الأحد 19 مايو 2024
سياسة

أريري: كوريا.. من بلد فقير يتلقى المساعدات إلى عملاق اقتصادي عالمي يوزع الهبات والمساعدات على الدول

 
 
أريري: كوريا.. من بلد فقير يتلقى المساعدات إلى عملاق اقتصادي عالمي يوزع الهبات والمساعدات على الدول عبد الرحيم أريري في لقاء مع ديبلوماسيين بالسفارة الكورية: Seong Kyun Lim المستشار بالسفارة والسيدة Boyoung Kim، السكرتيرة الثانية وايضا القنصل العام لكوريا. وعن يساره الزميل إدريس اليعقوبي
"يتعين على كوريا أن تنتظر 100 سنة لتضميد جراح الحرب الكورية وتتعافى من خراب مدنها وتعفن جثث قتلاها في الحرب. أما أن تتجاوز كوريا النكبة وتحقيق الإقلاع فذاك أمر في علم الغيب".
 
هذا ماصرح به الجنيرال الأمريكي دوغلاس ماك أرتير، قائد القوات الدولية بكوريا لتحرير سيول وصد هجمات جيش الصين وجيش كوريا الشمالية، عام 1953، بعد توقيع الهدنة وانسحاب القوات الشيوعية والغربية إلى الخط 38، إيذانا بتقسيم كوريا لأول مرة في تاريخها إلى شطرين: كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، بعد أن ظل البلد موحدا على امتداد 1100 سنة.
 
اليوم لو كتب للجنيرال ماك أرتير، أن يبعث من قبره، لقدم اعتذاره لشعب كوريا عن سوء استشرافه واستصغاره لإرادة الكوريين وعزيمتهم. ذلك أن كوريا لم تضمد جراح الحرب الكورية (1950\1953)، وتجاوز تداعيات نصف قرن من الاحتلال الياباني لكوريا ( 1900\1945) وحسب، بل وأفلحت في إعمار مدنها وقراها في رمشة عين، وقامت بتقعيد أسس اقتصاد قوي وخلقت مجموعات صناعية صلبة، ووفرت موارد بشرية مدربة وعالية التكوين، مما مكنها من التحول من بلد ظل يعيش في الأغلب على المساعدات الخارجية الغربية إلى حدود الستينات من القرن العشرين، إلى بلد يوزع اليوم المساعدات ذات اليمين وذات الشمال على دول المعمور. بما في ذلك المغرب الذي توصل بهبات ومساعدات من كوريا بلغت حوالي 83 مليون دولار بين 1991 و2022، بل وفي سنة 2023 لوحدها منحت سيول للرباط مساعدة بقيمة 4،3 مليون دولار أمريكي.
 
وهذه هي المفارقة العصية على الفهم. فكوريا التي كانت تصنف في خانة الدول الأكثر فقرا في العالم في الستينات من القرن العشرين تحولت اليوم- وفي ظرف 50 سنة- إلى القوة الاقتصادية 12 في العالم، وهو ما تدل عليه الأرقام الدالة والدامغة.
 
إليكم المعطيات:
في 1961 كان الناتج الداخلي للمواطن بكوريا لا يتجاوز 92 دولارا للفرد( أي أفظع من المغرب بكثير آنذاك)، لكن بفضل معجزة "نهر هان" ( النهر الرئيسي بكوريا)، قفز الناتج الى 24.590 دولار للفرد عام 2015، ثم انتقل الناتج الخام الفردي إلى 35.000 دولار للمواطن عام2023، أي تضاعف في ظرف نصف قرن ب380 مرة. وهذا يدل على الثروة الوطنية التي استطاعت كوريا خلقها بفضل تقوية اقتصادها وتنويعه، وضمان سيادتها الغذائية في الأرز والأسماك، وتعميم التعليم التقني والعالي، والتركيز على الاستثمار في البحث والابتكار، والانشغال بتعزيز الصادرات وغزو الأسواق، لضخ العملة الصعبة للبلاد لتعميم الرفاهية على معظم مكونات الشعب الكوري.
 
فرغم أن مساحة كوريا لا تتجاوز 100.000 كيلومتر مربع (مساحة المغرب تمثل سبع مرات مساحة كوريا)، فإن كل كيلومتر مربع بكوريا ينتج ثروة قدرها 17.920.000دولار أمريكي، بينما بالمغرب لا ينتج كل كيومتر مربع سوى 197.000 دولار( أي أن كوريا تفوق المغرب ب 90 مرة في القوة الاقتصادية حسب المتر المربع!!).
 
وهاهي كوريا تجني ثمار سياستها، لدرجة أن سلع كوريا غزت اليوم كل الفضاءات العامة والخاصة في كل دول العالم: هواتف ومعدات سامسونغ الذكية، آلات "إل جي"، سيارات كيا وهيونادي، مفاعلات "دايوو" النووية"، قطاراتKNR، فضلا عن تصدر كوريا قائمة بلدان العاام في بيع للسفن واليخوت والمنشآت النفطية العائمة والغواصات الحربية... بل حتى في الغناء والفن هيمن "الهيب هوب" الكوري واحتكرت المسلسلات والأفلام الكورية قنوات العالم.
 
إن قصة كوريا تدحض أطروحة كل الآفاقين ومروجي الأكاذيب بالمغرب بخصوص أبدية البؤس والفقر والهدر المدرسي وتردي مؤشر التنمية البشرية وتفاقم العجز التجاري والمديونية وفقدان السيادة الاقتصادية، وبالتالي استحالة تحقيق الإقلاع الاقتصادي. إذ في ظرف جيل واحد فقط، انتقلت كوريا من بلد مدمر إلى أقوى بلد مصنع في العالم، ومن بلد تتناقل قنوات العالم طوابير أبنائه للحصول على كسرة خبز بسبب المجاعة، إلى بلد تتهافت قنوات الكون لإبراز بهاء مدنه، وتتنافس لترويج إيقاعات شبابه وتوهج جامعاته وتقدم مصانعه وتطور أوراشه البحرية وتعقد مفاعلاته النووية. بل وتحولت كوريا إلى لاعب دولي في "نادي الكبار" بمزاحمة القوى العظمى ( أمريكا والاتحاد الأوربي والصين وروسيا واليابان)، للظفر بموطئ قدم في إفريقيا، وهاهي تستعد لعقد قمة "كوريا- إفريقيا" بسيول يومي 4\5 يونيو 2024، لوضع خارطة طريق لغزو 54 بلدا بالقارة السمراء.
حسرتي على الجنيرال الأمريكي "مارك أرتير" الذي يلطم خده داخل قبره، بسبب جهله لجينات الشعب الكوري.