على هامش ميلاد تحالف دولي لتجفيف منابع "داعش" واجتثاثها خص الأستاذ عبد القادر زاوي موقع "أنفاس" بقراءة عميقة لدلالة هذا التحالف. الأستاذ عبد القادر الزاوي، للإشارة، من الدبلوماسيين المغاربة الذين يملكون دراية كبرى بما يجري بالشرق الأوسط. خاصة وأنه شغل منصب سفير المغرب بكل من الأردن والبحرين والإمارات العربية المتحدة. في ما يلي قراءة زاوي:
ثلاثة أشهر بعد اجتياح الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) لمحافظة نينوى العراقية وعاصمتها الموصل، وعدد آخر من المناطق شمال غرب العراق ذات الأغلبية السكانية السنية المذهب، وبسط سيطرتها على مواردها المالية والاقتصادية والنفطية، وربطها بالمناطق الخاضعة لها شمال شرق سوريا لاغية بذلك الحدود الدولية المعترف بها بين البلدين، تحركت الولايات المتحدة الأمريكية لبلورة ائتلاف دولي ضد التنظيم الذي بات يعرف باسم الدولة الإسلامية، وما قد يحمله من أخطار على مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة، معلنة تطبيق ما أسمته "الاستراتيجية الشاملة والمستدامة لمكافحة الإرهاب".
وقبل مناقشة هذا التحرك وآلياته ومدى فاعليته وجاهزية أطرافه والكوابح التي يمكن أن تعترضه تنبغي الإشارة إلى أنه جاء متأخرا بشكل ينزع عنه صفة أن يكون تعبيرا عن موقف مبدئي والتزام أخلاقي بمحاربة الإرهاب. فقد جاء بعد أن تحققت من تمدد داعش السريع والمفاجئ والهالة الإعلامية التي رافقته بعض الأغراض والأهداف المتوخاة أمريكيا ومن بعض الفاعلين الإقليميين، وبعد أن بادر تنظيم داعش نفسه إلى استعداء مكونات ذات طبيعة أقلية من المجتمع العراقي كالمسيحيين الذين أراد إعادتهم إلى أهل ذمة، والإيزيديين الذين استباح أعراضهم وسبا نساءهم بعد طردهم من قراهم، ناهيك عن التحرش بالمناطق الكردية والتركمانية، الأمر الذي رتب مسؤوليات معنوية على الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من الدول الأوروبية الغربية التي طالما استخدمت موضوع الأقليات في المنطقة مطية للتدخل في شؤونها واكتساب المزيد من النفوذ فيها.
إن أول مكسب تحقق من تمدد داعش هو تمكن الولايات المتحدة الأمريكية لأول مرة من إصدار قرار من مجلس الأمن تحت رقم 2170 وبموافقة روسية وصينية يتيح ضمنا إمكانية استخدام القوة المسلحة فوق الأراضي السورية على اعتبار أنها تشكل القاعدة الخلفية الأساسية لنشاط داعش. لقد كان ذلك واضحا في خطاب الرئيس الأمريكي بشأن استراتيجية محاربة داعش، إذ أعلن صراحة أن بلاده لن تتردد في ضرب الإرهابيين أينما كانوا، وأن من يهدد أمن أمريكا لن يجد ملجأ آمنا.
ويبدو أن موسكو المنشغلة بأزمة أوكرانيا وتداعياتها الاقتصادية قد انتبهت متأخرة إلى أنها سقطت في الفخ المنصوب لها، كما يستشف من تصريحات الناطق الرسمي لوزارة خارجيتها ألكسندر لوكاشيفيتش، الذي أكد أن أي عمل عسكري للائتلاف الذي تقوده أمريكا ضد داعش فوق الأراضي والأجواء السورية يحتاج موافقة حكومة دمشق وقرارا آخر من مجلس الأمن، وإلا تم اعتباره خرقا سافرا لقواعد القانون الدولي. وما سخرية وزير الخارجية الأمريكي من هذا الموقف بالقول إن روسيا قد استأذنت مجلس الأمن في ضم القرم والتدخل في أوكرانيا إلا دليل على النوايا المبيتة أمريكيا في هذا المجال. وقد اكتفت الصين على غير العادة بالإعلان عن معارضتها للإرهاب والمطالبة باحترام سيادة الدول بصيغة عامة.
