السبت 27 إبريل 2024
في الصميم

ياللعار.. المغربي بجهة درعة تافيلالت هو أرخص مواطن في ميزان الدولة!

ياللعار.. المغربي بجهة درعة تافيلالت هو أرخص مواطن في ميزان الدولة! عبد الرحيم أريري
لنتأمل الأرقام التالية:
* مجموع ما تنفقه الدولة (سلطة مركزية وجهوية) على 8.5 مواطنين بجهة درعة- تافيلالت، تنفقه على مغربي واحد بالأقاليم الجنوبية.
* مجموع ما تنفقه الدولة على 7.3 مواطن بجهة درعة تافيلالت يعادل ما تنفقه الدولة على مواطن واحد بالرباط.
* مجموع ما تنفقه الدولة على 3.3 مواطن بجهة درعة تافيلالت يساوي ما تنفقه على مغربي واحد بالدار البيضاء. ويساوي أيضا مجموع ما تخصصه الدولة لمغربي واحد بجهة طنجة.
 
هذه المعطيات الدامية تبرز أن أرخص مواطن بالمغرب، هو ذاك الذي لم يرتكب أي ذنب، سوى أنه ولد بجهة درعة تافيلالت. إذ أن هذه الجهة هي الأكثر تهميشا من طرف الرادار العمومي، لدرجة أن المرء يمكن نعت جهة درعة تافيلالت بكونها "الطفل اليتيم" للسياسات العمومية بالمغرب.
 
في سنوات الرصاص كان الجنوب الشرقي للمملكة يتعرض للإقصاء و"الحكرة"  بشكل اعتاده المغاربة، نظرا لأن الدولة كانت تنظر للجنوب الشرقي كمزبلة لرمي ما كانت تعتبره "نفايات آدمية". من هنا لجوء الدولة آنذاك إلى تحويل الجنوب الشرقي للمملكة إلى حاضن للمعتقلات السرية وللمنافي الرهيبة: "تازمامارت، أكدز، تاكونيت ومعتقل قلعة مكونة".

كما أن الإدارة المركزية ظلت تتعامل مع جهة درعة تافيلالت كمكان لنفي من تعتبرهم أطرا مخلة بالقانون فتقوم بمعاقبتهم عبر "نفيهم" إلى أكدز أو النيف أو الرشيدية أو الريش أو أرفود أو زاكورة أو ورزازات، وكأن قدر مدن هذه الجهة أن تعاقب مرتين: مرة بالتشطيب عليها من رادار المرافق والأوراش العمومية الكبرى، ومرة بتعيين الأطر المغضوب عليهم من طرف الإدارة المركزية في مختلف القطاعات العمومية!.
 
ويزداد الألم حدة، حين نقرأ قوانين المالية في العقود الأخيرة التي لم تهتم إلا بالأحواض الجغرافية الست التالية: قطب طنجة، قطب أكادير، قطب وجدة - الناظور، القطب الأطلسي الممتد من القنيطرة إلى الجديدة مرورا بالرباط والدار البيضاء، قطب فاس وقطب الأقاليم الجنوبية. في حين تم التغاضي عن أهم قطبين بالمغرب: ألا وهما الشريط الجبلي والشريط الواحي، علما أن الأول يضم حوالي 9 مليون نسمة بينما الثاني يضم حوالي 5 ملايين نسمة، أي أن 14 مليون مغربي (44 في المائة من مجموع السكان) يقطنون بالجبال والواحات لا تعترف بهم الحكومة أو ماكينة السياسة العمومية.
 
في ظني، هناك ثلاثة مداخل لتعرية "الحكرة" التي تتعرض لها جهة درعة تافيلالت:
المدخل الأول، بشري:
ونعني به كل المؤشرات المرتبطة بالتعليم (العالي والمهني)، ومحاربة الفقر ومعدل استهلاك الأسر والبطالة، والولوج للخدمات الصحية والطرق وفك العزلة، وغيرها من المؤشرات التي تضع دوما جهة درعة تافيلالت في أسفل السلم بالمغرب. لدرجة أن 60 في المائة من موارد دعم الأسر بهذه الجهة تأتي من تحويلات مغاربة العالم وليس من التنمية المحلية والداخلية.
 
المدخل الثاني، طبيعي:
وأقصد به بالأساس الموارد الأساسية المتمثلة في الماء والمناجم والطاقة الشمسية، وهي موارد تزخر بها المنطقة لكن لا تنعكس على ساكنتها. فالماء (الذي يعد منبع الحياة)، نجد أن منبع معظم أنهار المغرب هي جهة درعة تافيلالت (بإقليم ميدلت تحديدا)، وإحدى أكبر الفرشات المائية بالمغرب توجد ببوذنيب (الراشيدية)، لكن بدل أن تكون الجهة واحة ترفل في النعيم، نجد سكانها يعانون العطش والاستغلال الكارثي لمواردهم المائية من طرف كبار الفلاحين ومن طرف الشركات التابعة للنافذين.
 
