان الأمازيغ المغاربة أنفسهم للفاتحين المسلمين، ولولا انصهار أواصر الدم والقرابة لدرجة يستحيل معها الحديث عن عرق ودم خالصين. ويستشهدون في هذا الإطار بحدث حلول المولى إدريس بقبيلة أوربة في القرن الثامن الميلادي، وعقده الزواج من بنت زعيم هذه القبيلة. مثلما يستعيدون معطيات أثبتت على امتداد التاريخ المغربي حقيقة ذلك الانصهار. من ذلك مثلا أن العلماء الأمازيغ هم من واصل نشر الدين الإسلامي وتعليم المغاربة اللغة العربية، بموازاة مع انخراطهم الوازن في الكفاح الوطني من أجل الاستقلال، وأن إقبال الأمازيغ على الإسلام كان إقبالا على قيمه ورسالته الإنسانية السمحة.

وتأكيدا لذلك يعطون نموذجين حديثين في هذا المضمار: الأول، الفقيه والمؤرخ العلامة المختار السوسي الذي ألف كتبا عديدة باللغة العربية في التاريخ وعلوم الحديث وتفسير القرآن الكريم، ومتون الأدب العربي ولغته ككتاب «المعسول» و«سوس العالمة» و«تقييدات على تفسير الكشاف للزمخشري»، مثبتا الانتماء الثقافي المغربي المشترك الذي لا يعرف أية خصومة داخلية بين ما هو أمازيغي وعربي. أما النموذج الثاني فهو الباحث والشاعر محمد مستاوي الذي لا يزال يقوم، إلى اليوم، بجهد معرفي لترجمة الإبداع الأمازيغي إلى قراء العربية منذ أصدر ديوانيه الأولين «إسكراف» (القيود) و«تاضصاد ديمطاون» (الضحك والبكاء)، في منتصف السبعينيات. وبناء على هذين النموذجين، يرى أصحاب هذا التصور أن المغالاة في افتعال الشقاق داخل الكيان الواحد، وفي مهاجمة الإسلام واللغة العربية يعود إلى أحد الاحتمالين: إما كنوع من «الانتقام» التاريخي من ظروف تاريخية وسياسية أقصت موضوعيا الثقافة الأمازيغية، وأخرت دسترتها وإدماجها في التعليم وفي الإعلام العمومي، أو يتم ذلك خدمة لأجندة خارجية تعمل في أفق تمزيق اللحمة الداخلية للمغرب، وتفكيك الدولة التي صمدت موحدة منذ نشأتها إلى اليوم، علما أن مكتسبات كبرى تحققت للحركة الأمازيغية من خلال إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، والشروع في تدريس اللغة الأمازيغية في المؤسسات التعليمية المغربية، وإقرار ترسيمها في دستور 2011، مع استحداث المجلس الوطني للثقافة واللغات المغربية، رغم المآخذ الكثيرة المسجلة بخصوص أجرأة هذه القرارات.

هذان هما التصوران الذي يحكمان علاقة الأمازيغية بالإسلام وهما التصوران اللذان فتحا شهية «الوطن الآن» لمحاورة نشطاء وجامعيين. وقد رصدنا التصورين من داخل الحركة الثقافية الأمازيغية بهدف تجديد النقاش حول هذا الموضوع الشائك، وتكوين فهم مشترك لواحدة من أبرز إشكاليات حياتنا الثقافية المعاصرة.

 

أحمد عصيد، رئيس المرصد الأمازيفي للحقوق والحريات

 

الأمازيغ يرفضون الوصاية بالاستغلال الإيديولوجي للدين

أولا القول بأن بعض الأمازيغ يعادون الإسلام هو كلام مبالغ فيه وغير دقيق، لأنه عندما نتصفح جيدا ما يقال أو ما يكتب سوف نجد أنه لا يتعلق بالدين تحديد،ا بل يتعلق بتوظيفاته وأشكال استغلاله الإيديولوجية. فالأمازيغ يرفضون كل أشكال الوصاية، ومن بين أنواع الوصاية تلك التي تحاول السلطة أو القوميون العرب ممارستها عبر استعمال الدين. فعندما تقول إن للأمازيغية حقوقا يقال لك إن العربية لغة القرآن، وهي لغة أهل الجنة والإسلام يجمعنا... إلى غير ذلك من العبارات التي هدفها استعمال الدين من أجل حرمان الأمازيغ من حقوقهم. فإذن المعركة الرئيسية هي معركة ضد كل أنواع الحيف أو الوصاية بما فيها تلك التي يستعمل فيها الدين الإسلامي، هذه الأشكال من الاستعمال التي أساءت إساءة بالغة إلى الدين الإسلامي.