أما المكسب الأهم فتجلى في نجاح توظيف تمدد داعش، وانهيار وحدات كبيرة من الجيش العراقي أمامها في منع إعـادة تكليف رئـيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي بتشكيـل الحكومة الجديدة رغم فوز كتلته السياسية بالمرتبة الأولى بالانتخابات، خلافا لمـا كان عليه الأمر في الانتخابـات السابقة حيث فرضه التوافق الأمريكي الإيراني رئيسا للوزراء رغم أن كتلته السياسية حينها حلت ثانية خلف كتلة السيد إياد علاوي.
وبهذا فقد أثبتت واشنطن أنها صاحبة اليد الطولى في القرار السياسي ببغداد رغم انسحاب قواتها العسكرية من هناك، كما استطاعت أن تعيد نوعا من التوازن في السلطة بالعراق بعد استئثار المكون الشيعي بها زمن نوري المالكي، وأن تحجم النفوذ الإيراني في العراق بقطع التواصل الترابي الذي كان قائما بينها وبين سوريا قبل اجتياح داعش، متجاوبة في كل ذلك مع مطالب بعض حلفائها من الدول العربية في المنطقة وحلفائها في كردستان العراق الذين وصلوا حد القطيعة وتبادل الاتهامات مع نوري المالكي.
ومع ذلك فقد تظافرت مجموعة من العوامل كانت حاسمة في المبادرة الأمريكية لبلورة تحالف دولي ضد تنظيم داعش تكمن في :
1/ بدء تنظيم الدولة الإسلامية في إعدام رهائن أمريكيين وغربيين لديه بطريقة بشعة كفيلة بتأليب الرأي العام الغربي ضد زعمائه ما لم يتحركوا لوضع حد لذلك.
2/ توسع شهية داعش بسعيها إلى مد نفوذها في مناطق كردية مهددة عاصمة إقليم كردستان العراق أربيل غير عابئة بما يمثله ذلك الإقليم من أهمية استراتيجية بالنسبة للعديد من القوى الدولية والإقليمية الكبرى وفي مقدمتها إسرائيل.
3/ اقتراب التنظيم من الحدود الأردنية والسعودية من خلال الاستيلاء على مناطق شاسعة في محافظة الأنبار المتاخمة للبلدين معا. وغني عن الذكر في هذا الصدد قوة تحالف البلدين مع الولايات المتحدة الأمريكية وما يمثلانه لمصالحها في المنطقة.
4/ إعلان داعش للخلافة الإسلامية الذي يمثل تحديا جديدا لشرعية معظم الأنظمة العربية المستندة إلى اعتبارات دينية أو الساعية لتأسيسها على تلك الاعتبارات، وقيامها بإسقاط مفهوم الحدود الموروثة عن الاستعمار. وقد تجلت خطورة هذه الخطوات في إقدام بوكو حرام في نيجيريا على سلوك مماثل في غرب القارة الإفريقية. ولا يوجد ما يمنع أن تقدم إحدى الجماعات الدينية في المغرب الإسلامي على ذات الخطوة، لاسيما والحدود مستباحة هي الأخرى في منطقة الساحل الإفريقي وامتدادها الترابي في ليبيا. هذا ما يتأكد من معلومات غير موثوقة لحد الآن عن انشقاق فصيل عن القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي سمى نفسه جند الخلافة وأعلن مبايعة "الخليفة أبو بكر البغدادي".
وقد أعلن عن المبادرة الأمريكية رسميا من طرف الرئيس أوباما نفسه بعد عودته من قمة لدول حلف الشمال الأطلسي، وعشية ذكرى 11 سبتمبر الأليمة للشعب الأمريكي، مركزا على أنها تتكون من أربعة عناصر يرى أنها كفيلة بمواجهة التهديدات بقوة وحزم، هي:
أ/ تنفيذ هجمات جوية مكثفة ضد داعش لوقف تقدمها ثم تدميرها نهائيا، مؤكدا أن مثل هذه الهجمات اعتمدت بنجاح في كل من اليمن والصومال.
ب/ دعم القوات البرية التي تقاتل الإرهابيين على الأرض، وهي في حالة العراق القوات المسلحة العراقية وقوات البيشمركة الكردية، إضافة إلى القوات التي ستسمى الحرس الوطني مؤلفة أصلا من قدماء مقاتلي الصحوات في المناطق السنية التي كان لها دور بارز في محاربة القاعدة في بلاد الرافدين زمن قيادة أبو مصعب الزرقاوي.