نفس الشيء يصدق على المناجم التي لا تترك لسكان الجهة سوى الأمراض والغبار والتلوث، بينما فائض قيمة المعادن المستخرجة من المناجم يهرب إلى خارج درعة.

أما الطاقات المتجددة التي تعد اليوم أحد أهم الرهانات الجيوسياسية والمالية بالمغرب، فهي ثالثة الأثافي، على اعتبار أن محطات الطاقة الشمسية المهمة بالمغرب توجد بدرعة (ورزازات وميدلت)، وبدل أن تلعب  مؤسسة"مازن" دور الرافعة لتراب درعة تافيلالت (على غرار الدور البارز الذي يقوم به المكتب الشريف للفوسفاط بالمدن الفوسفاطية من تدخلات تنموية وإنسانية ورياضية وطلابية وصحية)، نجد  "مازن" تسرق شمس درعة لتسمن شركات كبرى وتمعن في تفقير سكان المنطقة، ولا تحول أي عائد استثماري لتنمية مدن الجهة.
 
المدخل الثالث، اقتصادي:
وأخص بالذكر كلا من السياحة والفلاحة فالمنطقة رغم أنها تزخر بالواحات الخلابة والمشاهد الصحراوية الفاتنة وتتوفر على آلاف القصبات والقصور والمواقع الأثرية، فضلا عن كون جهة درعة لاتبعد عن الأحواض المصدرة للسياحة إلا بساعتين أو ثلاث (لشبونة، مدريد، باريس ولندن)، فإن المسؤولين لم يبذلوا أي مجهود لتثمين هذا المكون السياحي بما يسمح بضخ الثروة بكافة مدن وقرى درعة تافيلالت، وبالتالي ضخ الثروة أيضا على الخزينة العامة للبلاد.
 
أما في الجانب الفلاحي، فإن أكبر جرم تعرضت له جهة درعة، فيكمن في "الإبداع" الحكومي الذي أفرز هندسة مؤسساتية اسمها "وكالة تنمية الواحات"، وسوقت الحكومة الأوهام للشعب بأن هذه الوكالة ستحول الحوض الواحي بالمغرب من الفقر إلى الغنى، ومن البؤس إلى النعيم. فإذا "بوكالة  تنمية الواحات" تحولت إلى وكالة لتسمين كبار الرأسماليين وتعليف الشركات الكبرى التي "هرفت" على الأراضي وعلى الماء بدرعة تافيلالت، بينما فقراء فلاحي الواحات لم يلقوا إلا الصد والصهد ومزيدا من الفقر ومن المعاناة.
 
اليوم مرت 14 سنة على خلق "وكالة تنمية الواحات"، مما يجعلنا نطرح الأسئلة: "ماذا حققت هذه الوكالة من تنمية للفلاحين؟ كم من مركز أحدثته وكالة تنمية الوحالة لتكوين الفلاحين أو لتكوين الطلبة في الأعشاب العطرية والنباتات الطبية؟ كم ارتفع مدخول الفلاحين بالواحات؟ ماهي التدابير التي اتخذتها الوكالة لحماية الواحات من الترمل؟ ماهي حصيلة وكالة تنمية الواحات لحماية الواحات من الحرائق؟ وكم من ممر أنجزت؟ وكم من وحدة إطفائية خلقت؟ وكم من فوهة ركبت؟ وكم من مساحة تمت تنقيتها من الأعشاب الضارة؟ وكم من كيلومتر تمت تهيئته لإصلاح الخطارات والسواقي؟ وكم من قناة مائية ضخمة تم إحداثها لتشبيك درعة مع الأحواض المائية الغنية لترحيل الماء من باقي تراب المملكة؟.
 
يكفي أن نستعرض رقما مخيفا لإبراز مشروعية هذه الأسئلة. إذ منذ إحداث "وكالة تنمية الواحات"، عرفت الواحات بالمغرب نشوب 2230 حريق، منها 1853 حريقا بواحات جهة درعة تافيلالت لوحدها، أي ما يمثل 83% من مجموع الحرائق بالحوض الواحي بالمغرب.
 
أبعد كل هذا، يحق لأي مسؤول حكومي أو برلماني أو جهوي أو حزبي أو ترابي أن يجرؤ ليكذب قائلا بأن جهة درعة تافيلالت هي الجهة الغالية عند صناع القرار المركزي ؟!.
 
إن كان الأمر كذلك، فلا نملك سوى ترتيل قوله تعالى: "إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى".