الجمعة 19 إبريل 2024
في الصميم

هل علينا انتظاربروز" كاميكاز" لإنقاذ 1.250.000 نسمة بالدور الآيلة للسقوط؟

هل علينا انتظاربروز" كاميكاز" لإنقاذ 1.250.000 نسمة بالدور الآيلة للسقوط؟

كان على المغرب أن ينتظر 50 سنة لاجتثات دور الصفيح،ليس لتوفر القناعة السياسية والجدوى الاجتماعية، بل لكون السلطات اهتزت على وقع قنابل أمنية بعد أحداث 16 ماي الإرهابية عام 2003 التي تبين أن جل المتورطين فيها ينحدرون من مدن القصدير،مما اقتضى اتخاذ قرارات صارمة لمحو كاريانات الإرهاب، خاصة كاريان السكويلة وطوما وزرابة بسيدي مومن بالبيضاء. وهي القرارات التي اسهدفت كاريانات أخرى ظلت خارج الأجندة من قبيل: كاريان باشكو وكاريان سنطرال وكاريان شنيدر وسيلبات إلخ...

وكان من تبعات هذه السياسة العمومية الجديدة أن اعتمدت الدولة مونطاج مؤسساتي ومالي خاص بمحاربة الصفيح بالمغرب ككل ساعد على التخلص من العديد من مدن القصدير بعدة مدن فضلا عن كون الرؤية بدت واضحة فيما تبقى من كاريانات.

للأسف هذه الإرادة لم تشمل ملفا هاما هو الآخر، ونقصد به ملف الدور الآيلة للسقوط، إذ كلما ذكر هذا الموضوع إلا ويقتصر الاهتمام على الدور الآيلة للسقوط بالمدينة القديمة بالدار البيضاء فقط ،والحال أن مجموع الدور الآيلة للسقوط في مجموع العاصمة الاقتصادية يبلغ 9250 منزلا ،بما في ذلك المنازل المهددة بالمدينة القديمة، بينما مجموع المنازل المهددة بالسقوط بالمغرب- حسب الإحصائيات الرسمية- يصل إلى رقم صادم.

فوفق التقرير، الذي أنجزته لجنة من الخبراء التابعة للجنة بين وزارية، هناك 250 ألف بناية مهددة بالسقوط في 30مدينة مغربية، جلها في الأنسجة العتيقة.

وإذا كان ضغط المجتمع المدني والصحافة قد حفز الدولة على تبني برنامج خاص بالدور الآيلة للسقوط بالبيضاء عبر تسطير برنامج يروم إعادة إسكان قاطني هذه الدورخلال أجل زمني لايتعدى 5 سنوات كحد أقصى، فإن المغاربة القاطنين بباقي المدن العتيقة لايحظون بأي اهتمام عمومي ولا إعلامي. فقراءة ميزانية حكومة عبد الالاه بنكيران في السنوات الثلاث الماضية تظهر أن الحكومة لم ترصد أي ريال لفائدة الأنسجة العتيقة، علما أن هذه الأنسجة تأوي حوالي 10 في المائة من السكان الحضريين ببلادنا، وتمثل 10 في المائة من حظيرة السكن بالمغرب.  بل الأفظع أنه من أصل 250 ألف بناية مهددة بالانهياربالأنسجة العتيقة نجد بأن 60 في المائة منها في حالة كارثية و 15 في المائة على وشك السقوط ( حوالي 40 ألف بناية).

وتزداد الفظاعة حين نستحضر أن الهندسة الحكومية الحالية تضم وزارة اسمها "وزارة سياسة المدينة"،هذه الوزارة التي لم تنتج سوى "الهضرة الخاوية" ولم تتقدم بأي شىء لفائدة المدن العتيقة والدور الآيلة للسقوط بها ، سواء بالمدن القديمة أو القصبات او القصور. فالعقار غير محفظ ، والمغرب لايتوفر على شبكة معاييرخاصة بتقنيات الترميم، والحكومة لم تفكر في إحداث مؤسسة وطنية تهتم فقط بهذا الملف،وهناك مشكل حكامة لتداخل الاختصاصات والفاعلين في الأنسجة العتيقة(الأوقاف- الجماعات المحلية- الداخلية-ديار المدينة-الصناعة التقليدية- السياحة- الإسكان،...).

الخبراء حددوا تقييما ماليا أوليا في حدود 50 مليار درهم لإعادة الحياة لهذه الأنسجة العتيقة، وهو مبلغ لايمثل شيئا بالنسبة لأرواح 1.250.000 نسمة مهددة في أي لحظة بالاستشهاد تحت الركام.

وكمثال كان المبلغ المرصود لتجهيز الشمال بميناء ضخم (30 مليار درهم بما في ذلك البنية الطرقية المؤدية إلى الميناء) يواجه من طرف قصيري النظر بكونه مبلغ باهض ولاحاجة للمغرب آنذاك بإنفاقه. لكن هاهي الثمار الغزيرة التي يجنيها المغاربة أخرصت الألسن (مناطق صناعية حرة بجهة طنجة توظف 45 ألف مغربي وعائدات ضريبية هائلة بفضل التصدير فضلا عن الانعكاس غير المباشر على الرواج بالشريط الشمالي ككل).

وتأسيسا على ذلك،

 لماذا لاترصد الدولة 50 مليار درهم موزعة على جدول زمني معقول(ثلاث او خمس سنوات)لإنقاذ الدور الآيلة للسقوط ب 30 مدينة عتيقة؟ لماذ لاتتحلى بالجرأة و تقول للرأي العام هاهي الملامح الكبرى للبرنامج، وهاهي المدن المعنية بالتدخل في الشطر الاول والثاني والثالث؟

إن ضخ 50 مليار درهم في الأنسجة العتيقة لن ينقذ الأرواح وحسب بل سيجلب الخير للمغرب والمغاربة. ويكفي أن نستحضر أن الملك تحدث في خطاب العرش عن الرأسمال اللامادي. فمن هي الدولة التي تتوفر على 30 مدينة تاريخية في العالم؟ من هي الدولة التي تتوفر على 20 ألف مرفق تاريخي في العالم موجود وسط الأنسجة العتيقة (مساجد ، نافورات، حمامات،...)؟

لنترك الرأسمال اللامادي ونتوقف عند المناصب التي سيخلقها هذا البرنامج في حالة تبنيه من طرف الحكومة. فالخبراء حددوا العدد في 300ألف منصب شغل و إحداث 20 ألف مقاولة صغيرة، ناهيك عن رفع الناتج المحلي الخام بحوالي 40 في المائة. فضلا عن أن ترميم المدن العتيقة سيغني الدولة عن بناء 250 ألف او 300 ألف وحد سكنية جديدة مع ما يستتبع ذلك من وجوب توفير الوعاء العقاري اللازم.

لكن " على من تعاود زابورك ياداوود"، فالسياسة في المغرب مبنية على شعار واحد، ألا وهو:"طالما هناك مصلحة لذوي القرار واللوبيات هناك سياسة عمومية". وما دام "بوزبال" هو الذي يقطن في الأنسجة العتيقة، فليست هناك مصلحة للدولة وبالتالي لن تكون هناك سياسة عمومية خاصة بهذا الملف.

ومن يدري قد تتغير الأمور إذا خرج "كاميكاز" من الأنسجة العتيقة. وآنذاك لن يجدي أي تدخل عمومي لأن السياسة التي تغيب الإنسان وتغيب الإنصاف هي سياسة المكر والنفاق. فلندعو الله ليحمينا من المنافقين والماكرين.