أما في حالة تنفيذ هجمات جوية على قواعد داعش في الأراضي السورية فسيتم دعم قوات المعارضة السورية غير المتشددة كالجيش السوري الحر الذي سيعاد تنظيمه وتدريبه. وقد استبعد الأمريكيون أي تنسيق مع النظام السوري الذي قال عنه الرئيس أوباما إنه يروع شعبه، ولا يمكنه استعادة الشرعية التي فقدها.
ج/ إقامة تعاون دولي بالتنسيق مع شركاء الولايات المتحدة الأمريكية لقطع مصادر التمويل عن داعش، والتصدي لفكرها المشوه، ومنع تدفق المقاتلين الأجانب على معسكراتها وصفوفها.
د/ مواصلة تقديم المساعدات الإنسانية للسكان الذين تم تهجيرهم أيا كانت ديانتهم ومذاهبهم، والعمل على إعادتهم إلى مناطقهم فور استردادها.
ولم تكدترجمة خطاب الرئيس الأمريكي تنتهي حتى تحركت الالة الدبلوماسية والإعلامية الأمريكية لحشد الجهود والدعم انطلاقا من أن أمريكا هي التي، كما قال الرئيس أوباما، تمتلك القدرة والإرادة لتعبئة العالم ضد الإرهاب، لأن زعامتها هي العامل الثابت الوحيد في عالم يتسم بعدم اليقين.
وبما أن المعني الأول والمباشر بالموضوع هي دول المنطقة، فقد كانت هي الأولى التي زارها وزير الخارجية الأمريكي في جولة شملت العراق والسعودية وتركيا ومصر توجها الاجتماع الذي عقده بجدة يوم 11 سبتمبر 2014 مع نظرائه من عشر دول عربية هي دول الخليج الست، والعراق المعني المباشر بالاستراتيجية الأمريكية والأردن ومصر ولبنان إضافة إلى تركيا.
وأول ما يستشف من اجتماع جدة هو إعطاء واشنطن الانطباع عن جدية موقفها هذه المرة الذي بدا صارما أيضا إزاء المشاركين في الاجتماع الذين دعاهم وزير الخارجية الأمريكي إلى وضع خلافاتهم السياسية جانبا في إشارة إلى خلافات السعودية والإمارات والبحرين ومصر مع قطر، والخلاف المصري التركي، وانتزع من بعضهم باعتبارهم دولا سنية المذهب انخراطا واضحا في المجهود الحربي القادم.
أكدت واشنطن هذا الانطباع من خلال الإسراع في جمع حلفائها العرب والغربيين أيضا في مؤتمر بباريس يوم 15 سبتمبر 2014 حشدت له وفودا من 29 بلدا ومنظمة دولية بمن فيها روسيا والصين سمته مؤتمر السلام والمن في العراق. وقد نجحت بتصميمها في استبعاد إيران من أروقته رغم المحاولات العراقية والفرنسية لإشراكها.
والملاحظ أن المؤتمر تحاشى الحديث مباشرة عن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة لمحاربة الإرهاب بضغط فيما يبدو روسي صيني، مكتفيا بالإشارة إلى وجود قناعة لدى المؤتمرين بضرورة اتخاذ خطوات صارمة من أجل اجتثاث تنظيم داعش .
ولهذا رغم بلورة هذا التحالف الدولي، فإن نجاعته ستكون على المحك، وربما ذات تأثير، وذلك لسببين:
1/ إن الآليات المعلنة لاشتغال التحالف في الميدان محدودة إلى حد كبير، وغير مضمونة لتغيير المعطيات الواقعية على الأرض. فهي قد تساعد في استرجاع مناطق من تنظيم داعش، ولكنها بالتأكيد لن تقضي عليه.
2/ من المرجح أن يستفيد تنظيم داعش وفاعلين إقليميين آخرين بمن فيهم النظام السوري من غياب الرؤية الموحدة لأطراف هذا التحالف وتياين الأهداف المتوخاة منه، ناهيك عن محدودية مشاركة كل طرف في العملية أو رمزية هذه المشاركة فقط.
إن حديث الرئيس الأمريكي عن تحالف تستغرق مهمته ثلاث سنوات أو تزيد يؤشر إلى أن الضربات الجوية ضد داعش لن تكون مكثفة وستقتصر في البداية على الأراضي العراقية فقط، وربما لن تبدأ بقوة إلا بعد توفير المواكبة الأرضية التي تتطلب إعادة تأهيل القوات المسلحة العراقية، وتكثيف عملية تدريب وتسليح كل من البشمركة الكردية ووحدات الحرس الوطني التي تشترط القيادات السنية العراقية أن تكون من أبناء عشائرها.
ويسود الاعتقاد أن قوات الحرس الوطني المزمع تشكيلها ستتولى أمن المحافظات السنية على غرار البشمركة في كردستان، مما يكرس التفكك في العراق الذي يسير نحو نظام كونفدرالي واسع لأقاليم ثلاثة تراعي مكوناته المذهبية والعرقية المختلفة والمنعدمة الثقة فيما بينها، وكأننا أمام سيناريو تجسيد عملي لما كان قد جاء على لسان نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن قبيل وصوله إلى السلطة.
ومن المؤكد أن نتيجة كهذه إذا حصلت لن تتجرعها قوى سياسية شيعية في العراق ولن تتردد في إفشالها أو عرقلتها. ولا شك أن أي نكوص في التجاوب مع تطلعات ومطالب سنة العراق في تمثيل عادل في المؤسسات الاتحادية بما يكفل تعزيز وحدة الصف الوطني كا جاء في بيان مؤتمر باريس سيدفعهم أو بعضهم على الأقل إلى أحضان داعش ومثيلاتها وتوفير بيئة حاضنة لها يصعب معها هزيمتها عسكريا.
وإذا كانت تلك هي بعض الصعوبات الميدانية على صعيد العراق، فإن الأمور بالتأكيد ستكون أكثر صعوبة في الشق السوري، حيث بادر النظام في دمشق إلى اعتبار أي طلعات جوية فوق الأراضي السورية بدون موافقته انتهاكا لسيادته يستوجب الرد مدعوما في ذلك بموقف روسي وإيراني يرى في التحالف الجاري تشكيله استعراض قوة تستعيد بموجبه واشنطن جزءا من هيبتها وتعود للمنطقة من موقع المنقذ. فمن خلق وحش داعش وغذاه كما تقول طهران لن يغير موقفه بين عشية وضحاها. ولا أحد بإمكانه منع إيران من مواجهة داعش عمليا إن كان على الأراضي السورية أو العراقية فهي تقوم بذلك من خلال ميليشياتها المنتشرة في البلدين ومن خلال دعمها للبشمركة الكردية.
إن الموقف الإيراني وجد بسرعة صدى له لدى عدد من القوى المحلية في دول المنطقة مثل حزب الله المشارك في الحكومة اللبنانية، والمقاتل على الساحة السورية إلى جانب النظام، والذي سارع إلى انتقاد مشاركة وزير خارجية لبنان في اجتماع جدة، ما حدا بهذا الوزير المنتمي إلى التيار الوطني الحر المتحالف مع حزب الله إلى الإعلان في باريس عن نأي بلاده بنفسها عن أي عمل عسكري في المنطقة.
وتزداد الصعوبة في هذا الشق من خلال التحفظ الذي أبدته حكومات كل من فرنسا وبريطانيا إزاء أي ضربات جوية محتملة في سوريا متذرعين في ذلك بامتناع برلماني البلدين العام الماضي عن الموافقة على إجراء كهذا.
ويبدو موقف تركيا صاحبة اطول حدود وتشابك بشري مع كل من العراق وسوريا أكثر تقدما في مجال التحفظ حيث امتنع وزير خارجيتها عن التوقيع على بيان مؤتمر جدة، وأعلن صراحة رفض أنقرة المشاركة في أي عملية برية وجوية ضد داعش معللا ذلك بوجود اسرى أتراك لدى هذه الأخيرة قد يتعرضون للتصفية الجسدية إذا ما كانت المشاركة التركية إيجابية في هذا التحالف الذي قد تسمح له باستخدام قواعدها الجوية لأغراض لوجيستية.
وبموازاة العمل العسكري وما يصاحبه من محاذير، فإن الشق المتعلق بمحاربة داعش على صعيد تجفيف منابع التمويل، وصعيد الفكر لن يكون ميسورا، وربما أشد تعقيدا من الإجراءات العسكرية نفسها.
فإذا كان من الممكن محاصرة مصادر التمويل الخارجية وتتبعها، فإن خنق التنظيم ماليا يتطلب تجريده من مصادر التمويل الذاتي المرتبطة في معظمها بسيطرته على أزيد من 15 بئرا بتروليا بين سوريا والعراق تعود عليه يوميا بما يناهز 3 مليون دولار جراء بيعه لبرميل البترول الواخد بمبلغ يتراوح حسب الظروف بين 20 و 38 دولار في السوق السوداء بالمنطقة. كما يتطلب محاربة السماسرة الذين يشترون منه ويكدسون أرباحا طائلة من وراء العملية. ولا شك أن معظم هؤلاء السماسرة تقف من ورائهم أو تحركهم استخبارات دولية وإقليمية لها مصالح جمة سياسية ومالية من العملية برمتها.
ولا تقل المحاربة على الصعيد الفكري والفقهي ضراوة عن غيرها من أشكال المواجهة بل هي أخطر وأشد وأعقد وأطول في الزمن لأنها تطال ميادين التربية والتعليم والثقافة. وإذا كان المطلوب هو محاربة ما أسماه وزير الخارجية السعودي بالفكر الضال، فإن تعريف هذا الفكر يختلف من دولة لأخرى ومن مذهب ديني لآخر حسب المصالح.
إن التحفظ التركي المبرر بوجود أسرى لدى داعش يعود في الجزء الكبير منه إلى رفض أنقرة احتكار الرياض والقاهرة تعريف الفكر الضال إذ يدمجان في إطاره الإخوان المسلمين أكبر حلفائها في المنطقة الذين تعتقد أنه جرى اختطاف السلطة منهم بانقلاب عسكري في مصر وليس بثورة شعبية. ومن المؤكد أنه رغم التقارب السعودي المصري في هذا الباب، فإن السعودية لن تستسيغ مستقبلا هيمنة الأزهر الشريف واحتكاره تعريف ونشر ما يسمى إعلاميا بالإسلام المعتدل.
انطلاقا من هذه المعطيات العملية التي يمكن أن تقلل من فعالية التحالف الدولي ضد داعش يغدو التساؤل مشروعا عما إذا كان القصد هو اجتثاث هذا التنظيم الإرهابي من تربته أم مجرد احتوائه بغية استخدامه لترهيب الأصوات والأنظمة التي لا تنسجم مع الرؤية الأمريكية في المنطقة أو تسعى لتحديها.
وإلى أن تتبلور العملية الائتلافية وينطلق عملها، فإن نزيف المنطقة بشريا واقتصاديا وماليا واجتماعيا مما تبقى من أواصر واهية بين مكوناتها البشرية مستمر لأزيد من ثلاث سنوات أو أكثر، ما يضاعف من المخاطر المحدقة بكل دولها وشعوبها.
ولهذان فإن ما يبدو من محاذير أمام نجاعة التحالف الدولي الذي تنسجه الإدارة المريكية ضد داعش والتنظيمات الإرهابية المماثلة لا يبرر الغياب المفاجئ للمغرب عن محفل كهذا، يمكن في أقل الاحتمالات الاستفادة من التواجد ضمنه على أكثر من مستوى.
- أمنيا واستخباراتيا على صعيد جمع أكثر ما يمكن من المعلومات عن المغاربة المنتمين لهذه التنظيمات، سيما وأن تقارير صحفية صنفت المغرب كثالث خزان للعنصر البشري لداعش وأمثالها زيادة على وجود مغاربة آخرين من أفراد الجالية المقيمة في المهجر ضمن صفوفها، وذلك لمعرفة كيفية تجنيدهم وكشف الشبكات المتورطة في ذلك قصد تفكيكها.
يضاف إلى ذلك المخاطر التي يحملها إعلان تنظيم جند الخلافة انشقاقه عن القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ومبايعته للبغدادي من قبيل وجود خلايا نائمة له في البلاد قد تنشط في أي لحظة.
- دينيا، حيث يمثل هذا المحفل فرصة للترويج للتجربة المغربية لإصلاح الحقل الديني باعتبارها الرائدة على صعيد المنطقة ومشهود لها بالنجاعة النسبية من خلال طلب عدد من الدول العربية والإفريقية الاسترشاد بها.
- دبلوماسيا، لتجنب أي تساؤلات عن غياب المغرب لأول مرة عن محفل دولي وإقليمي يتبنى دعم دول الخليج فيما يهدد مصيرها. إن الوقوف المبدئي للمغرب من أمن هذه الدول واستقرارها كان أحد أدوات القوة الناعمة للمغرب في منطقة الخليج، ومن المصلحة الوطنية أن يظل كذلك.
السفير زاوي يتسلم أوراق اعتماده من طرف الملك محمد السادس