الثلاثاء 30 إبريل 2024
سياسة

ردا على بعض المنتقدين للدرس الافتتاحي لوزير الأوقاف في الدروس الحسنية الرمضانية

ردا على بعض المنتقدين للدرس الافتتاحي لوزير الأوقاف في الدروس الحسنية الرمضانية الصادق العثماني( يسارا) رفقة وزير الأوقاف،أحمد التوفيق
"تجديد الدين في نظام إمارة المؤمنين"، درس هام جدا تقدم به بين يدي حضرة أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس حفظه الله بحفظه، ورعاه برعايته معالى وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الدكتور أحمد التوفيق، 
 متناولا معاليه بالدرس والتحليل موضوع “تجديد الدين في نظام إمارة المؤمنين”، انطلاقا من الحديث الشريف الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها". فهذا الدرس التجديدي بامتياز لمعالي الوزير خلق رجة في أوساط بعض المتفيهقين في المملكة المغربية وخصوصا فيما يتعلق بالتعامل مع الأبناك في سياق اجتهادات إمارة المؤمنين بالمغرب. فقال معاليه: "ذلك أن بعض المتكلمين في الدين قد أحرجوا ضمير المسلمين بالقول إن الربا هو الفائدة على القرض بأي قدر كانت، مع العلم بأن حكمة القرآن جاءت للقطيعة مع ممارسة كانت شائعة في بعض الحضارات القديمة وهي استعباد العاجز عن رد الدين بفوائد مضاعفة. وكان بعض فلاسفة اليونان قد استنكروا ذلك، أما الاقتراض في هذا العصر فمعظمه للضرورة أو الاستثمار، وفي ما عدا ثمن الأجل ومقابل الخدمات، فإن الفائدة تقل بقدر نمو الاقتصاد في البلد. ومن تجديد نظام إمارة المؤمنين في هذا الباب إحداث معاملات بنكية اتسمَّت بالمالية التشاركية، والمرجع في هذه العمليات هو المجلس العلمي الأعلى الذي أصدر لحد الآن أكثر من مائة وسبعين فتوى في الموضوع" . 
للأسف،  هذه الردود السلبية والتهجمات المغرضة على معالي وزير الأوقاف الدكتور أحمد التوفيق، وهو يتحدث عن التجديد في ظل إمارة المؤمنين في الدرس الافتتاحي من الدروس الحسنية الرمضانية، يؤكد لنا ومما لا يدع مجالا للشك، ان مسيرة الفكر الإسلامي في أوطاننا العربية والإسلامية مازالت متوقفة عن الإنتاج والإبداع والتجديد، ومازالت عاجزة كذلك عن مسايرة مستجدات العصر وأقضيته وتطوراته، وهذا العجز ساهم بدوره في ضعف عقل الفقيه، بحيث تحول من منتج للأفكار والمعلومات  إلى مستهلك لها،  يدور معها حيث دارت، فتوقفت حركة الإستنباط والإجتهاد وأخرجت الرؤية الإسلامية من الدائرة الإنسانية العالمية إلى الدائرة الجهوية والقطرية والمذهبية الضيقة، كما تم إهمال فقه المقاصد الشرعية، فغصنا في فروع الدين وجزئياته، وتركنا جوهره ومقاصده وقيمه الإنسانية الكبرى، فحرمنا سفك دماء النمل، وأبحنا سفك دماء المسلمين وأعراضهم.. !  
لهذا كان الشاطبي - رحمه الله -  صادقا ودقيقا عندما قال: الفقه بلا مقاصد فقه بلا روح، والفقيه بلا مقاصد فقيه بلا روح.. في الحقيقة ما أحوجنا اليوم  إلى مزيد من البحث في الدرس المقاصدى، وإلى مزيد من نوعية الدرس الذي تقدم به معالي الوزير؛  لأن علم المقاصد يمكننا من خلاله تجديد الفقه الإسلامي، فبدون تجديد الفقه الإسلامي لا يمكننا أبدا مسايرة أقضية الناس ومستحدثات الأمور، علما أن القرآن الكريم هو المصدر الأول للتشريع، ولا يمكن تبديله بفتاوى قديمة أو بتعريفات فقهية قاصرة. 
وعلى سبيل المثال وتماشيا مع مقاصد الدين الإسلامي، بالإضافة إلى الرأي الذي تقدم به معالي الوزير فيما يخص الربا،  فالمفهوم القرآني للربا يختلف اختلافا جذريا عن مفهوم الربا عند الفقهاء. ففي القرآن الكريم  هو كل قرض بعوض لفقير محتاج للصدقة، لكن عند الفقهاء كل قرض جر نفعا هكذا بإطلاق،  هنا وقعت الواقعة واختلط الحلال بالحرام عند هؤلاء، والحق بالباطل والعدل بالجور؛ بحيث أسقطوا مفهوم الربا على الفائدة،  في حين أن الربا شيء، والفائدة شيء آخر ، وعند تحقيق المناط يتضح جليا لمن كان له ذرة من فقه في الدين وبمقاصد الشرع الحنيف بأن الفوائد  البنكية اليوم ليست هي الربا التي حرمها الله تعالى في القرآن الكريم ووعد أصحابها بالعذاب الشديد. لهذا إلى حد الآن فالفقه الإسلامي أو الفقيه المعاصر إن صح التعبير عاجز تماما عن مواكبة مؤسسات البنوك وتطوراتها وتقنياتها وقواعد اشتغالها وأهميتها الاجتماعية في الدول الوطنية الحديثة، لأنه مازال يشتغل بآلية وبقواعد وبأدوات الفقيه القديم الذي مات في القرن السادس الهجري!  مع العلم أن البنوك الحديثة اليوم هي مؤسسات خدماتية استثمارية تتعامل بالأوراق النقدية وبالحوالات البنكية وبالبطاقة البنكية لاترى نقودك أصلا، لهذا تنزيل حكم الفلوس على حكم الأوراق النقدية اليوم، ليس صوابا ولا يستقيم، لأن النقود المالية اليوم لم تعد ذهبا ولا فضة، وبالتالي لا يمكن أن يتحقق فيها مسمى الربا. كما أن النقود قديما، وإن كانت تختلف في عملتها، فإنها كانت تحتفظ بالأصل الذي هو الذهب والفضة، ومع ذلك كان هناك خلاف بين الصحابة والعلماء في ربويتها..
وختما، فمعالي الوزير كان موفقا جدا في درسه حيث استخرج من الحديث الشريف -موضوع الدرس - عدة أمور كما طرح من خلاله عددا من النقاط الحساسة كعلاقة الدولة المسلمة بالغرب، والإسلام الصوفي  واعتبار الصوفية الحقة هي "الامان الروحي"
وكيف يمكن الوصول الى حياة طيبة سعيدة بالتمسك بالتدين؟ بالإضافة الى ضرورة نزول العلماء الى الميدان من أجل "تخفيف التدبير السياسي، وتقليل نفقاته" من خلال تعليم المواطن التدين، واعتبار التدين هو المسؤولية، ومحاسبة النفس، وتخليقه، ونزع الأنانية، وخدمة الصالح العام. فهذا الدرس الافتتاحي من سلسلة الدروس الحسنية الذي تقدم به معالي وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بين يدي جلالته، أعتبره شخصيا بمتابة خارطة طريق من خلاله يمكن معالجة الكثير من القضايا والهموم والمشاكل التي تطرحها الحياة المعاصرة ومستجداتها، وخصوصا فيما يتعلق بالجانب الديني والسياسي، أو إن صح التعبير  عندما يختلط الخطاب الديني العلمي بالخطاب الإيديولوجي، هنا تتجلى أهمية إمارة المؤمنين التي كانت دائما وأبدا وعبر تاريخها الطويل صمام أمان بين الخطاب الديني والسياسي من جهة، والمعرفي والإيديولوجي من جهة أخرى؛ علما أن مؤسسة إمارة المؤمنين هي من الثوابت الدينية الوطنية ومن خصوصيات التدين المغربي.

الشيخ الصادق العثماني/ الأمين العام لرابطة علماء المسلمين بأمريكا اللاتينية