ولما أتحدث عن مواقف الأمازيغيين أتحدث عن الحركة الجمعوية، أي عن التنظيمات وعن الأشخاص المثقفين الذين يعلنون مواقفهم بأسمائهم، ولا أتحدث عن النقاش في «الفيسبوك» أو النقاش بأسماء مستعارة التي نزلت بالحوار إلى الحضيض. فلا يوجد من بينهم من يعادي الدين من حيث هو دين، لأن الدين في النهاية موجود في المجتمع وهو دين الآباء والأجداد، وعندما تعاديه فأنت تعادي أقرباءك وأبويك وأخوالك وأعمامك الذين قد يكونون متدينين، وإنما نحن نرفض أي استغلال للدين في المجال السياسي وأي استعمال له من أجل خرق الحقوق والإضرار بالمواطنين.

أما في ما يخص النقاش الدائر بخصوص ما وقع في تاريخ شمال إفريقيا هل هو فتح أم غزو، فأنا ألفت كتابا في الأمر صدر عام 1998 بعنوان «الأمازيغية في خطاب الإسلام السياسي» وفيه فقرة كاملة عما يسمى بالفتح. وأعتقد أن الأمر يتوقف على المنطلق الذي ننطلق منه، إذا كنا ننطلق من منطلق إيماني عاطفي فسنستعمل الفتح باعتبار أن المقصود به هو ما جاء به الدين، واذا كنا ننطلق من منطلق علمي تاريخي محايد، فالأمر يتعلق بغزو عسكري قام به العرب الأمويون بغرض الغنيمة قبل كل شيء وليس الدين. والدكتور محمد عابد الجابري في الجزء الثالث من كتابه «نقد العقل العربي» الذي يحمل عنوان «نقد العقل السياسي» كان واضحا، فمنطلقات الغزو كانت القبيلة والغنيمة واستعملت في ذلك العقيدة. والكثير من الباحثين والمؤرخين الذين ليسوا أمازيغيين، وضمنهم محمد العرباوي من تونس الذي هو قومي عربي، الذي يشهد في كتابه «البربر عرب قدماء» بأن ما قام به الأمويون وولاتهم كان غزوا واضطهادا للأمازيغ، ووصف عقبة بن نافع بالعنصري، لأنه كان يفضل العنصر العربي على غيره وكان يحتقر الأمازيغ ولا يحترم مبادئ الإسلام في المساواة بين المسلمين، وهذا سبب قتله من طرف الزعيم كسيلة.إذن الصورة الخيالية الوجدانية التي أعطيت للعرب الأمويين عند دخولهم لشمال إفريقيا هي صورة متخيلة ولم تكن واقعية.

 

فاطمة زهيد، باحثة جامعية

 

آن الأوان للحركة الأمازيغية أن تتصالح مع الذات الإسلامية

- في اعتقادك ماهو السبب الذي يجعل بعض النشطاء الأمازيغ يعادون الإسلام ؟

+ كمسلمة أمازيغية حتى النخاع، أعتقد أن المسألة مرتبطة بفهمنا للهوية وهذا ما يفسر عداء بعض النشطاء الأمازيغ للإسلام ، فهناك خلط بين الهوية والدين الذي هو شيء آخر. فمن الممكن ان أكون فارسيا أو كرديا أو تركيا، لكن لا يمنع من آكون مسلما أو مسيحيا أو يهوديا أو ملحدا، إذن فهم الهوية هوالذي يطرح إشكالا لدى بعض النشطاء الأمازيغ.

وللتوضيح أكثر، فالهوية الفردية محكومة بالهوية الجماعية بشكل يختلف من شخص لآخر، وهو الأمر الذي يعبر عنه بسلوكيات تختلف من فرد لآخر، حيث عبر عنها بورديو بـ le marquage identitaire.

والهوية، حسب بورديو، تتكون من خلال مجموعة من الشعائر التي تشكل الشخصية الجماعية، وسواء شئنا أم أبينا فهناك ارتباط بين الشعائر الدينية الإسلامية والشعائر الأمازيغية.

وعلى صعيد المقاربات السوسيولوجية نجد أن المقاربة النسقية التي تعد من أهم المقاربات تشير الى أنه على صعيد الهوية الفردية أو الجماعية لايوجد أي نسق يضم عنصرا واحدا فقط ، بل هناك تفاعلات عدة بين عناصر مختلفة يمتزج فيها الثقافي بالهوياتي، باليهودي والمسيحي والإسلامي ..وبالتالي فمن الصعب تجريد الأمازيغ من كل هذه المكونات. وكمسلمة أمازيغية أشدد على أهمية أن تكون الهوية الإسلامية الأمازيغية واعية بذاتها متصالحة مع نفسها وأن لاتكون هوية انشطارية تقسم المغربي إلى نصفين متجادلين متناقضين.

 

لكن هناك من يقول إن الأمر لا يتعلق بمعاداة بعض النشطاء الأمازيغ للإسلام، بل بتوظيفات الدين وأشكال استغلاله الإيديولوجية، مشيرين إلى رفضهم الوصاية التي من بين أشكالها استغلال السلطة والقوميون العرب للإسلام. ما رأيك؟

+ القول بوجود استغلال للدين من قبل السلطة والقوميين العرب، يعني أن الطرف الآخر له الحق في استغلال الدين بينما أنت لا حق لك في ذلك، في حين أن الإسلام هو مكون أساسي للمسلم الأمازيغي كذلك.

هويتنا الجماعية هي هوية إسلامية أمازيغية شئنا أم أبينا، وهذه الهوية لايمكننا أن نتنصل منها، لأننا ورثناها من أجدادنا المسلمين الأمازيغ الذين أسلموا مع حسان بن النعمان وعقبة بن نافع وبايعوا إدريس الأول. وتنصلنا من هذه الهوية لا يتناغم مع الإيمان الكبير لقبيلة أوربة وزعيمها إسحاق بن عبد الحميد. كما أن معاداة الإسلام يشكل ضربا ضد الرموز الأمازيغية ومنهم عبد الله بن ياسين مؤسس دولة الموحدين، وضربا ضد ابن جرمون صاحب الجرمونية المعروفة لدى المسلمين وخصوصا منهم المغاربة.

الإسلام أعطى للأمازيغ البعد الأخروي وربطه بالله عز وجل، والأمازيغ آووا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لما طرد من المشرق وذبح آل بيت رسول الله وقتلوا تقتيلا فاستقبلهم الأمازيغ وزوجوهم بناتهم، والأمازيغ آزروا الإسلام وجاهدوا تحت أسوار القدس رفقة الكردي صلاح الدين الأيوبي وكانوا تحت إمرة يوسف بن تاشفين الصنهاجي أسد المرابطين في معاركه بالأندلس.

وأنا أقول إن العزائم الأمازيغية وشجاعة شعوبها التي دخلت في دين الله هي التي شكلت قوة الإسلام في تلك الفترة، وهذا الإنصهار الذي حدث بين الأمازيغية والإسلام على مدى قرون هو الذي منحنا التميز والتفرد والذي لاينبغي أن نفرط فيه بأي حال من الأحوال.

ومن العبث معاداة الإسلام، خصوصا أننا في معترك قضايا مصيرية كبرى، والتي تلزمنا بفكر كبير وخطاب موحد يقطع مع العودة إلى المقاييس العرقية البحثة ومعانقة أبعاد الإنسانية الشاملة. لذا آن الآوان للحركة الأمازيغية أن تتصالح مع الذات الإسلامية التي تعتبر مكونا هاما من هويتنا الجماعية كأمازيغ، ودون ذلك ستفقد الحركة الأمازيغية الكثير من طاقاتها التي تأبى أن تعيش تناقضا في الخطاب الإيديولوجي والسياسي.

 

محمد أجغوغ، منسق لجنة التنسيق الوطني لتأسيس المنظمة الوطنية الأمازيغية للصداقة والتعاون مع شعوب البحر الأبيض المتوسط

 

كل من يعادي الإسلام فهو يؤدي دورا معاديا للأمازيغية

التطرف موجود في مختلف الحركات في العالم، ولا يمكن للحركة الأمازيغية أن تشكل استثناء. فمن داخلها هناك متطرفون، لأن من يناقش الإسلام والأمازيغية ويسعى إلى خلق صراع بين الأمازيغية والإسلام، فأكيد جدا يمكن اعتبار هذا الشخص متطرفا أو متشددا يسعى إلى إثارة المشاكل للأمازيغية، علما بأننا بعيدون كل البعد عن هذا السؤال. فنحن نعتبر أن أمازيغ شمال إفريقيا اعتنقوا جميع الديانات التي تعاقبت على هذه المنطقة ومن بينها الدين الإسلامي. كما أن الأمازيغ ساهموا في نشر الدين الإسلامي بمختلف ربوع شمال إفريقيا وصولا إلى الصحراء الكبرى، وهم أيضا من تحملوا نشر الإسلام في الأندلس.

ومن بين الشخصيات التاريخية التي تحملت مسؤوليتها في نشر الإسلام طارق بن زياد كأول شخص نشر الإسلام في بلاد الأندلس وكذلك الموحدين والمرابطين. فهاتان الدولتان الأمازيغيتان لعبتا دورا هاما في نشر الإسلام في الصحراء الكبرى وفي بعض الدول الإفريقية البعيدة كل البعد عن المغرب. ويبقى الإسلام دينا يجمعنا كمغاربة ونحترمه جميعا ونحترم حرية الإعتقاد، وأكيد أنني سأجد نفسي في مواجهة كل من يحاول إحداث الشرخ بين الإسلام والأمازيغية، وكل من يحاول الدخول في صراعات دينية أكيد أنه يسيء إلى الأمازيغية أكثر مما يخدمها، بل أعتبره يؤدي دورا معاديا للأمازيغية من حيث يدري أو لا يدري.

ينبغي رد الاعتبار إلى الشخصيات المغربية التي تحدث عنها حسن أوريد في إحدى ندواته، والتي تحملت مسؤوليتها التاريخية في نشر الدين الإسلامي، سواء كانت أمازيغية أو عربية، مثلا طارق بن زياد، يوسف بن تاشفين، المهدي ابن تومرت والمولى ادريس. فهذه شخصيات عرفها المغرب وساهمت في نشر الدين الإسلامي، ونحن نرفض تجاهل هذه الشخصيات من طرف من يعتبرون أنفسهم متحدثين باسم الدين. يجب على جميع الشرائح السياسية والدينية في المغرب أن تولي اهتماما خاصا لجميع الشخصيات التاريخية والبارزة التي ساهمت في نشر الدين الإسلامي.وشخصيا لن أقبل بإساءة أي شخص من داخل الحركة الأمازيغية للمولى ادريس الأول الذي يعتبر شخصية دينية سياسية في المغرب ينبغي أن تحظى بالاحترام، كما أننا لا ننكر أهمية الفتوحات الإسلامية التي تمت بشمال إفريقيا التي شارك فيها الأمازيغ. صحيح أنه من داخل الفاتحين هناك من تسلط على خيرات شمال إفريقيا، وهذا لم يحدث فقط بشمال إفريقيا، فمن داخل بلاد الفرس هناك من استغلوا الدين الإسلامي واحتقروا أهل الأرض واستغلوا الخيرات الطبيعية لأهل الأرض واستغلوا نساء أهل الأرض. هذه حقائق لا يمكن أن ننكرها، لكن هذا لا يحجب حقيقة أن الدين الإسلامي هو مكون أساسي للشخصية المغربية.

 

رشيد الحاحي، باحث، المنسق الوطني للتنسيق الوطني الأمازيغي بالمغرب

 

الأمازيغية كانت ضحية جفاء الفكر القومي والسياسات المركزية

 

أعتقد أن سؤالكم فيه الكثير من الإجحاف وسوء الفهم، وهذا ربما بسبب اعتمادكم في هذه المعاينة الخاطئة على بعض الافتراءات وما يروج له مناهضو الخطاب الأمازيغي في المغرب في حربهم الإيديولوجية المكشوفة، خصوصا منذ بروز الأمازيغية بشكل قوي في فضاء النضال الحقوقي والنقاش العمومي.

فالحركة الأمازيغية لم تعاد أبدا كل ما هو إسلامي وما هو عربي. وكما يعلم الجميع فالفضل يعود للأمازيغ في المساهمة الكبيرة في تطوير اللغة العربية والإنتاج بها في رسوخ نموذج الإسلام المغربي المعتدل المنسجم مع إطارنا الثقافي والهوياتي والمناقض تماما للنماذج الشرقية والسلفية التي نرى اليوم نتائجها في عدة مناطق في العالم.

وإن كنتم تقصدون في سؤالكم ما له علاقة بالعروبة والإسلاموية باعتبارهما نزعتين قوميتين إقصائيتين، فصحيح أن مناضلي ومثقفي الحركة الأمازيغية يرفضون ويواجهون بقوة من خلال إنتاجاتهم الفكرية وخطابهم التصحيحي والنقدي منذ أكثر من ثلاثة عقود، القوالب الإيديولوجية والخطابات الدوغمائية التي رسختهما هاتان النزعتان. ومن المعلوم أن الأمازيغية هي التي كانت على امتداد عقود ضحية جفاء الفكر القومي والسياسات المركزية والتأحيدية الموغلة في الإقصاء.

وأعتقد بأنه - للتقدم في هذا النقاش وعلاقة بموضوع دخول الإسلام إلى المغرب - ينبغي أن نستند إلى المعرفة والتحليل الفكري، وأن نتجرد من النماذج الجاهزة Stéréotypes والكوابح الإيديولوجية التي ورثها العقل المغربي والمجتمع المغربي عن عشرات السنوات من الترويض الإيديولوجي والانتهازية الثقافية الضيقة.

فالإسلام والنصوص الدينية نفسها والتاريخية تسمي عمليات الهجوم العسكري والدخول التي قامت بها جيوش الخلفاء إلى مناطق وبلدان أخرى بالغزوات الإسلامية، لكن عندما يتعلق الأمر بدخول شمال إفريقيا ترفض بعض الأطراف السياسية والإيديولوجية أن يسمى هذا الدخول غزوا! كما من المهم أن نوضح أن دخول العرب والإسلام إلى شمال إفريقيا تم في عهد الدولة الأموية التي كانت دمشق هي عاصمتها، ومن ثم ضرورة اعتبار هذا الغزو أولا غزوا أمويا للمغرب. والمعروف تاريخيا أن محاولات الأمويين لإخضاع المغرب دامت حوالي 70 سنة. اليوم، هذا تاريخنا جميعا، ينبغي أن نصححه ونورد في روايته كل الحقائق المغيبة، ونتجرد في التعاطي مع مقوماتنا ومكونات كياننا الاجتماعي من النظرة التضخيمية والتقديسية وكذا التبخيسية التي ترتكز على التمثلات الحسية الساذجة وليس على الإدراك والوعي الفكري الحديث.

وللتفصيل أكثر في هذا الموضوع، فقد خصصت فصلا كاملا في كتابي الأخير «الأمازيغية والمغرب المهدور» بعنوان «الأمازيغية والإسلام»، لمناقشة موضوع العلاقة بين الثقافي والديني، وتناولت تجارب مقارنة بين دخول الإسلام إلى المغرب وإلى دول أخرى، والاختلاف القائم بين إسلام المغاربة وإسلام أندونيسيا مثلا، انطلاقا من أبحاث الأنثربولوجيين الأنكلوسكسونيين الذين اشتغلوا على المجتمع المغربي، خاصة كليفورد كيرتز ودايل ايكلمان، وخلصت إلى أن الإسلام والدين بصفة عامة لا يشكل هوية الشعوب، بل هو مكون ضمن نسيجها الاجتماعي محكوم بالثقافة التي تؤطر الشخصية الفردية والجماعية.

وبالنسبة للمغرب، يكفي التذكير بأن مفهوم «ليحضار»، أي شرط التعاقد مع الفقيه للإشراف على المسجد في المناطق الأمازيغية، استقلاليته وتجرده، وابتعاده عن شؤون السكان وحياتهم الاجتماعية والفنية التي تدبرها الجماعة أو إنفلاس أي مجلس القبيلة، وبمجرد انتفاء هذا الشرط يفسخ التعاقد مع الفقيه احتراما للدين وخدمة لمصلحة السكان وللمرفق العام.

 

د. محمد حنداين، رئيس مركز الدراسات الأمازيغية والتاريخية والبيئية بأكادير

 

الحركة الأمازيغية تعادي من يعادي الشعب الأمازيغي في لغته وثقافته وهويته

- في كل محطة يتوقف نشطاء الحركة الأمازيغية عند قضية كون المغرب لم يعرف فتحا إسلاميا بل عرف غزوا إسلاميا. وفي نفس الإطار لا يتردد العديد من النشطاء الأمازيغ من معاداة كل ما هو إسلامي وعربي.

+ هذا السؤال غير صحيح، فالحركة الامازيغية تدعو إلى إعادة قراءة تاريخ المغرب من وجهة نظر علمية موضوعية. وإزالة كل الشوائب الإيديولوجية المعلقة بتاريخ المغرب وشمال افريقيا. فكلمة الغزو لا تحمل أي معنى ضد الإسلام. فتاريخ الإسلام مليء بمصطلح الغزو. فغزوة بدر وغزوة أحد موجودة بشكل عادي لدى المؤرخين العرب والمسلمين. فالمشكلة في شمال إفريقيا هو أن الإيديويولوجية القومية العربية أرادت أن تلبس تلك الكلمة مفهوما إيديولوجيا. ونحن نرفض ذلك. أما الإسلام في الغرب الاسلامي فقد نشره الأمازيغ.

أما قضية معادة النشطاء الأمازيغ لكل ما هو إسلامي وعربي فهو غير صحيح، ولا يوجد في أدبيات الحركة الأمازيغية ما يشير إلى العداء بسبب الدين أو العرق، لأن مبادئ الحركة الامازيغية تتأسس على منظومة الحداثة والمساواة بين الناس بدون تمييز بسبب اللون أو الدين أو العرق.

فالعرب شعب عريق وصديق للأمازيغ، ونحن ضد استغلال وتأويل الدين لمصلحة القومية العربية أو القومية المتأسلمة. فالدين لله والوطن للجميع. الحركة الأمازيغية تعادي من يعادي الشعب الأمازيغي في لغته وثقافته وهويته وهو مستعد للدفاع عن وجوده كما كان عبر التاريخ وهو لا يرغب في هضم حقوق الشعوب الاخرى ولكنه لن يتوان في الدفاع عن وجوده بالطرق المشروعة.

 

- لماذا هذا الجفاء في ظنك بين النشطاء الأمازيغ والإسلام؟ ولماذا هذه العداوة الدفينة ضد كل ما هو عربي؟

+ ليس هناك أي مشكل بين الأمازيغ والإسلام. فأغلبية الأمازيغ مسلمون ويمارسون الشعائر الدينية كما حددت دون محاولة استغلال الدين من أجل السياسة. وفي رأيي سيظل المشكل مطروحا إلى الأبد لدى المسلمين، وسيظل التطاحن إلى الأبد بين الطوائف الاسلامية ما لم يتم فصل الدين عن الدولة، لأن الحكم بالدين معناه الحكم بتأويل معين لنص معين. فأوربا عانت وحاربت قرونا وقرونا إلى أن اهتدت إلى طريقة فصل الدين عن السياسة، أي العلمانية. وهذه الكلمة السحرية «العلمانية» لم تأت بسهولة فقد ناضل فلاسفة عصر الأنوار أجيالا وأجيالا كي يقنع الناس بأهمية الفكرة. فالدين لله والوطن للجميع.

وفي رأيي ما يحدث الآن من التطاحن بين الفرق والمذاهب الدينية وصلت إلى حد القتل البشع مهم من الناحية التاريخية وعلى المدى الطويل، لأن الناس سيفهمون أنه لا يمكن الحكم بالدين، لأنه خاضع للتأويل. فإذا حكمت الشيعة ستطبق وجهة نظرها، وإذا حكمت السنة بشتى تلاوينها ستطبق رأيها. فالإسلام غائب في كل والحاضر هو تأويل الاسلام لغايات معينة. سينتهي العالم الاسلامي بيقظة مفاجئة مفادها فصل الدين عن الدولة بطريقة اجتهادية، ولكن نحتاج إلى حرية التفكير وعلماء جريئين يقتحمون الطابوهات لقول الحقيقة. وما تقوم به الحركة الأمازيغية أو مفكروها ما هو إلا نداء لإنقاد المجتمع والإسلام من الفتنة.

 

عبد الإله استيتو، منسق الحركة من أجل الحكم الذاتي للريف

 

نطالب بإعادة كتابة تاريخ شمال افريقيا

ليست هناك أي توجيهات من الخارج في ما تسمونه أنتم في سؤالكم عداء للعرب والإسلام. لابد من التوضيح أنه لما نتحدث يحدث نوع من سوء الفهم يتعلق بخطاب الحركة الأمازيغية، ولما نقول الحركة الأمازيغية فهي مجموعة من التنظيمات.. التيارات الجمعوية قاسمها المشترك الدفاع عن الأمازيغية. ولما نتحدث عما سميتموه هجوما على الإسلام، أنا أؤكد أن الحركة الأمازيغية ليست لها أي مشكل مع الدين الإسلامي ولا مع كافة الديانات. فالحركة الأمازيغية تدرك جيدا أن المغاربة دينهم الإسلام وخطاب الحركة الأمازيغية هو خطاب حداثي تقدمي علماني، وربما يكون هناك نوع من التأويل لخطاب الحركة الأمازيغية، وتأويل مقصود من قبل أطراف تعادي الحركة الأمازيغية لتشويه الحركة الأمازيغية. والنقطة الثانية تهم سوء فهم أطراف معينة لخطاب الحركة الأمازيغية. فالحركة الأمازيغية كما قلت لا تعادي الدين ولا العرق كيفما كان، الحركة الأمازيغية تؤمن بحرية المعتقد. أما التصريحات التي تعادي الإسلام فهي شاذة ومعزولة جدا، والحالات الشاذة لا يمكن أن تعمم والأفكار التي تحملها لا علاقة لها بخطاب الحركة الأمازيغية وهي لا تمثل إلا نفسها.

وفي ما يخص مسألة الفتح، فالحركة الأمازيغية تعتبر هذه اللحظة التاريخية هي بمثابة غزو عربي لشمال إفريقيا تحت غطاء الإسلام، ونحن نعتبر هذا الموقف علميا وله مشروعية تاريخية وبناء على معطيات تاريخية، وفي نفس الوقت نحن نطالب بإعادة كتابة تاريخ شمال إفريقيا بصفة عامة. ولا يمكن تناول الأحداث التاريخية من زاوية دينية أو من زاوية سياسية أو عرقية. فالمختار السوسي مثلا يتناول التاريخ من زاوية دينية. ولابد من الإشارة في الختام أن الثقافة الأمازيغية كانت منفتحة منذ البداية ولم تكن العداء لأي طرف معين، وخير نموذج هو وجود قبائل في شمال إفريقيا تتحدث بالدارجة وأخرى الأمازيغية في تعايش تام، حيث لم يسجل تاريخيا على الثقافة الأمازيغية المس بالآخر أو التعصب لعرق معين. فتاريخيا هناك تعايش بين العرب والأمازيغ في شمال إفريقيا، ونحن نحذر من إقصاء أي عنصر سواء كان من قبل الأمازيغ أو الناطقين بالعربية. فالحركة الأمازيغية تشير إلى أن هوية المغرب هي أمازيغية والناس الذين يتحدثون الدارجة هم من أصول أمازيغية تم تعريبهم من خلال سياسة التعريب التي طبقت بالمغرب.

 

ذ. عز الدين العلام، أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق بالمحمدية

 

عانينا من ثلاث كوارث: القومية العربية والإسلام السياسي والأمازيغية

- في كل محطة يتوقف نشطاء الحركة الأمازيغية عند قضية كون المغرب لم يعرف فتحا إسلاميا بل عرف غزوا إسلاميا. لماذا الإصرار على هذا التحديد اللغوي؟

+ أترك مؤقّتا ما فكّر فيه نشطاء الحركة الأمازيغية، وأتحدّث هنا عن التقابل الذي ورد في التّساؤل بين عبارتي «الفتح» الإسلامي و«الغزو» الإسلامي، أو لنقولها بعبارة حديثة «الاستعمار» الإسلامي. من أغرب ما في أمر المسلمين، أو لنقل في ثقافتهم السّائدة هو أنّهم حين يدخلون على شعب ما أو أمّة ما يُسمّون ذلك فتحا مبينا، وجهادا في سبيل الله، وإعلاء لكلمة الحق، وحينما يدخل عليهم أحد ما، تحت أيّ مبرّر كان، يُسمّون ذلك استعمارا غاشما، وحربا عدوانية، وغزوا خارجيا. والواقع أنّ هذه الازدواجية ليست خاصية إسلامية بقدر ما هي مُعطى تاريخي يتجاوز التّجربة العربية- الإسلامية. فكلّ المستعمرين (بكسر الميم) رأوا في ما يفعلون رسالة خير يقدّمونها للمستعمَرين. هذا ما كان يعتقده «ألكسندر» الأكبر وهو يوسّع إمبراطوريته لتطبيع المتوحّشين، وهو ما ادّعته فرنسا حديثا وهي تدخل بلاد المغرب لتصلح أحوال دولة سلطانية متهالكة، وهي نفس الرّسالة «الحضارية» التي حرّكت جنود بريطانيا لتدخل بلاد الهند من أجل ربط هذا البلد «الجامد» بحركية التاريخ. وهذا طبعا هو ما كان يعتقده المسلمون وهم يعملون على نقل كافة الأمم والشعوب من أدران الجاهلية والضلال إلى أنوار الإيمان والصّراط المستقيم!

الأكيد في جميع هذه الحالات أنّ «العنف» كان، بغضّ النظر عن كلّ الادّعاءات والمبرّرات، سيد الموقف. و الواقع أنّ كلّ مطّلع، ولو بشكل بسيط على مسار التاريخ الإسلامي، لا يمكنه إلا أن يستعجب من «الضجة» التي سبق أن أثارتها فقرة من محاضرة «البابا» بينيديكت السادس عشر تؤكد حضور «العنف» في انتشار الإسلام. فأن ينتشر الإسلام بحدّ «السيف» بدءا من «الغزوات» ومرورا بحروب «الردة» إلى حروب «الفتوحات» وما تلاها. فهذا ما تثبته وقائع التاريخ التي لا ترتفع، وما تؤكده عشرات الكتابات لمؤرخين عرب مشهورين وعلى رأسهم العلامة «ابن خلدون»، وهو أيضا ما تشير إليه عشرات الأبحاث لدارسين معاصرين لنا، عربا ومسلمين ومستشرقين... فهل تعتقدون أنّ المسلمين «الفاتحين» دخلوا بلاد «فارس» بالحليب والتمر؟

ولكن، أين يكمن المشكل في ما لو سلّمنا بمصاحبة العنف لانتشار الدعوة الإسلامية كحدث تاريخي؟ ألم تثبت العديد من الدراسات التاريخية دور «العنف» كمحرك للتاريخ؟ أو لم يكن «صراع الطبقات» في أقسى أشكاله الدموية وراء «الثورة الفرنسية»؟ و ماذا نقول عن «نابليون بونابارت» الذي وصفه الفيلسوف «هيغل» بكونه «التاريخ فوق حصان»؟ وهل دخلت جيوش «هتلر» إلى الديار الفرنسية محمّلة بالأزهار والورود بدلا عن الرشاشات والمدافع؟ وهل كانت الدولة «السوفياتية» المرحومة لتستقر إلى أجل مسمى لولا حملات «ستالين» التطهيرية التي ذهب ضحيتها آلاف الأشخاص، إن لم نقل أمما بكاملها؟

لماذا يكون «المسلمون» إذن هم الوحيدون في هذا العالم الذين يريدون القفز على التاريخ والجغرافيا، وتطهير ذواتهم من كل «عنف»؟ ورجوعا إلى المغرب وعلاقته بالإسلام الوافد من الشرق، أعتقد أنّ هناك العديد من المعطيات التي نتعامل معها وكأنّها أمور بديهية، والحال أنّها ليست كذلك، أو بالأحرى لا تؤكّدها وقائع التاريخ. فليس صحيحا أن المغرب دخل الإسلام بشكل سلس، وعن طواعية مستقبلا عقبة بن نافع بالحليب والتمر. يكفي أنّ المؤرّخ ابن خلدون يتحدّث عمّا لا يقل عن أربع عشرة ردّة كان على الوافدين من الشرق أن يواجهونها، ومن يقول المواجهة، يقول السيف والإكراه. ومهما يكن، فقد تعامل المغاربة مع الأمر الواقع كما تعاملوا قبل ذلك مع وافدين، أو مستعمرين آخرين قبل أن يطأ الإسلام أرض المغرب.

