الأربعاء 1 مايو 2024
منبر أنفاس

ربيع الزموري: إضراب الأساتذة ومبدأ استمرارية المرفق العام

ربيع الزموري: إضراب الأساتذة ومبدأ استمرارية المرفق العام ربيع الزموري
لا يخفى على أحد الدور الذي يقوم به التعليم في الارتقاء بالمجتمعات، والدور الذي يقوم به حامل هذه الرسالة في نشر العلم والمعرفة، ألا وهو الأستاذ، هذا الأخير الذي يعول عليه آباء وأولياء أمور التلاميذ ومعهم الدولة في بناء أبناء الوطن تلاميذ اليوم رجال الغد.   

التعليم مرفق عام، والمؤسسة التعليمية هي المرفق العمومي، التي يلقن فيها الأستاذ أو المعلم دروسا للتلاميذ، وتهدف المرافق العمومية إلى تقديم الخدمات اللازمة للمواطنين، ومن ثم فإن توقف سيرها تترتب عنه آثار سلبية يكون من الصعب تفاديها، ما دام هذا التوقف من شأنه تأخير مصالح الأفراد وإرباك المجتمع ككل، لذلك فالحاجة تقتضي ضرورة مواصلة سير المرافق العمومية في تقديم خدماتها بانتظام واطراد كيفما كانت الصعوبات. وإذا كان السبب المباشر في الاضرابات التي يخوضها الأساتذة، والاحتجاجات للدفاع عن مطالبهم هو النظام الأساسي الجديد فإن لهذه الاضرابات نتائجها، وفي هذه الورقة نقدم من خلالها تجليات تأثير إضراب الأساتذة على مرفق التعليم أولا ثم نتطرق إلى موقف القانون من هذا الإضراب ثانيا. 

أولا: تأثير إضراب الأساتذة على مرفق التعليم 
إن استمرار وتوالي أيام الاضراب الذي يخوضه أفراد أسرة التعليم جعلت التلاميذ يتسكعون بالأزقة والشوارع أو بجنبات المقاهي للحصول على تغطية شبكة الويفي للعب "الفريفاير" لأنهم أبناء الفقراء في حين أن أبناء الميسورين ينعمون بالعلم والمعرفة وحتى الترفيه والتسلية وحافلات النقل المدرسي بمؤسسات التعليم الخصوصي واستمرار الوضع على ما هو عليه، وهو ما دفع الفيدرالية الوطنية لجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ بالمغرب إلى نعت هذه الإضرابات بأنها “تجعل زمن التعلمات الدراسية في ضياع مستمر، خصوصا وأن المنظومة تعرف كثيرا من المشاريع الوطنية التي تمس بشكل مباشر جودة الخدمات المقدمة بالمدرسة المغربية، وفي هذا الإطار، وجّه رئيس الفيدرالية، نداء من أجل “إنقاذ السنة الدراسية”، منبها إلى وجود “مشكل حقيقي وكبير”، يتمثل في أن “هناك تلاميذ اليوم في الثانوي لم يتابعوا دراستهم أبدا”، قال إن الفيدرالية “تسجل بمرارة الوضع الراهن المرتبط باستمرار الإضرابات والتوقف الدراسي في صفوف تلميذات وتلاميذ المدرسة العمومية بسبب مطالب هيئة التدريس وترافعها عن تجويد مسار النظام الأساسي الجديد المنظم لها”. 

وقالت الفيدرالية ضمن بلاغ لها: “إن الوضعية الراهنة وضعية مقلقة بسبب ما قد تنتجه من هدر للزمن المدرسي، الشيء الذي لن يمكن من إتمام المقرر الدراسي، وهو ما يضرب في العمق المبدأ الدستوري القاضي بجعل التعليم الجيد حقا من حقوق المتعلم، ويتعارض مع المادة 26 من القانون الإطار 51.17 التي نصت على ميثاق المتعلم بوصفه الوثيقة التعاقدية التي تفرض على كل الجهات المسؤولة ضمان حقوقه، وعلى رأسها الاستفادة من زمن التعلم المقرر كاملا غير منقوص”. 

ودعت الفيدرالية أيضا إلى “اعتماد الحوار والتواصل البناء بين مختلف الجهات المعنية والمهتمة، وإلى التفاعل بشكل إيجابي والحرص على تعويض الزمن المدرسي المهدور والتشبث بروح المسؤولية الوطنية والتربوية التعليمية تجاه أبنائنا وبناتنا بالمدرسة العمومية، وتقديم أقصى حد من التضحيات وجعل مصلحة الوطن والمصلحة الفضلى للتلميذ فوق كل اعتبار”. 

