في عدد الاثنين 15 شتنبر 2014 نشرت "الأحداث المغربية" حوارا مع سعيد الإبراهيمي، المدير العام لـ "كازا سيتي فينانس"، شرح فيه ملابسات اختيار صندوق "إفريقيا 50" التوطين بالقطب المالي للدار البيضاء. وقال الإبراهيمي أن قرار صندوق "إفريقيا 50" اختيار المغرب كمقر له هو ثمرة المجهود الذي يبذله المغرب لتكريس دوره الإفريقي ك"ثاني مستثمر" بالقارة السمراء.
إلا أن "الاحتفال" الذي خصت به الأجهزة العمومية قرار استقرار هذا الصندوق بالبيضاء يخفي حقائق صادمة تتجلى في كون المغرب لم يستغل إشعاعه الرمزي والروحي بإفريقيا ليكون وسيطا بين القارة السمراء ودول الخليج، خاصة وأن هذه الأخيرة تعمل كل ما في جهدها لتحويل إفريقيا إلى "سلة غذاء لدول الخليج" عبر عمليات الاستثمار وشراء الأراضي الزراعية الشاسعة في أكثر من دولة إفريقية لضمان الأمن الغذائي لدول الخليج. بدليل أن دبي احتضنت في الأسبوع الماضي "منتدى الاستثمار لدول غرب إفريقيا"، وهو المنتدى الذي وقعت فيه صفقات بقيمة 19 مليار دولار. بمعنى أن دبي البعيدة عن القارة الإفريقية تعرف وتملك رؤية لما تريده من غرب إفريقيا، بينما المغرب المنتمي للقارة السمراء لم يتمكن حتى من الحصول على "تذكرة" لحضور منتدى دبي فأحرى أن يكون الرافعة أو الجسر بين دول غرب القارة والخليج.
الرهان كبير جدا، لكن للأسف لم يحسن المغرب استغلاله. وحسبنا هنا الإشارة إلى رقمين مهمين꞉ الرقم الأول يهم حجم استثمارات الخليجين بإفريقيا في العقد الأخير الذي فاق 30 مليار دولار. أما الرقم الثاني فيخص ارتفاع حجم المبادلات التجارية بين إفريقيا ودول الخليج. والرقم الذي نتوفر عليه يخص فقط دولة الإمارات ودول إفريقيا، بحيث ارتفع حجم التجارة بينهما بنسبة 700 في المائة بين عامي 2002 و2011، أما بين دولة الإمارات ودول غرب إفريقيا فارتفع بنسبة 42 في المائة في السنوات الأربع الأخيرة.
إن سعي المغرب إلى فرض القطب المالي للدار البيضاء كأحد أكبر المراكز المالية بإفريقيا لن يكتب له الإشعاع اللازم طالما يتم الاستمرار في تغييب دول الخليج التي تتحكم في معظم الأبناك وشركات التأمين الدولية وتدير الملايير عبر الصناديق السيادية بالعالم. كما أن إعلان المغرب بأنه البوابة الرسمية لإفريقيا لا يستقيم دون البدء في التفكير لخلق منطقة حرة، بل مناطق حرة خاصة بالخليجيين.
فالمغرب خلق المناطق الحرة للغرف الفرنسية والإيطالية والإسبانية واقتطع آلاف الهكتارات ووهبها لشركات السيارات الفرنسية. أفليس الأولى أن نعامل دول الخليج بالمثل وتمنحهم منطقة حرة، وهم السند السياسي والمالي للمغرب في كل المحطات الملتهبة؟
لقد أضاع المغرب عدة فرص لفتح شهية الخليجيين للاستثمار بالمغرب (ربما لغلبة اللوبي الفرنكفوني المتجذر في دوائر القرار المالي والبنكي والتجاري ببلادنا). وهاهي فرصة أخرى قادمة مطلوب من المغرب حسن استغلالها بما يقوي العلاقة بين المغرب والخليج لضمان انسياب الزيت في محركات الاقتصاد التي عطلها بنكيران وحكومته منذ تعيينه رئيسا للحكومة. ونقصد بذلك "مؤتمر الاستثمار الخليجي المغربي"، المقرر تنظيمه بالبيضاء يومي 28 و29 نونبر المقبل تحت مظلة الملك محمد السادس.
نقول فرصة، لأن هذا المؤتمر سيتميز بحضور الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني وعدد من أمراء وشيوخ الخليج وكبار المنتسبين للنادي الاقتصادي الخليجي. وإذا أضاع المغرب هذه الفرصة فالأجدر تعديل الدستور ليتضمن التأكيد على أن "المغرب هو محمية فرنسية إسبانية" حتى يصل "الميساج" بشكل جيد للعرب وللميريكان وللروس والشينوا والأفريكان.