هل هو محض صدفة أن يعنون الأستاذ العروي فصول كتابه عن تاريخ المغرب بـ «من استعمار إلى آخر» و«غزو بعد آخر».... فمن القرن العاشر قبل الميلاد إلى القرن السابع بعد الميلاد تعاقب علينا في رقعتنا المغربية، الفينيقيون والإغريق والرومان والوندال والبيزنطيون إلى غاية «الفتح» المبين للعرب المسلمين... ألا يتطابق تاريخ المغرب في جزء كبير منه بتاريخ مستعمريه، الواحد تلو الآخر. وألا يكون هذا الباحث الكبير، ونحن نعيش كثرة الأكاذيب التاريخية، عن حق، حين قال إنّ سوء حظ المغرب الحقيقي هو أنّ تاريخه كتبه لمدة طويلة، هواة بلا تأهيل، موظفون يدّعون العلم، عسكريون يتظاهرون بالثقافة...

 

- لكن مع ذلك لا يتردد العديد من النشطاء الأمازيغ في معاداة كل ما هو إسلامي وعربي... ما هو السبب؟

+ العبارات الثلاث المذكورة في التّساؤل: النّشطاء الأمازيغيون، وما هو إسلامي، وما هو عربي، عبارات عامة وتحتاج للتدقيق. فداخل الحركة الأمازيغية نفسها لا تجد رابطا بين نشطاء أمازيغ يتحدّثون بعقلانية ومنهجية رصينة لينتقدوا استغلال الدين في السياسة، أو ينتقدون كلّ تفكير يجعل من المغرب مجرّد ملحق للمشرق العربي، وعلى رأسهم أحمد عصيد الذي أحيّي فيه بالمناسبة جرأته الفريدة التي يفتقدها الكثير ممّن يدّعي صفة «المثقف». ونشطاء أمازيغيون من نوع ثان يبدو أنّهم فقدوا صوابهم بهلوساتهم التي تريد أن تجعل من «الأمازيغية» بداية الحياة ومنتهاها، نوعا من ميتافيزيقا جديدة...

وحتّى لا أطيل، وربّما هذا لن يروق الكثير، أقول إنّنا عانينا من ثلاث كوارث: كارثة أولى اسمها القومية العربية التي لم نحصد من ورائها غير الهزائم الكبيرة والإيديولوجيات الثقيلة، وعانينا ولا نزال من كارثة ثانية أشدّ وطأة اسمها الإسلام السياسي لم نجن من ورائها غير طمس العقول وسيادة الجهل والظلام. وها نحن اليوم نعيش كارثة ثالثة عنوانها الأمازيغية أوّلا وأخيرا تسعى إلى محو الجاحظ والمعري من المقررات الدراسية، كما تريد أن تعيدنا قسرا إلى تراث فعل به التاريخ ما شاء فعله.

قد يثير ما قلته حنق الكثير. ولكن من حقّي أن أتساءل: أليست هذه المكوّنات ذاتها عوائق تحول دون انطلاق المغرب نحو مستقبله أكثر ممّا هي أدوات مساعدة على كسر أغلال الماضي للتفكير في الآتي. نعم، قد تصلح مطيّات تُسعف حركيي الإسلام والقومية والأمازيغية في تحقيق ما يصبون إليه من ترقيات، لكنّها بعيدة عن أن تكون جوابا عمليا على مستلزمات المستقبل المغربي.

هوية المغربي أكثر من كونه مسلما أو أمازيغيا أو عربيا. أنّه إنسان أولا و أخيرا. إنسان يطمح كسائر الناس لتحسين معاشه، وقضاء عطلة مريحة مع أبنائه. هوية المغربي هي كل المسارات التي تحقّق له كرامته وتضمن حرّيته مهما كان نبعها وأصلها. أمّا و أن يكون عروبيا أو أمازيغيا، حسّانيا أو ريفيا، عبريا أو مسلما أو لا دين له ولا ملّة... فذاك شأن يخصّه.

 

- لماذا هذا الجفاء في ظنك بين النشطاء الأمازيغ والإسلام؟ ولماذا هذه العدواة الدفينة ضد كل ما هو عربي؟

+ كان بودّي الجواب، ولكنّي كما تعلم لست عرّافا لأدرك ما يدور في الرّؤوس...