ثانيا: موقف القانون من هذا الإضراب. 
اتفق العديد من الفقه ومعه الاجتهاد القضائي بل جل التشريعات تؤيد الاقتطاع من الراتب طول مدة الإضراب على الاقتطاع من الراتب، فإنهم اختلفوا حول الحجج التي استندوا عليها لتبرير موقفهم، فمنهم من ربطها بمشروعية الإضراب أي يجب أن يكون الإضراب مشروعا مستوفيا إجراءات وشكليات معينة، والتي إن غابت، حُق للإدارة الاقتطاع من الراتب وهو ما صرحت به المحكمة الإدارية بمكناس في أحد أحكامها حيث جاء فيه ما يلي حق الإضراب حق دستوري أكدته جميع الدساتير المتعاقبة وعدم صدور تشريع تنظيمي يحدد كيفية ممارسة حق الاضراب لايعني إطلاق هذا الحق بلا قيود بل لابد من ممارسته في إطار ضوابط تمنع من إساءة استعماله مع مقتضيات النظام العام والسير العادي للمرافق العامة وعدم ثبوت كون الإضراب الذي خاضه الطاعن فيه خروج عن الضوابط المذكورة لذلك لا يمكن اعتباره تقصيرا في الواجب المهني، وبالتالي تكون عقوبة الإنذار على هذه الواقعة لاغية هكذا ولاعتبارات النظام العام وحسن سير المرفق العام فإن ممارسة الإضراب تستوجب التقيد بنظام الإخطار، أي الجهة الراغبة في خوض الإضراب لأسباب مهنية أن تخطر الإدارة بذلك حتى تتمكن هذه الأخيرة من اتخاذ الاحتياطات اللازمة، وأن يتم الإعلان المسبق عن الإضراب لتوضيح أسبابه ومدته ليتم تبليغه للجهات المعنية داخل أجل كافي ومعقول. 

وهناك من ربط مسألة الاقتطاع من الراتب بمبدأ الأجر مقابل العمل، وهذا موقف أغلب التشريعات المقارنة، هكذا فقد ذهبت المحكمة الإدارية بمراكش إلى اعتبار أن للإدارة حق تنظيم ممارسة الإضراب تحت رقابة قاضي المشروعية، وأن الاقتطاع أمر جائز، عملا بمبدأ العمل المنجز، نفس الموقف للمحكمة الإدارية بفاس، إذ قالت أنه من حق الإدارة الاقتطاع من الأجرة طيلة المدة التي تغيب خلالها الموظف لممارسة الإضراب، ونفس الحكم تبنته كذلك المحكمة الإدارية بالرباط. 

الاقتطاع من راتب الموظف بما يتناسب ومدة توقفه عن العمل نتيجة الإضراب، وذلك حتى لا تفرغ الإضراب من محتواه باعتباره آلية للضغط تستوجب التضحية وإلا اعتبر - على رأي الأستاذ محمد الشرقاني - عطلة مؤدى عنها وهذا المبدأ هو الذي تتبناه جميع دول العالم، وإن كان المضربون يعوضون في بعض الدول نتيجة تطور واتحاد نقاباتها، إذ تلجأ هذه الأخيرة إلى تعويض المضربين لكي يزدادوا صمودا في الضغط على المشغل أو الإدارة ليرضخوا لمطالبهم، وهذا ما يسمى توازي القوى وهذا النظام تجده في الدول القوية التي تشجع المبادرة الحرة كألمانيا وكندا. 

خاتمة:
إن المشكل الحقيقي الذي يعاني منه قطاع التعليم  العمومي لا يتعلق بما يطالب به أساتذة اليوم من زيادة في الأجرة أو تسوية الوضعية، بل إنه يتجلى في ضعف المردودية والجودة وهذا يتضح من خلال انتشار ظاهرة الغش بالامتحانات بسبب تدني المستوى الدراسي لأغلب التلاميذ والطلبة منذ المدرسة إلى غاية الجامعة. 

إن النهوض بالتعليم يتطلب التنزيل الأمثل للقانون الإطار كما يحتاج كذلك إلى تظافر الجهود كل من موقعه خصوصا الأستاذ والمعلم ومحاربة ظاهرة الغش التي يتم التصدي لها بطرق تقليدية، تعتمد فقط على العين المجردة، وهذا مايستغله بعض التلاميذ باستعمال وسائل وآليات تكنولوجية متطورة في عملية الغش، لذلك لابد من اعتماد الرقمنة والتكنولوجيا واكتساب مهارة التلقين والتعليم عن بعد  واعتماد المراقبة بالكاميرا ولوحة القيادة حتى يتم ضبط منظومة التعليم.

لقد كشفت الإضرابات الأخيرة التي يخوضها الأساتذة عن عدم وجود حس المصلحة العامة عند  أغلب أساتذة اليوم، ولا أعمم، وكذلك عدم وجود رغبة وإرادة حقيقيتين للمساهمة في النهوض بالتعليم الذي يعتبر أساس نجاح ورقي المجتمع برمته. مع العلم أن مطالب رجال ونساء التعليم يمكن أن تطرح على مائدة الحوار عن طريق ممثليهم في إطار تجويد السياسات العمومية دون المساس بحق التلميذ او استعماله كورقة للضغط أو كورقة رابحة.