السبت 27 يوليو 2024
كتاب الرأي

صافي الدين البدالي: المغرب بلد إغناء الغني وإفقار الفقير .. فأية دولة اجتماعية هذه ؟

صافي الدين البدالي: المغرب بلد إغناء الغني وإفقار الفقير .. فأية دولة اجتماعية هذه ؟ صافي الدين البدالي
من خصائص الدولة المغربية هو تكريس الفوارق الطبقية، بل العمل على تعميقها من خلال القانون الضريبي الذي لا يلزم أحيانا الأغنياء ، لكنه يصيب الطبقة الوسطى والطبقة الفقيرة، فالدولة المغربية تساهم في التهرب الضريبي الذي يستفيد منه الأغنياء ويجعلهم يراكمون الثروات على حساب خزينة الدولة من الإعفاءات الضريبية، ومنهم كبار الفلاحين والإقطاعيون الجدد وأصحاب الضيعات الكبرى الذين يستفيدون من الإعفاء الضريبي عن الفلاحة التي تذر عليهم مداخيل جد مهمة من خلال تصدير الخضروات والفواكه للخارج، دون تأدية أية ضريبة عن الأرباح المتراكمة .
ويستفيدون من دعم الدولة للبرامج الفلاحية و من المخطط الأخضر ويستفيدون من دعم "غاز البوطان" الذي يشغلون به محركات آبارهم، مثلهم كمثل الفقير الذي يستعمله للطهي .
أي عدالة اجتماعية هذه؟ وأية دولة اجتماعية هذه؟
و في هذا السياق أوردت مؤخرا منظمة " أوكسفام " العالمية تقريرا يشير إلى أن النخبة الثرية في المغرب عرفت ثروتها طفرة نوعية في ظرف 10 سنوات (2012 -2022) حيث ارتفع صافي ثرواتها من 28،6 مليار دولار إلى 31،5 مليار دولار (حسب تقرير أوكسفام).
و أشار التقرير تحت عنوان “فجوة اللامساواة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: رخاء للأغنياء وتقشف للبقية" و هذا يعني بأن فجوة اللامساواة في بلادنا هي دائما ما تكون في صالح الأغنياء و تفرض على الفقراء سياسة التقشف. لأن غياب الضرائب عن الثروة غالبا ما يؤدي إلى اتساع رقعة الفقر وارتفاع معدل البطالة.
ولقد ظل مطلب فرض الضريبة على الثروة مطلبا للشعب المغربي وفي مقدمته اليسار، منذ عقود، بالإضافة إلى مطلب التوزيع العادل للثروة. وهي مطالب فرضتها ظروف اجتماعية خانقة بدأ يعرفها المغرب منذ اغتيال حكومة عبد الله إبراهيم سنة 1960 التي كان من أهدافها التقليص من الفوارق الطبقية وتوفير الاكتفاء الذاتي للشعب المغربي، كما تضاعفت هذه المطالب في سياق الحراك الاجتماعي الذي عرفه المغرب منذ الثمانينات عند إنزال برنامج التقويم الهيكلي الذي أصاب الطبقة الكادحة، واستفادت منه الطبقة الحاكمة واللوبي المالي من خلال الامتيازات وسياسة اقتصاد الريع ومن الإعفاءات الضريبية والضريبة على الفلاحة وتربية الماشية. إن ارتفاع ثروة الأغنياء في المغرب دائما ما يأتي على حساب الأزمات، منها أزمة الجفاف وأزمة الحرب في الصحراء وأزمة كورونا.
وما ارتفاع معدل المكاسب المالية للأغنياء في المغرب ما هو إلا نتيجة غياب أية ضرائب على ھذه المكاسب، التي راكمتها الطبقة الغنية، ذلك لأن التكلفة الإجمالية للحوافز الضریبیة في المغرب عام 2021 مثلا، تعادل میزانیة وزارة الصحة بأكملھا للعام نفسه.
وبالعودة إلى تقارير البنك الدولي وإلى تقارير منظمة أوكسفام العالمية، يتبين بأن المغرب من أكثر البلدان الأفريقية مديونية؛ حيث بلغ إجمالي ديونه خلال العام 2022، 65.41 مليار دولار،وتأتي الطفرة في الثروات الفاحشة للأثرياء بالمغرب على حساب غرق الدولة في بحر الديون الخارجية و الداخلية، إذ ارتفع الدين العام من الناتج المحلي الإجمالي عام 2021 من 45 في المائة إلى 69 في المائة. وبلغ إجمالي ديون البلاد خلال العام 2022، 65.41 مليار دولار وبلغ سقف الدين الوطني في حوالي 100 مليار دولار بزيادة 10 في المئة على أساس سنوي، في وقت تشهد فيه البلاد ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع أسعار المواد الغذائية على وجه الخصوص وارتفاع معدل البطالة واتساع رقعة الفقر إلى 6،6 في المئة سنة 2023.
وسجلت فوائد الدين الخارجي للمغرب ارتفاعا بنسبة 130 في المائة في متم شهر أبريل، حيث ناهز أكثر من ملياريْ درهم بحسب أرقام وزارة
الاقتصاد والمالية. ووفق تقرير دولي حول العدالة الضريبية، " فإن المبلغ الذي يخسره المغرب بسبب التهرب الضريبي يعادل الأجر السنوي لحوالي 130 ألفا و186 ممرضا، أو يوازي 20 بالمائة من الميزانية السنوية المخصصة لقطاع الصحة العمومية . "
وتخسر خزينة الدولة 2.45 مليار دولار، بسبب تهرب وتحايل الشركات المتعددة الجنسيات على الضرائب.
إن سياسة الدولة في علاقتها مع الضرائب المستحقة على الشركات وعلى الأثرياء وعلى كبار الفلاحين وكذلك الإعفاءات الضريبية بطرق غير مشروعة والإفلات من المحاسبة والإثراء غير المشروع لن تؤدي إلا إلى تعميق الفوارق الطبقية وارتفاع معدل الفقر والبطالة والجهل والأمية، وارتفاع وثيرة الغش والفساد ونهب المال العام.